ريما نعيسة
الحوار المتمدن-العدد: 1782 - 2007 / 1 / 1 - 08:29
المحور:
الادب والفن
أمضي الآن على أوراقي حاملة همومي وأحزاني وأوراقي العتيقة المهملة، ومعي قلبي على كتفي لأنثره كـ"شظايا البلور المكسور المنثور" , لأرى عيون الدنيا تمتلآن بالدموع القادمة من الفضاء المنسي اللامتناهي لأراها كيف تدمع عندما تودع سنة من عمرها ولأراها كيف تنظر إلينا بحقد وغيظ من الفضاء لأننا نحتفل بحزنها ورحيلها. وفي كل( رأس السنة) أغلق نافذة ذاتي وأمضي للاحتفال بحزن السنة، وأحزان الدنيا, في ليلة يجتمع فيها فرح البشر وحزن الدنيا ويختلط الحزن والفرح. أما مشاعري تكون فرحه مع اختلاط بعض الحزن المنسي الذي لا أتذكره ولا أتذكر حزن الدنيا إلا بعد إشعال الشموع ووضع الزينة ووضع الأغاني والرقص عليها وبعد مضي الاحتفال.
إنني أشعر في وقت الاحتفال بأنه وكأن هناك شيئا يقيدني ويمسكني من يدي ويسيطر على تفكيري ويقول لي لابد من الاحتفال بهذا اليوم وأكمل أحزاني ولا يهمني حزن الدنيا ولا حزن السنة ولا حتى أحزاني المنسي التي ركلتها وركلها الكثير غيري وراء ظهرهم ولا يأبهون بها.
وعندما يبدأ العد تنازلي لن اخفي عليكم إنني أكون بغاية الحزن لأنني أكون في لحظة عدم وفقدان للعقل ولا يوجد بقلبي سوى مشاعر غامضة بينما الدنيا تغلق آذانها لا تريد سماع العد التنازلي لكي لا يزيد من حزنها وبكائها. صحيح انه من جميل أن تعم الفرحة قلوبنا ولكن من الشنيع أن نفرح ونرقص وتعم السعادة قلبنا بينما تكون الدنيا في غاية الحزن وبالتالي نحن نفرح على حساب حزن الدنيا.
وبعد مضي الاحتفال, أذم ذاتي وأذم البشر وأتذمر ومن أفعالي وأفعالهم , وقلبي يتحرك من مكانه فيختلط قلبي مع دمي وشراييني ويتدفق الدم من عيوني عوضا عن الدموع كل هذا يحدث من اجل حزني على الدنيا ولأنني غيرت مكان حزني من وراء ظهري إلى أمام عيوني ولكن أتى التغيير متأخرا بعدما نشفت عيون الدنيا من البكاء, أمرنا غريب نحن البشر كيف علينا الاحتفال بحزن الدنيا وجرحها .
ما أشنع تفكيرنا نحن البشر إن السنة تموت بين يدينا ونحن نحتفل بموتها والدنيا تحزن وتبكي لفقدانها، والسنة لفقدانها واحدة من أبنائها ونحن نرقص ونغنى ونفرح لحزنها وموت احد أبناءها. ألا يجب علينا نحن أيضا أن نحزن لأننا نودع سنة من عمرنا وعمر الدنيا ألا يجب أن نغلق أبوابنا ونوافذ منزلنا في هذه الليلة ونلبس الأسود ونقيم العزاء لموت السنة وتضامنا مع الدنيا وحزنها ,أم أننا نحن البشر لا نفكر لماذا نفرح في هذه اللحظة؟ إنني لا ألوم عقولنا ولا تفكيرنا ولا حتى أذمهم ولكنني أذم أنفسنا لأنني مدركة أننا نحن الذين نجبر أنفسنا على فقدان عقلنا وتفكيرنا ونكون مجرد هواة للرقص وللغناء ولا نفكر بصواب لماذا نحن فرحين؟ لا نفكر لأن عقولنا تكون قد تبخرت وتبخر معها التفكير.
ورغم حزنك وأساك ورحيلك, نتبادل القول (كل عام وانتم بخير) فهل نحن بخير حقاً؟ أما الدنيا فتقول: لنفسها وللسنين القادمة (كل عام ونحن بحزن). أما أنا وجميع البشر نكون بحالة تقييد من قبل العجز والهوان والضعف أمام الفرح والسعادة اللتين تملآن قلوبنا في ذالك الحين. وبعد تفكير طويل ماذا أفعل للتكفير عن ذنوبنا تجاه الدنيا التي نقتلها كل عام ولم نفرح بموتها ونقيم الأعراس؟ هل هناك من حل؟ توصلت لحل بأن امضي مسرعة للفضاء وقلبي مسرعا خلفي مع نبضاته لزيارة الدنيا لأمسح دموعها وأقول متصنعتا الصدق لها: أعدك أيتها الدنيا بأنني لن احتفل بموت أبنائك بعد هذا الاحتفال وارجوا أن تغفري ذنوبنا التي اقترفناها بحقك ففي تلك اللحظة نكون في حالة طيش وغيبوبة لا نستيقظ منها إلا بعد التفكير ورجوع العقل إلينا.
ورغم كل ذمي لنفسي وللبشر أرجع وأتصرف نفس التصرفات وأغني وارقص وافرح وأنسى وعدي للدنيا وفي كل سنة أعود وأكرر نفس الوعود الكاذبة. آه كم أنت مسكينة وطيبة أيتها الدنيا البسيطة؟ إنك تنتظريني وتنتظري متى سأفي بوعدي لك وأكف عن الاحتفال بموتك ورحيلك؟
,وبعد العد التنازلي أتذكر حزن الدنيا وحزني الذي ركلته خلف ظهري ووعدي لها وهكذا هو الحال في كل سنة. إنني أكتب هذا رغم إدراكي أننا سنستمر في الفرح واغتيال السنوات القادمة في وقت حزن الدنيا ولكن لابد أن يكون لدي أمل بتنفيذ ما قلته أو ربما كتبته لإيقاظ نفسي من غفلتها وخرافة الاحتفال برأس السنة, ولكي نفعل ذلك يجب علينا أن نتذكر حزن الدنيا ونحن نرقص ونفرح ونغنى.
وعلى كل حال (كل عام وانتم بخير) ولتعذرني هذه الدنيا.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟