الدوامّة

محفوظ فرج

الحوار المتمدن-العدد: 1770 - 2006 / 12 / 20 - 09:27
المحور: الادب والفن
    

تتقاذفه الطرقات من محطة إلى محطة ومن موقف إلى موقف يترصد مركبة قادمة وامرأة تنتظر في الزحام .... داومة تراوده في كل آونة أينما حل يرسم صورا يسرح في تفاصيلها عندما يخلو إلى نفسه تتداعى مواقف الزحام على أبواب المركبات وتلتهب في داخله نوازع يجد من خلالها الأساليب والطرق التي يحجز للنساء أماكنها ثم يجره ذلك إلى الطرق الرقيقة التي تحتوي المرأة وتهدهد عواطفها لتميل إليه .. العناية بالأمهات المنتظرات مع بناتهن مفاتيحه نحو أبواب القلوب المغلقة من الفتيات العناية بالعجائز المسافرات بمرور الزمن أصبحت طبيعته حتى وإن كن لوحدهن لقد تحولت هذه الطبيعة من الوقوف بجانب المركبات في المرآب إلى الوقوف على رصيف الشارع المؤدي إليه يترصد المسافرات من بعيد ليخف إليهن محلقا بأجنحة الخيال فيحمل عنهن حقائبهن محطات السيارات علاوي الحلة ، النهضة ، النجف الموصل ، كربلاء ، فنادقه المفضلة ، سريره الوثير حين يسند ظهره مساء إلى عمود في مرآب حين تختلط أنفاسه مع رائحة السوائل التي تتقيؤها السيارات أثناء وقوفها ، إنها رائحة تلذع حواسه باللذاذة ، والاشتهاء سائقو المركبات في كل موقف لا يعترضونه حين يحجز لأية مسافرة مكانا لأنه يساعدهم حين يقوم بدور من يجمع الأجر .....

هذه الدوامة بين محطة، ومحطة، وشارع، وشارع، ومدينة ، ومدينة أحيانا يخرج من دائرتها إلى ما يغريه في الاستمرار بها إلى نهاية المطاف ... قطبان رئيسيان تنازع عليهما المفكرون مرجحين قطبا على قطب ، وموفقين بينهما ... يخرج أحيانا من دائرته إلى عمل يجمع فيه مبلغا يتيح له السفر ، وسد الرمق ، ويخرج ثانية حين يحل ضيفا في بيت مسافرة حمل حقائبها إلى دارها فدفعه فضوله إلى الدخول معها أو ألحت عليه هي لترد جميله ....

شوهـــــــــــد

1ـ قرب منارة سامراء الملوية أيام العيد يبيع صور الفنانين وهو يصيح بأعلى صوته ( اصرف نظر تشبع قهر صورة كاظم الساهر اثنان ونصف دينار للحلوين وبس )

2ـ يبيع الحلوى في المكان نفسه

3ـ يتشاجر مع مسافر لأنه حجز مكانه لامرأة عجوز

4ـ أعلى رواق شباك الأسواق المركزية يوزع للنساء العجائز حصصهن ويهمل الفتيات

5ـ سكرانا على ضفاف دجلة مع أصدقائه يصفق ويغني :

( مالي أرى القلب في عينيك يلتهب أليس للنار يا أخت الشقا سبب

آه لو كانت لدي سيارة

إحدى العجائز كانت تود إيصالها إلى دارها فحملت معها بضائعها وهي في حيرة من أمرها أمام طيبتي وشهامتي ...... حين دخلت دارها صاحت على بناتها فسلمن عليّ فأشارت لهن بخدمتي كانت كل واحدة منهن تفوق الأخرى خفة، وأريحية، وحسنا فبت ليلة يحسدني عليها عمر بن أبي ربيعة المخزومي ..... آه لو كانت لدي سيارة ولكن الأمور لم تكن على ما يرام في كل مرة . مرة حملت لامرأة فراشها وحقائبها تدافعت في الزحام تسلقت من شباك السيارة فحجزت مكانا لي ولها تصورني الركاب زوجها ؛ أخذت في الطريق تقرب وجهها مني وتطلق أنفاسها الحرى العبقة ، وحين وصلنا أغرتني في استضافتها فما إن وصلت إلى دارها حتى خرج زوجها فقالت له أعط الحمال أجره واصرفه فأعطاني أجري ورجعت خائبا ... أخرى نزلت في المرآب لم تكن تنوي الذهاب إلى بيتها ألحت علي بأن تخلو معي في مكان هادئ ذهبت معها إلى أحد المتنزهات جلسنا في مكان ما فجاء إلينا رجال ثلاثة تبين لي أنهم من أقربائها سألوها عني فتلعثمت فانهالوا عليّ لكما وضربا فوجدت نفسي في المستشفى . أخرى هرعت إليها حين لمحتها من بعيد تحمل طفلها بيد وحقيبتها بيد أخرى وراءها طفلة صغيرة حملت حقيبتها وطفلتها الصغيرة ، حجزت لها الحوض الأخير من السيارة ن هي بيضاء واسعة العنين معتدلة القوام سألتني ما هو تحصيلك الدراسي ؟ كذبت عليها وقلت أنهيت الإعدادية ، أخذت تحدثني حديثا لم أكن أرغب الخوض فيه . روايات لمؤلفين أجانب لا أعرف أسماءهم وكلام عن معانات المرأة وقصور فهم الرجل لها حين يتصور أن أية مجاملة لامرأة معه يفسره خلاف ما تريد هي ........ هذه المرأة علمتني كثيرا حين قالت : إن كثيرا من النساء لهن دور في سوء فهم الرجل للمرأة نتيجة ما يعانيه من أمراض نفسية فيتصور الرجل أن كل النساء هكذا هذه المرأة شكرتني في المحطة التي نزلت بها ، ورفضت مساعدتي لها

آه لو كانت لدي سيارة لما أبقيت امرأة مسافرة تنتظر )

لم يكن يعلم أن هذه الأمنية المراودة له في صحوه وسكره ستسافر به بعيدا لتطفئ ولعه ، وتوقف هذه الدوامة التي لا تنفك تلح عليه في ملازمة المحطات من أول الفجر حتى المساء .... خرج يوما يبيع الملابس المستعملة لمدة أسبوع فوجد في أحد الملابس مبلغا من الدولارات كان فيها حلمه المنشود ؛ اشترى فيها سيارة لنقل العجائز المنتظرات في الزحام إلى حيث يرغبن فابتسمت له الدنيا أياما معدودات ولكنها سرعان ما تناثرت أحلامه حين نقل مجموعة من النساء والرجال إلى مدينة قريبة من مدينته وبعد أن أوصلهم عاد لوحده ثملا وكأنه في حلم يخشى أن يوقظه أحد فيفر منه فاصطدم ب( بلدوزر ) شقه وسيارته إلى نصفين .

#محفوظ_فرج (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات