أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الأحسايني - الكعكة














المزيد.....

الكعكة


محمد الأحسايني

الحوار المتمدن-العدد: 1756 - 2006 / 12 / 6 - 11:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



ش. بودلير
ترجمة محمد الإحسايني

لقد اعتدتُ على السفر.كان المنظر في الوسط الذي نزلتُ فيه،يبين عن رفعة وأصالة لايمكن مقاومتهما .هَجَسَ بهما،بلا ريب،شيء ما، في نفسي.كانت أفكاري تتماوج بخفة تعادل خفة تماوُج المحيط الجوي؛فكانت العواطف الخشنة، أمثال الحقد، وحب الدنياتبدولي الآن بعيدة أيضاً ،مثل كافة السحب التي مازالت تمر في عمق الهوّات تحت قدميّ؛حسبتُ نفسي متفتحة تفتحاً واسعاً، وصافية أيضاً مثل قبة السماء التي إنني ملفوف فيها؛فلم يكن تذكر الأشياء الأرضية يصل إلى قلبي إلا واهناً ضئيلاً،كرنين نواقيس الأنعام التي ظلت ترعى بعيداً، بعيداً جداً، تحت سفح جبل آخر.أحياناً، كان يمر ظل من سحاب حول البحيرة الجامدة السوداء بعمقها البعيد غوره،
كما يمر انعكاسُ طلِّ معطفِ كائن ٍ عملاقٍ من عمالقة الجو يطير عبر السماء.وأتذكر أن هذا الإحساس الإنساني والنادر قد أ ُحدث بحركة عنيفة صامتة على أكمل وجه، فكان يغمرني بفرحة مزيجة بالخوف.الخلاصة، أنني كنت أحس بالهدنةالكاملة معي أنا بالذات، ومع العالم، بفضل الروعة الحماسية التي كانت قد طوقت كياني، حتى إنني لأعتقد، وأنا في غبطتي البالغة، وفي نسياني الكلي للشر الأرضي جميعه،
أنني كنت قادماً من هناك حتى لاأجد الجرائد المضحكة إلى
حدما،تدعي أن الإنسان* قد وُلد طيباً بالفطرة؛ ـ عندما تجدد مطالبَه المادةُ غيرُ المبدّلة،وكنتُ أفكر في تدارك التعب والتخفيف من أثر الشهية التي أحدثها صعود مديد بهذا الحد، فسحبتُ من جيبي قطعة كبيرة من الخبز، وطاساً من علبة جلدية، وقارورة لشيء من الإكسير الذي كان يبيعه الصيادلة في ذلك الزمان للسياح كي يمزجوه عند الحاجة بماء الثلج.
أخذتُ أقطع بهدوء خبزي لما أثار انتباهي صوت جد خفيف.
كان يوجد أمامي كائن صغير رث الثياب أسود، متشعث الشعر،عيناه غائرتان في محجريهما، قاسيتان كعيون القضاة، كانتا تتأملان بشهية قطعة الخبز،وسمعته يتنهد بصوت منخفض أجش على الكلمة: كعكة!لم أستطع أن أثني نفسي عن الضحك وأنا استمع إلى التسمية التي كان يريد أن يشرف بها خبزي الأبيض تقريباً، فقطعتُ له منذلك الخبز شريحة كبيرة قدمتها إليه.دنا بتؤدة، دون أن يحيد بعينيه عن هدف اشتهائه يتلقف قطعة الخبز بيده، ثم تراجع يتلهف كأنما قد خاف ألا يكون عرضي صادقاً، أوربما فد عدلت عن ذلك العرض بعدُ.
لكن ، كان قد شقلبه على الأرض فينفس اللحظة صغيرآخر متوحش لم أدر من أين خرج،وهو أشبه بالمتوحش الأول الذي قديمكن للمرء أن يخلط بين صورته، وصورة أخيه التوأم.
تدحرجا بأجمعهما على الأرض يتخاصمان على الفريسة الثمينة،بدون شك، لاأحد منهما يرغب في أن يضحي بنصف الفريسةلأخيه،فقد أمسك الأول المغتاظ بالثاني من شعره،، وهذا الخير قبض على أذن الأول بأسنانه، فبصق جزءً دامياً منها مصحوباً بشتيمة ذات لهجة إقليمية رائعة،فقد حاول المالك الشرعي للكعكة أن يغرز مخالبه الصغيرة في عيني الغاصب للكعكة، وبدوره، فإن هذا الأخير بذل كل ما في وسعه ليخنق بيد خصمه،في حين كان الآخر يحاول إدخال مكاقأة العراك في جيبه،لكن لما استبد به اليأس،استدرك المغلوب حاله،فدحرج الغالب على الأرض بضربة الرأس على معدته.ما جدوى وصف صراع كريه، دام حقاً أطول زمن لم تشأ طاقتهما الطفولية أن تنبئ به، فكانت الكعكة تنتقل
من يد إلى يد،وتبدل الجيب في كل لحظة،لكن تبدل أيضاً حجمها،واأسفاه!وحيث إنهما في الأخير منهمكان، ولاهثان، وداميان،فإنهما قد توقفا بسبب استحالة متابعة العراك،فليس ثمة ، والحق يقال،أي موضوع للعراك،، فقطعة الخبز كانت قد اضمحلت، ومستتة إلى فتاتات سبيهة بحبات الرمال الذي اختلطت بها، لقد ضبب لي هذا المنظر رؤية المشهد،وتصمت الفرجة الوقت الذي كانت نفسي تطرب فيه قبل أن أرى هذين الغلامين، وكنت قد غبتُ كلية، وظللت هناك حزيناً ماشاء الله،أردد في نفسي بلا توقف:" يوجد هناك، والحال هذه،بلد رائع،يُدعى فيه الخبز بالكعك وقطعة من حلوى، نادراً ماتكفي لتتسبب في حرب الإخوة، على أكمل وجه.



#محمد_الأحسايني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الأحسايني - الكعكة