أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الله النملي - زلزال المغرب .. في الإتحاد قوة















المزيد.....

زلزال المغرب .. في الإتحاد قوة


عبد الله النملي

الحوار المتمدن-العدد: 7734 - 2023 / 9 / 14 - 22:07
المحور: المجتمع المدني
    


استيقظ المغاربة ليلة التاسع من شتنبر الماضي، على واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية التي شهدتها البلاد منذ قرن. المَشاهد والصور التي توالت تباعا من مناطق الكارثة بالحوز وشيشاوة وتارودانت وغيرها تُمزق نياط القلب، وتكرس في داخلنا حالة هي مزيج من الفجيعة، والضعف، والشعور بحقيقة هذه الحياة كمحطة عابرة. الموت في كارثة الزلزال يعني رحيل صامت يقطع الأنفاس لعائلات تودع أحبابها بلا سند أو مواساة لتواجه منفردة مصيبة الموت. الموت في فاجعة الزلزال يعني أن يفقد المرء أقاربا وأحبابا، وتكون أقصى أمانيه رسم قبلة على جبين الفقيد، لكنه لا يستطيع لذلك سبيلا، ليكتفي بالنظر إليه في مخيلته ويستسلم للتوجع في خلوته.
فكما لا تتضح حلاوة العسل إلا بالتذوق، لا تتضح مرارة فاجعة الزلزال إلا بِمُكابدته، فَضحيّة الزلزال يخاف أن يأكل فيجوع وقد نفذ طعامه، ويخاف أن يبرد وقد قلَّ كساؤه، ويخاف أن يمرض ولا وجود لدوائه. أن تكون من ضحايا الزلزال معناه أن تعيش تحت وطأة الحاجة كل يوم في العراء وتبيت في الخلاء الموحش. أنت في نزال مع الحياة، مثلما يحدث تلتهم أفعى الأناكوندا فريسة سمينة ولا تلفظها إلا بعد أن تمتص منها كل معاني الحياة، تلتهم الحياة نفسها هؤلاء البسطاء الذين شاءت الأقدار أن تتهدم منازلهم ويفقدوا أسرهم ويسمعون أنين أحبائهم تحت الركام ويطحنهم الزمن بأنيابه القاسية. لا تنتظروا الدولة أن تتحرك لوحدها، تصدقوا من أموالكم لأشخاص يعيشون على الهامش، اجمعوا تبرعاتكم، فهم يحتاجون للتغذية والمأكل والمشرب والمسكن والألبسة والأغطية والأدوية، وأكلة دافئة تبعث الدفء في أجسادهم الهزيلة، يحتاجون للمسة إنسانية صادقة، لا تكلف ثمن ما تنفقوه في أعراسكم وأفراحكم وأسفاركم وآخر صيحات سياراتكم وهواتفكم ونظاراتكم الشمسية الباهظة الثمن.
ضحايا الزلزال هم الفقراء الطامعون في كل شيء، الفاقدون لكل شيء، المحرومون حتى من لذة التمني والاشتهاء، حياتهم مجرد انتظار، يكتفون بدور المشاهد، وهم ينظرون لمساكنهم المهدمة وينصتون مع كل هذا لصرير أمعائهم الفارغة وصراخ أرواحهم المحبوسة وراء سياج الحرمان. تخيل، لا قدر الله، أن تفقد عزيزا عليك دون أن تحظى بفرصة توديعه رغم أنك تعيش معه في نفس البيت والأسرة ذاتها لأن الموت أخذه على نحو مفاجئ. تخيل ألا تستطيع الصلاة عليه بالمسجد لأنه دمر هو الآخر أو إقامة مجلس عزاء. الموت في فاجعة الزلزال رحلة من دون صلاة بالمسجد، في جنازة قد تكون بلا مشيعين نحو المدافن، وبدون أقارب، ولا أصدقاء، وبلا عزاء. الموت في فاجعة الزلزال، وفي أحسن الأحوال، ينتهي بتلقي التعازي بحضور بعض الأهل والأقارب من دون الولائم والبذخ ونصب خيام العزاء.
إن مشاهد القتل والدمار بالقرى والمداشر والدواوير التي شهدت الزلزال، جعلت الكثير من الأطفال يتجرعون مرارة اليتم، والنساء اللواتي أصبحن يأكلن من صحن الترمل في عمر الزهور، والشيوخ الذين يشربون من كأس الموت البشع. ومن لم يرَ خراب زلزال المغرب، لن يدرك معنى الخراب. ومن لم ير وجع الضحايا والمنكوبين لن يدرك معنى الفجيعة. حجرٌ وبشرٌ وعددٌ لا يُحتمل من الأطفال والنساء والرجال الموتى والراقدين تحت التراب، وآخرين وجدوا أنفسهم فجأة مشردين، يبحثون عن خيام للمبيت تحت الأشجار، نساء وأطفال ورجال أضحوا يفترشون الأرض تحت أغصان الزيتون، بعدما انهارت منازلهم وصارت في خبر كان، كما أضحت مساكنهم عبارة عن أطلال، بنايات تعلوها الشقوق، وأخرى انهارت بالكامل، لتكون الغابة ملاذا لهم.
إن واقعة الزلزال وما خلفته من خسائر بشرية ومادية فادحة وما أفرزته من مآس وآلام يصعب مداواتها بسهولة، تحولت بالمغرب إلى حالة مثمرة، طالما خلقت التأثير اللازم لدفع الجميع نحو استغلالها لتعزيز روح التضامن في العلاقات الدولية، وإعادة النظر في تصوراتنا للأشياء، والأحداث والعلاقات على النحو الذي يمكن من دفع هذه الفكرة إلى الأمام، وتصييرها معيارا أساسيا في التعامل مع بعضنا، كأشخاص، وكشعوب، وكمجتمع دولي. وهو الأمر الذي تجلى بوضوح من خلال هذا الاحتشاد الاستثنائي لدول العالم، لإغاثة منكوبي الزلزال، في واحد من المشاهد النادرة التي ظهر فيها المجتمع الدولي كأسرة واحدة، وجدت نفسها معنية ومسؤولة أخلاقيا بالانخراط في جهود مواجهة وتخفيف آثار وتداعيات تلك الكارثة.
وعلى الرغم من هول الفاجعة والمنظر المروع والمأساوي للكارثة، أبان المغاربة عن حس وطني واستثنائي وإنساني كبير، حيث يواصل آلاف المغاربة حملة تضامنية وُصفت بـ”الأكبر من نوعها” مع ضحايا الزلزال، الذي خلّف حوالي 3000 ضحية وآلاف الجرحى المعطوبين، لم تمنعهم صعوبات الوصول إلى الأماكن المنكوبة من محاولات المساعدة، حيث أسهموا في صناعة مبادرات وقوافل تضامنية إنسانية كبيرة للمناطق المدمرة، فالصغير قبل الكبير استجاب لنداءات التبرعات بالأغذية والألبسة وغيرها من المواد وبكم كبير، في مواكب خارقة للعادة، حيث انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي الدعوات للمساعدة العاجلة والمساهمة في إنقاذ المنكوبين، ومساعدة الذين باتوا بلا مأوى. ورغم التعب و الوقوف لساعات طويلة لتأمين عملية التبرع بالدم، الابتسامة لاتزال مرسومة على الوجوه الخيرة النيرة، كما تعدّدت صور التكافل الاجتماعي وأعمال الخير والإحسان من كل ربوع المملكة، حيث أظهرت مئات المنشورات والفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تحرّك عشرات الشاحنات المحمّلة بأطنان المساعدات من مختلف مدن وجهات المملكة في اتجاه المناطق المتضررة، فيما يواصل مواطنون يوميا تزويد نقاط تجميع المساعدات بمختلف المواد وبأحجام وكميات حسب استطاعة كل واحد. وهي أفعال تنم عن حس وطني وروح التآخي والتآزر لمساندة إخوانهم الذين تهدمت بيوتهم وحكمت عليهم الأقدار المبيت في العراء، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، تلفح وجوههم أشعة الشمس المحرقة في النهار، ويسد أنوفهم الغبار، ويغزو الهواء البارد أجسادهم بالليل.
و منذ اللحظة الأولى لوقوع الكارثة، لم يتوان مغاربة العالم كذلك في التعبير عن تضامنهم مع أبناء وطنهم واستعدادهم للمساعدة بكل إمكانياتهم، فعلى الرغم من أن أجسادهم ومُستقرهم خارج حدود الوطن، لكن عقولهم وقلوبهم دائما مع بلدهم الأم، المغرب، فما إن اهتزت الأرض من تحت جبال الأطلس الكبير حتى تجندوا لمد يد العون لسكان المناطق المتضررة من الزلزال الذي خلف خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، خاصة في الأقاليم والمناطق المحيطة بجماعة إيغيل، بؤرة فاجعة الحوز، إذ أطلقوا مبادرات مدنية للتبرع بالدم وجمع المساعدات العينية من أفرشة وأغطية، ووضعها رهن إشارة المتضررين، كما سارعوا إلى تنظيم حملات في أوساطهم للدعوة إلى التبرع للصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة عن الزلزال.
يُقال إن الأزمة تلد الهمة، وأن الأمر لا يتسع إلا إذا ضاق، وهذا ليس غريبا عن المغاربة الذين عاشوا وعايشوا سنوات التضامن في الأفراح والأحزان منذ عقود خلت وخلال جائحة كورونا، وها هم مرة أخرى يفتحون صفحة جديدة من موسوعة التضامن التي أبهرت العالم، في ظروف أخرى وأسباب مغايرة، ومن جميع الفاعلين في محطة جديدة مع التاريخ، كانت مناسبة لاستحضار المخزون القيمي وتقاليد شعبنا في مجال التضامن الاجتماعي، كما برزت مؤشرات توطيد العلاقة بين المجتمع والمؤسسات في أرقى صورها، علاوة على رص الصفوف، وتلاحم كافة شرائح الشعب المغربي الأبي، الذي وقف وقفة رجل واحد مع الضحايا في مواجهة الآثار المدمرة للزلزال.



#عبد_الله_النملي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آسفي.. بحث في معنى اسم المدينة
- عين لالة ميرا.. الماء و الخرافة
- الغرب والطعونات الرعناء في الإسلام
- فلسطين الفائز الأكبر في مونديال قطر
- اسفي .. من أكبر طاجين في العالم إلى أكبر مزهرية في افريقيا
- ظاهرة حفلات التكريم الزائفة
- العَبــــــــث بِاســـم الفــنّ و السينــمـا
- تشويش الجوال في المساجد
- الأزمة الأوكرانية والكيل بمكيالين
- غطرسة الغرب
- حتى لا تتكرر مأساة الطفل ريان
- تهميش لغة الضاد في عقر دارها
- التطبيع.. من الخفاء إلى التجلي
- صالح العَبْدي الآسَفي.. صحفي وسياسي طواه النّسيان
- آسفي حاضرة البحر المُحيط.. عِشْق أبَدي
- القـــــارة السمـــراء.. عــــودة الانقــلابـات
- المدفع و -الزواكة-.. تقاليد رمضانية تقاوم من أجل البقاء
- الأساتذة المتعاقدون.. نضال من أجل إسقاط التعاقد
- الإساءة للرسول الكريم ليست حرية تعبير
- التطبيع شراكة في جرائم الكيان الصهيوني


المزيد.....




- نائب مصري يحذر من خطورة الضغوط الشديدة على بلاده لإدخال النا ...
- الأمم المتحدة: فرار ألف لاجئ من مخيم إثيوبي لفقدان الأمن
- إجلاء مئات المهاجرين الصحراويين قسرا من مخيمات في العاصمة ال ...
- منظمة حقوقية: 4 صحفيات فلسطينيات معتقلات بينهن أم مرضعة
- السفير الروسي ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا المستقيل يبحثان ...
- قرابة 1000 لاجئ سوداني يفرون من مخيم للأمم المتحدة في إثيوبي ...
- جامعة كولومبيا تكشف تفاصيل حول المحتجين المعتقلين بعد اقتحام ...
- منسق الإغاثة الأممي جريفيث: مقتل عمال إغاثة في السودان أمر ل ...
- اعتقال سياسي معارض في جزر القمر لأسباب سياسية
- المحكمة الجنائية الدولية تطالب بالتوقف عن ترهيب موظفيها


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الله النملي - زلزال المغرب .. في الإتحاد قوة