أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد الخالدي - الشباب المغربي: بين الواقع المرير و الآمال المنزعة من أفواه الأسود















المزيد.....

الشباب المغربي: بين الواقع المرير و الآمال المنزعة من أفواه الأسود


محمد الخالدي

الحوار المتمدن-العدد: 1785 - 2007 / 1 / 4 - 13:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


تعتبر فئة الشباب ذلك الجزء الحيوي من المجتمع، و الحامل لأماله و طموحاته في المستقبل، فالشباب رمز الفتوة و القوة و الحيوية.
لكن كيف السبيل لهذه الفئة حتى تعيش حيويتها و تعبر عن آمالها و تحقق طموحاتها ؟ و ما هي التحديات التي تواجهها ؟ و ما هي الآفاق المفتوحة أمامها ؟
لقد كان الشباب المغربي القوة الضاربة للمقاومة الوطنية، المسلحة و السياسية ، ضد المحتل الأجنبي ،فرنسيا كان أو إسبانيًا ، و بعد توقيع معاهدة إكس ليبان ، المؤطرة لاستقلال 1956 ،انخرط الشباب المغربي في معركة التحرر من بقايا الإستعمار الذي خرج و لم يخرج ،خرج شكلا و لم يخرج مضمونا ، و بعد ما تأكد أن جنة الاستقلال الموعودة لم تكن أكثر من وهم في ظل نظام مخزني مستبد لازال متشبثا بعقلية الإقطاع ومنطق الاستعباد ، كان شباب المغرب طليعة النضال من أجل مغرب حر و عادل لمغاربة أحرار متساوين في الحقوق و الواجبات ،يستفيد كل أبنائه من خيراته فلا تحوز فئة قليلة كل مقدراته وتترك لغالبيته المحرومة التضحيات و الصبر على الشدائد.
انخرط الشباب المغربي في الحركتين التلاميذية و الطلابية،إلى جانب نشاط الكثيرين في التنظيمات السياسية و النقابية، رغم كل المعوقات و المخاطر التي كانت تحيط بهذا النوع من الأنشطة.
اختلفت رآهم و تباينت أيديولوجياتهم ، منهم من كان يراهن على خلاصه الفردي و ارتقائه الإجتماعي ، ومنهم من كان يرى أن الخلاص المطلوب هو الخلاص الجماعي لكل فئات الشعب المغربي المحرومة من كل شيء ،هذا الخلاص الذي لا يتحقق إلا بنضال مستميت من أجل بناء مغرب عادل و ديموقراطي.
لقد كان الشباب المغربي يحلم و يتطلع إلى الأفضل ،سواء كان الحلم فرديا أو جماعيا، المهم أن الأمل في الغد المشرق الآتي موجود، حتى في أقبية السجون و غربة المنافي.
.لكن ماذا يحدث الآن ؟
شباب في جزء كبير منه ، يائس ،غاضب،غريب في بلده و بين أهله ، لا يرى إلا السواد يحيط به من كل جانب ، لا أمل في التغيير ولا جدوى حتى من الحلم ،شباب أصبح شغله الشاغل هو البحث عن الطريقة التي ستوصله إلى الضفة الأخرى للمتوسط أو للأطلسي ، حتى لو تزوج شاب في ريعان شبابه عجوزا في سن جدته تريد أن تستعيد شبابها بحرق زهرة أيامه ، أو تتزوج شابة في أجمل أيام عمرها عجوزا قد بلغ من الكبر عتيا أو صعلوكا يستغل الفرص ، يبحث عن شابة جميلة تلبي رغباته و نزواته و ربما تعوله حتى لو تحولت إلى مومس تعرض جسدها في الشوارع الخلفية لباريس أو بروكسيل.
ومن لم يظفر بزيجة تبلغه غايته عانق المتوسط لعله يوصله إلى جنته الموعودة، هذا العناق الذي غالبا ما يكون مميتا، وحتى لو كتبت النجاة لهذا المهاجر أو تلك المهاجرة فإن حرس الحدود الإسباني ينتظر بمعاملته السيئة. ومن استطاع أن ينجوا بنفسه فإن سنوات المعاناة في ظل وضعية غير قانونية بكل ما تمثله من استغلال و اضطهاد تنتظر .
ما الذي حدث في بلادنا حتى و صلنا إلى هذا الوضع المأساوي ؟ خيرة شباب البلد تغادره ، بل تهرب منه حتى بالموت .
ماذا الذي جعل المغاربة الذين دخلوا الأندلس فاتحين يدخلونها الآن أذلة خائفين مطارَدين؟
إن المغرب ليس جنة الله على الأرض لكن لا ينبغي أن نجعل منه ذلك الجحيم الذي يفر منه الجميع.
إن الأوضاع المزرية و المتردية بل و المنتجة للتردي تمس كل جوانب المجتمع،لكن علينا أن نحلم بل و الأكثر من ذلك أن نجعل من كل وضع سيء و باب مسدود باب أمل و طوق نجاة.
علينا أن نحافظ على جذوة الحلم فينا،فمهما تغَّربنا و هاجرنا، و مهما غضبنا و ثرنا ضد أنفسنا و أسرنا و مجتمعنا ،سنظل مغاربة رغما عنا.
لنحاول إذن نقرأ الظروف و المتغيرات المحيطة بنا، ربما نجد قبس نور يرشدنا و بصيص أمل يدفعنا إلى الأفضل لنا و لمغربنا.
الوضع السياسي:
إن الشباب المغربي لم تعد تستهويه السياسة بعدما حولها سماسرة الإنتخابات و محترفوا التزوير إلى تجارة لا مجال فيها إلا لأصحاب الملايين ، حتى لو كانت ملايينهم ملوثة بالرشوة و نهب المال العام و تجارة المخدرات .
كان الشباب المغربي يتحمل تدخل الإدارة في إفساد الحياة السياسية ، و كان يراهن على تراكمه النضالي و التصحيحي لأوضاع البلاد المختلة ، لكنه فقد الثقة في كل شيء عندما رأى منا ضلوا الأمس المفترضين يتحولون إلى أدوات بيد الجهاز المخزني و الرأسمال المحلي و الدولي.
هذا بالإضافة إلى أن الأحزاب، التي من المفترض فيها أن تكون ذلك الإطار المجتمعي الذي يعبر عن مصالح فئات المجتمع المختلفة و مصالحه ، تحولت إلى ملكيات خاصة تخدم مصالح شخص الزعيم ومن يدورون في فلكه و يرتبطون به ، من أسرته و أصدقائه و سماسرته، فالدكتاتورية صارت هي السمة الغالبة لأحزاب تحولت إلى وكالات انتخابية بامتياز.
إن الوضع مأساوي ورفضه أمر منطقي بل و مطلوب ، لكن أليس من المنطقي والمطلوب أن نتساءل :
إلى متى نترك بلادنا رهينة بيد السماسرة و تجار المخدرات و عصابات الهجرة السرية..ليتحكموا في حياتنا و مستقبلنا ؟
رغم كل المعوقات ،هناك هامش من الحرية ينبغي استغلاله ، و مجال للحراك السياسي و الاجتماعي ينبغي الانخراط فيه ،حتى نقطع الطريق على من يريد أن يجعل من شبيبة هذا البلد أشباحا و حشودا من المهاجرين السريين مدمني المخدرات و الأجراء المستغلين و المضطهدين ، و حتى لا تكون أحزابنا حكرا على الانتهازيين و الوسطاء و المرتشين.
على الشباب المغربي اقتحام العمل السياسي باستغلال كل القنوات المفتوحة و الهوامش الموجودة ، ينبغي لصوت الغد و الحرية أن يُسمع .
الوضع الاقتصادي :
لقد انخرط المغرب بشكل كامل في منظومة الإقتصاد الرأسمالي ، في حلته الجديدة المتسمة بالتراجعات الخطيرة التي عرفتها قوانين الشغل و الحريات العامة خصوصا النقابية منها، والمسكونة بالإحساس بالتفرد على المستوى الأممي، فالنموذج الإشتراكي الذي كان يقدم نفسه كبديل انهار،ولم يعد ثمة ما يخيف الرأسمال حتى يقدم تنازلات بل حتى يحافظ على المكتسبات العمالية ، و الطبقة العاملة أصبحت مفككة يصعب توحدها في ظل تعقد شبكات الإستغلال الرأسمالي.
لقد تبنى المغرب هذا النموذج الإقتصادي بكل ما يمثله من قيم و رُأى و نمط حياة ، فكل ما يهم هو أن يحقق الرأسمال أعلى الأرباح ، و لو على حساب استغلال الإنسان و الطبيعة ، فالرأسمال هو الإله الذي ينبغي أن يكون كل شيء في خدمته و رهن إشارته ، حتى لو تحول الإنسان بأفكاره و قيمه و أحلامه ، إلى مجرد سلعة أو أداة لإنتاج السلعة أو ترويجها.
لقد فتحت الأبواب للرأسمال المحلي و الدولي، ليمتلك و يتحكم في تفاصيل حياة المغاربة، من الماء و الكهرباء إلى و سائل الاتصال.
إن الرأسمال الأجنبي لا يتوافد على بلادنا حبا فينا، ولكن طلبا ليد عاملة رخيصة و مهدورة الحقوق، ليس لها من يحميها من جور الباترونا و استغلالها .فقوانين الشغل المنحازة لمنطق التعاقد المرن لا تسطيع أن تفعل لها شيئا.
هذا عن منطق الاستغلال الرأسمالي الذي يحكم علاقات الشغل و الإنتاج،أما عن مقدرات البلاد و ثرواتها فإن الطبقة المهيمنة سياسيا، مع شبكة المتحالفين معها مصلحيا أو المرتبطين بها أسريا، هي نفسها المالكة لكل ما من شأنه أن يكون مصدر ثراء. و التي أصبحت مصدر إزعاج حتى للاستثمار الأجنبي، فتحكمها في دوائر القرار يفسد التنافس و يفقده معناه.
وعلينا ألا ننسى الاقتصاد الهامشي، الذي يمثل التهريب عموده الفقري إلى جانب المهن البسيطة كماسحي الأحذية مثلا ، يشغل قطاعات واسعة من المغاربة و يخفف من حدة الاحتقان الاجتماعي ، لكن نشاطه يبقى أسير حسابات السلطة.
هذه إطلالة موجزة لاقتصاد يغني الأغنياء و يزيد من فقر الفقراء، لكنه ليس قدرا إلهيا لا رادَّ له ، فبَشَرٌ هم من صاغوه وعلى مقاسهم.
إن هامش الحركة موجود رغم ذلك، و إن كان يحتاج إلى بطولة و استماتة والتزام و طني :
* فبالنسبة للمؤسسات الاقتصادية : عليها أن تختار بين :
- الارتباط العضوي بالفئات المتنفذة: بكل ما يترتب على ذلك من قبول بقيم و سلوكيات يحكمها الفساد و الاستغلال و التنصل من كل الواجبات الأخلاقية و الوطنية، فكل شيء مباح إذا تيسرت سبل الوصول إليه ،حتى لو كان مِلكا عاما أو حق عامل أو واجبا ضريبيا يُتملص من أدائه، و حتى لو كانت الأساليب المتبعة قذرة.
-الالتزام بمنطق المقاولة الوطنية : المبنية على الالتزام بالواجبات الوطنية و الأخلاقية ، بكل ما يعنيه ذلك من أداء للواجبات الضريبية و احترام حقوق العمال و جعل المال العام محرما لا يُستغل إلا وفق الضوابط القانونية المناسبة بعيدا عن منطق الإقطاع و السطو، كما ينبغي عدم استغلال النفوذ المالي في إفساد الحياة العامة، هذا إلى جانب التحلي بالشجاهة اللازمة في مواجهة لوبيات الفساد ،ولا يمكن إهمال الجانب الإنمائي المرتبط بقيم التضامن المجتمعي ، حيث يمكن للمؤسسات الاقتصادية الإسهام في التنمية الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية للبلاد ، كدعم مشاريع البنيات التحتية ومحاربة الفقر، و الرفع من مستوى التكوين العلمي بالمعاهد و الجامعات عبر تمويل الأبحاث الجامعية و إنشاء مراكز للبحث العلمي و التكنولوجي.
* بالنسبة للأفراد : ينبغي رفض قيم و سلوكيات الاقتصاد الريعي ،الذي لا يخدم إلا فئة قليلة تعتبر المغرب كبقرة حلوب ، لكن هذا الرفض يتخذ أوجها عديدة وذلك بحسب موقع كل واحد :
- بالنسبة لأرباب المقاولات: يلزمها الالتزام بقيم المقاولة الوطنية، فالوطنية ليست شعارات أو تضحيات مفروضة على أبناء المسحوقين فقط ، و الرهان هنا على الشباب المقاول المتعلم الذي ينبغي عليه التخلص من عقلية أرباب الأموال الجشعين (أصحاب الشكارة).
- الطبقة العاملة : بكل ألوانها ، و التي نعرفها بكونها تلك الفئة التي تقدم جهدها الفكري أو الجسدي مقابل أجر .
على هذه الفئة تنظيم نفسها ، و الرهان أيضا على الشباب المثقف التواق للتغيير و البحث عن الأفضل ، ذلك أن الشبيبة العاملة عليها بناء بدائل تنظيمية قادرة على التعبير عن مصالحها و آمالها، فالنقابات التقليدية فقدت كثيرا من مصداقيتها من بعد ما أصبحت أداة بيد الرأسمال و المخزن ، إلى جانب أساليب تسييرها التفردية و الانتهازية.
إن توحد الطبقة العاملة أمر حتمي و ضروري لحماية حقوقها، بل و لحماية اقتصاد الوطن و ثرواته،
إن توحد الطبقة العملة لا ينبغي أن يقتصر فقط على الجانب التنظيمي، فعلى المستوى النظري يلزم تأسيس رؤية فكرية واضحة تكون معبرة عن الواقع والآمال و أساليب العمل ،مما يفرض على التنظيمات النقابية السهر على تثقيف العمال و تكوينهم.
كما على الشبيبة العمالية الانخراط الفعال في مواجهة عولمة التوحش الرأسمالي ، و المساهمة في الدفاع عن العيش الكريم للمواطنين وعن مقدرات البلاد ، بكل الأساليب النضالية الممكنة.
الوضع التعليمي :
إن التكوين العلمي يعتبر من أبرز التحديات التي تواجه الشباب المغربي ، خصوصا المنتمي منه للفئات المسحوقة والمهمشة ،فالتعليم هو السبيل لمواجهة مستلزمات الحياة ومتغيراتها المختلفة.
إن نظام التربية و التكوين الذي ابتدأ في تطبيقه يهدف بالأساس إلى توفير اليد العاملة المؤهلة لخدمة الرأسمال المحلي و الأجنبي. فالغاية منه إعداد الآلاف المؤلفة من حاملي الشهادات التقنية و التطبيقية.
إن أقصى ما يمكن أن يتحصل عليه ابناء الفئة الفقيرة ، و هم غالبية المغاربة ، ديبلومات باك+2 أو باك+3 ، فالسياسة التربوية أصبحت تراهن على الخوصصة و الأداء لواجبات التكوين ،
مما سيجعل الشهادات العلمية العليا حكرا على أبناء الأعيان و الأغنياء
إن من واجب الشباب المغربي ألاَّ يصدق خرافة عدم جدوى التعليم و التثقيف ، أما مشكلة بطالة حاملي الشهادات العليا فليست السبب فيها هو تعليمهم العالي بل السياسات الإقتصادية و الإجتماعية و التكوينية المتبعة.
لا يمكن لأي مجتمع أن ينمو و يتطور دون تعليم متطور، و معرفة عميقة و شاملة تكون في خدمة مكونات المجتمع المختلفة، فتقارير المنظمات الدولية لا تفتأ تؤكد على دور الفرد المتعلم و المتمكن من مستجدات العصر المعرفية، في تنمية مجتمعه و تطويره، فلا يمكن للجهل أن يصنع مجتمعا محترما أو أن يرفع من شأن إنسان، ولا يمكن لثقافة تراهن على الجهل أن تبني حضارة أو أن تحمي دينا أو هوية.
على الشباب المغربي أن يتثقف، وأن يتحصل على أعلى مستوى تعليمي ممكن، فالتكوين الأكاديمي أصبح ضرورة في ظل المستجدات المتسارعة التي بات تشهدها العلوم المختلفة، بل على هذا الشباب التواق للحرية و الغد الأفضل أن يجعل من تكوينه العلمي ساحة نضاله الأولى، فالشباب الواعي بقضاياه، المثقف، والمتمكن من معارف عصره، شباب حر وعصي على الاستبداد و القهر و الاستغلال.
الوضع الهوياتي :
الشاب المغربي يتساءل اليوم : من أنا ؟ مغربي ؟ عربي ؟ أمازيغي ؟ مسلم ؟ مسلم سني ؟
من السهل ربما أن نجيب ، لكن الصعب ان نعرف دلالة جوابنا و الأصعب أن ندرك ما يترتب على ذلك من قيم و مواقف و أساليب حياة.
إن نظاما تربويا و تعليميا فاشلا بكل المقاييس ومجتمعا فصاميا لم يحسم بعد خياراته، لم يكونا لينتجا إلا شبابا تائها، حائرا ، مرتبكا لا يعرف من يكون .

السلوك:

إن مقررات التربية الإسلامية و خطب المساجد و أشرطة و كتب الوعظ و الإرشاد مثلا ، تخاطب الشاب المغربي كما لو كان يعيش في شبه جزيرة العرب قبل أربعة عشر قرنا ، و جانب كبير من الإعلام والشارع يعامله كمن يعيش في قلب لاس فيكاس .
فإن التزم الشاب بما تلقاه من ثقافة دينية ، و جد نفسه غريبا عن محيطه ، و ربما نظر إليه كمشروع إرهابي يسعى لقلب أوضاع المجتمع ، الذي لا تعرف له أوضاع حتى تقلب.
و إن تأثر هذا الشاب بالثقافة الغربية مثلا، و بدا ذلك في لباسه و كلامه و نمط حياته، تلقى من النقد أشده ، فالمجتمع المغربي المحافظ الحريص على قيمه لا يمكنه أن يتسامح مع من يثور عليها أو على الأقل أن يخالفها ، خصوصا إذا تعلق الأمر بفتاة.
على شبابنا أن يعيش كل المتناقضات، وكم سيكون الأمر رائعا لو استطاع الشاب المغربي أن يجمع في شخصيته بين شخصيتًي: الإمام مالك و إلفيس بريلسي ، و أن تجمع الفتاة المغربية في شخصيتها بين شخصيتَي : رابعة العدوية و مادونا.
ما العمل ؟
أن نبني شخصيتنا المستقلة، المعبرة بصدق عن ماهيتنا و اختياراتنا و رؤيتنا الخاصة لأنفسنا و للحياة من حولنا بل و لوجودنا بأكمله .
إن الله خلقنا أحرارا ووهبنا إرادة و قدرة ،علينا أن نحافظ على قدرتنا على الاختيار، فدلك ما يميزنا كبشر.
اللغة :
إن لغة المغرب الرسمية هي العربية، بنص الدستور ، و نسبة كبيرة من المغاربة يتحدثون الأمازيغية ، أما لغة التداول بين العموم فهي العربية الدارجة . في حين أن لغة الإدارة و الأعمال و النُّخب هي الفرنسية.
لو أن المغاربة يتحدثون كل هذه اللغات لما كانت هنالك من مشكلة ، و لشكروا الله على هذه التعددية
لكن هذه النعمة تتحول إلى مأساة تمس تفاصيل حياتهم ، خصوصا الفئات المحرومة.
فكيف يمكن لهذا الأمازيغي الذي يسكن بقرية من القرى النائية في خنيفرة أو وارززات أن يتعامل مع الإدارة التي لا تخاطبه إلا يالعربية الفصحى وفي بعض الحالات بالفرنسية ؟
كيف يمكن لهذا الطالب أن يكمل تكوينه العلمي الجامعي بتفوق ، و هو الذي درس كل المواد العلمية بالعربية حتى مستوى الباكالوريا ؟
و هل نسبة الإعلام المفرنس تتناسب و عدد المغاربة الناطقين بالفرنسية ؟
هل أهمية الأمازيغية تتناسب و عدد الأمازيغ ؟
ألم تضع حقوق كثير من المغاربة نتيجة هذا الوضع اللغوي المختل ؟
……..؟
أسئلة كثيرة تتناسل ، لكن الفئات المستفيدة من الأوضاع لا تهتم ، بل و مازالت مستمرة في سياساتها اللغوية المرتبكة، و ذلك لسبب بسيط : أنها غير متضررة ، حقوقهم محفوظة و أولادهم يدرسون في مدارس البعثات الأجنبية.
المرجعيةالدينية والمذهبية:
إن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، و المذهب الفقهي المتبع هو المذهب السني المالكي ، أما على المستوى العقائدي الكلامي فالتوجه المتبع هو التوجه الأشعري. و القراءة القرآنية المتبناة هي قراءة ورش.
لكن كم عدد المغاربة الذين يعرفون توجهات بلدهم المذهبية ؟ و كم عدد المغاربة الذين يفهمون ما معنى أن يكون المسلم سُنّيا و ليس شيعيا؟ مالكيا و ليس حنبليا أو حنفيا أو شافعيا ؟ أشعريا و ليس معتزليا ؟
وهل يعرف المغاربة لماذا هم سنة مالكية أشاعرة ؟ من اختار لهم ذلك ؟ و لماذا لا يمكن لهم أن يكونوا غير ذلك ؟
على الشباب المغربي أن يدرك ذاته بمكوناتها المختلفة، أن يعرفها بعمق مؤسس على المعرفة و العلم ، و ليس على مجرد الهوى و التشهي و التعصب الأعمى لهويات تحاصره، ولا يعرف بالضبط إلى أي درجة تعبر عنه، و ذلك حتى لا يتحول إلى مجرد أداة في يد البعض يحقق به مصالحه، أو يحوله الهرب من هوية مفروضة عليه إلى كائن و رقي لا هوية له، بلا شخصية مستقلة ، بلا رؤية سواء لنفسه أو لمجتمعه أو للعالم المحيط به.
إن خطورة الانتماء المذهبي و الهوياتي عموما، يمكن أن تطهر لنا بوضوح، لوتأملنا مجتمعات حولتها الصراعات الطائفية و المذهبية إلى ساحات معارك يحكمها القتل و العنف الأعمى الذي لا يخدم إلا سماسرة الحروب و أرباب الرأسمال ، الباحثين عن السيطرة ونهب مقدرات الشعوب ، في ظل ما بات يعرف ب " الفوضى الخلاقة "


إن أهم سلاح بأيدينا إذا أردنا أن نواجه كل أنواع الإقصاء و التعصب الهوياتي بكل مظاهره هو الإيمان بقيم الحرية و التعددية، فالمقدس هو الإنسان الذي ينبغي ألا تمس له حرمة.

إن الواقع قاسي ، يحاصرنا بشروطه السياسية و الاقتصادية و الثقافية ،التي تحدثت عن القليل القليل منها ، لكن ينبغي لنا أن نخرج من عالم الجبر هذا ، و نثور عليه، إلى عوالم الاختيار ، حتى نسترجع أصالتنا الإنسانية، من بعد ما ذبلت كل ورود الأمل في استرجاعها داخلنا ، علينا أن نخلق أقدارنا لنحيا كما نحب لأنفسنا أن نحيا ، فالصبر على الأقدار الإلهية من الإيمان ،لكن الصبر على أقدار البشر فمذلة و تيه لا ينتهي.



#محمد_الخالدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد الخالدي - الشباب المغربي: بين الواقع المرير و الآمال المنزعة من أفواه الأسود