سير الدين يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1792 - 2007 / 1 / 11 - 07:41
المحور:
الصحافة والاعلام
امما لا شك فيه راهناً إن الإعلام بدأ يساهم مساهمة كبيرة في خلق وتطوير الوعي وبلورة الرأي العام لدى الشعوب والأمم قاطبة .
وقد جاءت الثورة الاتصالية المعاصرة ( الانترنيت ـ القنوات التلفزيونية الفضائية ) ليزيد من تعميق الوعي وبلورة الرأي العام حول القضايا التي تهم الأوطان والبشرية جمعاء ، وبوجهٍ خاص لدى الشعوب التي ترزخ تحت وطأة الأنظمة الشمولية والديكتاتورية .
ومثل غيره من الشعوب المسحوقة استبشرت الشعوب العربية خيراً لاستفادة من الثورة الإعلامية هذه وليبدأ من خلالها عهداً جديداً ينطلق منه المواطن العربي ليعبر عن رأيه بكل حرية دون موانع أو القصاص منه عبر المئات من المواقع الانترنيتية والعشرات من الفضائيات الخاصة الغير حكومية حول القضايا التي تخصه وتخص غيره ، بعدما حرم المواطن العربي من هذا الحق طيلة العقود المنصرمة ،ولتكون هذه الثورة فاتحة خيرٍ في حياة ذلك المواطن ،ليتعلم من خلالها ثقافة الرأي والرأي الآخر وثقافة الحوار بعدما عانى من التهميش والإقصاء ودجن كثيراً في جميع محطات حياته .
ونتجه لذلك بدأت العديد من القنوات الفضائية العربية ( الحكومية ـ الخاصة ) بالبث وازداد عددها رويداً رويداً حتى بلغت العشرات من الاقنية ، وإذا كانت المحطات الحكومية الفضائية قد احتفظت كعادتها بوجهة النظر الرسمية شأنها شأن بقية وسائل الإعلام الرسمي .
فإن المحطات الخاصة جاءت هي الأخرى أيضا لتشذَ عن القاعدة المعهودة فكانت النتائج بعكس التوقعات تماماً ، حيث ظهرت لتزايد على الاعلام الحكومي الشمولي ، شمولية ، وأد لجة وتنظيراً لأفكار توتاليتارية .
وقد ظهرت بعض هذه المحطات ( الجزيرة ـ العربية ) نموذجاً ، على حقيقتها وافتضحت أمرها وكشفت تماماً عن عوراتها القبيحة منذ اللحظات الأولى من إعدام ديكتاتور العراق صدام حسين حيث توشح العديد من المذيعين والمذيعات بالسواد وبدت عليهم علامات التوتر وردات الفعل أثناء تغطية هذا الحدث ، فضلاً عن انعدام التوازن والدقة في تغطيته ، ضاربين بعرض الحائط ميثاق الشرف الصحفي ، وأخلاقيات المهنة الصحفية المقدسة والتي هي بلا أدنى شك مهنة الكشف عن الحقائق ونبذ الظلم والظلام ،ومقارعة الديكتاتورية والديكتاتوريين والدفاع والتعاطف مع الضحايا لا الجلادين
وإذا كان علينا أن نتفهم مشاعر البعض من الأخوة العرب العاديين فإننا لا نتفهم مشاعر هؤلاء الإعلاميين الذين يشكلون جزءاً هاماً من النخبة الثقافية العربية والتي تقع على عاتقهم المسئولية والثقل الأكبر في تخلص الشعوب العربية من الجهل والديكتاتورية وهم أدرى قبل غيرهم بما فعله صدام بالشعب العراقي خصوصاً والشعوب العربية عموماً جراء سياساته الهوجاء .
وإذا كان علينا أن نتفهم ايضاً دفاع وتعاطف إحدى هذه المحطات مع نظامٍ كان بحق خير ممولاً لها حيث أمطر عليها بوابل من أموال الشعب العراقي وقام بشراء ضمائر وذمم مجلس إدارتها ردحاً طويلاً من الزمن فإننا لن نتفهم دفاع وتعاطف بعض المحطات التي تتشدق صباح مساء بالشفافية والصدق والدقة والرأي والرأي الآخر مع نظامٍ قمع بيد من حديد الحريات الصحفية والإعلام الحر والرأي الآخر لأكثر من ثلاثين عاماً .
وإذا كان على المرء أن يتفهم أمور كثيرة حول بعض المحطات العربية فإن أغلبية الشعب العراقي لن يتفهم ويسامح تعاطف هذه المحطات مع نظام حكم عليهم بالحديد والنار واعدم الآلاف المؤلفة ويتم الملايين من الأطفال وحرم عليهم فرحة الأعياد طالما أن حجة البعض منهم إعدام صدام صبيحة عيد الأضحى المبارك .
ألا يكفي ابتزاز وخدش مشاعر ودموع الملايين من العراقيين الذين ذاقوا الظلم والعذاب طوال 35
عاماً على أيدي هذا النظام وجلاوذته ،هل توشح احد من هؤلاء الإعلاميين بالسواد على ملايين العراقيين الذين عذبوا واعدموا وفرموا وقتلوا وفجرت أجسامهم وسيق الآلاف الى المقابر الجماعية ودفنوا أحياءٍ ؟؟؟؟
ألا يستحق ثكالى العراق وأطفاله أن يتوشح المرء من أجلهم السواد ؟؟ أم إن صدام كان رسول الله على الأرض والملايين الباقية من العراقيين هم ( عبيد ـ نور ـ لقطاء )
إن من يتبجح بالشفافية والصدق والدقة في نقل وتناول الخبر أو الحدث والتعليق عليه وتحليله ‘ عليه قبل كل شيء أن يترك أحاسيسه وانفعالاته وعواطفه على باب الاستديو حتى يصدقه الناس فيما يتبجح به .
ومن كل ذلك يستنتج المتابع ليقر صراحة ودون خجل بأن مواقف الإعلاميين العرب من صدام تقاطعت الى حد كبير مع مواقف (جوبلز) وزير الدعاية في عهد هتلر لكن الاختلاف إن صدام قتل الملايين من أبناء جلدتهم بعكس هتلر وهم بحق يستحقون أن يطلق عليهم ( النازيون الجدد )
بقي أن نقول بأن يوم 30/ 12/2006/ سيبقى وصمة عار على جبين جميع القائمين على بعض المحطات العربية وسيظل يوماً اسوداً في تاريخهم الإعلامي وسيحاكمهم التاريخ والأجيال على توشحهم هذا من أجل ديكتاتور لا يستحق الحياة .
وإذا كان جزءاً لا يستهان به من الصفوة العربية (التي طالما عانت من القمع والديكتاتورية ) بهذا المستوى المتدني من الوعي وبهذه العقلية المحبة والمتعاطفة مع نظام ابتكر وأتقن لغة القمع
والقتل والإرهاب والدموية بحق أبناء شعبهم فعلى الأمة العربية مئة فاتحة وألف سلام .
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟