أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوزية بن حورية تونس - اللحظة الابدية!















المزيد.....

اللحظة الابدية!


فوزية بن حورية تونس

الحوار المتمدن-العدد: 8162 - 2024 / 11 / 15 - 01:26
المحور: الادب والفن
    


اللّحظة الأبديّة!للكاتب الباحث فتحي جوعو

من منّا لم يُؤْرِقه الزّمن ولم يُزعج فكره ولم يبثّ في ذهنه حيرة المفاجِئ بسُرعة مروره وعدم التفطّن إلى تبخّر عشرات السّنين من حياته دون أن يَنْتَبِه لبرقيّة اندثارها، ومن منّا لم يَنْدَهش من تَعَاقُب القرون وتَتَالي تاريخ البشريّة بحيث، لم نتمكّن، نظرا لكثافة أحداثه التي وقعت في الزّمن، إلى حدّ الآن من استيعاب جميع مراحله والوقوف عند كلّ محطّاته، لذلك لم يَفُتْ المفكّرين من أدباء وفلاسفة أن يجتهدوا في معايشة لُغز الزّمن لا كظاهرة فيزيائيّة أو ميكانيكيّة فحسب، بل أرادوا طرحه أيضا كإشكال مثير للجدل في علاقته بالإنسان والوجود والعدم، ولا يخفى أن البحث في ماهية الزّمن قد أرهق الفلاسفة والمفكرّين نظرا لعدم إمكانيّة ملامسته وارتباطه دوما بالمعضلات التي قد تتحدّى العقول وتتجاوز مستوى فهم الإنسان ولقد عبّر "برغسون" الفيلسوف الفرنسي عن هذه الصّعوبة في إيجاد مفهوم واضح للزّمن فقال: "إن الزّمن هو المعضلة الأساسيّة في الميتافيزيقا وعندما تستطيع الإنسانيّة أن تقدّم إجابة واضحة عن سؤال الزّمن فإنهّا تستطيع تجاوز كل الإشكاليّات والمعضلات الوجوديّة التي تواجه حياة الإنسان والبشريّة جمعاء". هذا في المجال الميتافيزيقي وكذلك الأمر في علم الفيزياء فليس من السّهولة بمكان تحديد مفهوم الزّمن علميّا وإن كنّا قد تمكنّا من ربطه بالحركة وبالمكان وتمكنّا أيضا من قياسه بمقاسات رياضيّة، ولنا في ذلك العالم الأمريكي Richard Phillips Feynman" ريتشار فينمان" المتحصّل على جائزة نوبل والمختصّ في "علم الفيزياء الكوانتيّة" الذي أقرّ صراحة بصعوبة تحديد ماهية الزّمن بقوله:" نتعامل نحن علماء الفيزياء مع الزّمن يوميّا ولكن لا تسألني عن ماهيته، إنّه أصعب ممّا نستطيع إدراكه". وقد اعترضت هذه الصّعوبة العلماء المسلمين أيضا فنجد مثلا فخر الدّين الرّازي في "المباحث المشرقيّة" يُقرّ بعجزه عن التّوصّل إلى حقيقة ماهية الزّمن فيقول:" اعلم أنّي إلى الآن ما وصلت إلى حقيقة الحقّ في الزّمن " وهذا أبو حيّان التوحيدي في كتابه "الهوامل والشّوامل" يقول وهو يتحدّث عن الزّمن: "إنّه فنّ ينشف الرّيق ويضرع الخدّ ويجيش النّفس، ويقيء المبطان، ويفضح المدّعي، ويبعث على الاعتراف بالتّقصير والعجز."
وحين نُعفي العلوم عن الخوض في هذه المسألة الماهويّة، نُلحقها مباشرة بالمباحث الفلسفيّة إذ وحدها تُوكَل لها مهمّة البحث في الماهيّات، وفعلا لقد تساءل جلّ الفلاسفة منذ القدم عن ماهية الزّمن وعن أبعاده الاشكاليّة واختلفوا فيما إذا كان مفهومه مجرّدا أم واقعيّا وإذا ما كان دائريّا منغلقا أم خطيّا مستقيما؟ وهل هو نسبيّ أم مطلق؟ وهل هو جوهر مستقلّ بذاته أم مرتبط بغيره؟ وفيما تبدو علاقته بالمكان والوجود؟... إلخ. ومن الأسئلة التي، وإن استهلكت معالجتها كثيرا من الحبر، فإنها لم تحصل على حلول شافية لهذه المعضلة عبر تاريخ الفكر والعلوم. إنها مازالت إلى اليوم تثير في الأذهان كثيرا من الحيرة والدّهشة والارباك، بل يمكن القول إن الزّمن مازال يَسْحر العقول ويَسْخر منها في آن.
ونظرا لأهميّة الزّمن في واقع الإنسان وفي فضاء أعماله وأفعاله تمكّن هذا الاخير من ضبطه موضوعيّا و تحديده بتعاقب السّنين وبتتالي الفصول الطّبيعيّة وبالنّظر أيضا إلى حركة الأرض حول الشّمس ومن ثمّة تمكّن من تقسيم السّنة بعدد الأشهر فاستعمل الأشهر القمريّة والأشهر الشّمسيّة وحدّد الشّهر بعدد الأسابيع والأسبوع بعدد الأيام ثمّ حدّد اليوم بعدد السّاعات والسّاعة بعدد الدّقائق والدّقيقة بعدد الثّواني وبلغ بذلك دقّة فائقة في ضبط عمره وحركاته وأعماله وإنجازاته ومواعيده بفضل اختراع السّاعة الميكانيكيّة ثم الالكترونيّة، فاحتلّ الوقت أهميّة قصوى في المجتمعات الصّناعيّة فحدّدت قيمة العمل بعدد السّاعات المستغرقة في إنتاجه. فتميّز الزّمن بقيمته الاقتصاديّة والإنتاجية.
لكنّ ما يثيرنا في هذا المجال ليس الزّمن كموضوع اهتمام العلماء والاقتصاديّين، ولا كمقياس به يعدّل النّاس نشاطهم واهتماماتهم ويضبطون به أحداثهم، فهذا يبقى من مشمولات من ينظر إلى الزّمن من خارج ويستعمله كأداة آليّة ميكانيكية، يتعرّف من خلالها على التّوقيت المناسب لكلّ أعماله وجميع أفعاله ومواعيده وكذلك إدراك الأحداث المتنوّعة عبر مسار زمنيّ يتلازم دائما مع المكان بحيث تصبح حركاته ضابطة لتوقيت مقسّم ومجزِّئ طالما أن الزّمن الموضوعيّ لا يمكن أن يُفهم إلاّ داخل إطار مكانيّ محدّد.
إن ما يثبر انتباهنا هو العالم الدّاخلي للإنسان أو إن أردنا المجال النّفسيّ والوجدانيّ الذي وإن كانت له علاقة أكيدة بالأحداث الخارجيّة فإنه لا يُبقي منها إلاّ ما تستجيب له الحالة الانفعاليّة للذّات الإنسانيّة في تلك اللّحظة بعينها، فهناك إذن زمن داخليّ نفسيّ يتمتّع بظهور حدْسيّ دائم يُثري شعورنا ويُنمّي إحساسنا ويرسم محطّات شبه ثابتة وومضات مطلقة تملأ عالمنا الدّاخليّ وترسم مسار حياتنا فيتحدّى الإنسان بها نسبيّة الزّمن الواقعي ويتعالى عن سيرورته ويتجاوز اندثاره وارتمائه في عالم النّسيان، إن هذه اللّحظة التي نصفها بالأبديّة، هي التي تنبجس من أغوار الذّاكرة مُعلنة عن بقائها ودوامها كمُكَوِّن أساسيّ من مكوّنات الإنسان هي التي تتغلّب على الزّمن الخطّي والدّائريّ معا لأنهّا ليست لحظة هندسيّة بل هي لحظة وجدانيّة بامتياز تندمج في الذّات وتتخلّل المشاعر وتلمع كومضة برق... فتتملّص من المكان وتتحرّر من الامتداد... وتعانق السّرمديّة وتُجسّد الخلود فمن منّا لم تمرّ بحياته لحظةٌ صَدَمَتْ كيانه في فقدان عزيز أو لحظة لقاء حبيب لأوّل مرة أو لحظة سماع إعلان نتيجة نجاح في امتحان هام... وغيرها كثير من اللّحظات التي مرّت بنا في حياتنا منذ زمن الطّفولة فأثّرت فينا أيّما تأثير وانطبعت في وجداننا وبقيت هناك في أعماق شعورنا تَبْرُز كلّما سنحت الفرصة وكأنّها تَحْدُثُ في الهُنا والآن دون أن تتقيّد بهما، إن هذه الحالة "اللاّ زمنيّة" بمعنى اللاّمحدودة في المكان هي اللحظة المطلقة والسّرمديّة، وهي التي يمكن تسميتها باللّحظة الأبديّة طالما أنهّا لم تندثر مع اندثار الزّمن بل قد يحدث لها أن تُنسى لكنّها لن تَفْنَى إذ يكفيها وَمْضَة تَذَكُّرٍ حتى تبرُز للوجدان من جديد وتُجَسِّد ديمومتها ضمن علاقة الذّات بالذّات وداخل مناخ حوار الفكر مع ذاته وفي عُمق تأمّلاته وأوج مشاعره. لذلك يمكن أن تكتسي هذه "اللّحظة العجيبة" صفة العبور إلى الخلود حين نتحدّث عن إشراقة الإبداع الفنيّ والفكري والأدبي التي تظهر في لمح البصر دون سابق تخطيط أو تنبيه...، تَبْرُزُ هكذا في ذهن الفنّان أو المفكّر أو الأديب فتكون الشّرارة الأولى التي تُوقِظُ الفكر لإنتاج ما يُنتِج من أعمال ابداعيّة بها يُحقّق ضربا من الخلود، فتكون هذه اللّحظة لَمْحِيَّة البُروز وأبديّة الخُلود.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- عمر حرقوص يكتب: فضل شاكر.. التقاء الخطَّين المتوازيين
- فريق بايدن استعان بخبرات سينمائية لإخفاء زلاته.. وسبيلبرغ شا ...
- معرض الدوحة الدولي للكتاب يختتم دورته الـ34 بمشاركة واسعة
- منح المخرج الروسي كيريل سيريبرينيكوف وسام جوقة الشرف الفرنسي ...
- بعد 14 عاما...أنجلينا جولي تعود -شقراء- إلى مهرجان كان السين ...
- اكتشاف سر نشأة اللغة لدى أسلاف البشر
- مهرجان عامل.. محاولة لاستعادة الحياة في كفررمان جنوب لبنان
- مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة... فضاء للتجديد الروحي ...
- زوجات الفنانين العرب يفرضن حضورهن في عالم الموضة
- صور عن جمال الحياة البرية ستذهلك


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوزية بن حورية تونس - اللحظة الابدية!