علي ابو مريحيل
الحوار المتمدن-العدد: 1741 - 2006 / 11 / 21 - 07:42
المحور:
الادب والفن
المقدمة النثرية لديواني الأخير قصائد حارقة
***
لا يمكننا أن نتطرق لموضوع الجمال بمعزل عن المرأة , لوجود علاقة
تكاملية بينهما , فالجمال بمفهومــه المجرد هو الجمال الأنثـوي , و أي
جمال يقع خارج هذا الارتباط هو جمال جزئي .
لذلك لا يصح أن نميز بين النساء على أساس الجمال بقولنا : هذه جميلة وهذه قبيحة , لأن القباحة والجمال لا يجتمعان في جسد واحد .
فالنساء هنا إما أن يكن جميلات أو يكن أقل جمالاً .
منذ نعومة أظافري كانت علاقتي بالجمــال علاقة حميمة , حتـــى قبل بلوغي , أذكر ان الجمـــال كان يثيرني , يزلزلني كلمــا دق باب عيني حاملاً لي معارضاً من اللوحات الفنية الراقيـــة وشرائحاً مــن الأزهــار النادرة والرغبات المؤجلة .
هذا ما يجعلني أسلم بأن مواكب الجمال كانت تسير بمحاذاة نمو النطـق والإدراك عند الإنسان , وهنا أصل إلى علاقــة طردية بين تقدم عقلية ونفسية الإنسان ودرجة تأثره بالجمال , وتخضع هذه العلاقة لمؤثرات سلبية من قوى سياسية واجتماعية خارجية .
ومثل هذه القوى يجــب ألا يقــع تحــت تأثيرهــا الفنـانون , لأن ولائد قرائحــهم الفنية يجــب أن تكــون حرة طليقــة , لا تخضــع إلا لقانون المشروع الإبداعي الذي وجدت من أجله .
وإذا أردنـا أن نتعمق في دراســة هذا المشــروع علينا أن نحزم أمتعــة
الوعي جيداً لنسافر إلى عالم من الجنون .
هناك حيث يقطــن الشـــعراء والأدباء ورجال الفن , حيــث لا قوانــين
طبيعــية ولا ديــانات سماويــة , هناك حيـث يفقد الفنــان براءتــه وتفقد
المساحات البيضـــاء عذريتها , هنـــاك حيث لا مكـــان للعقل والمنطق
هناك حيث لا مجال إلا لشهقة واحدة .
كل هذه الكلمات تصف جزءً من سطحية المشهد الذي استطاعت بعض
من شظايا العقل تصويره سراً لنا .
لكــن قوافل الجنون ستسير بنا إلى أبــعد مــن هذا المشهد , إلى نقطة نستطــيع عندها أن نحلل هذا المشــروع الإبداعي حيث سنجد ان كــل تحفة فنية تبدأ بفكــرة , تنمــو بنمـو تجارب الفنان الحياتية , ثــم يأتـي الإحساس بهذه الفكرة , حيث يشـعر الفنان باكتمال نموهــا في داخلــه وهنــاك مؤشــرات لهذا الشعــور لا يدركـها إلا الفنان نفسـه , فحمــل الفنان هنا عكـس المرأة التـــي يرى الجميع حملـــها , ويأتــي بعد ذلك توفير وتهيئة الجـــو المناسب لطــرح هـــذه الفكـــرة بأمـــن وســلام ومـن أهـــم مناخــات هذا الجــو الهدوء التام والانعزال عن الآخــرين .
ويحدث شــيء عجيب أثنــاء هذه المراحــل المتـعاقبة , فــفــي أســمى لحظات التجلي يتحول الفنان إلـى مطيـــة فــي يد الفــن التي تزرع في رحمه بذرة الإبداع , حيث يقوم الفنـان هنا مقـــام المرأة الـتــي تحبــل وتلد , لينجب لنا قبيلة من التحف الفنية الخالدة .
معاناة لا يتحملهـا إلا الفنان وحده , ولكـــن للأسف في عصـرنا هـــذا تمتد معــاناة الفنان إلــى ما بعــد الولادة , ليواجه نماذجاً من النقـــاد المخنثين فكرياً , الذين يحاولون وضــع العقبات في طريـق تقدمـــه ونجاحه .
فالنقاد يعتبرون ان كل إنتاج فكري لا يتناسب مع مقاييس مفاهيمهم ومداركهم الضيقة هو إنتاج رديء .
إن مشروعية النقد لا تصح إلا عندما يستطيع الناقد أن يحلق بمحاذاة الفنان في سماء الجنون , أو عندما يوجه سعــال النقد لفنــان يدعــي الجنون , وباعتقادي إنه لا يوجد فنان يدعي الجنون لأن الفن والجنون وجهان لعملة واحدة .
إن الجنون الإبداعــي لا يعترف بالانتقائية التي يطالب بهــا أولئك الذيــن يعتقدون ان الفنان مجرد مصور فتوغرافي يتحكم بمكان وزمان التصوير فكما ان الفن يختار رجاله , فإن إيحاءات الفن تختار رجالها أيضاً , فأنت مهما اجتهدت , لن تجد شاعراً يتغزل بالمرأة , لا يعشق المرأة أو رساماً تفيض من لوحاته الأنهار , لا يعشق الأنهار أوكاتباً يكتب عــن الســلام لا يعشق السلام .
إن الفصل بين الإنتاج الفكري وصاحب هذا الفكر مـرفوض لسبب واحــد هو الارتباط العضوي بينهما .
لذلك علينا أن نتقبل ولائد الفنان كما هي , بطفولتها , بشراستهـا , بعفتهـا بشهوانيتها , فنـحن لا نستطــيع أن نناقش الطفل فــي طفولته أو نحاكــم الذئب على شراسته , إن مثل هذه الولائد لا تملك إلا خيار البقاء .
#علي_ابو_مريحيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟