أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سيار الجميل - كتب - العراق وعبد الناصر















المزيد.....



كتب - العراق وعبد الناصر


سيار الجميل

الحوار المتمدن-العدد: 523 - 2003 / 6 / 24 - 18:06
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    



 

-          مناقشات نقدية في مذكرات امين هويدي من أجل الكشف عن حقائق تاريخية جديدة –

-         د. سيار الجميل - مؤرخ وخبير دولي

-          - الحلقة الأولي

- المؤرخون العرب.. ماذا يفعلون؟
- رؤية أخري في منظار المخابرات للصفحات المطوية من العلاقات المصرية العراقية
- التحليل الموضوعي يجلب غضب العاطفيين لكنه ينصف الحقائق

هذا مثل واحد من عشرات الأمثلة المثيرة حقا والتي تستوجب فضح هؤلاء الذين يعلمون العلوم التاريخية لأولادنا وبناتنا في أروقة الجامعة وهم لا يدركون معاني المنهجية ولا يدركون أي تأسيس لمقاربة في الإشكاليات المعقدة التي عليها كتابات تحليلية ونقدية في التاريخ في أي مكان تنشر أو حتي في أية حقول تتكلم! إن طغيان الكتابات التاريخية الهشة التي ينشرها البعض من الأكاديميين الجامدين الذين أكل الدهر عليهم وشرب وهم في جامعاتهم لا يأبهون إلي ما ينشر ولا إلي ما يثار اليوم من قضايا تاريخية خطيرة بصدد تواريخنا الحديثة وتاريخنا المعاصر نحن بالذات في القرن العشرين، وقد باتت تلك القضايا تشكل مفصلا اساسيا لابد من معرفته تماما والاضطلاع بتحري معانيه من خلال فهم جملة من الاسرار التي احاطت به سنوات طوال. إننا نعتقد بأن الأوان قد آن لكي يبدأ الوعي بالبحث عن الحقائق والتأكد منها كيلا تتوهم الأجيال أن كل ما يكتب أو يقال من تواريخ ومعلومات هي صحيحة فتؤخذ الأمور علي عواهنها.. وكثيرا ما نجد ان امور كبيرة قد التبست علي مجتمع كامل ولعشرات السنين، فكيف بامور جزئية كان لها اهميتها في احداث المزيد من الانحرافات والتشوهات التاريخية التي نحس اليوم بوطئتها الثقيلة.. وعليه، فان بناء الوعي لا يتم إلا من خلال آليات فهم جديدة ومسح وثائقي شامل أو نقد في الحجج واقامة الأدلة والبراهين من اجل كتابة صفحات نظيفة متخلصة قدر الإمكان من الشوائب لتاريخ له تعقيداته وخفاياه يستوجب ألا تخفي أي من جوانبه، ولا تهمش أي من مساحاته الحقيقية تحت دعاوي خاطئة أو مسميات وشعارات ماكرة أو مفبركات واكذوبات لم تعد تنطلي علي أصحاب العقول من المؤرخين المتنورين المنتمين للجيل الجديد.
إن قوة بعض الأعمال والكتابات والمفاهيم، هي التي تدحض جملة من تلك المعلومات المفبركة والأكاذيب المختلقة التي يريدها البعض من اجل تجميل صورهم أو تنميق تواريخهم الشخصية.. وتمر الذهنية العربية في الوقت الراهن في اصعب مراحلها إذ لابد أن تتخلص من الحالات التمجيدية والعاطفية التي ترعاها شعارات أيديولوجية وسياسية معينة.. أو تلك الحالات التقليدية المميتة التي لا تعرف من التاريخ إلا التراتبية والتجميعية للنصوص والأقوال وتقليد الآخرين والانغلاق علي ظاهر النص بعيدا عن أي مزاولة نقدية لمعالجة مشكلات معينة أو اختلاقات ومفبركات خاصة أو التعمد في صنع اكذوبات بحد ذاتها بحجة الكشف عن خفايا جديدة.

ماذا علينا أن نفعل؟
لابد من تأسيس رؤية منهجية وبعيدة النظر من خلال فلسفة فهم الموضوع بعقلية صافية ومن ثم إثارة الإشكاليات والانتقال منهجيا إلي باطن النص ومحاكمته ليس من خلال طور التركيب المعروفة آلياته ولكن من خلال نزعة التفكيك النقدي والمعرفي ضمن نسق من الحوار القائم علي الأمانة والموضوعية وعدم التحيز لأي طرف من الأطراف. إن كل هذه الأمور التي اختزلها وأنا اقدم لأثارة إشكاليات اليوم، كنت قد فصلت عنها كثيرا في اكثر من كتاب من كتبي وخصوصا تلك التي تناولت فيها النقد التاريخي ومكاشفات قوية لكتابات يعتمد عليها الآلاف من المثقفين والمسؤولين العرب وهي التي يعتورها خلل كبير لا يمكن السكوت عليه أبدا. ولابد من التذكير هنا بتجربتي في كتابة ونشر كتاب (تفكيك هيكل) الذي اختلف حوله الناس باختلاف مواقفهم الفكرية والسياسية لا مواقفهم المعرفية والتاريخية.. فمنهم من اعجب بتلك التجربة النقدية من اثارة المكاشفات كونهم يحملون فكرا حرا ، ومنهم من صعق بها وقاطعني لأنه لا يريد اجراء اي حوار حر نظرا لانغلاق تفكيره علي يوتوبيا الشعارات القديمة التي لم تتحقق ابدا منذ أكثر من خمسين سنة! والمسألة ليست شخصية ابدا كما يتوهم البعض، ويلقي بالتهم جزافا، اذ يشيع البعض بانني ضد مصر وضد رجالات الرئيس عبد الناصر! والحقيقة، هي عكس ذلك تماما اذ ان لمصر مكانة كبري في صدري، ولم اكن يوما ضد تاريخ عبد الناصر او ضد رجالاته، بل اسعي لكشف حقائق تاريخية لا أكثر ولا اقل من اجل اغناء المعرفة العربية، وليس لي الا انبل الغايات بالبحث عن حقائق الامور كي لا تبقي الاخبار مشوّهة من دون اي رد عليها، فالساكت عن الحق شيطان أخرس.. ويدرك العدد الكبير من اخواني واصدقائي المصريين ذلك، فلا حاجة ابدا لتبديل الموضوع الي عنعنات ومهاترات سياسية بليدة او مبارزات شخصية عنترية لا معني لها!

مصر والعراق مرة أخري:
الادوار الخفية
يعد موضوع مصر والعراق في القرن العشرين من اخصب الموضوعات المشتركة بين الجانبين، ولابد من دراستها بشكل تحليلي دقيق، ولقد قمت قبل اشهر عدة بنشر مقالات في نقد إنتاج ثقافي حديث اختص في تاريخ العلاقات العراقية المصرية علي صفحات بعض الصحف العربية نظرا لأنني وجدت في ما قدمه بعض الاخوة من مصر والعراق تحريريا وشفويا، تاريخيا وسياسيا واعلاميا بحاجة إلي إثارة جادة ورد دقيق ومعالجة نقدية بارعة ومحاكمة نزيهة وتقويم أمين، وطالبت بالذات من مسؤولين عرب سابقين أن يدلوا بدلوهم وان يفصحوا عن ذكرياتهم وآرائهم وبشكل صريح وحقيقي، وخصوصا من كان له شأن في العراق منذ الأيام الأولي لولادة النظام الجمهوري فيه العام 1958، وعما شهده أولئك الناس في العراق من أحداث ومعلومات تعد اليوم من الاسرار الخفية، نظرا لاضطراب المواقف ازاءها، ونحن بأمس الحاجة إلي المعرفة الدقيقة بها وكشف الحقائق المغيبة عنها. ولكنني طالبتهم في الوقت نفسه، أن يكونوا أمناء صادقين وصرحاء واضحين لأن كل ما مضي وقته وانقضي عهده وذهبت حالاته مع الذاهبين قبل عقود من الزمن قد اصبح في عداد التاريخ. وكان من جملة الذين طالبتهم بالكشف عن معلومات واسرار يمتلكها ولابد من الكشف عنها: كل من الأخ الأستاذ عبد المجيد فريد الذي له حقائقه التي لم يبح بها حتي الآن عن الايام الاولي من العراق الجمهوري وخصوصا في الاشهر الاولي من عهد الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم ، وكذلك الأخ الأستاذ أمين هويدي الذي شغل منصب مدير المخابرات العامة بمصر وسفير مصر في العراق علي عهد الرئيس العراقي عبد السلام عارف وأيام الرئيس جمال عبد الناصر وغيرهما من المسؤولين المصريين الذين كانت لهم ارتباطاتهم بالعراق الجمهوري للفترة التاريخية 1958 ــ 1968.
نعم، لقد طالبت الاخوة من المسؤولين المصريين السابقين أن ينشروا ما يعرفونه من المعلومات الخفية وبشكل جريء وصريح بكل امانة ووضوح عن دور مصر في أحداث العراق الداخلية وخصوصا علي امتداد عشر سنوات من القرن العشرين 1958 ــ 1968، أي منذ الأيام الأولي للانقلاب التاريخي الدموي الشهير في يوم 14 تموز (يوليو) 1958 وعلي امتداد عهود: عبد الكريم قاسم والبعث وعبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف، أي انتهاء بانقلاب 17 تموز (يوليو) 1968 الذي سمي بالانقلاب الابيض (انظر: كتابي تفكيك هيكل، وأيضا مقالاتي في صحف عربية مثل: النهار البيروتية والزمان اللندنية والبيان الاماراتية).

 

************************* 

العراق وعبد الناصر

رؤية نقدية في مذكرات امين هويدي من اجل الكشف عن حقائق تاريخية

د. سيّار الجميل ( مؤرخ عراقي وخبير دولي)

 الحلقة الثانية

 

عبد الناصر راهن علي قيام نظام عراقي ناصري ـ هل أدي انفجار الثورة الايرانية عام 1979الي تحسن العلاقات السياسية بين مصر والعراق؟ القاهرة لم تدن تصفية العائلة الملكية العراقية بكاملها


 

 

شبيه الشيء منجذب اليه
من حسن المصادفات ان حظينا قبل أيام بقراءة ذكريات الأخ أمين هويدي التي نشرتها جريدة البيان الإماراتية علي حلقات، فوجدت من الضرورة بمكان أن اناقشه فيها لما يخص ما نشره من ذكرياته عن العراق وان اكتب بعض ملاحظاتي النقدية ومكاشفاتي التاريخية ومقارناتي المنهاجية لجزء مما كتبه خصوصا أيام إقامته فيه سفيرا علي عهد الرئيس الراحل عبد السلام عارف إبان عقد الستينيات من القرن العشرين ولمدة ثلاث سنوات قضاها معززا مكرما وهو يذكر بأنها كانت من أحلي أيام حياته وقد ذكرها فعلا بالذكر الجميل. ولكن ليكن معلوما لدي القارئ الكريم بأن ما سأكتبه من ملاحظات ونقدات في ادناه، انما سيتناول بالتحليل والنقد والمساجلة بعض ما سجله الرجل في مذكراته من معلومات مهمة أصبحت اليوم تاريخية في عداد الزمن، ولابد من مناقشتها باستقلالية تامة بعيدا عن أية ضغوط شخصية أو عواطف قومية أو انتماءات سياسية وايديولوجية من اجل التوصل إلي مقاربة للحقائق التاريخية بدل البقاء في حالة من التهويم والاكاذيب وإيجاد المبررات والمسوغات التي لم تعد تنطلي سذاجتها علي جيل اليوم خصوصا ونحن نعلم بأن العراق كانت له علاقاته المتأزمة دوما مع مصر علي امتداد القرن العشرين، ونريدها اليوم وفي المستقبل أن تكون علاقات يسودها الاحترام والتكافؤ والانسجام بين مجتمعين عريقين ومتحضرين لهما شراكتهما التاريخية والثقافية والحضارية بعيدا عن التدخلات السافرة في الشؤون الداخلية التي أضرت كثيرا بشؤوننا العربية خصوصا عندما كانت تجري بها الأهواء البطولية وكما كانت تلهبها العواطف الساخنة في القرن العشرين باسم (القومية العربية)، علما بأن المباديء القومية بشكل عام كما قرأناها في التاريخ الحديث لم تسمح بحدوث مناورات ومؤامرات وتدخلات سافرة!!
والحق يقال وكلمة لابد من تسجيلها هنا، أنني كنت ولم أزل اكن احتراما ومحبة وتقديرا كبيرا للأخ الأستاذ أمين هويدي الذي وجدت سواء في شخصيته أم في علاقاته أم في كتاباته ومداخلاته الصحفية والتلفزيونية.. انه من اكثر الناس مقاربة للحقائق وعرض الأمور بصراحة وجدية وجرأة من دون أية مواربات أو مفبركات واكذوبات وعدم اعتراف بالجميل كما يفعل الآخرون. واعتقد انه يدرك ذلك بحيث يذكر في اكثر من مكان وزمان بأن أولئك الذين يخالفونه هم كثر منذ أن كان يتولي المسؤولية في اكثر من منصب أيام الرئيس جمال عبد الناصر.. وما زال بعضهم يناصبه العداء حتي الآن بسبب جهره بالحق. ولابد لنا أيضا أن نعرف بأن الأستاذ هويدي قد تولي الوزارة وكان جمال عبد الناصر يؤثره ويبرّه كثيرا، أما عمله سفيرا فلابد أن نذكر بأنه لم يكن سفيرا عاديا، بل كان سفيرا له استثناءاته من نوع خاص في العراق. ولما كنت احتفظ بمعلومات تاريخية وشخصية نادرة عنه غاية في الأهمية أيام وجوده في العراق ومن خلال معرفته العميقة بأصدقاء بغداديين لي كانوا من اعز الناس اليه وانه كان يسرّهم اخباره واسراره، وانهم كانوا يسرّونه اخبارهم وأسرارهم، فلابد لي أن أقول ويشهد الله علي ذلك بأن الاخ أمين هويدي كان من ضمن نخبة سفراء عرب عاشوا في العراق سنوات قليلة ولكنها مفعمة بالحيوية والنشاط وكان واحدا من أولئك السفراء العرب الذين عشقوا العراق وأحبوا أهله من أعماقه، اذكر منهم: عبد الهادي التازي من المغرب وعثمان سعدي من الجزائر وغيرهم.

العلاقات العراقية ــ المصرية:
ميراث صعب جدا
العلاقات المتموجة وتداعياتها المريرة
بادئ ذي بدء، أقول بأن العلاقات السياسية بين البلدين مصر والعراق مرت خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين بأسوأ الظروف والتعقيدات والمشاكل والحرب الباردة، وشغل ذلك عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وبالرغم من سوء العلاقات في عقد السبعينيات علي عهد الرئيس أنور السادات، ولكن بوادر التحسن السري بدأت مذ انفجرت الثورة الإيرانية العام 1979، إذ أخذت العلاقات العراقية ــ المصرية تأخذ لها مسارا من نوع آخر وصولا إلي عهد الرئيس محمد حسني مبارك، وتجسد ذلك في شراكة مصرية عراقية اردنية يمنية تحت اسم (مجلس التعاون العربي) الذي مات مباشرة بعد اجتياح العراق للكويت العام 1990، وما حدث بعد ذلك من تداعيات.
إن ما يعنينا بالذات هو مغزي التموج والتبدل في العلاقات الثنائية العلنية والخفية علي عهد جمال عبد الناصر. لقد مرت العلاقات الثنائية بأزمات ساخنة بين البلدين في العهدين العراقيين الملكي والجمهوري، فلقد راهن الرئيس عبد الناصر علي سقوط النظام الملكي في العراق منذ تسلمّه السلطة وليس بعد العام 1956 كما تثبت الوثائق التي كشفت قبل سنوات، وكانت هناك حرب باردة سياسية وإعلامية ونجح عبد الناصر في رهانه علي أمل أن يقوم نظام حكم عراقي ناصري منسجم مع طموحاته القومية.. ونجح انقلاب عسكري ولحقت به ثورة شعبية يوم 14 تموز (يوليو) 1958 ببغداد بقيادة كل من الزعيم الركن عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام عارف.
وكان يوما عصيبا اثار العالم كله علي اخبار العراق اذ جري تصفية العائلة المالكة بكاملها اذ قتل الملك الشاب فيصل الثاني وجري سحل كل من الامير عبد الاله ولي العهد ونوري السعيد رئيس الوزراء ورجالات آخرين ومثل بهم وباجسادهم ابشع تمثيل.. ولم نسمع من مصر أية ادانة او استنكار لما حل بخصوم عبد الناصر الملكيين أبدا، بل جري العكس اذ هللت اذاعة صوت العرب وكبرت وشمتت بهم شماتة لا ترحم، وأذكر اننا كنا نستمع اليها والي التعليقات الصارخة والملتهبة ونستمع الي الاناشيد والاغاني الوطنية التي جري تأليفها وتأديتها خصيصا للثورة العراقية من قبل ابرز الفنانين المصريين.. سمعنا ام كلثوم تغني قصيدة (بغداد يا قلعة الاسود)، وفائدة كامل تغني: (يا شعب العراق..) وتصدح المجموعة بنشيد (الله اكبر فوق كيد المعتدي)، ونشيد (يا ويل عدو الدار من ثورة الاحرار..)!
وكان الرئيس جمال عبد الناصر اول المعترفين بالنظام العسكري الجديد الذي اعلن العراق جمهورية شعبية، ولكن الشيء بالشيء يذكر، ذلك ان الرئيس عبد الناصر كان قد ارسل للملك فيصل الثاني برقية تهنئة طويلة جدا يبارك له من صميم قلبه قيام الاتحاد الهاشمي بين العراق والاردن قبل اشهر عدة فقط من حدوث الانقلاب في 14 تموز (يوليو) 1958، وأجابه ملك العراق ببرقية جوابية مطولة ايضا يشكره فيها علي عواطفه. كل ذلك حدث والعلاقات بين الطرفين لم تكن متوترة حسب، بل كانت ساخنة ومحتدمة.. هكذا، بدأت حياة العراق التاريخية الجديدة علي عهد جمهوري جديد كسب ولاء الملايين من ابناء الشعب العراقي الذين تأملوا فيه خيرا بأن يحقق ما كانوا ينتظرونه منذ زمن بعيد.. ولكنه ويا للاسف لم يتحقق حتي اليوم!

رهان مصر وعهد الثورة العراقية:
وفي الأيام الأولي للانقلاب الدموي العراقي في 14 تموز (يوليو) 1958 تعرّف جمال عبد الناصر عبد السلام عارف أحد زعيمي الانقلاب منذ اجتمعا في دمشق اذ وصل وفد الثوار العراقيين الي دمشق برئاسة عارف وتوثقت العلاقة بين عبد الناصر وعارف في العلن كصديقين شخصيين، يحفظ كل منهما الود للاخر، ولكن بدا بكل وضوح بأن أحدهما لم يكن يثق بالآخر أبدا، ويقال ان عبد الناصر استخف بعارف منذ اللقاء الاول! ومضت الايام والعلاقات بين القاهرة وبغداد مثل العسل.. ولكن بعد اقل من ثلاثة اشهر، اختلف زعيما الانقلاب العراقي عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف اختلافا أوصلهما إلي حالة الصراع نتيجة ما سمي بمؤامرة عبد الناصر علي قاسم، فاقصي عبد السلام عن السلطة وحوكم وتقرر إعدامه ولكن لم ينفذ الحكم به فبقي مسجونا.. حتي اطيح بالزعيم قاسم، فجييء به رئيسا للجمهورية العراقية، وهو اول رئيس جمهورية في تاريخ العراق ومنحوه رتبة المشير الركن.

 

********************************************** 


 

 

كتب - العراق وعبد الناصر–

 مناقشات نقدية  في مذكرات امين هويدي من أجل الكشف عن حقائق تاريخية جديدة –

أ?.       د. سيار الجميل ( مؤرخ عراقي وخبير دولي ) –

 الحلقة الثالثة


 


- الناصريون كانوا علي عداء نفسي شديد مع البعثيين حتي في أيام الوحدة
- عبدالناصر أول من علم بسقوط طائرة عارف وأرسل وفداً يترأسه عامر لتدارك الوضع في العراق

نعم، كانت العلاقات بين مصر والعراق قد ساءت بعد مضي اشهر معدودة علي الانقلاب الثوري العراقي العام 1958 وبدأت حرب إعلامية وسياسية بين الطرفين وكانت إذاعة صوت العرب قوة إعلامية جامحة ومؤثرة جدا وقت ذاك في عموم المنطقة، وراهن عبد الناصر مرة أخري علي سقوط نظام قاسم وفشل في رهانه من خلال دعمه حركة انقلابية فاشلة قام بها العقيد الركن عبد الوهاب الشواف في مدينة الموصل شهر اذار (مارس) 1959 وكان قد مّدها جمال عبد الناصر بواسطة عبد الحميد السراج بإذاعة خاصة من سوريا التي كانت تسمي بالإقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة التي يتزعمها عبد الناصر وكان نتيجة تلك الحركة من العصيان وتمرد القطعات والصراع الدموي بين الشيوعيين والقوميين أن استبيحت مدينة الموصل وعاشت احلك أيامها السود، اذ سحل الناس في الشوارع وعلقوا علي اعمدة الكهرباء ودام السلب والنهب اياما.
ومر عهد عبد الكريم قاسم والعلاقات سيئة جدا بين الطرفين ولما حدث انقلاب عسكري دموي آخر في العراق يوم 8 شباط (فبراير) 1963 أطيح فيه بحكم الزعيم عبد الكريم قاسم، وكان الانقلاب بعثيا هذه المرة واشد قسوة ودموية من الانقلاب الاول واعدم فيه عبد الكريم قاسم وجماعته. وكان عبد الناصر يراهن علي حدوث أي انقلاب علي أمل ليس لعودة العلاقات بين الطرفين إلي مجاريها، بل لكي تكون بغداد منسجمة جدا مع سياسة الرجل العربية خصوصا.. وتؤكد الوثائق السياسية المصرية التي درسناها وأشرنا اليها في كتابي الموسوم (تفكيك هيكل) بأن عبد الناصر احبط إحباطا شديدا نتيجة مجيء البعثيين للسلطة في العراق العام 1963 وعدم تسلم الناصريين لها وكان الصراع مشتدا بين البعثيين من طرف وبين الفئات القومية الأخري كالناصريين والحركيين.
نعم تنبئنا الرسائل التي كتبها جمال عبد الناصر بخط يده إلي المشير عبد الحكيم عامر، وكان الأخير في رحلة طويلة بأن أمله قد خاب من مجيء البعثيين إلي السلطة في العراق واعدامهم المئات من الشيوعيين العراقيين، وبرغم تنصيبهم عبد السلام عارف رئيسا للجمهورية العراقية من دون أي انتخابات تشريعية، ولأول مرة يتسلم ضابط عراقي مقاليد الرئاسة الجمهورية من دون اية انتخابات ليغدو ذلك عرفا سياسيا في العراق وعلي الأسلوب نفسه الذي جري في مصر بعد العام 1952. فلقد غدا اللواء محمد نجيب رئيسا والبكباشي عبد الناصر نائبا ووزير الداخلية والصاغ صلاح سالم للخارجية والصاغ عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة ! وانتهى البيان المصري الذي صدر في يونيو 1953 بان الحكومة انتقالية الى حين يقول الشعب كلمته في انتخابات تشريعية بعد ان بدأ بازالة شرعية حكم اسرة محمد علي .. ومنذ خمسين سنة  اي منذ العام 1953 لم ينتخب الشعب المصري رئيسه انتخابا تشريعيا .

عبد الناصر لم يكسب الرهان
بين عارف والبعثيين
لقد تبين لعدد من المؤرخين بأن عبد الناصر لم يكن مستعدا أبدا للانسجام مع البعثيين في مباحثات الوحدة العربية (يرجي من القراء الكرام مراجعة المجلدين الوثائقيين بمحادثات الوحدة التي جمعت عبد الناصر بالبعثيين السوريين والعراقيين في: محاضر محادثات الوحدة اذار (مارس) ــ نيسان (ابريل) 1963، مجلدان، مقدمة: عبد الوهاب الزنتاني، بيروت: دار المسيرة ، ط 1، 1978) خصوصا وان البعثيين العراقيين قد ناصبوا عبد الناصر العداء أيضا اسوة بالبعثيين السوريين.. ومرة أخري يراهن جمال عبد الناصر علي سقوطهم في العراق، ولكن خاب ظنه مرة أخري في الحركة الانقلابية التي نجح فيها عبد السلام عارف ضد البعثيين وإقصائهم في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 اثر استغلال عارف الانقسام والانشقاق الذي حدث بين البعثيين في واحد من مؤتمراتهم القومية!
اصبح العراق الان بيد عبد السلام عارف فغدا السيد الناهي له، وبالرغم من صداقة عبد الناصر وعبد السلام الشخصية، إلا أن عارفا لم يكن ناصريا ولكنه اعتمد في حكمه بعد اقصائه البعثيين علي عناصر قومية متنوعة كان الناصريون من أقوي تلك المجموعات والعناصر. ولما دخل العراق علي عهد عبد السلام في مجموعة صراعات سياسية وشخصية، فقد راهن عبد الناصر مرة أخري علي الناصريين العراقيين في الوصول إلي السلطة مرة اخري وإزاحة عبد السلام عارف، فجرت محاولة انقلابية من قبل الناصريين ضده قادها عارف عبد الرزاق، وقد فشلت واتهم عبد الناصر بتدبيرها، إذ لا يعقل أن يعمل الناصريون في العراق من دون علم جمال  عبد الناصر نفسه وانه حماهم بعد الفشل..
ومضت الأيام، وفجأة يأتي مصرع عبد السلام عارف اذ تسقط طائرة الهيلوكوبتر التي كان يستقلها في ظروف غامضة لم يكشف النقاب عن أسرارها حتي اليوم بدليل هبوب عاصفة علي طائرة الرئيس وحدها ووصول الطائرتين المرافقتين من دون أي أذي!! ويكشف أمين هويدي بأن جمال عبد الناصر كان أول من عرف بسقوط الطائرة فأرسل وفدا علي عجل برئاسة المشير عبد الحكيم عامر ومعه كل من أمين هويدي وعبد المجيد فريد وعبد الحميد السراج. ( ويتعجب هويدي من وجود السراج برفقة الوفد ). ليكون للوفد دور في مستقبل العراق، إذ بدا واضحا من خلال ما كتبه هويدي أن ثمة خطة لمصر عبد الناصر كانت ترمي للإتيان بعارف عبد الرزاق الذي كان لاجئا في مصر رئيسا للبلاد، ولكن آثر الوفد تنصيب عبد الرحمن عارف أخو عبد السلام في حكم البلاد، وأيضا من دون أي انتخابات تشريعية!! في حين بقي عامر يصر على عارف عبد الرزاق !!
وهنا يثار السؤال: ما الذي اعطي لمصر الحق في اجراء كل تلك التحركات الخطيرة؟ يبدو فعلا ان فراغا سياسيا قد حدث نظرا لضعف في المؤسسات العراقية ازاء ما كان يفرضه اسم جمال عبد الناصر وقت ذاك، وخصوصا في الانظمة السياسية العربية التي حدثت فيها انقلابات عسكرية ودخلت في علاقات ايديولوجية وتفاوضية وسياسية من نوع ما مع الرئيس جمال عبد الناصر في مصر حتي ذلك الوقت، وهي: سوريا والعراق واليمن والجزائر.. اما بقية البلدان العربية فلم يعول عبد الناصر علي انظمتها السياسية، اذ كانت تدور رهاناته ازاءها علي ما ينتظر حدوثه من انقلابات وثورات عسكرية فيها واقتلاع الرجعية وعملاء الاستعمار منها.. اذ سيحدث ذلك لاحقا في كل من ليبيا والسودان.

وتستمر الرهانات الناصرية
في العراق!
وهنا كما سنري يراهن الرئيس جمال عبد الناصر علي الناصريين العراقيين ويصاب بالفشل الذريع ولكن عمل وفده برئاسة عبد الحكيم عامر المستحيل من اجل أن يأتي عبد الرحمن عارف للسلطة بدلا من مرشحين آخرين عراقيين قويين اولهما مدني وثانيهما عسكري لم يكن عبد الناصر يرتاح إليهما مطلقا، وهما: د. عبد الرحمن البزاز وعبد العزيز العقيلي.. وكانت لكل منهما تجربته السالبة مع عبد الناصر.
أي بمعني أن مصر جمال عبد الناصر راهنت مرة أخري علي ابقاء العراق ضعيفا من خلال ضعف هذا الرئيس الجديد، إذ لم تمض فترة من الزمن حتي يدبر انقلاب ناصري جديد بقيادة عارف عبد الرزاق (من خلال عودته السرية إلي العراق من مصر)، ويفشل هذا الانقلاب الذي احدثه في الموصل وتتهم مصر به أيضا. ومن غريب الصدف، أن اكثر من محاولة انقلابية يقوم بها الناصريون العراقيون خلال حكم الرئيسين العارفيين ولم يصب زعيم تلك المحاولات عارف عبد الرزاق بأذي إذ يصل مصر سالما معافي بعد أن يقبض عليه، ونحن نعرف تماما كيف يصفّي العراقيون حساباتهم السياسية علي طريقتهم الخاصة التي تعرفنا عليها في انقلاباتهم العسكرية منذ أن خلقوا واوجدوا تلك الانقلابات في المنطقة لأول مرة، ويعرف الجميع سجلها الذي له تاريخ دموي متسلسل من العنف اللامحدود بدءا بمؤسس الجيش العراقي الفريق اركان حرب جعفر العسكري وبكر صدقي وصلاح الدين الصباغ وبقية العقداء ومرورا بالملك فيصل الثاني وأركانه الأمير عبد الإله ونوري باشا، ثم بالضباط العسكريين عبد الوهاب الشواف وناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري وجماعتهم في ام الطبول ومن ثم الزعيم عبد الكريم قاسم وبقي الحبل بقي علي الجرار من عسكريين ومدنيين علي امتداد السنين..
نعم إننا نسأل: ما معني أن يبقي عارف عبد الرزاق حيا يرزق، ذلك أن تأثير عبد الناصر كان واضحا جدا في تدخله لصالحه وجماعته الذين سرعان ما تحتضنهم مصر وتمنحهم حق اللجوء السياسي بهروبهم إليها أو تسفيرهم نحوها.. ضمن تنسيق خفي يجري بين العاصمتين وبتدخل سافر من قبل جمال عبد الناصر نفسه!


نقد للكتابات وتوضيح للحقائق :
لقد توضحت لدينا الآن الصورة المختزلة من العلاقات التي سادت بين الطرفين في أجواء سادت فيها الصراعات السياسية ووصلت إلي أقصي مدياتها نتيجة المغالاة في الأيديولوجيات التي كانت قد سيطرت علي الواقع السياسي العربي المتأزم والمشحون بالحرب العربية الباردة وبالشعارات والهتافات والعواطف الساخنة.. إننا نتمني من أولئك الذين يكتبون لنا مذكراتهم السياسية أن يتخلصوا تماما من ترسبات تلك المرحلة الصعبة، ويحاولون ان يكونوا أمناء في نقل الحقائق من دون أي انحيازات، إذ لا يمكن أن نقف بجانب طرف من الأطراف علي حساب طرف آخر، فلم يكن أحدا أبدا معصوما من تلك المثالب. وكنت قد ناديت منذ عهد بعيد أسوة بزملاء مؤرخين وكتاب ومفكرين عرب آخرين سواء من خلال ما نشرته في منهجية البحث التاريخي، أو ما قمت بإلقائه من محاضرات علي طلبتي في الجامعات العربية خصوصا سواء في المشرق ام المغرب العربيين.. نعم ناديت بالاحتراس جدا من المذكرات السياسية الشخصية وان لا يعتمد عليها الباحثون والمؤرخون الجدد وخصوصا طلبتنا في الدراسات التاريخية العليا إلا بعد توثيق أخبارها وتمحيص معلوماتها بدقة شديدة وخصوصا تلك التي يكتبها الزعماء والسياسيون والدبلوماسيون واصحاب المناصب القديمة والذين ينشرونها من دون أي وثائق دامغة او تسجيلات رسمية من اجل التشويش وقسم آخر منهم من اجل التشويه.
إنني أطالب كما كنت أطالب القارئ العربي وغير العربي من قبل بأن من يقرأ تلك المذكرات السياسية، عليه أن لا يصدق كل ما يقرأه منها. وعليه أن يحاول مقارنة ما يقرأه بما كتبه المؤرخون الحياديون علي الاقل، فضلا عن عدم التصديق بكل ما ينشره أصحاب تلك المذكرات إلا بعد التأمل والمقارنة والتوثيق وغربلة المواقف وتفكيك العبارات واختراق النصوص لمعرفة ما يختبئ وراءها من أفكار ونيات ومخططات واسرار.. ذلك لأن تاريخنا العربي العلني المعاصر الذي نعرفه هو غير تواريخنا السرية الخفية التي صنعت اغلب الأحداث والوقائع الخطيرة من وراء الستار أو في الكواليس المجهولة!
دعوني أتوقف الآن لمناقشة بعض المسائل التي نشرها مؤخرا الأخ أمين هويدي في مذكراته، وكنت منتظرا إياها بفارغ الصبر لأن الرجل بقي سفيرا لمصر عبد الناصر في العراق إبان عهد المشير الركن عبد السلام عارف وشهد بأم عينيه تنصيب عبد الرحمن عارف، فهو مستودع أسرار تلك العلاقات بين البلدين ويعرف المزيد من خفاياها.. ونحن أيضا بانتظار مذكرات الأخ عبد المجيد فريد عن تلك العلاقات نفسها، باعتبار أن الرجلين كان قد اعتمد عليهما الرئيس جمال عبد الناصر في العراق الجمهوري، وكنت قد طالبت الأخ عبد المجيد فريد للإجابة علي أسئلة متنوعة ودامغة فرضتها عليه قبل ثلاث سنوات في كتابي ( تفكيك هيكل ) ولم يستجب حتي الآن خصوصا تلك التي تتعلق بالمعلومات التي كتبها محمد حسنين هيكل عن العراق في بعض من كتاباته التسجيلية غير الموثقة والتي ادّعي فيها معلومات منقولة من اوراق جهاز المخابرات المصرية! وهنا اجدد مطالبتي باسم المهتمين العراقيين ان ينشر عبد المجيد فريد مذكراته عن العراق ابان عهد الزعيم عبد الكريم قاسم وعهد عبد السلام عارف .. وليكتب لنا ما يختزنه في ذاكرته وسنتأكد نحن العراقيين من معلوماته مع مطالبتنا له ان يكون منصفا وان يبعد عواطفه السياسية والقومية جانبا ..

*************************************** 

 


كتب - العراق وعبد الناصر  -

ـ مناقشات نقدية  في مذكرات امين هويدي من أجل الكشف عن حقائق تاريخية جديدة ـ

د. سيار الجميل ( مؤرخ عراقي وخبير دولي )

الحلقة الرابعة


 


- هل كان التزام مصر الحياد بين طرفي النزاع استراتيجية ثابتة؟
- عبد السلام عارف طلب عام 1964 ارسال قوات عربية الي بغداد لحل مشكلات داخلية
- عبد الناصر كان يرسل للزعماء العرب رسائل تحريرية مطولة بخط يده

 

القوات المصرية في العراق
ذكر الأخ أمين هويدي تحت عنوان (أيام في بغداد) بأن العراق قد طلب وجود قوات عربية في بغداد، وان الطلب قد جاء علي لسان عبد السلام عارف رئيس الجمهورية العراقية ووزير خارجيته صبحي عبد الحميد. وقد قدم إلي جمال عبد الناصر في النصف الأول من كانون الأول (ديسمبر) 1963، أي بعد أن انقلب عبد السلام عارف علي حكم البعثيين في 18 تشرين الأول (نوفمبر) 1963 (جريدة البيان الإماراتية، العدد 8213 في 13 كانون الأول (ديسمبر) 2002).
وتعليقي هنا علي رسالة الأخ هويدي إلي عبد الناصر مقدما له خمسة عوامل من اجل إبعاد القوات المصرية عن شمال العراق وان تتمركز في بغداد، أو في أي مكان آخر خلاف التمركز في الشمال! وقبل أن أناقش العوامل الخمسة، لابد أن أوضح للقراء الكرام أن مسألة تواجد قوات عربية (أي: مصرية) في العراق قد جاء بناء علي المباحثات التي دارت بين العراقيين والمصريين كي تحل قوات مصرية بديلة عن قوات سورية كانت سورية قد أرسلتها إلي العراق أيام حكم البعثيين من اجل المشاركة إلي جانب القوات العراقية في قمع التمرد الكردي الذي كان قد أشعله الزعيم الكردي الملا مصطفي البارزاني، ولما اختلف نظام الحكم في العراق واصبح عبد السلام عارف هو السيد المطلق للعراق، سحبت سورية البعثية قواتها من الشمال العراقي، فجاء الطلب العراقي للقوات المصرية كي تحلّ بديلا عن القوات السورية، وكان موقف مصر حرجا للغاية، فهي لا تستطيع رفض الطلب العراقي وإنها فرصة ممتازة لوجود قوات مصرية في العراق، ولكنها من طرف آخر لم تكن تود التورط في زج قواتها المصرية في أتون حرب عصابات جبلية وفي طبيعة تضاريسية صعبة المراس للغاية تجعل موقف جمال عبد الناصر حرجا أمام الأكراد. ولهذا قدم السفير أمين هويدي أسبابه التي يمكنني تفنيدها علي ضوء ما قدمته في أعلاه من سببين رئيسيين هما:
1 ــ لم يوضح لنا الأخ هويدي الأسباب الحقيقية لطلب العراق قوات مصرية سماها بـ(العربية) تتواجد علي ارض العراق.. وكما أوضحت قبل قليل، أن الطلب قد جاء كي تحل القوات المصرية بدلا للسورية من اجل معاونة القوات العراقية في حربها ضد التمردات الكردية ــ كما كانوا يسمونها ــ.
2 ــ لقد اعتبره موضوعا خطيرا في مذكرته التي رفعها للرئيس عبد الناصر، يقول بأنه أراد أن يضع أمامه النقاط التالية: بأن الرئيس عارف أخطره انه انذر قائد الجبهة الشمالية باحتمال التحاق القوات المصرية وانه يري بأن تلك القوات ستكون فجأة علي الحدود التركية والحدود السورية (عند زاخو) مما سيترتب عليه ردود فعل حادة من كلتا الدولتين. وان التعاون بين إيران وتركيا والعراق ما زال قائما، وان ضباط الارتباط من تركيا وإيران ما زالوا موجودين في بغداد. ومعني ذلك: أننا سنجد أنفسنا في تعاون غير مباشر مع حلف (السنتو). وان المشكلة الكردية ما زالت علي حدتها، وان الموقف المصري منها ــ كما يقول هويدي ــ هو عدم التحيز لأي من الطرفين.. وقد يخرجنا وجود قواتنا بالعراق عن هذه السياسة. واخيرا يقول: ما الموقف لو تغير الوضع في العراق؟ ــ وهذا احتمال قائم ــ فما زال الموقف بعيدا عن الاستقرار. ونظرا لهذه الأسباب، طلب هويدي باعتذار القاهرة عن إرسال القوات مع إيجاد التبريرات أو أن تتمركز القوات المصرية في بغداد. وبرغم أن القاهرة أخذت ــ كما يقول هويدي ــ بنصف وجهة النظر التي طرحها، إذ أنها وافقت علي إرسال قوات مصرية إلي العراق، ولكنها حصلت علي موافقة العراقيين في تمركز تلك القوات في معسكر التاجي الواقع في ضواحي بغداد.
أريد القول أن مثل هذا (الموضوع) الخطير لا يمكننا أن نقبل التبريرات التي قدمها لنا الأخ هويدي علي أساس أن سوريا وتركيا ستكون لهما ردود فعل إزاء مصر، علما بأن العلاقات العلنية بين مصر من طرف وبين سوريا وتركيا من طرفين آخرين لم تكن وطيدة أبدا ، بل كان التنافر السياسي قد وصل أقصي مداه وقت ذاك. كما أريد أن أصحح بأن العلاقات التي كانت تربط العراق بكل من إيران وتركيا لم تكن قوية بالشكل الذي يتواجد هناك ضباط ارتباط لكل من البلدين ببغداد، ولم يكن لبغداد وقت ذاك أي علاقة بحلف السانتو. وعليه، فان ما سجله الأخ هويدي هو محض افتراء عار عن الصحة، إذ كيف سيجد المصريون ضباطا ومراتب وجنود في تعاون غير مباشر مع حلف السانتو؟ إن مجرد طرح مثل هذا التوهم من قبل الأخ هويدي يجعلنا نعيد التفكير والبحث والتدقيق في صفحات العلاقات بان تلك المرحلة الصعبة، والتي تجعلنا نقول أن تلفيقا كهذا ما هو إلا وهم من الأوهام وإنني أطالب الأخ هويدي أن يثبت ذلك للجميع وثائقيا! والحقيقة التي كان علي الأخ هويدي تسجيلها بمنتهي الصراحة أن مصر عبد الناصر بكامل ثقلها لم تكن مطمئنة ولا مرتاحة من السياسة العراقية التي لم يكن لحلف السانتو أي دور مباشر أو غير مباشر معها!

رسالة الرئيس جمال عبد الناصر
إن أهم ما يميز الرئيس جمال عبد الناصر ــ وخصوصا عند أولئك المؤرخين الذين يتدارسون عهده وسيرته ومؤثراته في القرن العشرين ــ كتابته للرسائل التحريرية المطولة بخط يده، إذ لا يكتفي بإرسال رسائله شفويا من قبل مندوبيه وسفرائه، ولقد وجدت من خلال دراستي أدبيات الرئيس جمال عبد الناصر السياسية وتحليلي مضامينها ومقاصدها انه لا يكتفي بكلمات قليلة، بل انه يمضي في التفاصيل طويلا حتي في إرساله التهاني والتبريكات إلي زملاء له من ملوك ورؤساء وامراء إبان المناسبات. انه هنا يمتلك نفس الخصائص التي نتلمسها في خطبه الطويلة التي اشتهر بها بصوته الرخيم الذي كان يصر علي أن يجعله صادحا عبر المايكروفونات يرن في الأسماع من خلال الإذاعات واستخدامه لغة مبسطة جاذبة لكل الجماهير وبالعامية المصرية الجميلة في اغلب الأحيان والتي بدأ يهواها الجميع من خلال استماع الملايين من المواطنين العرب إلي خطبه الطويلة تلك والتي يتنقل بها من موضوع إلي آخر.
لقد أرسل عبد الناصر رسالة مطولة إلي الرئيس عبد السلام عارف من اجل أن تتمركز القوات المصرية في الموصل شمالا أو في الحبانية وسطا (أي: قريبا من بغداد) ويطالبه أن لا يزج بتلك القوات في أتون الصراع ضد الأكراد، إذ يقول: (وافقت علي إرسال القوة علي أساس ألا تشترك في أي معارك.. إن اشتراك قواتنا المسلحة في هذه المعركة يتعارض مع خطنا السياسي، ويتنافي مع مصلحتنا بل والمصلحة العربية عامة).
يبدو لأي مؤرخ ومحلل خبير بتلك المرحلة أن الرئيس جمال عبد الناصر كان له هدف خفي في إرسال قوات مصرية إلي العراق، والتي أرادها أن تكون في منأي عن حركات الشمال في كردستان العراق، واختار لها أما أن تكون في الموصل أو الحبانية نظرا لخطورة كل من الموقعين. ولنا أن نسأل اذن: لماذا ارسلت مصر تلك القوات إلي العراق؟ وكان عارف يرمي من وجود القوة المصرية كما حددت رسالة عبد الناصر ذلك: 1 ــ تشكيل ضغط علي الأكراد بقبول حل القضية. 2 ــ القضاء نهائيا علي أي فكرة لدي البعثيين في سوريا والعراق للقيام بعمل مناوئ. 3 ــ تشجيع القوميين (ويقصد بهم: الناصريون) في سوريا للإطاحة بالبعثيين خصوصا إذا كانت تلك القوة موجودة في الموصل.
إذن كان كل من عبد الناصر وعارف يرميان إلي ابعد من وجود قوة عسكرية مصرية للزج بها في قمع التمردات الكردية ــ كما كانت الحكومة العراقية تسميها ــ في الشمال. وتتضح هنا أيضا الأسباب الحقيقية غير المباشرة وراء كل هذه العملية التي أرادت مصر فيها التحكم في عسكرة قواتها اللوجستية في أماكن محددة ومسماة من العراق وبطلب شخصي من قبل عبد الناصر نفسه. وقد وافق العراق علي ذلك في بداية العام 1964. وصلت تلك القوة إلي بغداد وكانت بقيادة المقدم إبراهيم العرابي الذي يعجب بخصاله الاخ هويدي.. ويستطرد هويدي قائلا: (وقد بذلت محاولات كثيرة ــ حينما بدأ الصراع داخل الصف القومي ــ لضم قواتنا إلي هذا الجانب أو ذاك، إلا أننا التزمنا بمبدأ الحيدة الكاملة، فقواتنا وجدت لتدعيم نظام قائم وليس لمعاونة فرد أو أفراد) (المصدر نفسه). وهذا كشف من نوع غريب عن محاولات عراقية ــ بطبيعة الحال ــ كثيرة ومتصارعة في صفوف القوميين، والناصريين في مقدمتهم ضد حكم الرئيس عبد السلام عارف.

ولكن متي تبلور ذلك؟
لقد تبلور بعد مرور فترة زمنية علي حكم عبد السلام عارف، ولكن إن كانت مصر تعلم بذلك وتستبق الأمور فمعناه أنها كانت تخطط ضد حكم عبد السلام، وليس من المعقول أن يعمل الناصريون في العراق من دون معرفة الدوائر المصرية بما يعملون، وخصوصا الدائرة الرئاسية ودائرة المخابرات العامة! وهل هناك عاقل واحد يقول بعكس ذلك؟ وأنا بدوري أسأل: هل كان التزام مصر الحياد بين الأطراف استراتيجية ثابتة اعتمدها الرئيس جمال عبد الناصر نفسه أم تكتيك زاوله في الوقوف مع الأقوي حتي تحين ساعة الخلاص من المناوئين السياسيين.. وعليه، فلقد بقيت تلك القوة متمركزة في العراق طوال سنتي: 1964 ــ 1965.

 

 

********************************************
 
كتب - العراق وعبد الناصر - مناقشات نقدية في مذكرات امين هويدي من أجل الكشف عن حقائق تاريخية جديدة - الحلقة الخامسة -  د.  سيار الجميل ( مؤرخ عراقي مقيم في الامارات )

- انشقاق الصف القومي العراقي عام 1965 زاد من احتمال تخلص الأطراف من بعضها بعضاً
- هل كان وجود القوات المصرية في بغداد غير مرغوب به من الشعب العراقي نفسه؟
- مصر كانت تعّول علي قواتها في العراق للسيطرة علي الموقف لصالحها

المذكرة المصرية عن التجربة العراقية: أزمة ايار (مايو) 1965
يحلل الأخ أمين هويدي أوضاع العراق للعام 1965 وأزمة نظام حكم عبد السلام عارف ضمن التغيرات السريعة، ويعلق بأنه قد تكون تلك الأزمة والظروف الضاغطة عاملا في إجبار مصر تغيير سياستها الحيادية. معني ذلك أن تساعد مصر أعوانها من الناصريين العراقيين في الانقضاض علي السلطة في العراق وهذا ما كان عبد الناصر ينتظره بفارغ الصبر منذ زمن طويل، وعمل من اجله ضد كل من: نوري السعيد وعبد الكريم قاسم وضد البعثيين.. وها هو ينتظر ما ستسفر عنه الظروف الضاغطة التي صنعها الناصريون العراقيون ضد عبد السلام عارف وهم تحت أسماء وواجهات مختلفة. ومهما قال الأخ هويدي واعاد وكرر بأن مصر كانت حيادية إزاء الشؤون العربية وبالأخص في العراق، فلا يمكننا أن نطمئن أبدا بدليل كل ما حدث علي عهد الرئيسين الأخوين العارفيين. يقول أمين هويدي انه اجتمع بطاقمه في السفارة المصرية ببغداد واقترحوا علي القاهرة سحب تلك القوة العسكرية لاسباب أوضحها هويدي في مذكرة رفعها إلي الرئيس عبد الناصر. وهنا دعوني أتوقف قليلا عند مضمون تلك المذكرة من اجل تحليلها (كما أرجو من الاخ هويدي أن يطلعنا علي نص اصل هذه المذكرة إن طبع مذكراته في كتاب مستقبلا، مع رجائي من القراء الكرام ومن زملائي المعنيين والمؤرخين الكشف عن أصول هذه المذكرة وثائقيا في القاهرة نظرا لأنها تتضمن معلومات مهمة جدا عن أوضاع العراق خلال العام 1965)، فان صح وجود الوثيقة بكل ما ضمنه الأخ هويدي هنا فسيكون كلامه صحيحا لا غبار عليه من قبل العراقيين خاصة لأنهم أصحاب شأن تلك الأحداث، أما إن لم يثبت وجود اصل وصحة المعلومات فيها، فإنني اشكك في كل ما سجله الأخ هويدي من معلومات، واعتبر كل ما كتبه بمثابة تبريرات لسياسات خاطئة جنت علي مستقبلنا نحن العرب ليس في العراق وحده، بل في مصر أيضا وبقية الأرجاء من وطننا العربي الكبير!.

انشقاق السف القومي
إن أهم ما تضمنته المذكرة من معلومات:
1 ــ انشقاق الصف القومي الذي كان يتولي السلطة في العراق بعد الأحداث الأخيرة قد زاد من احتمال قيام الأطراف المختلفة بالتخلص من بعضها البعض.. وأسأل هنا من باب تحصيل حاصل: إذا كان عبد السلام عارف قد تخلص من حكم البعثيين في حركته السريعة (وليست الحاسمة ضدهم بتدخل لحماية زعمائهم من قبل الرئيس جمال عبد الناصر نفسه) يوم 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 وشكّل حكومته وقاد السلطة.. فممن كان يتكون الصف القومي الذي كان يشارك بفعالية في السلطة سواء من المدنيين أو العسكريين؟ اللهم إلا إذا كان الأخ هويدي يري بأن عبد السلام عارف لم يستسلم لارادة الناصريين علما بأن وزارته وأركان دولته قد ضمت العديد منهم، وان أجهزة حساسة في الدولة العراقية كان يتولاها عدد من المسؤولين الناصريين أو من ذوي الميول الناصرية القوية!

ثلاثة احتمالات
2 ــ وضع الأخ أمين هويدي أمام زعيمه عبد الناصر ثلاثة احتمالات يمكن أن تحدث في المستقبل القريب. ويبدو هنا رهان القاهرة علي الجماعات الناصرية في العراق واضحا، وهي:
أولا: احتمال تخلص عبد السلام عارف من جماعة صبحي عبد الحميد مدنيين وعسكريين.
ثانيا: احتمال التركيز من قبل الرئيس عبد السلام عارف للتخلص من عارف عبد الرزاق!
ثالثا: احتمال قيام عارف عبد الرزاق بمواصلة سعيه للتخلص من عبد السلام عارف مهما كانت النتائج!
وهنا أتساءل: هل يعقل أن يتخلص زعيم دولة من أحد الذين يشك في ولائهم اليه فينصبه رئيسا للوزراء؟ أتساءل أيضا: كيف قرأ الاخ امين هويدي المستقبل ليضع هذا الاحتمال أمام عبد الناصر في مذكرة يقول انه ضمنها ذلك قبل حدوث انقلاب عارف عبد الرزاق علي رئيسه المشير الركن عبد السلام. يبدو واضحا للعيان ولكل من يفكر ويتأمل في النصوص أن رهان القاهرة كان علي الاحتمال الثالث الذي سيبدأ العمل به، وستتهم القاهرة بتنفيذه. وهذا ما سيفرد له الأخ هويدي اهتماما كبيرا به في الدفاع عن تدخل سافر من قبل جمال عبد الناصر في الشأن العراقي ودورها في أزمة ايار (مايو) 1965، وكأن الأخ هويدي قد كتب مذكراته هذه التي جاء لينشرها اليوم من اجل الرد علي هذه التهمة، ولكنني اعتقد انه لم يوفق أبدا في مهمته بقدر ما كان عليه أن يفتح أوراقه كاملة ويتحدث بكل صراحة وجرأة عن حقيقة علاقة مصر وقت ذاك بأحداث عقد الستينيات التي شهدها هو نفسه في العراق. وانني اقول، بأنه مهما حاول ان يغطي علي جملة الاتهامات، فالحقيقة ساطعة سطوع الشمس، ولا يمكن لأحد ان يحجبها ابدا.

تحليل المذكرة الدبلوماسية
ونبقي مع (المذكرة) التي أعيد واكرر حاجتنا الماسة اليها نحن، كمؤرخين ومحللين وقراء مختصين مهتمين من كلا الطرفين عراقيين ومصريين ليسوا بسياسيين متنافرين ليس لهم إلا مقاربة الحقيقة أن يطلعوا علي مضامين المذكرات الدبلوماسية السرية الأصلية التي كان ترسلها سفارة القاهرة ببغداد أيام حكم كل من الرئيسين الأخوين العارفيين. أقول، بأن صاحب المذكرة الأخ هويدي يحاول أن يقدم لنا عوامل أخري يفترض من عنده حدوثها، مثل: (اشتباكات قوات عراقية بقواتنا أو تحرش تجمعات شعبية بقواتنا..) وكأنه يريد القول أن تلك القوات المصرية لم يعد مرغوبا بها ليس من قبل الجيش العراقي بل من قبل الشعب العراقي نفسه. ويعلق قائلا: (وبدون شك فان النتائج المترتبة علي ذلك لن تكون في صالحنا سواء نجحت قواتنا في السيطرة علي الموقف أو العكس) (جريدة البيان، العدد 8214، في 14/12/2002). وهنا يعطينا ويمنحنا هذا (النص) انطباعين اثنين: أولاهما أن القوة المصرية هي من المكانة والقوة والحجم بحيث تشكل قوة معادلة للقوات العراقية في العراق نفسه، وهذا لا يمكن تخيله أو تصديقه طبعا، فهي قوة رمزية إزاء الجيش العراقي. وثانيهما أن مصر كانت فعلا تعّول علي تلك القوة في السيطرة علي الموقف لصالحها طبعا، وهذا ما فات تقديره ربما حتي علي الزعماء العراقيين. لا ادري!
ويستطرد الأخ هويدي قائلا في مذكرته: (إذ ستستغلها كافة الفئات المعادية ــ وما أكثرها ــ أسوأ استغلال، بل ستفقدنا تأييد الكثيرين من العناصر القومية التي أصبحت تجاهر بنقدها للرئيس عارف واعلان سخطها عليه) (المصدر نفسه)!! وكنت أود من الأخ هويدي أن يكون واضحا تمام الوضوح هنا في النص الذي كتبه، لأنه أمانة تاريخية، وقد أصبحت الأحداث وشخوصها والناس والظروف كلها في عداد التاريخ، فليدعني أسأله: من هي تلك الفئات المعادية لمصر في العراق؟ لابد أن نحددها لكي يعرفها القارئ الكريم؟ هل تقصد بها جماعات وأحزاب الشيوعيين أم البعثييين أم الرجعيين أم الحركيين أم العارفيين أم العسكريين أم الاكراد البارتيين ام غيرهم..؟ بدليل قولك (وما أكثرها) في العراق. سؤالي الآخر: من هي العناصر القومية التي ستفقدون تأييدها لكم في العراق؟ لابد أن نقول إنها الجماعات الناصرية العراقية التي كانت تراهن علي تسلم السلطة من يد الرئيس عبد السلام عارف بأي ثمن كان، وربما تآلف الحركيون معهم، ولكنني اشك في ذلك بدليل انشقاقات الناصريين العراقيين حتي علي أنفسهم.

الاعتماد علي المدنيين والحزبيين
وهنا أستطيع أن أقارن وضع الناصريين في العراق أيام حكم عبد السلام عارف 1963 ــ 1966 بوضع الشيوعيين في العراق أيام حكم عبد الكريم قاسم 1958 ــ 1963.. فكل من الزعيمين العسكريين اعتمد علي مؤيدين مدنيين وحزبيين له من هذا الطرف أو ذاك.. وكلا من التيارين كان يعمل في وقته من خلال نفوذه في السلطة علي تقويض زعامة السلطة العسكرية العليا من اجل تسلمّها.. ولكن لم يفلح الاثنان علي كلا العهدين برغم دعم الاتحاد السوفييتي للشيوعيين العراقيين وبرغم دعم الجمهورية العربية المتحدة للناصريين العراقيين.. وكما انقسم الشيوعيون العراقيون علي أنفسهم إلي اكثر من تيار وحزب، انقسم الناصريون العراقيون علي أنفسهم أيضا إلي اكثر من تيار وجماعة!

 

جريدة (الزمان)


 



#سيار_الجميل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متوالية المطاليب العراقية بين الممكن والمؤجل والمستحيل
- مانفيستو العراق: ستة مبادئ عليا من أجل المستقبل –
- استئصال تراث البعثيين وتغيير ذهنية العراقيين ؟
- مزامنات - العراق: مشروع قادم - ضرورات مصالحنا تبيح محظورات ع ...
- قصور رئاسية .. قبور جماعية والريحة بعثية !!


المزيد.....




- حظر بيع مثلجات الجيلاتو والبيتزا؟ خطة لسن قانون جديد بمدينة ...
- على وقع تهديد أمريكا بحظر -تيك توك-.. هل توافق الشركة الأم ع ...
- مصدر: انقسام بالخارجية الأمريكية بشأن استخدام إسرائيل الأسلح ...
- الهند تعمل على زيادة صادراتها من الأسلحة بعد أن بلغت 2.5 ملي ...
- ما الذي يجري في الشمال السوري؟.. الجيش التركي يستنفر بمواجهة ...
- شاهد: طلاب جامعة كولومبيا يتعهدون بمواصلة اعتصامهاتهم المناه ...
- هل ستساعد حزمة المساعدات العسكرية الأمريكية الجديدة أوكرانيا ...
- كينيا: فقدان العشرات بعد انقلاب قارب جراء الفيضانات
- مراسلنا: إطلاق دفعة من الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه مستوطنة ...
- -الحرس الثوري- يكشف استراتيجية طهران في الخليج وهرمز وعدد ال ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سيار الجميل - كتب - العراق وعبد الناصر