يوسي ولفسون
الحوار المتمدن-العدد: 1791 - 2007 / 1 / 10 - 11:51
المحور:
القضية الفلسطينية
امر عسكري جديد يسري مفعوله ابتداء من 19/1/2007، يمنع الاسرائيليين والاجانب من نقل فلسطينيين في سياراتهم في انحاء الضفة الغربية. العقوبة لمن يخالف الامر: السجن خمس سنوات.
الجيش الاسرائيلي اراد كما يبدو المشاركة في عزاء روزا باركس، نشيطة حقوق الانسان التي توفيت في الولايات المتحدة في نهاية تشرين اول (اكتوبر) الاخير. قبل واحد وخمسين عاما اعتُقلت باركس في مدينة مونتغومري بولاية الباما، بعدما رفضت افساح مكانها في الحافلة لرجل ابيض، اتباعا لقانون الفصل العنصري في الولاية. العصيان المدني الذي تجرأت عليه باركس، أطلق العنان امام حملة لمقاطعة المواصلات العامة شاركت فيها الجالية الافريقية-الامريكية في المدينة، ولم تنته الا بعد ان تم الغاء القانون العنصري.
بعد مداولات عديدة وجد القائد العسكري للمنطقة الوسطى الوسيلة المثلى لاحياء ذكرى باركس: امر عسكري جديد يسري مفعوله ابتداء من 19/1/2007، يمنع الاسرائيليين والاجانب من نقل فلسطينيين في سياراتهم في انحاء الضفة الغربية. العقوبة لمن يخالف الامر: السجن خمس سنوات. ولازالة الشكوك بالنسبة لجدية الجيش في الموضوع، أُعطي كل جندي وشرطي صلاحية استخدام القوة "المعقولة" لمنع المخالفة وإخراج المسافر الفلسطيني من السيارة.
الامر، طبعا، لن يمس بالمصالح الحيوية للاسرائيليين: استغلال الايدي العاملة الفلسطينية، الرخيصة وعديمة الحقوق، سيستمر دون خلل: اذ يسمح الامر بنقل الفلسطيني اذا كان له تصريح بالدخول الى اسرائيل او المستوطنات. وسيكون بامكان شركات المواصلات العامة الاسرائيلية، التي تشغل خطوط مواصلات في المناطق المحتلة، ان تواصل نقل الركاب الفلسطينيين، كي يستمر تدفق الاموال من الركاب الى السوق ودوائر الضرائب الاسرائيلية. وبالطبع، سيكون بمقدور قوات الامن الاسرائيلية ان تواصل تقديم "خدمة النقل المجاني" للمجتمع الفلسطيني (مكبلا بالقيود ومعصوب العينين).
"يراعي" الامر العسكري المواطنين الاسرائيليين الذين لهم اقارب في المناطق المحتلة. فسيكون بمقدور هؤلاء نقل ازواجهم، آباءهم وامهاتهم، اخوتهم واخواتهم، اجدادهم، اولادهم واحفادهم. انتبهوا للمنطق العنصري: التركيز هو على قرابة الدم، (الاجداد مسموح، ولكن الحموات والاصهار ممنوع) الروابط التي اقيمت على اساس الاختيار الاجتماعي، وليس على اساس الطبيعية والبيولوجيا، هي روابط غير مستحبة بالنسبة للجيش، ومن الافضل قطعها تماما. هذا ولم نتحدث بعد عن نقل صديق او شريك سياسي...
الامر الجديد "مدعّم" بالادعاءات الامنية، مثل منع العمليات الانتحارية، وبادعاءات اخرى مثل حماية النظام العام. وفي الحقيقة فان الامر العسكري يضفي بُعدا جديدا للنظام الاجتماعي الجديد الذي بدأ يتشكل في اسرائيل والمناطق المحتلة: منذ مدة تناقش اوساط حقوق الانسان المختلفة، فكرة التوقف عن وصف النظام في اسرائيل والمناطق المحتلة بنظام احتلال، والانتقال لمصطلح "نظام ابارتهايد" (فصل عنصري).
الشوارع الرئيسية في المناطق المحتلة تحولت الى شوارع للاسرائيليين فقط، والى جانبها تمتد شبكة من الطرقات الترابية الوعرة للفلسطينيين. حواجز الدخول لاسرائيل، بعضها مخصص للاسرائيليين فقط، وبعضها للفلسطينيين فقط. المناطق الواقعة بين جدار الفصل وبين الخط الاخضر مسموحة للاسرائيليين، وممنوعة للفلسطينيين الا بتصريح خاص.
القدس الشرقية، المركز الجيوسياسي التاريخي للمناطق المحتلة، مفتوحة فقط امام الاسرائيليين. وكذلك الامر بالنسبة لغور الاردن. المستوطنات مناطق للاسرائيليين فقط، اما الفلسطينيون فمسموح لهم بدخولها فقط بتصريح، غالبا كقوى عاملة رخيصة. وبالمقابل، يُمنع دخول الاسرائيليين والاجانب الى مناطق (أ) الفلسطينية وقطاع غزة. هذا هو نموذج الفصل على الطراز الاسرائيلي.
هناك ايضا قضاء للاسرائيليين وقضاء آخر للفلسطينيين: الاسرائيلي يحاكَم حسب قانون دولة اسرائيل، اما الفلسطيني فحسب القانون العسكري في المناطق المحتلة. مثلا، اذا اعتقل اسرائيلي وفلسطيني بنفس التهمة، فان الاسرائيلي سيمثل امام قاض مدني في اسرائيل خلال 24 ساعة، اما الفلسطيني فسينتظر في المعتقل ثمانية ايام، حتى يمثل امام قاض عسكري.
لم يعد الامر مقتصرا على القمع، بل تعداه للعزل والفصل. قانون المواطنة وجدار الفصل هما محاولة اضافية لتقطيع اواصر العلاقات بين الفلسطينيين في المناطق المحتلة وبين الفلسطينيين داخل اسرائيل.
لقد حاكَم التاريخ اولئك الذين سنّوا قانون الفصل العنصري في نيرنبرغ، مونتغومري وكيبتاون. الخطوط التي تربط بين هذه المدن وبين مستوطنة بيت ايل، مكشوفة وواضحة. ولا بد ان يأتيك الدور، بيت ايل.
* الكاتب هو محام عن جمعية حقوق الفرد
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟