فيلم "باولينج في كولومباين" لمايكل مور
الولايات المتحدة - ثقافة عنيفة
فيلم مايكل مور "باولينج في كولومباين" هو الفليم الاهم الذي عرض هذا العام، رغم انه حظي باعتراف المؤسسة الثقافية الامريكية، وحاز على اكبر عدد من الجوائز والمشاهدين، ليحطم كل الارقام القياسية التي حققتها افلام وثائقية اخرى في كل الازمنة.
يعالج الفيلم قضية العنف في الولايات المتحدة، وينطلق من الحادثة التي وقعت في 12 نيسان (ابريل) 1999 حين قام طالبان ثانويان في مدرسة كولومباين الثانوية في مدينة ليتل تاون بولاية كولورادو، باطلاق النار على زملائهم في الصف، ثم اقدما على الانتحار. في الحادث قتل 12 طالبا ومعلمة واحدة.
حظي الفيلم بجائزة الاوسكار عن افضل فيلم وثائقي، كما انه كان الفيلم الوثائقي الاول الذي شارك وحظي بجائزة في المسابقة الرسمية في مهرجان كان. ولكن تحت غطاء الجوائز والخفة والروح الكوميدية التي تجعل الفيلم ملائما لاوساط مختلفة من الجمهور، الا ان هناك نقدا لاذعا ودقيقا جدا للواقع الامريكي العنيف وللهيمنة الامريكية على العالم.
الفيلم يبدو كنبوءة، فقد تم صنعه وعرضه قبل اندلاع الحرب على العراق، الا ان رائحة الحرب تشتم منه من اوله لآخره، هذا رغم انه لا يتطرق للعراق بشكل مباشر. ليس صدفة ان جزءا كبيرا من الموقع في الانترنت المخصص للفيلم (www.bowlingforcolumbine.com/)، مكرس لمعارضة الحرب، ويحتوي على معلومات واسعة حول خطوات ونوايا ادارة بوش.
بحثا عن جذور العنف
يعتاد مور ان يبدأ افلامه من المنطلق الشخصي، ولكن الشخصي هو مجرد انطلاقة لمعالجة قضايا سياسية اوسع بكثير. يبدأ الفيلم بمشهد يقوم فيه مور نفسه باستخدام بطاقة عضويته في منظمة السلاح الامريكية (NRA) لشراء السلاح متفاجئا هو نفسه من سهولة تملك السلاح. ثم تبدأ الخيوط تترابط، بين عنف الطلاب القتلة وبين العنف الذي رافق تكوين الولايات المتحدة والعنف الذي تمارسه في مختلف انحاء العالم لمواصلة الحفاظ على تفوقها.
يرسم مور صورة مروّعة للمجتمع الامريكي المتفكك، ويسأل كيف يمكن ان تكون نسبة حوادث القتل باسلحة خاصة 11 الف حادث في السنة الواحدة في الولايات المتحدة، وهي النسبة الاعلى في العالم، في حين لا تتعدى في بلدان اخرى، مثل كندا حيث يتواجد عدد مماثل للاسلحة الخاصة، ال165 حادث قتل سنويا؟
حسب مور، الثقافة الامريكية هي ثقافة مريضة، تعيش على القمع في الداخل والخارج وتتغذى منه. يعود مور لتاريخ الولايات المتحدة ويظهِر بمساعدة فيلم كرتوني ان الاحساس بالتفوق والقمع والعنصرية اصله في جذور الحضارة الامريكية. في مشهد آخر من الفيلم يُحصي الدول التي تدخلت فيها امريكا في العقود الاخيرة لتقلب الانظمة التي اعترضت طريقها، ويذكر عدد الضحايا في كل بلد وبلد الذين وقعوا نتيجة هذه الانقلابات. آثار الدماء تظهر جلية في صفحات التاريخ الامريكي، وهي الاساس الذي بُنيت عليه الامبراطورية العنيفة الماثلة امامنا اليوم.
اكثر من مجرد صدفة
مصنع "لوكهيد مارتين" للاسلحة موجود "بالصدفة" في بلدة ليتل تاون بكولورادو، ويعمل به 5000 من اهل المدينة. ومعظم ابناء العاملين في المصنع يتعلمون في ثانوية كولومباين حيث، بالصدفة، وقع حادث القتل. بالصدفة ايضا، يكرس المصنع مليون دولار سنويا لتمويل برنامج تعليمي حول سبل السيطرة على الغضب كيلا يلجأ الشباب للعنف والقتل. احد مدراء لوكهيد مارتين يقول في الفيلم: "الصواريخ التي نبينها تعدّ للدفاع عنا مما تنوي شعوب اخرى ان تفعله ضدنا".
بالصدفة، وقع حادث القتل في المدرسة في نفس اليوم الذي شهدت فيه بلغراد العاصمة اليوغوسلافية اعنف قصف امريكي في الحرب التي وقعت عام 1999. الادارة الامريكية تغذي لدى مواطنيها على مدار السنين الخوف من "الآخر". جو الخوف ازداد بشكل جنوني بعد احداث 11 ايلول، مما يمكّن الادارة من خلق البنية التحتية لنظام ينتهك بشكل منهجي حقوق الانسان داخل الولايات المتحدة وفي العالم.
هذه الصدفة، يقول مور، ليست صدفة اطلاقا. من يؤسس نظامه على العنف، عليه الا يستغرب ان ينفجر هذا العنف بكل قوة داخل بيته. ولكن هذا العنف له انعكاساته على كل مواطني العالم ايضا، وحتى اكثر من الامريكان انفسهم.
مواطنو الولايات المتحدة يتمتعون بامتيازات العالم الحر الذي يعيشون. وبهدف الحفاظ على مكانتهم يضمن لهم الدستور حق حيازة اسلحة للدفاع عن النفس. في رئاسة منظمة الاسلحة NRA يقف الممثل تشارلتون هاستون، ودوره تسويق استخدام السلاح في طول البلاد وعرضها. السلاح، يلمح هاستون، هو وسيلة له ولاعضاء المنظمة، الامريكان المعتزين بمواطنتهم، للدفاع عن انفسهم حتى الموت. ويقوم مور بملاحقة هاستون من مؤتمر لمؤتمر حيث يظهر هذا الاخير في كولورادو وميشيغين بعد ايام معدودة من حوادث قتل وقعت في المكان، لمواصلة تشجيع الناس على امتلاك الاسلحة، غير عابئ بالمأساة التي افجعت تلك البلدان.
الاسئلة الصعبة التي يثيرها الفيلم تشغل اليوم كل القلقين على مصير العالم والساعين لتغييره. المرحلة الاولى في المعركة من اجل التغيير هي تعريف العدو الذي نحن ماثلون امامه، ومحاولة فهم دوافعه والقوى التي تحركه. الفيلم الامريكي "باولينج في كولومباين" الذي يعرض سينما سياسية جادة، يحدد ان العدو الرئيسي للانسانية هو الادارة الامريكية.
الصبار