أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عمار السواد - جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! .. الحلقة الأخيرة: في العراق مقبرتان















المزيد.....

جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! .. الحلقة الأخيرة: في العراق مقبرتان


عمار السواد

الحوار المتمدن-العدد: 1719 - 2006 / 10 / 30 - 07:43
المحور: حقوق الانسان
    


"ميراث صدام حسين سوف يبقى طويلا حتى بعد غيابه عن الساحة، ان هاجمت اي امرئ لكونه كرديا او شيعيا فان رد الفعل سيكون مزيدا من التأكيد على ان هذا هو الامر الذي يهاجم المرء من اجله... اذن مالذي سيحل بالعراق غدا؟ ان القومية الكردية هي اقوى واشد عدوانية الان مما كانت.. هذا فيما الكراهية المتبادلة بين السنة والشيعة هي اليوم المنبع المحتمل والاشد سمّا للعنف الجديد"(*) كنعان مكية 1992.
يثير ما يحدث في العراق منذ امد بعيد علامات استفهام تنطوي على مخاوف عميقة وحقيقية من المستقبل المجهول للوضع العراقي، سواء فيما يخص العلائق المفروض حصولها بين العراقيين وايضا بين العراقي ووطنه، بل وفيما يتعلق بتكوين الدولة العراقية ووحدتها.
فهل يمتلك العراقي كوابحا حقيقية للجريمة والاستهتار بكل شيئ؟ وهل ان بوصلة القيم لدى المجتمع العراقي تعمل كما يجب؟ والى اي مستوى كانت السياسات الحالية والسابقة سببا في ايجاد شرخ بين الطبقات والمكونات العراقية؟ وهل الشعب العراقي قادر على بناء دولة واحدة اسمها العراق ام ان عقود الايدلوجيا قد قلصت من امكانيات استمرار مشروع الدولة العراقية الحديثة؟
انها تساؤلات تنطوي، بالنسبة لي، على اهمية كبيرة جدا تثير في داخلي قلقا عميقا من احتمال ان تكون الاجابات عن مثل هذه التساؤلات تنتهي الى نتيجة واحدة، هي ان الشر اطبق على الارض العراقية. خصوصا وان الكوابح عادة ما تكون موجودة، وغالبا ما تمتلك الشعوب بوصلة قيم مؤثرة، وخصوصا وان اكثر الدول العربية والاسلامية قد اسست لدولتها بدون ان تتهدد الارض والشعب بالتبعثر والانقسام. في حين ان ما يجري في العراق وما جرى فيه خلال عقود وعقود يدعوني الى وضع علامة استفهام على مدى فاعلية بوصلة القيم وعلى وجود كوابح امام الانهيارات الخلقية الكبرى، وعلى وجود روابط متينة تحول دون الانفصام.
ان مشروع الدولة العراقية الحديث والتغييرات التدريجية والمعقولة التي بدأت بالطرو على المجتمع في النصف الاول من القرن العشرين اشرت الى ان البداية كانت معقولة بعض الشيئ، وانه من الممكن جدا، بسعي وحرص وذكاء، ان تتطور تلك البداية لتصبح افضل حالا. الا ان السلسلة الممتدة في العراق بعد ان بدأت الرؤى الايدلوجية تتعامل وفق منهج ثوري شاع للقضاء على كل ما يواجهه من اختلافات حرفت البداية عن الطريق التصاعدي لها لتكون تصاعدا من نوع آخر، هو تصاعد الدولة الثورية بدلا من الدولة المدنية. وساعد في هذا الانحراف فشل رجالات الدولة في العهد الملكي في القيام بخطوات سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية تحمي المنجز المهم وتمنع من حدوث انقسامات خطيرة داخل البنية الاجتماعية، فبقيت البداية يتيمة، ليستغل يتمها، من بعد، آخرون ليس في نيتهم سوى فرض نمط من التفكير على مجتمع مختلف المناشئ والمذاهب والقوميات.
فانتهت البداية، لتحل محلها بداية مختلفة اهم ميزاتها تكمن في التفرق وليس في التوحيد. فهناك داخل المجتمع تصنيفات معلنة وغير معلنة يتم التعامل معها بقوة وعنف، وفق البداية الجديدة هذه. وهكذا ذهبت الدولة المدنية ادراج الرياح لتقوم محلها دولة عسكرية مؤدلجة ليس من اولوياتها تطوير العلائق الاجتماعية، بل لها اولويات متصلة بالحاكم وحزبه وطائفته وقوميته.
فبدأ المجتمع بالانقسام على ذاته، شيوعي ومعاد للشيوعية، بعثي ومعاد للامة العربية، ومن ثم تطورت الامور، بسبب طائفية البعث، لتصل الى سني وشيعي ليس كتصنيف معلن لطوائف المجتمع، بل كتوجه حكومي في التفريق غير المعلن بين ابناء المكونات العراقية، حتى وصلت الامور الى مستوىحقد طائفي استخدمه النظام تجاه المكون الشيعي وحقد قومي على الجزء الكردي انعكس في سلوكياته على جميع مؤسسات الدولة وادى الى نشوء حقد عكسي لهذين المكونين تجاه الدولة الحديثة التي همشتهم واقصتهم.
انها بذرة الطائفية التي تحكمت بنوايا وتوجهات الحاكم وسلطته وحزبه وبدأت تنخر المجتمع من الداخل وتصنع احقادا واحقاد قدر لها ان تنفجر لتصبح فوضى عارمة شملت كل الاشياء.
وهنا برز القتل الطائفي لينهي آخر قابليات المجتمع على الوحدة، فبعد ان كان القتل، منذ عقود الى ما قبل عام، يرتكب من جهات تنتمي الى احد المكونات وضد طائفة واحدة اصبح رد الفعل القاسي سببا في انفصام اخر عروة ربطت الطرفين، وامتلك الخوف الطوائف من بعضها. ان الدماء جعلت من عودة المياه الى مجاريها امرا في غاية الصعوبة، انها لوثت مياه دجلة والفرات، وقللت من امكانيات التعايش السلمي كونها بلغت ارقاما قياسية. انها نهاية لوضع ما. ولا اظن ان يكون ذلك الوضع هو نهاية الايدلوجيا والعصور الراديكالية، بل اعتقد انها نهاية الدولة العراقية الموحدة، ما لم تقم معجزة اجتماعية ما، او تتغير الولاءات السياسية والمرجعيات الفكرية داخل المكونات ليصبح الشيعة شيعة بالاسم والسنة سنة بالاسم فقط، وهو ما لا يمكن حدوثه في فترات قصيرة وبدون عمل دؤوب.
من هنا ما كان هذا الانحطاط والتبعثر والانقسام بالخطورة التي يعيشها العراق الان لولا الدموية وفقدان الموازين القيمية الكابحة لاشاعة الدم.
فهناك حقيقة تقول ان عددا كبيرا من العراقيين اصبح، منذ وقت غير قليل، ادوات للقتل. وكلما مر الزمان تتسع دائرة القدرة على ارتكاب الجريمة، ما يشير الى انكفاء مستمر في حساسية العراقيين امام رائحة الموت المنبعث من القتلى والاهات الصادرة من معاناة الظلم والقهر والفقر.
عندما بدأت جرائم القتل الطائفي بعد فترة من التغيير بدأت نبرة العراقيين ترتفع بالقول ان العراقيين لا يفعلون مثل هذه الجرائم انهم مثال، والكلام لاصحاب ذلك القول، للخير والرحمة والشرف والنخوة. اعتقد ان الجميع سمع هذا الكلام او كلاما اخر قريبا منه. لهذا بدأت الغالبية تلقي التهمة في جعبة الاجنبي، هذا يقول الامريكان من يقتل مستخدمين مجانين او سكارى لفعل ذلك، وآخر يقول ان العرب القادمين من خلف الحدود هم المجرمون يساعدهم بعض خريجي السجون من العراقيين، واخرون يذهبون الى ان ما يحدث مرتبط بأيران التي تقوم بذلك من خلال ايد خائنة وعميلة.
لست اشك بان الدول الاقليمة كافة وقوات الاحتلال مشتركة بالدم العراقي، ولا شك ايضا بان من اخرجهم صدام من السجون قبل سقوطه ظالعين باعمال عصابات الاجرام المنتشرة في ارجاء العراق. ولكن تنصلنا بالكامل عن الجريمة والقاءها على سوانا أمر غير مقبول، جميع الدلائل تشير الى عدم صحته. لذلك علينا ان نكون صريحين امام انفسنا ونعترف بان الشعب يتحمل مسؤولية كبيرة فيما يحصل وما يجري ولا نلقي التهم على نخب سياسية او اجتماعية محددة ونحملها مسؤولية فعل تشير كل البراهين الى وجود اكثر من مسؤول عنه.
من يريد برهانا على الدور الاساسي للمواطن العراقي فيما يحدث فلينظر الى الموجودين لدى اجهزة الدولة اليوم من مرتكبي القتل السياسي والطائفي سيجد ان اغلبهم من العراقيين. من يقتل اليوم الناس في المناطق المختلطة طائفيا هم ابناء تلك المناطق. وكان صدام قد قتل شعب العراق سابقا في الجنوب والشمال بيد شعبه. ومن يقدم اليوم الدعم للمجاميع المسلحة ويؤيها في مناطقه ومدنه هو ابن البلد. ومن يتعامل بسلبية بالغة عند ملاحظة شباب يقتادون فتاة ليخطفوها او يترجلوا من عرباتهم لقتل شاب آخر باسلحة نارية وبهدوء تام هو نحن. الم يكن الانسان يخاف اباه واخاه وابنه وزوجته من اقل الاشياء، الهروب من الجيش مثلا، وهاهو يخاف اليوم ايضا ان يذكر بسوء احد ابطال الموت؟ الم يعتد جيشنا "المقدام" على الشعب عام 1991؟ الم يقم الجار بسرقة دار جاره الهارب من بطش الطاغية او النازح اليوم بفعل القتل الطائفي؟ الم يقم شباب عراقيون كثر بالانتماء الى مليشيات الموت منذ عهد المقاومة الشعبية والحرس القومي الى مجاميع الموت القائمة الان؟
وان ذهبنا بعيدا عن العراق فلا يمكن ان ننسى منظر عدد كبير من الجنود وهم يسرقون بيوتا في الكويت واغتصابهم العديد من اعراض "العربيات" بعد احتلال تلك الدولة الضعيفة ولا ننسى الفعل ذاته مع عرب المحمرة مطلع الحرب العراقية الايرانية.
اعذروني على هذه الصراحة، التي قد يعتبرها البعض وقاحة مني، لكن ما دام الحديث عن العراق ومن اجل تشخيص المرض فان الصراحة، مهما كانت مرة، تبدو ضرورية. فلسنا مطربين او شعراء لنتغنى بعراق الحضارات وعراق السلام وجمجمة العرب وبوابتهم الشرقية، وان حلا للبعض ان يكونوا كمن يتغنى بالايام السابقات فلن اسمح لنفسي ان اكون كذلك. هنالك مشكلة بل انحطاط في العراق، نحن ادواته وكانت اسبابه صدام بكل جرائمه وتلك الايدلوجيات التي اسدلت الستار على امل بناء دولة عراقية مدنية تتجاوز الواقع القبلي الفطري الذي عاشه البلد بعد انسلاله من سلطة الخلافة العثمانية.
ولا نتفاءل بنهايات الايدلوجيا مع انتهاء هيمنة الاسلام السياسي، فالليبرالية التي باتت مؤدلجة بمجموعة مقولات اتخوف من ان تجعلها الظروف تيارا راديكاليا رابعا في سلسلة حكم الراديكاليين المؤدلجين. فالتصنيف الثنائي الذي بدأ بمقولة "رجعي وتقدمي" ومر بمقولة " سني شيعي" وانتهى "بكافر مؤمن" او "منحرف مستقيم" لابد ان ينتهي بكل مضامينه، ولا يجوز ان نستخرج تصنيفا جديدا كمقولة "متخلف متطور" او "معتدل متطرف". وليس القصد من التصنيف السيئ هو التصنيف الفكري الثقافي لان الثقافة تصنف الاشياء والفكر يبوب الوعي. بل الحديث يمس السياسة والدولة فالذي يظهر الان ان العراق باندفاعة شعبه العنيفة لا يتحمل تصنيفات تقسم شعبة سياسيا بطريقة مؤدلجة. قد اكون حالما بمطلبي، لكن لا بأس من الاحلام الجميلة.
ان في عراق ما بعد صدام مقبرتين اولاهما تلك التي حوت رفات الاف الناس الذي قضوا على يد الطاغية والثانية مقبرة جماعية فوق الارض قوامها مجتمع منهك وضائع.


(*) كنعان مكية، القسوة والصمت ص210-211



#عمار_السواد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! ..الحلقة السادسة.. الدول ...
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! ..الحلقة الخامسة
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! ..الحلقة الرابعة
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم..الحلقة الثالثة
- جميعهم لوث التاريخ والقيم!.. الحلقة الثانية
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم!.. الحلقة الاولى
- شروع بالقتل..شبكة الاعلام بانتظار العلاج او الموت
- ارتدادات الاعلام العراقي..عودة وزير الاعلام
- تبعيث الليبرالية.. قراءة في بوادر خطاب ليبرالي مقلق
- شيعة العراق بين ايران وامريكا والعرب.. العودة الى العام 91


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عمار السواد - جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! .. الحلقة الأخيرة: في العراق مقبرتان