أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آداب عبد الهادي - لحظة ألم














المزيد.....

لحظة ألم


آداب عبد الهادي

الحوار المتمدن-العدد: 1750 - 2006 / 11 / 30 - 07:23
المحور: الادب والفن
    


حدق بها طويلاً،تأملها،نقلّها بين يديه،ثم قبّلها ، ورغماً عنه سقطت دمعة من عينه، غافلته وسقطت، مسحها بمنديله الحريري ، وحدثها مبرراً:
إنها قريبة مني ،غالية على قلبي ،لم يخطر على بالي في يوم من الأيام أن أتنازل عنها أو أبيعها ، أو أبتعد عنها أو تبتعد عني ، إنها جزء مني ،من روحي ،من قلبي ،إنها ذكرياتي ،حياتي السابقة.
-آه هذه الكاميرا الرائعة ، مازلت أذكر تماماً يوم اشتريتها ،كم كنت فرحاً لقد عملت على توفير الكثير من المال إلى أن تمكنت من شرائها ،كان يوماً ربيعياً رائعاً ،كانت السماء صافية ورائحة البنفسج تملأ الطرقات في تلك المدينة الرائعة في أسبانيا ،أوه.. لقد أصبحت هذه الكاميرا قطعة نادرة .
-ثلاثون عاماً مضت على شرائها ،ثلاثون عاماً كانت رفيقتي وصديقتي في رحلاتي الكثيرة في المدن والغابات والسهول والبحار ، إن لهذه الكاميرا الرائعة تاريخاً عظيماً ، حفظت في ذاكرتها الكثير من صور العظماء في هذا العالم ، وكثير من الغادين والصادين والكثير الآخر من صور النسور والصقور والعقبان ،كانت تؤنسني في وحدتي وتسامرني في ليلي ،كنا صديقين حميمين ، مازلت أذكر الابتسامة التي كانت ترسمها على شفتيها كلما حصلت على لقطة فنية نادرة أو أحصل على جائزة كبيرة لصورة عظيمة من إنجازها .
كانت جزءاً مني، ويصعب علي التخلي عنها .
إيه يالله وهذه البندقية الغالية النادرة ، لقد مضى على شرائها قرابة الربع قرن كم أنقذتني من هجوم أشرار ، وكم أدخلت الطمأنينة إلى نفسي وروحي ،لذلك كلما قمت بتنظيفها أشعر وكأني أنظف نفسي ، أنظفها بدموعي وأجففها برياح قلبي بنبضاته بخفقانه ، كيف سأتخلى عنها ،كيف....كيف...........
كم سأشعر بالوحدة والغربة والخوف، نعم بدونها سأشعر ببرد قارس ينخر عظامي ويفتتها، حتى هذه الصور و التي أصبحت أرى أنه لا داعياً للاحتفاظ بها،فقد مات الكثير من أصحابها ، والباقي منهم إما مريض أو جن أو في طريقه إلى الموت ، كما إنه لم تعد لي رغبة حقيقية في اقتناء واحتواء هذه الأوراق والمستندات ، ولا أدرى لما احتفظت بهذه الأشياء كل هذه السنوات ،هناك أشياء مضى عليها خمسون عاماً ، مذ كنت شاباً يافعاً،ولا أدري لما كنت أحبها وأتفاخر باقتنائي لها ،إيه غريبة هي الحياة ،غريبة جداً.
وأطلق زفرة وأعقبتها حسرة ،صمت بعدها للحظات ثم تناول المسبحة الذهبية وقلبها بين يديه ورسم على شفتيه ابتسامة رقيقة صاحبتها دمعة تربعت في عمق عينيه ، ثم هبطت من برجها العاجي لتعانق الابتسامة وبقي الوجه مراقباً لهذا العناق وهو غامض الملامح ضائعاً تائهاً محتاراً لا يعرف ماذا يريد إلى أن تحركت الشفتان وتحدثت بصوت متهدج حزين مليء بالحنين إلى الماضي إلى الذكريات :
-أيتها المسبحة ،كم كنت أتفاخر باقتنائي لك ، كنت أضعك في معصمي وأحاول رفع يدي إلى الأعلى ليراك جميع الموجودين والذين أتقصد أن يرونك معي وخاصة النساء منهم .
مازلت أذكر عندما ابتعت هذه المسبحة في إحدى المدن الفرنسية ابتعتها حينها بثلاثمائة دولار من أكثر من ربع قرن ، إنها لم تفارقن أبداً، علما أن إحداهن وفي ليلة حمراء ملتهبة سرقتها مني ، وكنت قد اكتشفت أمرها، فبحثت عنها في صباح اليوم التالي إلى أن، وجدتها وأخذتها منها بعد تهديد ووعيد ، ومن ذلك الحين لم أحضر المسبحة معي إلى وسط أو مجتمع تكثر فيه النساء ،...إيه ...أيام ...أيام .....
وقف الرجل العجوز وحدّق بصورة كانت معلقة على الحائط كانت صورته عندما كان شاباً ،ابتسم لها ثم تناول عصاه واتكأ عليها واتجه إلى كرسيه المفضل الموجود أمام المدفأة ، جلس بتثاقل ثم أسند رأسه على الطرف العلوي للعصا وتنهد متحسراً.
وفي صباح اليوم التالي أخرج الرجل العجوز حقيبة سفر قديمة من أحد أدراج خزانته ،كانت الحقيبة من الجلد الطبيعي ، سحبها بهدوء ونفض الغبار عنها ، ثم قربها إلى أنفه واستنشق رائحتها وقال:
-حتى أنت غالية عليّ ،لكن لابد مما ليس منه بد.
واتجه إلى أشيائه ،إلى الكاميرا والمسبحة والبندقية وبعض التحف الأخرى ووضعها في الحقيبة ثم اتجه إلى صورته المعلقة على الحائط ، وقف أمامها كان في ريعان الصبا ، كانت الصورة وهو في العشرينات من عمره وبالتحديد في الخامسة والعشرين، حدق بها وقال :
-لا تؤاخذني أيها الشاب ، لقد ولى العمر ، ولم يعد لي حاجة إلى هذه الأشياء ...لا تؤاخذني أيها الشاب ولا تنظر إلي هكذا ، لا تغضب ولا تحدق بي وأنت متذمر ،فأنت لا تدرك ماذا تعني الشيخوخة ،لا تدرك ماذا يعني المرض ،لا تدرك ماذا يعني العمر الذي مضى ولا تدرك أبضاً معنى الذكريات وقيمتها ولا تدرك أيضاً ماذا يعني أن يبيع الرجل العجوز أشياءه القديمة التي كان يسعد عندما يشتريها أو يحصل عليها ويتفاخر أمام الجميع باقتنائه لها لا تدرك لا تدرك لا تدرك......
هناك أشياء كثيرة لا تدرك معناها أيها الشاب المتربع في أعماق أعماق روحي سامحني إذا كنت قد اضطررت للاستغناء عن أشيائي لكن لا تعتقد أنني فرطت بها ...لا...لا..لا بل إني أشعر بالألم واليأس والأسى ، وفقداني لهذه الأشياء يعني فقداني لروحي ولنفسي ولشخصي ورغم ذلك ،لا أخفيك أيها الشاب ما أحس به ،إنني فعلاً لم أعد بحاجة لهذه الأشياء ، لم أعد بحاجة إلى بندقية أتقي بها هجوم حيوان مفترس أو عدو متوحش ،لأنني لم أعد قادرا على النوم في العراء ولم أعد قادرا على مقارعة الحيوانات المفترسة ، سامحني أيها الشاب المتربع في ذاتي فقد ولى العمر وانتهت الرحلة وآن أوان السفر ، سامحني أيها الشاب الذي لم يفارقن أبداً فقد اضطررت لبيع أشيائك وبيع مقتنياتك والتخلي عن ذكرياتك ، سامحني سامحني لأنني اضطررت لبيع أشيائك في مزاد علني.



#آداب_عبد_الهادي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وكان سراباً
- صرخة من الطلاب في سوريا
- أنا الدولة والدولة أنا !!
- ضرورة الرؤية المستقبلية للعرب


المزيد.....




- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...
- في عيد التلفزيون العراقي... ذاكرة وطن تُبَثّ بالصوت والصورة
- شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آداب عبد الهادي - لحظة ألم