أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عابد الجابري - النموذج السوفيتي والنظام الشمولي العربي















المزيد.....

النموذج السوفيتي والنظام الشمولي العربي


محمد عابد الجابري

الحوار المتمدن-العدد: 527 - 2003 / 6 / 28 - 14:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


 

 
النظم الشمولية "الحديثة" في العالم العربي ليست مشدودة إلى نموذج "الملك العضوض" في التجربة الحضارية العربية الإسلامية فحسب بل هي مرتبطة أيضا، وبصورة مباشرة، بنماذج حديثة. المرجعية العربية الإسلامية تقدم لتلك النظم ما يشبه "النموذج" على مستوى الرؤية الحالمة لـ "المستقبل الماضي" بينما تقدم لها المرجعية الأوربية "القدوة" على مستوى الفعل من أجل "المستقبل الآتي"!

فعلا، تقدم التجربة الحضارية العربية الإسلامية لتلك النظم ما يبررها بل ويؤصلها، على صعيد المخيال الاجتماعي الثقافي واللاشعور السياسي، وبالتالي ما يمنحها نوعا من "الشرعية التاريخية الوطنية الدينية"، هذه "الشرعية" التي تجد ما يكرسها بل ويؤبدها فيما ما يضفيه عليها الموروث الثقافي العربي الإسلامي، الذي يعاد إنتاجه باستمرار، من معاني الإجلال والتنويه والتمجيد لشخصية "الخليفة" حينما يكون "مستبدا عادلا" أو "فاتحا عظيما" أو صاحب إمبراطورية شاسعة و"حضارة" باذخة (هارون الرشيد مثلا).

ولا شك أننا سنكون مخطئين إذا نحن حملنا تجارب الماضي، أو نوع تصورنا لها، مسؤولية وقائع الحاضر، ولكننا سنرتكب خطأ أكبر إذا نحن التجأنا إلى تلك التجارب في مواجهتنا لهذه الوقائع. وهذا مع الأسف هو ما لا نزال نفعله. ذلك أننا لا نكتفي بالاعتزاز بكبار الفاعلين في تاريخنا، وهذا من حقنا وهو ضروري أحيانا لتعزيز الثقة بالنفس فينا، بل كثيرا ما نرفعهم إلى درجة "البديل" المستقبلي: ننتقد الحكم الشمولي وفي نفس الوقت نتغنى بهارون الرشيد، مثلا!

***

بعد التذكير بهذه المعطيات التي تتمم ما عرضناه في المقال السابق، ننتقل إلى ما تقدمه المرجعية الأوربية لظاهرة الحكم الشمولي في العالم العربي المعاصر. يتعلق الأمر أساسا "النموذج السوفيتي"، فهو الذي كان يطرح نفسه بوصفه النموذج/القدوة والبديل المستقبلي للنظام الاستغلالي الإمبريالي العالمي. ولا نحتاج إلى إطالة الكلام في ربط الخيوط بهذا النموذج، فقد تكفينا الإشارة إلى أن الطابع الشمولي الذي اتسم به سقوط نظام صدام حسين في العراق هو نفسه الطابع الذي اتصف به سقوط "النظام السوفيتي"، سواء في روسيا أو في دول أوروبا الشرقية.

إن سقوط نظام صدام حسين ذلك السقوط الشمولي كان بفعل غزو عسكري استهدفه استهدافا مباشرا بسلاح لم يكن من الممكن مقاومته أو الصبر عليه مدة أطول، مما يبرر القول بأن العامل في سقوطه عامل خارجي محض. أما سقوط "النظام السوفيتي" في كل من روسيا ودول أوربا الشرقية فمع أنه يبدو، على المستوى المباشر على الأقل، وكأنه نتيجة لمحاولة في الإصلاح (البيرسترويكا) جاءت بعد فوات الأوان، فكانت الثغرة التي تداعى بسببها النظام كله بعد أن تكلس منذ وقت طويل وصار لا يتحمل أي ثغرة، فإن الحصار الذي تعرض له الاتحاد السوفيتي ومعسكره، طوال نصف قرن من الحرب الباردة، يسمح بالقول إن العامل الخارجي كان له هنا أيضا الدور الأساسي. ومن هذه الزاوية يمكن ربط سقوط النظام الناصري –وقد كان شموليا هو الآخر- بالعامل الخارجي، حرب 1967.

لماذا هذا الإبراز لدور "العامل الخارجي" في سقوط هذا النوع من النظم الشمولية؟ وهل في هذا تغييب مقصود لدور العامل الداخلي؟ الجواب هو أن هذه النظم قامت أصلا، نظريا وعمليا، ضد "الخارج" ومن أجل "الداخل": ضد النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي بالنسبة للاتحاد السوفيتي وتابعيه، وضد الاستعمار وعملائه بالنسبة للنظام الناصري الذي يشكل النظام العراقي امتدادا له. فالنموذج هنا وهناك كان وطنيا على مستوى الأهداف والشعارات. أما "الأساليب" فهي لا تدخل تحت مقولة "الوطنية"، بل تنتمي إلى مقولة أخرى اسمها "الديموقراطية". والوطنية والديموقراطية مقولتان مختلفتان. وهذه مسألة أخرى.

في الاتحاد السوفيتي كان النظام الشمولي الذي طبق فيه وليد ظروفه الخاصة : كان تتويجا لتجاربه الثورية التي كانت جزءا من الثورة البروليتارية في أوربا على الاستغلال الذي تعرضت له الطبقة العاملة من طرف النظام الرأسمالي الذي كان قد تطور إلى نظام شمولي في جوهره، أعني في أساسه المادي (الاقتصاد الرأسمالي الاحتكاري) وأساليبه السياسية (هيمنة الطبقة البرجوازية القائم وجودها على ذلك الأسلس). كانت تلك الثورات، إذن، رد فعل داخليا ضد هذا النظام، أقصد أن الأمر كان يتعلق برد فعل أتى من جوف النظام الرأسمالي الاحتكاري الشمولي ذاته.

وإلى جانب هذه الظروف الثورية الداخلية كانت هناك ظروف خارجية مواتية، ظروف الحرب العالمية الأولى دفعت قادة الحركة البروليتارية في روسيا (ولينين بالتحديد) إلى استعجال الثورة بتعويض الضعف الصناعي وبالتالي العمالي البروليتاري بـ"التحالف مع الفلاحين"، مما جعل النظرية الأصل –أعني ماركسية ماركس- تتحول "ماركسية لينينية"، عوضت الضعف في البنية التحية (التقدم الصناعي) بالتركيز على تضخيم دور البنية الفوقية (الإيديولوجيا والحزب). وكان طبيعيا أن يتحول هذا التضخيم لدور الحزب إلى تضخيم دور زعيم هذا الحزب، الذي سرعان ما تحول (مع ستالين) إلى قائد يمارس سلطة شمولية من النوع العسكري على الحزب بواسطة أجهزة قمع خاصة، وعلى الشعب بواسطة جهاز المخابرات وأجهزة الحزب. وتأتي ظروف الحرب العالمية الثانية لتفسح المجال لتطبيق هذا النموذج السوفيتي الستاليني، تطبيقا قسريا في معظم الأحوال، في الأقطار التي كان للجيش السوفيتي فيها نفوذ، وهي أقطار أوربا الشرقية التي أصبحت تشكل منظومة الحكم الشيوعي الشمولي بقيادة الاتحاد السوفيتي كنموذج وحارس. ويتعزز ذلك بانتصار الثورة التحريرية الصينية بقيادة ماوتسي تونغ... ويتحول النموذج الشمولي السوفيتي إلى نموذج للتحرير والبناء الاشتراكي.

واضح إذن أن النظام الشمولي في النموذج السوفيتي لم يكن من النوع الذي تفرزه أوضاع داخلية معينة، كما هو الشأن في النظام النازي في ألمانيا والفاشي في إيطاليا وديكتاتورية نظام فرانكو في إسبانيا وسلازار في البرتغال، ونظم أخرى مماثلة في أمريكا اللاتينة وغيرها. إن النظام الشمولي السوفيتي، سواء في روسيا أو في أوربا الشرقية أو في الصين أو في كوبا الخ، كان دوما نظاما مبررا بأهداف اجتماعية وسياسية تتلخص في مقاومة الاستغلال الرأسمالي الذي كان قد تحول إلى إمبريالية عالمية.

وكما خرجت الثورات العمالية البروليتارية في أوروبا القرن التاسع من جوف النظام الرأسمالي الشمولي، كنفي له ونقيض، خرجت حركات التحرير الوطنية في الأقطار المستعمرة من جوف النظام الاستعماري الذي كان شموليا بطبيعته، فكان لابد لحركات التحرير الوطني هذه من نوع من الشمولية في تنظيماتها، وهل يمكن تصور حركة تحريرية تعمل في إطار من الديموقراطية البرلمانية؟

ومع اضطرار الاستعمار إلى منح نوع من الاستقلال للبلدان التي استعمرها -وكان ذلك ابتداء من أواخر الأربعينات من القرن الماضي- ظهر مع بداية الستينات أن الاستعمار لم ينته وإنما غير أسلوبه، فتحول من استعمار مباشر إلى استعمار غير مباشر. وكرد فعل ضد هذا الاستعمار غير المباشر أو "الجديد"، وبسبب حصاره وقمعه بل وإسقاطه للحكومات الوطنية التي أفرزتها الحركات الاستقلالية في "الأقطار المستقلة" –التي أطلق عليها اسم "العالم الثالث"- وأيضا بتفاعل مع ظروف الحرب الباردة، التي شنها المعسكر الرأسمالي الإمبريالي على الاتحاد السوفيتي ومعسكره، قامت في معظم "الأقطار المستقلة حديثا" تلك، نظم شمولية بعضها بتدبير من الإمبريالية العالمية وتشجيع منها، وهذه كانت عميلة غير وطنية، وبعضها جاءت كرد فعل ضد الإمبريالية العالمية نفسها مستوحية النموذج السوفيتي الذي تقاطعت مصالحها معه، وحاولت أن تشكل طرفا ثالثا أطلق على نفسه "حركة عدم الانحياز" التي لا زالت أطلالها ماثلة للعيان إلى الآن.

وإذن فنظم الحكم الشمولي في "الأقطار المستقلة حديثا"، ومن ضمنها الأقطار العربية، إذا كان بعضها قد قام بتدبير من الإمبريالية العالمية أو على الأقل بتشجيع منها، وذلك في إطار الاستعمار الجديد، وأيضا بهدف إحكام الطوق على المعسكر السوفيتي، فإن بعضها الآخر كان رد فعل على الإمبريالية والاستعمار الجديد ونظم الحكم الفاسدة التي يغذيانها، رد فعل وطني قامت به العناصر الوطنية في الجيش. وكان في مقدمة ردود الفعل الوطنية هذه الانقلاب الذي قام به "الضباط الأحرار" بزعامة جمال عبد الناصر في مصر عام 1952. ومع انخراط هؤلاء الضباط بصورة كاملة في مسلسل الكفاح الوطني التحريري المصري والعربي وسلوك سياسة التحرر الاقتصادي مع التصدي للمحاولات التدجينية التي قامت بها الإمبريالية، اكتسب هذه النظام العسكري الوطني الشمولي شعبية واسعة ليس في مصر وحدها بل في الأقطار العربية جميعها مما كانت نتيجته قيام انقلابات عسكرية تستوحي هذا النموذج المصري وفي مقدمتها الانقلاب الذي حصل في العراق عام 1958 والذي بلغ قمة شموليته ودمويته مع حكم عبد الكريم قاسم ثم مع صدام حسين الذي فرض نفسه على الحزب الذي من جوفه خرج، والذي كان قد استلم السلطة بدوره إثر انقلاب عسكري...

كانت هذه النظم الشمولية العربية القومية المنزع، بما في ذلك نظام حكم "حزب البعث" في كل من العراق وسورية، تبني شرعيتها على ما تتبناه من شعارات وطنية تحررية بما في ذلك التحرر من الهيمنة الاستعمارية الإمبريالية وبناء الدولة الوطنية القطرية على طريق تحقيق أمل العرب في الدولة الوطنية القومية، العربية الواحدة. وكان طبيعيا أن تعاني هذه النظم من سلبيات الحرب الباردة ومن شمولية المعسكر الإمبريالي الذي كان يتصرف، وزال، بمنطق "من ليس معنا فهو ضدنا"، الشيء الذي دفع مثل هذه النظم إلى مزيد من الشمولية والانغلاق، كثيرا ما يتحول الحزب معها، إن وجد، إلى "حكم العشيرة".

ذلك ما آل الأمر إليه في العراق وفي بلدان عربية أخرى. كان العراق قد خطا خطوات هامة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية في السبعينات (أذكر أني قرأت مقالا في أواسط السبعينات لجريدة لومند الفرنسية الشهيرة نبه فيه صاحب المقال إلى أنه إذا سار العراق على نفس وتيرة النمو التي يحققها الآن(1975) فسيلحق بإسبانيا بعد بضع سنوات، وكان ذلك هو رأي الأوساط الأوربية والأمريكية المهتمة عامة). أجل كان النظام الشمولي العراقي قد أنجز خطوات كان مسارها يهدد مصالح الإمبريالية ووجود إسرائيل، وقد تزامن ذلك مع قيام الثورة الإسلامية في إيران، فتقاطعت مخاوف الأمريكان مع مخاوف دول الخليج ومخاوف النظام العراقي نفسه، فكانت الحرب العراقية الإيرانية التي اكتسب فيها النظام الشمولي بالعراق خبرة عسكرية وأسلحة وأدوات التسلح الذاتي الخ، مما جعله يتحول بالفعل، أو بالقوة، إلى عنصر تهديد للمصالح الأمريكية في المنطقة... فكان النزاع حول أسعار البترول، وكان اجتياح الكويت، وكانت حرب الخليج الثانية، ثم الحصار... فهل كان يمكن للنظام الشمولي في العراق أن يتحول في مثل هذه الأوضاع إلى الديموقراطية؟

سؤال يدعو إلى التفكير حقا!

22/04/2003
 

المصدر :موقع الجابري



#محمد_عابد_الجابري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظم الشمولية تسقط بصفة شمولية


المزيد.....




- رأي.. فريد زكريا يكتب: كيف ظهرت الفوضى بالجامعات الأمريكية ف ...
- السعودية.. أمطار غزيرة سيول تقطع الشوارع وتجرف المركبات (فيد ...
- الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس يخضع لعملية جراحي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابطين وإصابة اثنين آخرين في كمين ...
- شماتة بحلفاء كييف؟ روسيا تقيم معرضًا لمعدات عسكرية غربية است ...
- مع اشتداد حملة مقاطعة إسرائيل.. كنتاكي تغلق 108 فروع في مالي ...
- الأعاصير في أوكلاهوما تخلف دمارًا واسعًا وقتيلين وتحذيرات من ...
- محتجون ضد حرب غزة يعطلون عمل جامعة في باريس والشرطة تتدخل
- طلاب تونس يساندون دعم طلاب العالم لغزة
- طلاب غزة يتضامنون مع نظرائهم الأمريكيين


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عابد الجابري - النموذج السوفيتي والنظام الشمولي العربي