أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي السالمي - لي جارة















المزيد.....

لي جارة


رامي السالمي

الحوار المتمدن-العدد: 1768 - 2006 / 12 / 18 - 09:03
المحور: الادب والفن
    


جدارٌ صغيرٌ يفصلُ بين جارتي و سريري ، جديدٌ علمتُ أن لي جارةً حين انتقلتُ مع سريري إلى زاويتي الجديدة التي سأسكن فيها، هناك لم يكن لي جارة بجانب سريري ..اليوم لي جارة.
ذات ليلة و أنا على ُكرسِي استخدمُ جهاز الحاسوب بدأت أسمع موسيقى غريبة تأتي من جهة الجدار لم أسمعها من قبل، حيثُ توقفت أصابعي على لوحة المفاتيح، و بدأتُ استمعُ للموسيقى التي تُعزف بدقة، كأن هناك أوركسترا خلف الجدار، و عندما انتهت لم أسمع تصفيقاً لمن كان يعزف، لكني سمعتُ خُطوات أشبه بالموسيقى التي سمعتها فكرتُ قليلاً فتذكرتُ أن لي جارة، كانت تلك الخطوات هي خطواتها، انتظرتُها لتعودَ للعزف لكن يبدو أنها كانت متعبه فذهبت للنوم، و بسرعة اختلط الليل بالنهار فأنجبا ليلةً جديدة لي لتعودَ جارتي تعزف جديدها فبدأت أسمعُ، و أدقق الموسيقى و إذا بي أقتربُ بخطوات اللص حتى وصلت للجدار، هنا اكتشفتُ أنني لا أستطيع أن أخترق الجدار بخطواتي المتلصصة. فعدت إلى كرسيَ استمعُ و أفكر كيف سأخترق جدار جارتي الملعون لكي أشاهدها، وهي تعزف بآلاتٍ أشك أنها غربية. حينها بدأت أفقد أعصابي، فهمس الشيطانُ في أذني و قال لي احفر خرماً صغيراً في وسط الجدار، و بدون تردد حملت قلمي؛ لأحفر خرماً، فاصطدمت بخارطة وطني ملصقةً على الجدار، فعتُ مهزوماً إلى كرسيَ، و انتهت الموسيقى بخطوات جارتي التي غادرت لتنام.
تركتُ سماع موسيقتي المعتاد عليها، و بدأت أنتظر كل يوم موسيقى جارتي حيثُ كان سؤالاً يطاردني كل يوم .. ألم تعلم حين تبدأ العزف يبدأ الليل، و الجيران يبدؤون الدخول في فراشهم ؟!! سؤالاً كان يتردد كل ليلة عندما يلتصق رأسي على وسادتي المحاذية للجدار على أنغام عزفها، كم كنتُ أتمنى أن أطرق على جدارها لأسألها لكن في كل مرة يسقط على رأسي بقايا التردد من أعلى الجدار، و توقف يدي خوفاً أن أوقف عزفها .
فهل هي صماء لم تسمع صوت آلاتها الموسيقية المرتفعة ؟!!! أم أنها كفيفة لم تعرف متى يبدأ الليل ؟!!!
احتار أمري يـا جارتي فتركتُ كل شيء و لم يبقى لي سوى علامات الاستفهام، و التعجب تعانق عنقي كل ليلة فيفيقُ جسدي أشلاءٌ منثورةٌ على جداركِ يدعوكِ أن تكفي عن عزفكِِ الجميل , و الله قد آمنت ُ بأناملك الساحرة , فارحمي جسدي المعلق على السرير .
عذراً إنني لا أشكك في فَنِك لكنكِ لا تعلمين بأن واجهة الجدار في زاويتي قد أوشكت على الانهيار ؟ أدعوكِ لتشربي القهوة معي و أنظري إلى الشقوق و بعض الثقوب الصغيرة التي تنزفُ رملاً على وجه وسادتي النحيفة فلا أستطيع إعادة ترميم ما أحدثته موسيقاكِ المرتفعة كل ليلة لعلكِ ترحمي فقري فارحميه. كتبتُ دعوتي على جداري لتقرأها لعلَ و عسى أن تقبلها، لكن تذكرتُ شيئاً مهماً أنها لم تشاهدني من قبل فكيف ستتعرف على شكلي ؟ فقررتُ أن أرسم صورتي على غلاف الدعوة، جمعتُ ألواني و بدأت بالرسم حتى اكتملت تفاصيل الصورة، فدب النومُ في جسدي شيئاً فشيئاً فاستلقيت قبل أن أرسم صورتها التي لم أشاهدها من قبل.
أُغلقت عيناىَ و بدَأَت خطوطٌ بيانيةٌ ملونةٌ تتزاحم لرسم صوراً لها، مكونةً جداريه أشبه بملامح خريفٍ مفعم بالأنوثة، بدأتُ أجمع أجزاء جسدها المتناثر مكوناً تضاريساً صيفيةً لجارتي كعزفها المجنون، دقت زجاج نافذتي بموعدها، و وصلت بيديها تداعب وجهي النائم بابتسامتها الدافئة، و أمسكت بيدي لنرقص الصباح قبل أن نشرب القهوة، رقصنا حتى احتضنَ الدفء جسدي، و امتلأ وجهي بأشعتها الذهبية، و اقتربت بوجهها إلى عنقي تهمسُ قائلة: قد إنتهت العصافير من تغريدها فلمَ نرقص ؟!! فُتحت عيناىَ فوجدت الشمس تضيء جسدي، و بسرعة نظرت إلى ساعتي ثم إلى واجهة جداري، فلم أجد رداً على دعوتي لجارتي، ظننتُ أنها لا تجيد الكتابة و بدأتُ الانتظار مع صنع القهوة بكل تمهل لتكون رائحة قهوتي الساخنة في استقبالها فانتشرت الرائحة في كل أجزاء زاويتي و بدأ الصبر ينفذ شيئاً فشيئاً حتى وصلتُ لنهاية فنجان قهوتها الذي لم تحضر لشربه، و بصوت عالي قلت لها: لقد شربت فنجان قهوتك الساخن فلن أدعوكِ مرة أخرى لتشربي قهوتي في زاويتي الصغيرة. فلم ترد على صراخي فقلت لها: سوف أرفع شكوى قانونية ضدكِ، و كأنها صماء لم تسمع أم أنها لم تكن في زاويتها خلف الجدار و بسرعة بدأتُ في كتابة شكوتي.

السيد/ أبي
تحياتي العائلية لكَ و لأسرتنا العزيزة و بعد ،،
هذه شكوى ضد جارتي التي تسكن خلف جدار زاويتي التي تعزف كل ليلة بآلات أعتقد أنها غربية، إنها تعزف بشكل جميل لا أنكر ذلك لكنني تعبتُ من موسيقتها كل ليلة، و كأنها فاقدةٌ للإحساس و المشاعر بأن هناك جاراً يسكن بجانبها فأرجو منك سيدي أن تدعو هذه الجارة بأن تكفُ عن عزفها المستمر كل ليلة مكتفية بممارسة عزفها في وقت النهار.
أرجو أنْ يأخذ القانون بشكوتي هذه ... إبنك المخلص و لأسرتنا.

هذا كان نص الشكوى التي تقدمتُ بها لوالدي و بسرعة لم يتردد في أن يترك كل قضاياه و أن يحضر لزاويتي ليبدأ بأخذ أقوالي كاملة فقلت له ما أملك من حروفا و كلمات تدعم شكوتي، فضحك أبي و رد قائلاً: لكَ الحق في شكوتك المقدمة لكننا لا نستطيع فعل أى شئٍ ضدها و ذلك لأنها أمٌ تمارس واجبها كأى أم في بيتها. حين سمعتُ أنها الأم أصابتني الدهشة. إنها أم و تمارس واجبها كأى أم في بيتها؟!! ماذا تقصد و عن أى أم تتحدث إنني أقصد جارتي المجاورة لزاويتي هنا. الأب: نعم و أنا أقصد ذلك.
بدأتُ أفكر ماذا يعني أبي بقوله أنها أمٌ و تمارس واجبها في بيتها و سألت نفسي إن كان هذا واجب كل أم إذاً لماذا أمي لم تعزف مثلها كل ليلة؟!! تركت أبي و استلقيتُ على سريري محاولاً أن أجد تفسيراً منطقياً لما يقوله، و في لحظة راودني الشك بأنه صديقُها و بدون تركيز متجاوزاً حدودي نهضتُ من سريري و قلت له: لا تشبهها بأمي فأنت تدافع عنها لأنها صديقتك فصفعني على وجهي، و أخذني إلى أمي و سألها ماذا تفعلين هنا؟ أمي أجابت وسط دهشتها: إنني أنظف و أطهو و أغسل كالعادة، ما بكما؟! أبي تجاهل سؤالها و عاد بي إلى زاويتي مشيراً إلى زاوية جارتي قائلاً: و هي أيضاً تفعل ما سمعته من أمك، و ترك زاويتي و خرج.
حينها أدركتُ حقيقة زاوية جارتي التي هي زاوية كل أم تمارس فيها عملها البيتِي لكنها ليست كأى أم إنها مميزة في ممارسة واجبها البيتِي و مبدعة في إستخدام أدواتها " المطبخية " التي تعزفُ بها بتمكن و كأنها تعزف نوته موسيقية. فقررت سحب شكوتي المقدمه ضدها، و أن أحفرَ لها شهادة شكرٍ على واجهة جدار زاويتي في غرفتي الصغيرة.



#رامي_السالمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثوباً جديداً
- النساء ... أم .. الرؤساء


المزيد.....




- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي السالمي - لي جارة