أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إيراهيم - قسوة














المزيد.....

قسوة


سلام إيراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 1750 - 2006 / 11 / 30 - 06:51
المحور: الادب والفن
    


أخذوه في ليلة حالكة والجبل يهتز ويضاء بالانفجارات المتوالية وأزيز الرصاص وقنابل التنوير. أخذته في باطن السحر والضجيج والبرد دون معطفه العسكري القديم الوجوه الأليفة ذاتها. الليلة تشبه ليلة وقوعه بأيديهم قبل أربع أو خمس سنين، حينها انذل ناسياً سوية مجده القديم. ظل هاجس الموت يسكنه وهو يقبع في رطوبة غرفة الطين العفنة المظلمة، ثم أخذ بالتذاوي مع مرور الشموس وانبعاث إلفة غريبة مع أولئك الأعداء. كانوا يمارسون عليه السخرة طوال النهار، لكنه يجد الساعات التي يقضيها في الهواء الطلق أسعد الساعات، أشجار وضحك، عيون ماء وصبايا القرى المارات، أشجان التذكر عن المدن البعيدة والنساء الطفولة والأحلام والعائلة التي يتبادلها مع الحارس الموجه فوهة بندقيته نحوه أينما حل، وهو يقطع الحطب، يحمل الصخور، يتناول الطعام أو أثناء التغوط في العراء. عاد لا يجفل حينما يمازحه أحدهم قائلاً:
ـ ستعدم غداً!.
وهو يرى وجوههم المرحة، فيرد ضاحكاً بوجل:
ـ كل شيء إلا هذا ما زلتُ صغيراً لم أر من الدنيا شيئاً.
أحياناً يداخله الرعب فيسأل بوهن:
ـ أحلفك بأبيك.. صحيح؟.
فيضحك الحارس، مؤكداً بأن كلامه مجرد مزاح، فتتلاشى الرعدة الماحقة، المرجفة صلابة العظام.
كانوا يدفعونه بخشونة، مع رهط السجناء السائرين على مسالك منسية تبتعد عن الضجيج والأضواء الهاطلة عناقيد خلف القمم. يتعثرون تحت السماء الفاترة الخفيضة ونجومها العالية المتذاوية في عمق أودية سحيقة. على فسحة مستوية يضيع عند حافتها الممر الوحيد المهجور، أوقفوهم وأمروهم بالحفر بمعاول صدئة كانوا يحملونها طوال الطريق. كان مشتتاً بأخيلة بقايا الأحلام وهو يختبر صلابة الأرض والقلوب. مع أول ضربة أدرك الأمر برمته، فالتفت مبحلقاً بالوجوه التي انطبعت في القلب. الوجوه التي أطعمته وهددته، سقته وضربته، مازحته وألجمته، أرعبته وبادلته شجن التذكر. بادت قواه فسقط المعول. زجروه بأصوات خشنة.. خنقته العبرة، وأوجعته النبرة القاسية، القاطعة. حاول التماسك كالآخرين اللائذين بصمتهم، والمشغولين بالحفر. حاول.. دون جدوى.. فانفجر معولاً يردد بصوت مذبوح:
ـ لماذا.. لماذا.. لماذا..؟.
هبطت عليه الأخامص لاسعة. أخرسه الفزع من قسمات وجوههم الكالحة، الكابية التي كانت بالأمس مرحة، تمازحه وتأمله بفرج قريب. ابتدأ بطعن التراب، وإزاحته عن مستطيل بقدر طوله وعرضه. غرسوه على ساحل حفرته. اهتز للحظة تلقيه وخزات الرصاص المخلصة، وطارت به إلى فضاءات أسحار أبدية باهتة الظلمات، وسكون نجوم شاحبة خرساء. ترنح كسكران قبل أن يتهاوى في يم حفرته الضحلة.
كان ثمة من ينتحب.. وانسدل صمت.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج ...
- تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن ...
- اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة يحتفيان بالشاعر والمترجم الكبير ...
- كيف كانت رائحة روما القديمة؟ رحلة عبر تاريخ الحواس
- منع إيما واتسون نجمة سلسلة أفلام -هاري بوتر- من القيادة لـ6 ...
- بعد اعتزالها الغناء وارتدائها الحجاب…مدحت العدل يثير جدلا بت ...
- ترشيح المخرج رون هوارد لجائزة -إيمي- لأول مرة في فئة التمثيل ...
- توم هولاند -متحمس للغاية- لفيلم -Spider-Man 4-.. إليكم السبب ...
- 100 فيلم لا تُنسى.. اختيارات نيويورك تايمز لسينما الألفية ال ...
- الحكم على ثلاثة بالسجن لمساعدتهم في جريمة قتل مغني الراب سي ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إيراهيم - قسوة