يلاحظ كل من يتابع الاحداث السياسية في البلاد وعلى الأخص في المناطق الكردية ـ الجزيرة ، عفرين ، عين العرب ، وبين التجمعات الكردية في المدن الكبيرة مثل دمشق وحلب ـ بان تحركاً غير طبيعي انما يجري في هذه المناطق والتجمعات السكانية ، ويتجسد ذلك في كتابة الشعارات على الجدران، وتوزيع البيانات والنشرات على المحال والمنازل، أو القيام بالتظاهر في بعض المدن والبلدان باعداد محددة في اغلبها من النساء، تدعو الى التحريض ودعوة الجماهير للقيام بما من شأنه إحداث التغيير في سوريا كما يسمونها، وقد زادت وتيرة هذه التصرفات والممارسات في الفترة الاخيرة والتي اتسمت بطابع الاستفزاز والانفعال وتأجيج المشاعر القومية بين ابناء الشعب الكردي حتى باتت تثير التساؤل لدى الوطنيين الكرد، مما يدفعنا ايضا بأن نبدي برأينا والذي يتمثل في الملاحظات التالية :
1 _اننا نعتقد اعتقاداً جازما بان القضية الكردية تشكل جزءا لا يتجزأ من القضايا العامة في البلاد، وان حلها يمكن ان يتم من خلال حل مجمل القضايا في البلاد، كما ان الحركة الوطنية الكردية تشكل بدورها جزءا من الحركة الديمقراطية، ومن الخطأ الفادح وفق نظرتنا للأمور اعتبار القضية الكردية منفصلة عن قضايا البلاد العامة، لأن ذلك يحشرها في زاوية قومية ضيقة بحيث يسهل على القوى الشوفينية والرجعية ضربها وتشديد الخناق عليها عندما تريد ذلك وقد برهنت الاحداث صواب هذا الراي خلال مراحل النضال التي مرت بها الحركة الكردية.................
2 ـ اننا نشارك القوى والاحزاب في البلاد الراي بان النظام الديمقراطي كفيل بان يجد الحلول الصحيحة والمناسبة لمجمل المشاكل والقضايا السياسية والاجتماعية العالقة في البلاد بما فيها القضية الكردية، ومن هذا المنطلق ناضل حزبنا ولا زال جنبا الى جنب مع الحركة الوطنية في البلاد من اجل تحقيق الحياة الديمقراطية وهو لم يتوان عن مد يد التعاون والعون الى سائر القوى والاحزاب العربية والكردية دون استثناءفي سبيل تحقيق هذا الهدف النبيل، وقد تحمل الكثير من المتاعب والمعاناة جراء مواقفه السياسية من جهات مختلفة وفي مقدمتها الاجهزة القمعية في البلاد، ومن امثال هؤلاء الذين يطرحون اليوم مثل هذه الشعارات وكانوا بالامس يرفعون نقيضها.
اما عن الاصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي الذي ينشده الشعب السوري في هذه المرحلة فهو بالتاكيد مطلب ملح لكل الذين تعز عليهم ((حقوق الانسان وحريته وكرامته)) وهو في الوقت ذاته مهمة لكل وطني حريص على استقلال البلاد وازدهارها وتقدمها. ولكن من الضروري ان ندرك ويدرك هؤلاء السادة ايضا ، بان التغيير المطلوب هو بالدرجة الاساسية من مهام القوى والاحزاب العربية التي تتولى مهمة النضال بين الاكثرية الساحقة من ابناء الشعب السوري ، ومن ثم رافدها الحركة الديمقراطية الكردية ،ونشدد هنا على كلمة "رافدها" وليس طليعتها كما يحلو للبعض ان يصورها .
3 ـ يعرف كل من يمارس العمل السياسي في سوريا بان الشعب الكردي محروم من ابسط حقوقه القومية ، وعلاوة على ذلك فانه يعيش وضعا استثنائيا في كافة ميادين الحياة حيث يتعرض منذ حوالي نصف قرن لسياسة الاضطهاد والتمييز القومي وطبقت بحقه خلال هذه الفترة ابشع المشاريع العنصرية التي استهدفت كيانه ومحو خصائصه القومية ، مثل الحزام العربي الذي طبق في محافظة الجزيرة وحرم المواطن الكردي من لقمة العيش ، والاحصاء الاستثنائي الذي جرد بموجبه عشرات الآلاف من المواطنين الكرد من حق المواطنة المقدس مما زاد من معاناتهم وبؤسهم في المجالات المعيشية والثقافية والصحية وغيرها ...
وازاء هذا الوضع الشاذ لاريب بان للشعب الكردي كل الحق في ان يناضل بما اوتي من قوة وامكانات ضد هذه الممارسات الشوفينية والمشاريع العنصرية بغية ازالتها والتخلص منها ولتحقيق مساواة المواطن الكردي في الحقوق والواجبات مع بقية المواطنين في البلاد والحصول على حقوقه الثقافية والاجتماعية والسياسية كقومية ثانية في البلاد ولايمكن لاحد يحمل قدرا من الانصاف ان يسكت عن مثل هذه الممارسات العنصرية أو يتقاعس في مناهضتها أو ينكر على ابناء الشعب الكردي للنضال ضدها .
والاحزاب الكردية التي يقع على عاتقها بالدرجة الاولى واجب النضال ضد هذه المشاريع والسياسات الشوفينية مدعوة لان تنتهج سياسة موضوعية توفر لها اسباب النجاح والوصول الى الهدف المنشود في تحقييق حقوق الشعب الكردي والتخلص من السياسات والمشاريع الشوفينية، وان لا تنجر وراء العواطف او تخضع للآراء القومية الانعزالية الضيقة التي تتنامى عادة في اجواء سياسة القمع والتمييز التي تمارس نحو ابناء الشعب الكردي اللذين يشعرون بالغبن والاجحاف والحرمان من التمتع بابسط الحقوق القومية .
وهنا لا يسعنا ايضا الا ان ندعو الاحزاب والجهات التي تتبنى أو تشجع التيارات المتطرفة في الوسط الكردي ان تتخلى عن مثل هذه المفاهيم الخاطئة والممارسات الانعزالية ، ذلك لان تجارب الشعوب لم تثبت ولو لمرة واحدة بان التطرف وسياسة المغامرة كانت ناجحة على مر التاريخ أو انها حققت للشعوب ما كانت تصبو اليه من حقوق ، بل كانت دوما وبالاً عليهم وسببا مباشرا للانتكاسات ، هذا عدا عن انها توفر ذرائع لاجهزة القمع وللاوساط الشوفينية الحاكمة لممارسة المزيد من التنكيل واثارة مشاعر الحقد والكراهية بين اوساط القومية الكبيرة السائدة ضد القوميات والاقليات التي تعيش معها في البلد الواحد.
المقالة الافتتاحية( لجريدة الديمقراطي) لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا العدد -444- اوائل تموز