أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - روث ميلكمان - تنظيم ما لا يمكن تنظيمه: الشرارة الغير متوقعة لنهوض العمال من جديد















المزيد.....


تنظيم ما لا يمكن تنظيمه: الشرارة الغير متوقعة لنهوض العمال من جديد


روث ميلكمان

الحوار المتمدن-العدد: 1767 - 2006 / 12 / 17 - 11:02
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


في 1990، بعد سنوات قلائل من التنظيم المكثف، مجموعة مهاجرين من عمال الحراسة في لوس انجيليس دخلوا اضرابا، وتعرضوا للضرب الوحشي من البوليس، وبعدها ظفروا بالاعتراف بنقابتهم. ما لم يكن ظاهرا في العلن، ان هؤلاء العمال طردوا من النقابة وحل محلهم مجموعة من المحامين ومهنيين باجور مرتفعة في المكتب الفخم بابراج سنيشري سيتي، وهو حي راق في لوس انجيليس. معظمهم مهاجرون من المكسيك وامريكا الوسطى، كثيرون منهم بلا وثائق. مثل عدد لا حصر له من العمال ذوي الاصول الاجنبية الذين يسكنون سوق العمال ذوي الياقات الزرقاء في احياء جنوب كاليفورنيا الفقيرة، عمال الحراسة هؤلاء يعملون ساعات طويلة في اليوم مقابل اجور هزيلة، في ظروف عادة اقل من المستوى (واحيانا غير قانونية).

انتصار سنشري سيتي كانت نقطة تحول بالنسبة للحملة الوطنية "العدالة لعمال الحراسة" التي يقودها الاتحاد الدولي لعمال الخدمات (SEIU)، الذي سوف يستمر في احراز انتصارات في سلسلة من العقود الجماعية التي تضمن اجورا وظروف عمل احسن لاعداد متزايدة دائما من عمال الحراسة في جنوب كاليفورنيا، اضافة لأمثالهم في العديد من المدن الامريكية الاخرى. بنهاية القرن الاتحاد المحلي لعمال الحراسة لم يتماسك موقفه وفقط داخل صناعة خدمات بنايات لوس انجيليس بل ان هذا الاتحاد اصبح واحدا من اهم النقابات واكثرها حيوية ونفوذا سياسيا في المدينة والصوت المدافع عن جمهور عماله المهاجرين من الاصول اللاتينية.

بمعاييرالارقام، انتصار عمال الحراسة كان تطورا ضعيف الوزن، يشتمل فقط على بضعة الاف قليلة من العمال في ثاني اكبر مدينة في البلاد. الا انه في اوائل التسعينات، بعد عقود من تفكيك النقابات وفي مناخ سياسي غير موات بشكل قاتل، يعتبر اي تقدم في الحركة العمالية داخل الولايات المتحدة انجازا ملحوظا. في لوس انجيليس المشهورة تاريخيا بانها "مدينة الشركة" كان الامر مثيرا على نحو خاص. وحقيقة ان الابطال الرئيسيين ومن بينهم المهاجرون بلا وثائق – لوقت طويل كانوا في ظن الكثيرين اناس "عصية على التنظيم" – يبدو الامر كما لو كان تقريبا معجزة. اشعل نجاح عمال الحراسة شرارة عودة النقابات لتنظيم الطائفة وحملات العدالة الاقتصادية القائمة على المجتمعات المحلية في لوس انجيليس، موجة من النشاط الذي انتشر مذاك في انحاء الامة – مسلطا الضوء على الامكانيات المستقبلية لعودة النشاط العمالي بشكل اعرض.

تحول العمل في نهاية القرن العشرين الذي اتخذ شكل تفكيك النقابات واعادة الهيكلة، اضافة الى تدفق المهاجرين الى صف العمالة منخفضة الاجور، كانت ظاهرة قومية وكوكبية اكثر منها تطورات اقليمية او محلية. ولكن مثل الاتجاهات الاجتماعية المماثلة، بانت تلك الظاهرة بشكل مبكر وبمقاييس اوسع في جنوب كاليفورنيا اكثر منها في اي مكان اخر. في السبعينات والثمانينات، جزئيا بسبب دور لوس انجيليس الرائد في تحول قوة العمل تحت وطأة اصحاب العمل الى قوة عمل موسمية، جذبت لوس انجيليس فيض هائل من المهاجرين الى مناطقها الحضرية بسوق عملها المنخفض الاجر. العديد، خصوصا هؤلاء القادمون من المكسيك وامريكا الوسطى ، وصلوا بزاد قليل من المال وقليل من التعليم. القادمون الجدد غالبا ما كان ينقصهم الوثائق القانونية اضافة الى انهم اصبحوا بلا حماية او مناعة ضد ممارسات استغلال العمل البشع التي ازدهرت مجددا في تلك الفترة.

وعلى العكس من ادعاءات بعض المعلقين بان فيض المهاجرين الفقراء فاقم من ازمة تدهور الاجور، والفوائد وظروف العمل في مجال الخدمات والبناء ووظائف الياقات الزرقاء الاخرى، افترض التوقيت ان العمل الموسمي يسير في الاتجاه المضاد: اصحاب العمل استأجروا المهاجرين اساسا في السنوات التي تم فيها انحطاط الوظائف محل النقاش بواسطة تفكيك نقاباتها واعادة هيكلتها. تختلف التفاصيل باختلاف الصناعة، ولكن المجهود الاعظم لاصحاب العمل لالغاء النقابة من محلات العمل في السبعينات والثمانينات قاد العمال الوطنيين لهجر تلك الوظائف مما اضعف من تلك النقابات، وانخفضت الاجور وتبخرت فوائد وضمانات الوظيفة. فقط حينئذ تحرك المهاجرون الى تلك الوظائف الخالية. وبعدها مباشرة، على عكس الحكمة السائدة وقتها، قوة العمل الاجنبية برهنت على انها كانت عاملا محوريا في تيسير استعادة النقابات لقوتها في المنطقة. لم تكن النقابات ابدا في اي لحظة متشائمة من وجود المهاجرين – في الواقع، لقد اعتمدت النقابات عليهم للقيادة والنمو خلال تاريخ الولايات المتحدة. اثناء سنوات تشكل النقابات، نمو العمل المنظم كان يعتمد بشكل واسع على ضم المهاجرين واولادهم الى صفوفها، الذين شكلوا الحصة الاعظم من الطبقة العاملة في المناطق الحضرية والصناعية للبلاد حيث كانت تلك هي مواقع اولية لبناء النقابات.

في سنوات النيو ديل، وللمفارقة، كانت اصول زعماء العمال انفسهم في الولايات المتحدة بشكل غير متناسب اصول اجنبية، حتى عندما كانت المشاعر المعادية للمهاجرين داخل النقابات في قمتها.

وبالضبط كما حصل مع المهاجرين الاوروبيين في الغرب المتوسط، جلب العمل المنظم تحسينات ملموسة على الوضع الاقتصادي للامريكيين من اصول مكسيكية في كاليفورنيا في ثلاثينات واربعينات القرن العشرين، اضافة الى خلق فرص جديدة لظهور قيادات منهم. حتى عندما امتلكت النقابات طابعا يساريا واضحا، كما كانت الحالة غالبا، اشتملت النزعة النقابية بين الامريكيين المكسيكيين في لوس انجيليس "في جوهرها على محاولة سلالة اجيال المهاجرين وهؤلاء الذين وصلوا الولايات المتحدة في شبابهم على ادماج انفسهم في المجتمع الامريكي" – كما يقول المؤرخ جورج سانشيز. "للمفارقة، مثل هذا النشاط العمالي والسياسي غالبا ما خدم كاعظم "عامل امركة" في ثلاثينات واربعينات القرن العشرين".

ولكن هذا التاريخ تم استئصاله لحد بعيد من الذاكرة العامة في السبعينات والثمانينات، عندما عادت موجة الهجرة الواسعة. مثل اقرانهم منذ قرن مضى، كلا من منظمي النقابات واصحاب العمل افترضوا ان القادمين الجدد الفقراء وانصاف المتعلمين في السنوات الاخيرة هم اناس غير قابلين للتنظيم في نقابات. بعد كل ذلك، اعتبر عديد من المهاجرين (او تخيلوا انفسهم) مجرد مقيمين، في زيارة للولايات المتحدة لفترة قصيرة لكسب بعض الاموال لدعم عوائلهم في البلد الام، ويجب لهذا ان يتلكأوا في عدم الاندفاع الى المخاطر الملموسة للانخراط في عملية التنظيم النقابي.

وحتى لو كانت ظروف العمل والاجر بدت متدنية المستوى بالمعايير الامريكية، كان من المفترض ان المهاجرين يستخدمون معايير اخرى للمقارنة، احدها قائم على خبراتهم المكتسبة من بلاد المنشأ، لتصبح حتى الوظائف الغير محمية بنقابات في شمال الحدود ليست على هذه الدرجة من السوء.

بشكل اولي، قليل من النقابات في لوس انجيليس بذلت ادنى مجهود لتنظيم المهاجرين. احد مسئولي نقابات التشييد تذكر ذلك مؤخرا، "القيادة لم تستطع التعامل مع قوة العمل التي كانت تأتي الى هنا، في البداية اعتقدت القيادة [النقابية] ’انهم كسالى. وغير متعلمين. انهم لا يتكلمون اللغة. انهم فقط يأتون الى هنا ليأخذوا بعض النقود ويمضوا‘. كل تلك الصور النمطية كنت تسمعها هنا دائما، كل تلك الاشياء كانت تقال هنا". بالنسبة لاعداد كبيرة من العمال الذين لا يحملون وثائق هجرة، الخوف من الترحيل كان من المفترض ان يكون العقبة التي لا تقهر امام تنظيمهم نقابيا.

الاتجاه النمطي بين النقابيين، كما شرح احد العاملين، كان "انت لا تستطيع، ولن تستطيع تنظيم هؤلاء ابدا. انت تضرب رأسك في الحائط".

يميل اصحاب العمل الى رؤية المهاجرين – بوثائق ام بدون – فريسة سهلة عن العمال الوطنيين، ولذا لم يكن لديهم اي مصلحة في تنظيمهم. روجر والدينجر ومايكل ليختر قاما بتوثيق هذا المنظور بالتفصيل، بناء على مقابلات مع اصحاب العمل في العديد من الصناعات بلوس انجيليس. وقد كتب المؤلفان تقريرا بأن العديد من اصحاب العمل يعتبرون العمال الوطنيين "كسالى"، ويستحقون "الضرب بالكرباج"، ويمتلكون احساسا قويا بالكرامة؛ اما المهاجرون، فهم على العكس، يرونهم شغوفين بالعمل، ومتفوقين، وعمال مطيعين مستعدون دائما للعمل الشاق في اي وظيفة، حتى ولو باجور متدنية. كما قال احد اصحاب العمل لوالدينجر وليختر، المهاجرين "مستعدين للعمل بدولار واحد. ليس لديهم مسلك ’انك مدين لي بوظيفة‘. سوف يعطونك ثماني ساعات عمل مقابل ثماني ساعات اجر، وسوف يكونون سعداء بذلك". اصحاب العمل هؤلاء يعتبرون القادمين الجدد (على الارجح انهم بلا وثائق) عمال لديهم اعلى الدوافع للعمل على نحو خاص الذين يقيمون الاجور وظروف العمل مقارنة بمستوياتها في بلادهم. "مقارنة بما هم عليه في البلاد التي جاءوا منها هي الجنة"، صاح بذلك احد اصحاب العمل، مثله مثل عديدون من مقاولي العمال والمراقبون من الخارج، يتناولون ذلك كأمر مسلم به ان المهاجرين يفتقدون اي اهتمام بالتنظيم النقابي – رغم انهم سرعان ما يكتشفون انهم مخطئون.

مع ذلك، في اواخر الثمانينات، حينما بدأ عدد اكثر فأكثر من المقاولين لمس طاقة المهاجرين على التنظيم، النقمة التقليدية التي كانت سائدة في السابق عن "عدم قابليتهم للتنظيم" بدأت في الخفوت. فعليا، في لوس انجيليس، واحيانا ايضا في اماكن اخرى، اقتنع النقابيون بشكل متزايد ان العمال ذوي الاصول الاجنبية اكثر في الواقع العملي قابلية للانضمام الى النقابات من الوطنيين، وبحلول التسعينات تلك النظرة المراجعة تردد صداها في التعليقات الجماهيرية اضافة الى تردادها داخل الحركة العمالية. خطوة بخطوة مع الجهود العمالية النقابية لضم المهاجرين، ظهرت منظمات ذات جذور مجتمعية محلية ومراكز للعمال في جنوب كاليفورنيا اثناء هذه الفترة مع تركيز انصب على قضايا العدالة الاقتصادية. امتلكت بعض هذه المراكز الجديدة روابط لصيقة بالعمل المنظم، بينما كانت منظمات اخرى منها اكثر استقلالية واكثر انتقادا للاشكال التنظيمية النقابية التقليدية. حركة اجر المعيشة، بقيادة تحالف لوس انجيليس للاقتصاد الجديد وجماعات مماثلة في انحاء الولاية، حصلت على احكام من خلال قضايا عديدة ترفع مستويات الاجور بالنسبة للعمال الذين يعملون طبقا لتعاقدات حكومية. وظهرت ايضا مراكز عمالية في انحاء الولاية ايضا مع تركيز على الدفاع عن العمال ذوي الاجر المنخفض – معظمهم ظهر انهم اجانب المولد. بعض من هذه المراكز ركز بشكل واضح على حقوق العمال المهاجرين في اماكن العمل، خصوصا بالنسبة لعمال المنازل وعمال اليومية الذين لا يتيسر لهم الوصول الى او دون نقابات متعارف عليها.

الطبقة العاملة الضخمة في جنوب كاليفورنيا والتي نسبيا من اصول لاتينية برهنت بشكل عال على انها تتقبل لمحاولات التنظيم النقابي لاسباب عديدة. اولا، القادمون الجدد منزرعون بعمق في شبكات عمل اجتماعي غالبا ما تصبح مصدرا اساسيا للحشد والتعبئة النقابية. ثانيا، نظرتهم للعالم اكثر حميمية للعمل الجماعي من العمال الوطنيين. المنظمات الجماعية التي تقوم على اساس الطبقة مثل نقابات العمال ومراكز العمال ربما يمكن مقارنتها مع التجربة المعاشة، والاراء العالمية وهويات عديد من المهاجرين (خصوصا من امريكا الوسطى والمكسيكيين) اوضح عندهم من هؤلاء وطنيي المولد. اخيرا، انهم يشاركون في تجربة حية من العزل والتقسيم في مواجهة عداوة مكشوفة من الوطنيين ومجتمعهم المحلي بشكل صريح غالبا. في كل هذه الاوجه، العمال المهاجرين المتعدي الجنسيات في اواخر القرن العشرين في لوس انجيليس لديهم مشتركات كثيرة مقارنة بالاجيال الاولى من مهاجري الطبقة العاملة الى الولايات المتحدة الامريكية.

اكثر من ذلك، تفترض البيانات الوطنية ان اتجاهات سلوك اللاتينيين اكثر ايجابية نحو النقابية من معظم الجماعات العرقية الاخرى. في مسح تمثيل ومشاركة العمال الوطنيين عام 1994، مثلا، 51% من اللاتينيين الذين شملهم البحث من انحاء البلاد كلها (بغض النظر عن الوطن الاصل) ليسوا اعضاء نقابيون اشاروا انهم سوف يصوتون من اجل نقابة لو اقيمت انتخابات تمثيلية في اماكن عملهم، مقارنة الى 35% من الغير لاتينيين. نفس الارقام جاءت من الامريكيين الاسيويين الذين اشتركوا في البحث، 49% منهم قالت انهم سوف يصوتون من اجل انشاء نقابة، مقارنة الى 35% من غير الاسيويين.

افراد عينة البحث من الامريكيين الافارقة عبرت حتى عن دعم اقوى للنقابية، 64% منهم اشاروا الى انهم سوف يصوتون من اجل نقابة، مقارنة الى 32% من غير الامريكيين الافارقة. ورغم ان الامريكيين اللاتينيين ليسوا من انصار النقابة بنفس قدر الامريكيين الافارقة، كلا المجموعتان اكثر ايجابية بشكل منسجم نحو النقابية من البيض.

النسق الواضح للعمالة المهاجرة – والسمة الاكثر اهمية، التمثيل الزائد للعمال ذوي الاصول الاجنبية في القطاعات الاكثر موسمية من سوق العمل، حيث من النادر وجود نقابات فيها، وتمثيلهم تحت المستوى في القطاع العام المنظم نقابيا بشكل جيد – موجود في جذور المعدل المنخفض نسبيا لانتظامهم الكلي في نقابات. نسق العمالة المتميز هذا يساعد ايضا على تفسير لماذا يقل انتظام العمالة المهاجرة حديثا عن هؤلاء الذين طالت اقامتهم في الولايات المتحدة: القادمون الجدد – خصوصا اللاتينيين، اغلبهم حاصل على القليل من التعليم الرسمي – يستخدمون على الارجح بشكل خاص في القطاعات الاكثر موسمية (والاقل تنظيما نقابيا) من سوق العمل. هذا هو السبب الذي لم يصل فيه اللاتينيون بعد الى وجود اوسع في العمل المنظم، رغم توجهاتهم الايجابية نحو النقابات. ولكن بينما تكشف للجميع مسيرات حقوق العمال التي انفجرت في شوارع الامة الربيع الماضي، طاقات افراد هذه الطبقة العاملة المتنامية للمساعدة في اعادة الحيوية للحركة النقابية هي طاقات هائلة.

ديناميكيات الحركة العمالية في جنوب كاليفورنيا في اواخر القرن العشرين كانت منتج لخليط قابل للاشتعال من المكونات – طبقة عاملة من المهاجرين متوجهة بقوة للتحرك الجماعي؛ كادر من القادة النقابيون ذوي خيال وملتزمين تطفو بهم ميزات مقارنة تنبع من التاريخ العمالي الاستثنائي للمنطقة؛ ومسافة جغرافية كافية بعيدا عن الحرس القديم للعمل المنظم تفتح ساحة سياسية للابتكار التنظيمي.

ليس هناك في اي مكان بالولايات المتحدة شواهد ملموسة اكثر على طاقات العمال المهاجرين الحاليين لاعادة خلق دراما النهوض النقابي في الثلاثينات والاربعينات الذي جلب الاجيال الاولى من القادمين الجدد للولايات المتحدة الى مجرى الاقتصاد الرئيسي.

ولكن هل لوس انجيليس تمثل نموذجا للحركة العمالية في بقية البلاد او تمثل شذوذا؟ رغم ان العوائق هائلة، فمع ذلك هناك طاقات لاعادة احياء الحركة العمالية الجنينية في جنوب كاليفورنيا حتى تولد على المستوى القومي مثل النقابيون العشوائيون الذين تصدروا مثل هذه الجهود مثل حملة العدالة لحرس البوابات في لوس انجيلوس ومحاولتها اعادة انتاج نجاحاتهم على اساس ارضية ارحب. العديد من الظروف التي ساعدت على بناء الحركة العمالية في منطقة لوس انجيليس اثناء التسعينات اصبحت منذ ذلك الحين منتشرة بشكل متزايد في انحاء البلاد. المهاجرون من امريكا اللاتينية الذين كانوا في السابق متركزين بشكل كبير في جنوب كاليفورنيا هم الان جغرافيا اكثر انتشارا ويمكنك ان تجدهم تقريبا في كل ركن من الولايات المتحدة. وبشكل حاسم مركز ثقل الحركة العمالية الامريكية ككل تحولت الان بشكل حاسم نحو نقابات الفدرالية الامريكية للعمل السابقة – نمط النقابات التي هيمنت طويلا على الحركة العمالية في جنوب كاليفورنيا، وفي تباين مع بقية البلد، حيث كانت نقابات كونفدرالية منظمات الصناعة هي الجزء الاكثر نشاطا من الحركة العمالية من بداية الثلاثينات حتى مرحلة تفكيك الصناعات وتحطيم اللوائح والردة التي جاءت بها اصلاحات النيو ديل التي ادت الى انهيارهم الفعلي بداية من السبعينات.

ورغم ان العديد من نقابات الفدرالية الامريكية للعمل كانت تكافح ايضا من اجل البقاء داخل النظام النيوليبرالي الصاعد، عموما استطاعت تلك النقابات تفادي العاصفة بشكل احسن كثيرا من اقرانهم في الكونفدرالية. احد الميزات الكبرى هي ان معظم نقابات الفدرالية امتلكت بؤر وظيفية، ليست صناعية، وضربت بجذورها في قطاعات من الاقتصاد، مثل القطاعات الخدمية وقطاع التشييد والبناء، وهي القطاعات التي تحصنت بشدة ضد اثار العولمة وتنقل الرأسمال. ولان تلك النقابات اتت زمنيا قبل تأسيس هيئة علاقات العمل الوطنية ووكالات النيو ديل الاخرى المنظمة للعمل، فقد كان لديهم سبل الوصول الى تكرار نظم استراتيجية اعرض اكثر مما كان متاحا امام اقرانهم من الكونفدرالية.

لو كان هناك اي امل في نهوض جديد لانشطة حركة عمالية من النوع الذي حدث في الولايات المتحدة اثناء سنوات الثلاثينات والاربعينات، فمن المرجح ان يأتي ذلك من نقابات فدرالية العمل الامريكية السابقة. من بينهم، النموذج التنظيمي الواعد كثيرا جدا هو نموذج اتحاد عمال الخدمات العملاق، الذي يملك عضوية 1.8 مليون عضو. حملة العدالة لحرس البوابات هي واحدة فقط من العديد من المبادرات الناجحة التي ينظمها اتحاد عمال الخدمات؛ وقد قطعت النقابة ايضا اشواطا ضخمة في تنظيم عمال الرعاية الصحية وفي القطاع العام. هذا التوسع المبهر هو ظاهرة وطنية ولكنها جلية بشكل خاص في لوس انجيليس، حيث يكون اتحاد عمال الخدمات محركا للقوى لا ينازع للحركة العمالية.

انه يمثل اكثر من 15% من كل العمال النقابيين في منطقة لوس انجيليس في 2001-2002، تقريبا ضعف نصيبها الوطني من عضوية النقابات. ساهم اتحاد عمال الخدمات ايضا وبقوة في السلطة السياسية لفدرالية مقاطعة لوس انجيليس للعمل، محولا اي نقابة اخرى الى قزم بالنسبة له.

اكثر من ذلك عضوية اتحاد عمال الخدمات وطنيا تضاعفت ثلاث مرات خلال الربع قرن المنصرم، في فترة كانت الكثافة النقابية الكلية تنحسر بسرعة. رغم ان بعض من هذا النمو كان نتيجة لعمليات الاندماج والاستحواذ، لدى اتحاد عمال الخدمات تاريخ طويل من نقابة منظمة. في بدايتها منذ 2003، قاد اتحاد عمال الخدمات جماعة منشقة من النقابات سعت لتحويل هيكل الفدرالية – الكونفدرالية؛ وفشل هذا العرض بالاصلاح اشعل انقساما كبيرا داخل الحركة العمالية، ليتوج في اواسط عام 2005 بخروج العضوية من صفوف اربع نقابات كبيرة في الفدرالية وتشكيل فيدرالية "التغيير من اجل الانتصار" بعدها بوقت قصير.

ليس مصادفة انه تقريبا كل النقابات التي تعمل تحت مظلة "التغيير من اجل الانتصار" هي نقابات سابقة لفدرالية العمل الامريكية – بجانب اتحاد نقابات عمال الخدمات فهي تشمل رعاة الحيوانات، والعمال، والنجارين، ومنظمة "لنتحد هنا". ذلك ان هذه النقابات – "كانت ترى سابقا كحاضنة للروح المحافظة والفساد – قد صعدت في مقدمة الجهود الاحيائية للحركة العمالية الحالية هي شهادة على الحيوية المتجددة للمجد التاريخي لفدرالية العمال الامريكيين.

ربما السمة الاكثر اهمية للجهد الاصلاحي العمالي الحالي هي طبيعته الجريئة والمقاتلة. فدرالية "التغيير من اجل الانتصار" الجديدة تميز نفسها "كماكينة متواضعة منفتحة للتنظيم" وقد قطعت على نفسها الوعد بأن تكرس الجزء الاعظم من مواردها الملموسة لاجتذاب اعضاء جدد. واذا ما نظرنا للامر بشكل موضوعي، الاستثمار بكثافة في عملية تنظيم النقابات قد يبدو طيشا او ببساطة امر غير عقلاني. لأنه كما يتفق مع ذلك كل شخص، عملية انشاء نقابات في وقتنا الحاضر يجب ان يواجه عراقيل هائلة. قوة اصحاب العمل تدعمت واشتدت شوكتها بعولمة الكوربوريشن وبالقدرة المتنامية على تنويع مصادر التوظيف، بينما اصحاب العمل داخل الولايات المتحدة هم الان مصممون بشكل باطش اكثر من قبل على "منع التنظيم النقابي" ومواقفهم متصلبة ازاء اي تنظيم عمالي بشكل موحد يجرؤ على تحدي هيمنتهم. على المستوى الفدرالي، لدى الولايات المتحدة اكثر الانظمة السياسية معاداة للنقابية تقريبا خلال قرن، ونفس الشيء صحيح في عدد متنامي من الدول. بعد عقود من الانحسار، باكثر من ذلك، بناء قانون العمل يحد بشدة من مساحة المناورة المفتوحة امام النقابات التي تنخرط في اشكال جديدة من التنظيم، واشكال الحماية القديمة التي بقيت في حروف القانون تنفذ بشكل فقير حتى ان اصحاب العمل دائما ما يستخدمونها ويلتفتون اليها من اجل خرق القانون بدلا من احترامه.

الا انه، وكما كتب مارتن لوثر كينج ذات مرة، "التقدم الانساني لا يندفع ابدا على عجلات الحتمية". وبالمثل، عالم الاجتماع الفين جاولدنر قد لاحظ، "التحليل البنيوي... من الشائع ان تأخذه الدهشة عندما يحدث التغيير على حين غرة". لا يمكن ان تكون هناك ضمانة ان الجهود الطموحة لاعادة الحيوية الجديدة للحركة النقابية سوف تبرهن على نجاحها على المستوى القومي، ولكن الانجازات التي تحققت مؤخرا بواسطة النقابات في جنوب كاليفورنيا – وبالنسبة لهذا الشأن، نضالات الحركة العمالي الناجحة عبر التاريخ، كلها واجهت معاكسات صعبة – هي دليل واقعي على هذا المنظور.

وكلا من فدرالية وكونفدرالية منظمات العمل الامريكية قد ادركت، من خلال مسيرات حقوق المهاجرين هذا الربيع، والتي قد اشعلت توا انضمام عمال مهاجرين جدد لتسجيل اسماءهم والعمل السياسي لحركة العمال في لوس انجيليس طوال العقود الماضية – هي العلامة المبشرة بالامل تماما من اجل اعادة ميلاد الحركة العمالية في القرن الجديد.

روث ميلكمان، عالم اجتماع ومدير معهد العلاقات الصناعية في اتحاد لوس انجيليس. مقالتها موجز من كتابها قصة لوس انجيليس: العمال المهاجرون ومستقبل الحركة العمالية في الولايات المتحدة.

نشرت في الاصل في عدد سبتمبر/اكتوبر 2006 من بوسطن ريفيو.

ZNet - كفاية زي نت العربية



#روث_ميلكمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “راتبك زاد 455 ألف دينار” mof.gov.iq.. “وزارة المالية” تعلن ...
- 114 دعوى سُجلت لدى وحدة سلطة الأجور في وزارة العمل في الربع ...
- رغم التهديد والتخويف.. طلاب جامعة كولومبيا الأميركية يواصلون ...
- “توزيع 25 مليون دينار عاجلة هُنــا”.. “مصرف الرافدين” يُعلنه ...
- طلاب معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بأميركا يعتصمون دعما لغزة
- أداة ذكاء اصطناعي تتنبأ بـ-موعد استقالة الموظفين- من عملهم
- مبروك يا موظفين.. النواب يتدخلون لحل أزمة رواتب الموظفين.. ز ...
- “موقع الوكالة الوطنية للتشغيل anem.dz“ تجديد منحة البطالة 20 ...
- فيديو: مظاهرات غاضبة في الأرجنتين ضد سياسات الرئيس التقشفية ...
- تِلك هي خطوات تسجيل في منحة البطالة 2024 للحصول على مبلغ 15 ...


المزيد.....

- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين / عذري مازغ
- نهاية الطبقة العاملة؟ / دلير زنكنة
- الكلمة الافتتاحية للأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات جورج ... / جورج مافريكوس


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - روث ميلكمان - تنظيم ما لا يمكن تنظيمه: الشرارة الغير متوقعة لنهوض العمال من جديد