أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يوسف مريمي - بين الإيتيقا والأخلاق















المزيد.....

بين الإيتيقا والأخلاق


يوسف مريمي

الحوار المتمدن-العدد: 7582 - 2023 / 4 / 15 - 09:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ما الفرق بين تصوري الإيتيقا éthique والأخلاق morale، وما الذي يبرر الفصل بين لفظين يترادفان قي اللسان الدارج؟ قد لا يرى المفكر لوك فيري أي فرق بين اللفظين، فهو لا يرى أي فرق جوهري بين اللفظين، ولئن كان هناك اختلاف يمكن الإشارة إليه بينهما، فإنه يرجع إلى أنهما يعودان إلى جذرين لغويين مختلفين: بينما يعود لفظ أخلاق إلى اللفظ اللاتيني moralis، فإن لفظ إيتيقا مشتق من اللفظ اللاتيني ethicus الذي يعود بدوره إلى اللفظ الإغريقي êthikós. تبعا لذلك، ليس ثمة مبرر لوضع فروقات جوهرية بين اللفظين، وبالنتيجة فإنهما يشتركان في نفس المعنى، رغم اختلاف الاسم والمنطوق . لكن، هل يكفي العودة إلى مجرد علم الاشتقاق حتى نحسم في الأمر؟ إن هذا ما ينتبه إليه فيلسوف من طراز أندري كونت سبونفيل بالقول: إ.. . وإذن، فما الفرق إذن بين اللفظين؟
لعل ثمة اختلاف ما يلبث يشير إليه "فلاسفة الإيتيقا"، ونخص بالذكر منهم سبينوزا، ونيتشه، ودولوز. ذلك أن التصور الرافض للفصل بين الأخلاق والإيتيقا لا ينتبه إلى أن مبرراته (الناهضة على أصل الألفاظ واشتقاقاتها) غير ذات فائدة كبيرة في خلق المفاهيم، إذ أن خلقها يتجاوز دائما مقام البداهة المميز للاستعمالات المألوفة للألفاظ. فضلا عن ذلك، لا ينتبه التصور ذاك إلى أن لفظ إيتيقا نفسه، يرتبط بلفظ إغريقي آخر: إيتوس éthos، الذي يدل على البحث في كيفيات الحياة، أي على ما يتجاوز كل أخلاقية تحاكم الحياة بمنطق الواجب. والواقع أنه يمكن أن نضع تمييزات على مستوى الاستعمالات المعرفية للغة، حيث تكون الألفاظ المشتقة من اللغة الإغريقية مرتبطة باللغة العلمية أكثر من الألفاظ المشتقة من اللاتينية، بل إن من الممكن وضع تمييز سوسيولوجي بين اللفظين، يجعل من الإيتيقا "أخلاقا رفيعة" . زد على ذلك، وهذا هو الأهم، أن مسألة الفرق بين ميدان الأخلاق ومجال الإيتيقا، تنطوي على مواقف فلسفية عميقة، بحيث يبدو أن فلاسفة الإيتيقا يرفضون التيار السائد في تاريخ الميتافيزيقا الغربية الذي يرسخ، في نظرهم، سجن الحياة في النفس ولواحقها عند القدامى، أو الذات وقوالبها عند المحدثين.
في هذا الصدد، يقول أندري كونت سبونفيل في التمييز بين تصوري الإيتيقا والأخلاق: "أسمي أخلاقا الخطاب المعياري والأمري الناجم عن التعارض بين الخير والشر، من جهة كونهما قيمتين كونيتين ومطلقتين. إن الأخلاق هي مجموع واجباتنا. تجيب الأخلاق عن سؤال: "ما الذي يجب فعله؟". إنها تسعى إلى أن تكون واحدة وكونية. تتوجه الأخلاق نحو الفضيلة وتنتهي إلى القداسة. وأسمي إيتيقا كل خطاب معياري غير أمري [...] ناجم عن التعارض بين الطيب والشيء من جهة كونهما قيمتين نسبيتين. إنها المجموع المفكر فيه لرغباتنا. تجيب الإيتيقا عن سؤال: "كيف نحيا؟". إنها دائما خاصة بفرد أو جماعة. إنها فن للعيش. إنها تميل في الأغلب نحو السعادة وتفضي إلى الحكمة" . بعذا المعنى، يضع هذا التعريف أربعة فروقات بين الأخلاق والإيتيقا. يتمثل الفرق الأول في أن الأخلاق تدور حول قيمتي الخير Bien والشر Mal، في حين تدور الإيتيقا حول قيمتي الطيب bon والسيء mauvais. ويكمن الفرق الثاني في أنه لما كانت الأخلاق نزاعة إلى الإطلاقية، فإن الإيتيقا تميل إلى النسبية. وأما الفرق الثالث، فيتجلى في أن الأخلاق ميل إلى تحقيق الكونية، في حين تميل الإيتيقا إلى أن تتعلق بالأفراد. ويبقى الفرق الرابع الذي يتبدى في أنه لما كانت الأخلاق تسعى إلى بلوغ الفضيلة، فإن الإيتيقا هي دائما إيتيقا للحكمة وإيتيقا للفرح كما هو الحال عند سبينوزا .
يتضح أن مكمن الاختلاف بين الإيتيقا والأخلاق، يتمثل في أنه بينما ترجح الأولى كفة الحياة والجسد، فإن الأخلاق ترجح كفة الفكر والواجب، ولربما هذا ما يشير إليه جيل دولوز بالقول: "ضدا على القيم (خير – شر)، تقيم الإيتيقا الاختلاف الكيفي بين أحوال الوجود (حسن – قبيح). وهم القيم يصير حينها متوحدا بوهم الوعي، إذ أن الوعي أعمى بطبيعته، لأنه يجهل نظام العلل والقوانين، أي نظام العلاقات وتكوينها، ويكتفي بتلقي آثارها، إنه يجهل كلية الطبيعة. هكذا فإنه يكفي ألا نفهم شيئا ما حتى نضفي الطابع الأخلاقي عليه. فمن الواضح أننا عندما لا نفهم قانونا ما فإنه يبدو لنا في صورة "يجب أن" الأخلاقية" . ولأن الأمر كذلك، ترفض الإيتيقا أولية الوعي الذي يغفل عن دور الجسد في الحياة، فيعمد إلى خنقه بأوامر "ما ينبغي أن يكون"، أي بمبدأ الواجب.
وإذن، لا يعسر علينا معاينة أن هذه الفروقات تسمح بتمييز خطابين لا ينبغي الخلط بينهما: خطاب الحكمة (الإيتيقا) الذي ينشد السعادة من جهة، وخطاب الأخلاق الذي ينشد الفضيلة من جهة ثانية. ينهض خطاب الحكيم على أساس اللامبالاة l indifférence، الذي يعد سر حياة بسيطة لا تقلقها أهوال العالم، وهي حياة بوسعنا بلوغها عبر تبني نحو مزدوج من النزعة العدمية nihilisme: عدمية أنطولوجية من جهة، وعدمية أخلاقية من جهة ثانية؛ فبيرون (مؤسس المدرسة الشكية القديمة)، ما يلبث يؤكد أنه لا وجود "للجميل أو القبيح، العادل أو الظالم" .
ومن جهتها، ترى الرواقية – بما هي خطاب للحكمة – أنه لا وجود، في حقيقة الأمر، للفوضى في الكون (الكوسموس)، بل إن ثمة فقط "أثرا للفوضى" في العقل المضطرب، غير المتعقل والأحمق؛ إن الكوسموس قائم بصورة متقدمة على وجود الإنسان، وفق قوانين منظمة وكيفية منسجمة . ولعله لهذا السبب يقول إميل برييه: "توجد الرواقية خارج نطاق ما نسميه عادة بأخلاق" ، إذ أن الأخلاق تفترض عالما لا أخلاقيا، ظالما وبئيسا، ينبغي تغييره، لا كونا هو على على شاكلة "أفضل الأكوان". تنطلق الأخلاق من الإقرار بوجود الشر، ووجود شروط ووضعيات حاطة من الكرامة وغير متوافقة مع الاحترام الواجب للإنسان؛ إن الأخلاق رد فعل ضد البؤس والظلم . لذلك، يفترض الخطاب الأخلاقي الواجب والإرادة لأجل الحد من الوضعيات السالبة للكائن والكرامة الإنسانيين؛ إنه خطاب يفضي إلى إرادة تغيير عالم جائر وفوضوي، لا الكوسموس الرواقي، المتمتع بالانسجام القبلي.
يتضح أن كونش يتخلى، في سياق تأسيسه للأخلاق، عن فلسفته الخاصة من أجل كونية تتجاوز كل فلسفة خاصة. إن خطاب الحكمة ليس كونيا، طالما أن الأطفال والحمقى ليسوا حكماء ولن يقيض لهم استيعاب خطاب الحكيم. لكن، إذا كان الطفل والأحمق غير قادرين على فهم خطاب الحكمة، فهل بمقدورهما صياغة خطاب حول الأخلاق أو حتى فهمه؟ لن يبلوراه كما لن يفهماه، إلا أنهما يؤخذان في الحسبان من وجهة النظر الأخلاقية. كيف ذلك؟ تتجلى الإجابة، حسب كونش، في مسألة التعويض أو النيابة substitution، ذلك أن الأخلاق تقتضي منا أن نقوم بواجب التحدث بلسان من لا صوت له، لسان العاجز عن قول: "أنا أيضا إنسان" . من هنا، يبدو أن كونش لا يرهن الأخلاق بأي فلسفة أو ديانة أو أنانية، بقدر ما يجعل منها خطابا إنسانيا، بل عبئا بدونه يعيش الإنسان بلا مسؤولية. في هذه النقطة يقترب كونش من إحدى الاستعارات الشهيرة لنيتشه، فيبدو أن الأخلاقي يصير عنده جملا ، أي حيوانا أخلاقيا لا يستنكف عن تحمل العبء والمسؤولية الأخلاقيين. صحيح أن الحيوان يحيل عند نيتشه يحيل إلى فكر يحكم على الحياة ويحاكمها لأجل أن يفرض عليها قيما متعالية، إذ ما كانت الفلسفة التي يرمز إليها الجمل "سوى تعدادا للمبررات التي يختلقها الإنسان لكي يخضع. وإذا كان الفيلسوف يستدعي هنا حب الحقيقة، فإن هذه الحقيقة لا تؤذي أحدا [...] يُقيِّمُ الفيلسوف الحياة تبعا لقدرته على تحمل الأثقال وتقلد الأعباء. إن هذه الأعباء وتلك الأثقال هي بالتحديد القيم المتعالية" . بهذا المعنى، يستشعر نيتشه الحاجة إلى تجاوز هذا "الحيوان المسيحي" الذي يحمل أثقال القيم المتعالية على الحياة" ، بغاية تحقيق وحدة الحياة والفكر، الحياة النشطة والفكر التأكيدي .
غير أن كونش، ولئن كان قارئا لنيتشه، فإنه لا يضفي على استعارة الجمل، وتصورات رد الفعل réaction، اللذان تنفر منهما "إيتيقا نيتشه"، معاني إيجابية؛ ذلك أن المقام أخلاقي هنا يقتضي تحمل مسؤولية ورد الفعل ضد كل ما من شأنه أن يمتهن كرامة الناس جميعا. إننا في حضرة موقف أخلاقي من العالم، موقف لا يقتضي النظر إلى أوضاع الناس والشروط الملازمة لها بعين الحكيم المتوحد اللامبالية، بل بعين منخرطة وإنسانية. من الصحيح أيضا أن للإيتيقا قيمها، فالطفل يعقب الأسد من أجل خلق قيم جديدة، وما الفيلسوف في المطاف الأخير سوى خلاق ممكنات في الكتابة والقيم المعبرة عن الحياة، إلا أن قيم إيتيقا نيتشه تقع "ما وراء الخير والشر"، فتتعدى قيم الأخلاق إلى قيم الإيتيقا: الحسن والسيء، وهي بذلك ليست قيم الإنسانية جمعاء، بقدر ما هي قيم فرد أو جماعة، إنها قيم الأقوياء والأسياد، لا قيم الضعفاء والعبيد؛ إنها ليست قيما كونية لأنها إيتيقا الأقوياء، بل إن نيتشه لا يتردد عن قول: "علينا أن ندافع عن الأقوياء من الضعفاء" . بيد أن كونش ينتبه إلى أن ثمة سوء فهم للعلاقة القائمة بين الضعيف والعبد، إذ ينصرف الذهن دائما إلى الخلط بينهما، والحال أن الضعيف هو الطفل، مثلا، الذي لا يعاديه القوي بقدر ما يضحي، عن طيب خاطر، بسلامته وحياته في سبيل رعاية هذا الكائن الهش والضعيف.
بالتالي، تغيب المسؤولية في خطاب الحكيم اللامبالي والمتوحد، إذ أنه يفضل أن يصيخ السمع إلى الطبيعة والكون، عوضا عن الإصغاء إلى لوعة الإنسان وتظلمه. خلافا لخطاب الحكمة أو صمتها، ينطوي الحديث عن الأخلاق على نزوع كوني وإنساني، يقتضي الانكباب على بلورة شروط أفعال تراعي كرامة الإنسان. ولهذا، تكون الأخلاق في مسيس الحاجة إلى أساس كوني يأخذ في الحسبان الإنسان بما هو إنسان: القوي والضعيف معا.
خلاصة نختم بها، وتتمثل في فكرة محورية فحواها أننا في مسيس الحاجة إلى حكيم معاصر، يجمع بين الحكمة والانخراط في شؤون المدينة، وهو انخراط يتسم بخاصيتين: تكمن الأولى في التأمل في شرون الناس واجتراح حلول لمشكلاتهم، وتكمن الثانية في الحفاظ للحكيم على طمأنينته ورباطة جأشه.



#يوسف_مريمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفرق بين الإيتيقا والأخلاق
- المدرس والخطاب المهني


المزيد.....




- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...
- احتجاز رجل بالمستشفى لأجل غير مسمى لإضرامه النار في مصلين بب ...
- برازيلية تنقل جثة -عمها- إلى البنك للحصول على قرض باسمه
- قصف جديد على رفح وغزة والاحتلال يوسع توغله وسط القطاع
- عقوبات أوروبية على إيران تستهدف شركات تنتج مسيّرات وصواريخ
- موقع بروبابليكا: بلينكن لم يتخذ إجراء لمعاقبة وحدات إسرائيلي ...
- أسباب إعلان قطر إعادة -تقييم- دورها في الوساطة بين إسرائيل و ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يوسف مريمي - بين الإيتيقا والأخلاق