عبد الرحيم الخصار
الحوار المتمدن-العدد: 1734 - 2006 / 11 / 14 - 05:15
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
كان إميل سيوران متطرفا في رأيه إلى حد بعيد، إذ يعتبر الأدب هو النثر فقط، ونحن إذ نقرأ عددا من الروائع النثرية التي أبدعها القصاصون و الروائيون نفهم، بشكل أو بآخر، تحامل سيوران على الشعر.
الكاتبة المغربية فاطمة بوزيان بدأت مشوارها الإبداعي –قبل عشر سنوات- بكتابة الشعر، لكنها أدركت أن هاته النصوص قد لا تصنع أدبا حقيقيا، لعلها أيضا فهمت، وبعمق، قولة أندريه جيد:"لا يمكن أن نخلق أدبا جيدا بعواطف طيبة"، لذلك لجأت إلى النثر مسلحة بترسانة من تقنيات الكتابة السردية الحديثة، سيتضح ذلك في مجموعتها الأولى "همس النوايا" ليتجسد بشكل أوضح في مجموعتها الجديدة "هذه ليلتي"*.
يتجانس عنوان المجموعة جناسا تاما مع عنوان واحدة من روائع الطرب العربي، ربما كانت الكاتبة تريد أن تكون لها ليلتها الخاصة، ليلة واحدة من ليالي شهرزاد، ليلة للحكي.
في نصها الأول "أسرار" – وهو أحد أهم و أقوى نصوص المجموعة- تلعب الكاتبة بعامل الزمن بحرفية واضحة مستفيدة من تقنيات الرواية الحديثة.
يطرح النص أزمة الصراع بين ثقافتين مختلفتين، ثقافة أب الساردة المنحدر من جبال الريف المغربي المحافظ، وثقافة خوليو الفتى الإسباني المتحرر الذي سيسلم محبوبته الريفية الصغيرة رسالة حب أمام والدها، و حين كان الأب يقيم الدنيا و يقعدها احتجاجا على هذه "الجريمة" كان خوليو هو الآخر يحتج على "الجريمة المضادة" التي ارتكبها الأب: "هذا الرجل مزق قلبي، انتهك أسراري و ألقى بها في القمامة" هذا ما قاله خوليو لمديرة الكوليخيو بينما كان الأب يصرخ في وجه ابنته و يذكرها بما فعله فرانكو بالمغاربة و بما سببه الإسبان للزعيم الخطابي من متاعب، و سيكون صعبا عليها أن تقنعه بأن خوليو –كرمز للجيل الجديد- كان يحب الخطابي و يعشق لوركا الذي قتل بسبب موقفه من الاستعمار، لوركا الذي ستستدعي الكاتبة في نصها واحدا من أجمل و أشهر مقاطعه الشعرية:
بسبب هواك
تعذبني الأنسام و قلبي
تؤلمني قبعتي.
يقف النص أيضا عند إشكال نفسي آخر : الرجل الذي في البيت و الرجل الذي في القلب: "أحب الرجل الحزين الصامت... لتكن صامتا يا خوليو كي أحبك أكثر، أنا لا أحب هذا الرجل الذي يزعمون أنه رجلي، أنا لا أعرفه...لا أعرف أعماقه لأنه يتكلم قبل الأكل و بعد الأكل، قبل النوم و بعد النوم، قبل أن أتكلم وبعد ألا أتكلم جالسا أو مستلقيا كان...و أنا أصمت أصمت...".
في نص "عادي" يحضر نموذج الرجل العربي الذي يتباهى بتعدد عشيقاته و الذي يتفنن في سرد مغامراته و الذي يرى الجنس ضرورة بيولوجية بينما يريد بالمقابل أن يتزوج امرأة "صالحة" لم يقربها أحد من قبل، يحضر هذا النموذج أيضا - لكن بجلباب آخر- في نص "هذه ليلتي" حيث الأب يمجد المغنية فريدة الحسيمية في الحفلات بينما يستعيذ منها أمام الفقيه.
يبدو أن فاطمة بوزيان تجهد نفسها كثيرا في البحث عن صيغ سردية جديدة لذلك ستتولد في نصها "الازدحامولوجي" شخصية قصصية لم نألفها من قبل، شخصية تعاني من تسرب شخصيات أخرى إليها و من تسربها هي أيضا إلى تلك الشخصيات.
تراهن الكاتبة في مجموعتها الجديدة على رهان التحديث، لكن وفق معايير واقعية و موضوعية تفرضها طبيعة تفكيرها و طريقة حياتها، فمعظم كتاب الجيل الجديد يستفيدون من التقنيات الحديثة في التواصل و في قراءة المتون الأدبية ومتابعة الحركة الثقافية في مختلف بقاع العالم، لذلك سنجده المجموعة القصصية"هذه ليلتي" حافلة بعدد من التيمات الجديدة، إذ تحاول مختلف النصوص أن ترصد بأشكال متنوعة المفارقات الاجتماعية و التحولات العاطفية في عصر المحمولات و الفضائيات و الأنترنت.
الحقل الدلالي للأنترنت يغطي مساحة هائلة من معجم المجموعة: "بريد إلكتروني- لوجيسييل- إيميل صادر- إيميل وارد- غوغل – ويب – ماكروسوفت – تسجيل الدخول – تسجيل الخروج – impossible d afficher la page - الكونيكسيون – إعادة البحث – تحميل – أونتي فيروس ..."
بل إن بعض النصوص تماهت في بنائها و تركيبها مع خصائص أنترنيتية محضة، لذلك سيحس القارئ أن الأنترنت هو أحد أهم شخصيات المجموعة ، إن لم يكن بالفعل يحتل مكانة البطل.
على مستوى البناء كانت بوزيان موفقة إلى حد كبير في تشكيل النصوص بطريقة غير نمطية وتقليدية متوخية بذلك ممارسة تجريب متوازن – على حد تعبير الباحث محمد المعادي – إذ في كل نص أكثر من حكاية وأكثر من عنوان و جنوح واضح إلى الخلط بين البدايات و النهايات ، نلمس أيضا ذلك التوظيف المحكم لتقنيات أخرى كالتشذر و التمفصل و الإستدعاء و التناص و التبئير و اللقطة و البناء الحلزوني و الشجري، إضافة إلى توزيع النص عبر فقرات غير منسجمة زمنيا ومكانيا.
ثمة أيضا نحت لكلمات و تراكيب جديدة:" يستولجني الى فلبه كأنه رابط الكتروني – الازدحامولوجي – شعرت و أنا أرفعني من الأريكة أن ليس في سواي خفيفة جدا..."
أريد أن أشير في النهاية إلى أن الحركة القصصية النسائية في المغرب تعرف حركة أقوى بكثير من مثيلتها الشعرية، فإذا كنا نجد الجواب صعبا حين نطرح سؤالا عن مدى حضور الشاعرات المغربيات نجد بالمقابل أجوبة كثيرة حين نطرح نفس السؤال بخصوص القاصات. ويكفي هنا أن نستحضر أسماء من عيار زهرة زيراوي ، لطيفة باقا ، ربيعة ريحان، عائشة موقيظ، مليكة مستظرف ، رجاء الطالبي، مليكة نجيب ، لطيفة لبصير – ليلى الشافعي... وأسماء أخرى ستنضم لعالم القصة مع مطلع الألفية الجديدة.
*"هذه ليلتي" ، منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب، الطبعة الأولى 2006
#عبد_الرحيم_الخصار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟