أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمية الشيباني - إمرأة بلا رأس















المزيد.....

إمرأة بلا رأس


سمية الشيباني

الحوار المتمدن-العدد: 1758 - 2006 / 12 / 8 - 09:42
المحور: الادب والفن
    


إلى ماذا تنظر؟ ماذا ترى؟ هل تلمست وجهي ذلك الطفل؟ هل أحضرتني من الغياب؟ هل أخرجتني من حقائب السفر؟ فجأة هكذا وكأنني دفتر، أو كتاب ، أو جريدة قديمة؟ كيف كان وجهي؟ ها..؟ تكلم دعني أسمع؟ كيف كان وجهي؟ هل كان أجمل؟ أشهى؟!.

لا أذكر كثيراً ذلك الوجه! أريد من يذكرني بملامحي؟ أريد من يذكرني بصوتي؟ هل كنت صاخبة أم هادئة؟ هل كنت طيبة أم قاسية؟ هل كنت شقية أم وادعة؟ من أين جئت؟ لماذا جئت؟ لماذا أنت الآن هنا؟.

هكذا بكل بساطة تريد اقتحام عالمي الهادئ؟ وبكل بساطة تريدني أن أتذكر تفاصيل الأيام والوقت والطفولة والصبا؟

بكل بساطة تريدني أن أستحضر ما فاتني وما تركته ورائي وما انتزعته من صدري، ودست عليه؟.

نعم نسيت، لقد نسيت! ليس مهماً أنستني الأيام أم كنت أريد أن أنسى... لا أدري، نسيت وكفى، نسيت ماذا قلتُ أنا وماذا قلتَ أنت، وماذا كنتُ أريدُ أن افعل، وكيف كنتُ أحلم، حتى أحلامي تغيرت! كل شيء تغير بي! تعمدت هذا نعم تعمدت أن أغيرَ أشياء كثيرة! ولو كنتُ أستطيع أن أغير اسمي ولون عيني وفصيلة دمي لفعلتْ!.



ولكن هل تدري؟ نسيتُ لون عيني! وما عاد اسمي يعنيني، ولا أحملُ أي دليلٍ على فصيلة دمي، ولو حدث ومت سأموت نازفة، سأبصقُ دمي من عروقي! دمي الذي تحول إلى ماء لا لون فيه ولا هوية.

كفاك رياء، كفى ، لا تعتقد بأنك يمكنك أن تحيي الموتى، ولا تتصور بأنني سأقول بأنك كنتَ ولا زلتَ الأنقى، أنتَ شبح خرف ضائع بائس أراد أن يتحول إلى جني يطوف الأرض فسقط على مزبلة العالم.

وبمناسبة العالم، في أي جزء سكنت من العالم ؟ أنا اخترتُ أمكنةَ النسيان، أما أنت فاخترتَ أن تسكنَ في نفسكَ حتى تعفنتْ لشدة التصاقك بها، لا أدري ليس لي بالأمكنة علاقة، ولا أجيد لفظ أسماء الأماكن التي أشرتَ إليها، لأنني نسيتْ، نسيتُ الحروفَ والكلمات والأسماء والأماكن و ... لم يكن لدي اختيارْ! الأمكنةُ بالنسبةِ لي محطات فارغة! لا أهل فيها ولا أحباب ولا ذكريات.

لا أدري، لم أكن أريد أن أدري، استيقظتُ ذات صباح ووجدتُ نفسي إنني لست أنا! ولا اريد أن أبحثَ عن تلك البائسة التي كانت تجيدُ قراءة الأشياء عن بعد، وتسمعُ دقات القلوب، وتبكي، وتضحك، وتركض، وتغني! هل تذكر؟ كنت أغني! لا أعتقد إنني كنت اريد أن اغني فقط، بل كنت أريد أن أمسرح الغناء؟ ضاعت مني الأشياء، تسربت كالماء من علو أمام عيني، كان إحساسي كإحساس أم تفقد أبنائها واحداً تلو الآخرَ وهي عاجزة! أم بلا أذرع! كيف تحمي أم بلا أذرع أبنائها؟! لا تذكرني لقد نسيت، وتعلمت أن لا أعترض! تخيل تعلمت أن لا أعترض! وكنت أعترض كثيراً، وأجادل كثيراً! أنا الآن لا أعترض! ولا أجادل! لماذا أعترض؟ وما الجدوى؟ لا شيء يستحق الاعتراض، لا شيء يستحق ان أتذكر. "فارقتُ أجملَ العيون فما نفع عيني إن لم أرى بها تلك العيون؟".

حسناً ماذا ترى؟ ذكرني أيها المارد القادم من دنيا العجائب؟ ابتعدتَ عني كما يبتعد الهواء عن الرئتين، لقد اختنقت! هل تفهم؟ اختنقت! لم أكن اقوى على احتمال وجهي فمزقته! واستعرتُ وجهاً كان منسياً! بل سرقتُ ملامح جارتي التي ماتت! تسللت إلى قبرها في المساء وانتزعت ملامحها وتركت وجهي في قبرها! سمعتها تصيح بي وتسألني وأنا أهرول وأبتعد عن المقبرة، هل لديك ذنننننننوب؟ قلت لالالالالالالا، واستمر هروبي حتى نسيت لماذا أهرب!.

ذكرني بما مضى أو اجعلني أنسى أكثر ، أنا لست بحاجة لذاكرة ملعونةٍ خربة، بل بحاجةٍ لنسيان أكثر نسيان أكبر، نسيان يحتويني، أريد أن أغرق أيامي بالنسيان! أريد أن أستأصل رأسي! هل رأيت امرأة بلا رأس؟! هذه أنا! واذهب أنت إلى الجحيم بعتابك ونظراتك التي تحاول حرق هامش سكينتي التي صنعتها! نعم أنا صنعت سكينتي، ولكن ماذا عنك؟ ماذا صنعت؟ ها...؟ أخبرني ؟ ماذا صنعت؟ هذه أنا سوف لن أكذب وأدعي إنني صنعت سكينتي واخترتها من بين دنيا الساكنين الهادئين العاشقين العابثين الذين حباهم الله بنعمة الإختيار؟ بل صنعتها من العدم.

أخذت حبة قمح وسقيتها بدمي الذي كان يغلي فاهتزت الأرض وأزهرت سنبلة وصرت كل يوم اضع حبة خدر تحت لساني ، وأسلم رأسي لموسيقى العفاريت ودقات الساعة، والنسيان يختارني من بين ملايين النساء ليسكن روحي!.

نعم النسيان اختارني، وأنا اخترت وجه ميتة، والميتة اختارت أن تكون جارتي، وزوجها اختارها لأنها تمنعت عنه يوم التقاها، وتخلى عن التي أحبته وأشبعت نزواته لعشر سنوات! لكن جارتي اسرتني قبل ان تموت بأنها كانت تعرف رجلاً وكانت تحبه كثيراً وكانت تروي انوثتها معه و...وكانت...ثم قالت لا عليك نحن هكذا نريد من لا نعرفهم! لأننا نحب أن نواري وجوهنا عن بعضنا! حتى المرايا لا تعكس وجوهنا الحقيقية!.

"زوجي كان بدو بنت ما بايس تما غير إما، فخليتو ما يبوس تمي، وبس خلصت القصة!"

يا إلهي كم خذلتني تلك الجارة، وكم كرهت زوجها كنت أتعمد أن لا أخرج وقت خروجه للعمل كي لا أراه ولا ألقي عليه التحية، كنت أخرج كيس القمامة قبل التاسعة بعشر دقائق لأنه كان يعود إلى بيته في تمام التاسعة، مضبوط كالساعة بعدما أوهم نفسه بأنه انتصر في العثور على "شفاه بكر!" كم غبي ذلك الجار الكرش.



لا تذكرني أرجوك لقد تعبت، ماذا تفعل بي؟ لماذا أنت بهذه القسوة؟ كنت طيب وهادء كنت لا تكذب كنت خجول حد أنك ضيعت على نفسك فرصة..الـ.. لا نفع من الذكرى تعال أعلمك النسيان، إنها لعبة مسلية، ندبة صغيرة أستأصلها من رأسك اللعين وتعيش سلطان زمانك!.

لا تذكرني، لا تنظر الى وجهي، نظراتك تغيضني ايها القادم من النسيان، من الغثيان من الخذلان من العتب المر والزمن، القحط، البلاء، الغبار، الشمس، الثلج، العتمة، الضياء...جئت من حيثما جئت لا يعنيني، إنها لعبتك وليست لعبتي، خذها معك قبل أن ترحل...أو....أو تعال نتبادل الأدوار أنا اعلمك النسيان وأنت تذكرني.

اجعلني أتلمس ملامحي التي نسيتها منذ سنوات مرت علي ولا أذكر عددها، سنوات داست على رأسي وتجاوزتني.

ماذا ترى هل خدي؟ هل كان أكثر اكتنازاً؟ ووجهي به بعض الخطوط؟ هل كان أكثر صفاءاً؟ وكان لي كفان ناعمان وماذا عنهما الآن؟ العروق تقفز من الكفين أليس كذلك؟ لا تخجل اخبرني بما ترى، أو حدثني عن ما كنت تراه؟ أو ارحل لا تنظر الى وجهي هكذا ببلاهة، لا تعبث بنسياني اتركه وشأنه إنني الآن هادئة وباردة وعاقلة وساكنة وطيبة.

لكن أخبرني هل فكرت بي طيلة السنوات التي مضت؟ كيف؟ الم يراقب تفكيرك أحد؟ نحن هنا مراقبون منسيون محاصرون بالزيف والكوابيس، في النهار تراودنا الكوابيس! فلا تسألني عن ليالينا، أليس لديكم رقباء؟ من إذن راقبك من صب على رأسك الغضب وأجبرك على النسيان من علمك أن تصمت وتصير هادءاً ووديعاً وراضياً وعاقلاً وتقبل بالأمور على علاتها؟ من أخرجك من جلدك وأطعمك المر وأسكتك؟ من نيمك على الهم؟

من أسكت موسيقاك وغنائك وصراخك ورفضك واقتحمك وحاربك ودمر كل قلاعك وحصونك ومحا ذاكرتك وألجمك وألبسك ما لا تحب وخلع عنك ما تريد وذهب بك الى ما لا تشتهي وأرقصك على هواه؟ وأطعم خبزك لمن يريد؟ وجعلك تأكل من لحمك؟! وذُبِحْتَ وقُتِلْتَ وشُنِقْتَ وتَعَذَبْتَ وصُلِبْتَ على أعمدة الصبر لسنوات؟ من المؤكد أنها ليست جارتي التي تركتُ وجهي بقبرها! ولا زوجها الكرش الذي راحَ بعد موتها يعودُ كلَ ليلةٍ مع إمرأة تختلف عن التي كانت معه في الليلة التي قبلها! حتى مات! مات مقتولاً! قالوا إمرأة قتلته! إمرأة لم يدفع لها!.

يا وجعي علينا ما اشد وقاحتنا، ويا وجع قلبي كيف احتمل أن يرى ذلك الجسد الذي سقط من حمالة الإسعاف لثقله؟ كان سميناً وازداد وزنه أكثر بعد وفاة زوجته كان يأكل وينام... وينام ويأكل..و... وإمرأة تدخل وأخرى تخرج وكأنه يريد الإنتقام من نفسه!؟ أو أن السماء انتقمت منه لأنه هجر إمرأة أحبته، عشر سنوات؟! عشر سنوات؟ ثم تركها وراح يبحث عن فم لا يعرف التقبيل! كم كان غبي جاري إنني أمقته، شعرت بأنه مات ألف مرة قبل أن تطعنه بائعة الهوى! وينقل في حمالة الإسعاف ويسقط من فوقها ثم يسحلونه مرة أخرى ويلقون به ككيس قمامة داخل سيارة الإسعاف وهم يقاومون رائحة العفن المنبعثة من جسمه لأنه بقي ميتاً في بيته أسبوع قبل أن تكتشف جثته المتعفنة!.

ثم الآن تسالني لماذا نسيت؟ أنا نسيت كي أنسى هكذا بكل بساطة، ولكنك أنت لماذا نسيت؟

انتظر تذكرت الآن بأنك كنت تريدني أن أقفز الى الجانب الآخر من النهر؟ وأنا كنت أريد البقاء على أرضي؟

تذكرت الآن بأنك كنت تريدني أن أطير في سمائك؟ وأنا امرأة أحب التراب والمطر والغناء؟ تذكرت... كانت سمائك تمطر خراباً ووحشة وبرداً، كنتَ تريد الخلاص من صوتك ومن وجهك ومن عينيك؟ من منا بدأ النسيان إذاً؟ تذكرت أنا نسيت لأنك انت من علمني أن أنسى! يا لغبائي وأنا منذ أن رأيت وجهك الممسوخ هذا أحاول أن أرتب الكلمات! أحاول أن أبرر! أنت جاري
لكنك بلا كرش! أنت ذلك الجار الذي مات وتعفن في بيته! سينبت لك كرش لا قلق سينبت لك كرش يتسع للكثير!؟.

تعتقد الآن بأنك تحت سماء حريتك وخلاصك؟!.

إذهب بعيداً فسمائي لا تعرف منذ زمن غير وجوه مهاجرة تعبة تبحث عن استراحة، ثم بعد أن ترتاح ترحل باحثة عن التعب، ثم تعيد الكرة والمحطة لا تغلق أبوابها! والراحة أبعد ما يكون عن رصيف المحطة....نعم أبعد ما يكون.



#سمية_الشيباني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هلوسات... محمومة؟؟
- أحزان السيدة السومرية
- في المرآة .... أرى وجهك يطلع من وجهي
- تضيع أسماؤنا.. ونبقى نحن


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمية الشيباني - إمرأة بلا رأس