عباس التميمي
الحوار المتمدن-العدد: 1776 - 2006 / 12 / 26 - 09:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تنطوي عملية (المثاقفة على بعد تأويلي وتجديدي معا من خلال الرؤية الكونية التي أشرعت بها الثقافة كبعد ( تقدمي وعقلي) لمجمل المسيرات التاريخية والمحصلة الفكرية لمراحل النمو الحضري والتقدم المدني للجماعة الإنسانية ومفهوم لثقافة culture مفهوم التباسي تشعبت دلالته واختلط مع مفاهيم أخرى كالحضارة والمدنية وخاصة في بدايات استخدامه منذ عصر الأنوار ويرجع الفضل في إشاعة هذا المفهوم إلى الفيلسوف الألماني (هيردر) في كتابه (أفكار حول فلسفة التاريخ) في بدايات القرن الثامن عشر حيث تطابق هذا المفهوم مع مفهوم أخر هو( الحضارة) لتغدو الثقافة في عرف ذلك العصر عملية عامة للتقدم الفكري والروحي والمادي وكلا شاملا للأفكار أو الآداب والفنون والبناء والمدنية وبعد هذه المرحلة وعند نهاية القرن التاسع عشر طرأت بعض التغييرات على الموقف من الثقافة فأعطته حيزا جديدا وبعدا ( نقديا ) فاعلا لتكون (الثقافة ) في هذا القرن النقيض الحي ( للحضارة ) ولترتكز الحضارة على جوانب المادية والعمران والمدنية ولتصبح (الثقافة) موقفا نقديا ملتزما بالإنسان وقضاياه على حد تعبير الناقد (تيري ايجلتن) في كتابه الهام (فكرة الثقافة) وظل هذا البعد النقدي يلازم الثقافة الحرة وتحمل معه المثقفون تبعات هذا الموقف (فالثقافة ) إذن (حيازة إبداعية) أي أسلوب وتصور ، تخيل وتفكر وأحلام وعقد وتصميم وإبداع في الفن والأدب والحضارة ( حيازة تنظيمية) تتصل بأسلوب الحياة والسلوك والتعامل والنظام .(مقال مدني صالح- الثقافة والحضارة والمدنية (مجلة الموقف الثقافي العدد 21-1999)
وبرز بعد ذلك دور المثقف -intellectual بل وأصبح (المثقفون) طبقة مميزة لها همومها الخاصة باعتبارها طبقة (متخصصة) وتمتلك المعرفة وتمارس عملا فكريا تنويريا ويقودون مجتمعاتهم بالسعي في عملية التأثير على المجتمع أو على السلطات السياسية والدينية وعلى هذا الأساس نشأت فكرة (المثقف العضوي) عند الفيلسوف الايطالي انطونيو غرامشي وأطروحته (المثقف الناقد) عند(ادوارد سعيد) لتقف عند هذا الدور وما يلعبه المثقف من تأثير في قضايا المجتمع ليمارس فعاليته التنويرية فينقل الثقافة معه من مجرد موقف عائم إلى موقف ايجابي ومنفعل بقضايا العصر والإنسان ولو تتبعنا مسيرة الفكر والثقافة في أوروبا ورصدنا التحولات في مجمل الحياة الثقافية بحسب الترسيمة التالية:
عصر النهضة
القرون الوسطى
عصر التنوير
الحداثة
مابعد الحداثة
لرأينا إن كل مرحلة من هذه المراحل كانت تمثل قطيعة معرفية وتقدما في الرؤيا الشاملة للكون والوجود قام به مثقفوا كل هذه المراحل المارة الذكر وأحدثوا تحولا وتجديدا في السياسة والأدب والفلسفة والدين على حد سواء وكان الاحتكام إلى (العقل) يمثل الركيزة الأساسية والمنطلق الأساسي لكل هذه التحولات حتى بلغت هذه النزعة العقلية الذروة في ( عصر الأنوار) حيث عد (العقل) سلطة معرفية وكونية شاملة يرتد إليها الإنسان ولا يعلو على هذه السلطة شيء أخر وهذا الموقف (من العقل) هو الانطلاقة الأساسية لإحداث التغيير والتحديث ويجب على ثقافتنا العربية الالتزام (بالعقل العلمي) كمرجعية شاملة في التعامل والنظر اى الظواهر الاجتماعية والسياسية والمعرفية وسلاح العقل الفاعل هو(النقد) كفاعلية ديناميكية وإعادة للقراءة واستئناف للنظر والتساؤل وتلتقي هذه النظرة مع إشارة عبر عنها الشاعر والناقد أدو نيس في كتابه ( مقدمة للشعر العربي) حيث يقول ( التساؤل علامة التحول والقبول علامة الثبات) فالتساؤل يرتد بنا إلى الأصول الفلسفية الأولى للثقافة اليونانية حتى كان السؤال لب التفلسف وبالتالي شكل المنطلق الحي لبناء معرفة متقدمة في لفكر والممارسة وكل تساؤل هو بالضرورة (رغبة) لإحداث التغيير ولأدراك الفهم ولإثبات الذات العارفة والتي تدخل مع الواقع الموضوعي في جدل للفهم والتغيير.
أم (القبول) فهو ( اليفين) الثابت هو البقاء على وضع واحد وعلى فهم واحد للأشياء والظواهر ومازالت مجتمعاتنا العربية –الإسلامية تتجاذبها هذه الرؤية اليقينية الثابتة) والتي ترفض التغيير والتساؤل وتحجر على العقل وتمنع النقد وبذلك يتراجع المجتمع ويبقى على تخلفه خارج التاريخ وبعيدا عن التحولات لكي يعيش في هامش قصي تفتك به إمراض والعقد السيكولوجية .
ويبقى التساؤل مستمرا هل يستطيع المثقفون العرب إحداث تغيير في مجتمعاتهم نحو فهم جيد يرتكز على العلم وكشوفات مابعد الحداثة ؟
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟