فاضل الديواني
الحوار المتمدن-العدد: 1712 - 2006 / 10 / 23 - 10:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قراءة ما حدث في مدينة الديوانية يوم 8 / 10 / 2006 أنموذجاً
(1)
تغفو مدينة الديوانية بوداعةٍ على فرع ثانوي لنهر الفرات. وعلى الرغم من التاريخ الطويل لهذه المدينة، إلا أنها لا تحتل مكانة ما، فهي ليست مركزاً دينياً أو مزاراً مقدساً ولا مدينة حدودية وهي ليست حتى مدينة سياحية!!
إن الديوانية من مدن الفرات الأوسط وعليه فإنها تمثل الوسط وما دونه خير تمثيل... ولأنها كذلك فهي مدينة متعبة مثل معظم مدن الوسط والجنوب... فكانت قد عانت ما عانت من ظلم وإهمال الدكتاتور السابق، لذا فإن أهلها أخذتهم الفرحة، وهللوا بسقوط الدكتاتورية، على الرغم من الثمن الفادح المقدم لسقوط الطاغية ونظامه المقبور !.
ولكن ما توالى من أحداث منذ أن أُسقط تمثال الدكتاتور في الساحة المقابلة لبناية المحافظة في مدينة الديوانية يوم الاثنين 7 أبريل (نيسان) 2003، أثبت أن للاحتلال، مثلما أن لكل واحد من الأطراف الفاعلة في المشهد العراقي أجندته الخاصة، التي قد لا تتوافق مع ما تأمله معظم أبناء المدينة (بل والعراق)، في بلدٍ مزدهر يقدم للعالم في ما بعد أنموذجاً في الديمقراطية والرفاه الاقتصادي.
فما الذي حدث ؟ وما الذي جعل نظرة معظم الناس في المدينة إلى عملية (التغيير التي أتت بها قوات الاحتلال تتغير هكذا ؟ هل إن السبب هو تغير مشاريع وخطط إدارة الاحتلال ؟ أم أن ما حدث كان بفعل ما قامت به النخب السياسية العراقية التي أتت مع الاحتلال ؟ أم إن ما حدث كان بفعل تدني الوعي والتخلف الذي يعانيه معظم أبناء المدينة، وهو ما قاد الناس ليدلوا بأصواتهم في عملية الاستفتاء والانتخابات إلى من رأينا ؟ أو ربما شيئاً من هذا العامل وذاك أو العوامل مجتمعةً هو من أسهم في الوصول إلى ما صلنا إليه.
وابتداءً فإن عاملاً مهماً في ترسيخ العنف تمثل بروح التسامح ودعوة المرجعية، التي ساندتها معظم القوى السياسية، في عدم اللجوء إلى الانتقام من البعثيين ومنتسبي أمن النظام السابق وأزلامه الذين تسببوا بالكثير من مآسينا وجروحنا وآلامنا، قد قاد ولاشك إلى ما يحصل اليوم من نتائج كارثية. ومن هذا نجد أن عدداً كبيراً من هؤلاء ممن كانوا يتوقعون أنهم سوف يقتلون شر قتلة وتيتّم عيالهم وتُسبى نسائهم قد خبأوا أنفسهم لمدة من الزمن ناهزت الشهرين تقريباً، لكنهم وبعد مدة صاروا يظهرون تباعاً بعدما اطمئنوا أن لا أحد يحاول النيل منهم، لا قوات الاحتلال ولا من تضرر من الناس ولا حتى من أتى من (عراقي) الخارج من المنتمين إلى الحركات والتيارات المعارضة لنظام البعث البغيض، والذين هجروا وهاجروا وشردّوا وصودرت أموالهم وممتلكاتهم وخسروا حياتهم في العراق. وقد أشاعت مثل هذا الرؤية قناعات متعددة لدى غالبية الناس عززها بعض التوفيقيين من الأفراد، مثل (أننا لا نود أن نعيد التاريخ الدموي للعراق) أو أن (العراق الجديد هو بلد القانون) أو غيرها من المقولات التي شاعت لتبرير جبن وتخاذل أفراد المجتمع وتنظيماته، والمتضررين من أجهزة النظام السابق عن الأخذ بحقوقهم ممن انتهكها.
ولنـا أن نسأل الآن هل أن ما حدث من قتلٍ يومي حتى الآن (بمعدل مئة جثة يومياً تسقط في مدينة بغداد لوحدها)، ربما يفند وإلى الأبد روح التسامح، وربما يكون قد أرضى غرور دعاة الاحتكام إلى القانون أم لا ؟ ولنسأل هل أن القتل على الهوية الذي يملأ العراق ويتركز في وسطه وجنوبه، والذي تقوده حركات التكفير والمليشيات حتى الآن، قد أسكت ألسنتهم في الدفاع عن سيادة القانون واعتماد مساءلته (التي عجزت حتى الآن عن إدانة صدام حسين ونظامه فكيف ببقية المسيئين ومخترقي القانون) ؟
وإذا ما عدنا إلى تتبع القوى الفاعلة في المشهد الراهن لمدينة الديوانية نجد الآتي:
- إدارة قوات الاحتلال التي تقوم بإدارة المدينة من بعيد وهي تتفرج على ما يحدث ولكنها لا تتدخل إلا حينما يتضارب ذلك مع مصالحها.
- قيادات سياسية وإدارية غير مؤهلة وغير كفوءة (تلبس لبوس التدين السياسي والطائفية البغيضة) تتحكم بمصير الأفراد والمدينة، وتقودهما نحو المجهول (وهذا يشمل محافظ المدينة ومجمل أعضاء مجلس إداراتها البائس)، هذه القيادات أوصلتها آلية انتخابات بائسة فرضتها أجندة الاحتلال والنخب السياسية التي أتت معه (إذ افترضت نظام القوائم المغلقة ومجهولة الأسماء في معظم الأحيان). وتعتمد في تواجدها في مناصبها الإدارية على تنظيمات سياسية وحزبية تملك فعلاً مؤثراً بما يتوافر لديها من مليشيات مسلحة.
- نخب سياسية ليبرالية عاجزة، بل ويائسة من تفعيل عملية التغيير في الجماعات والأفراد، والقلة منها تدرك عجزها عن عملية التغيير بفعل ضيق قاعدتها، مثلما هو انتشار ثقافة المرحلة السابقة في توجهاتها، وإلا فإن الفئة الأكبر منها لا تدرك عجزها عن عملية التغيير المأمول أساساً.
- عامة الأفراد في المدينة، وهم بمثابة كتل بشرية أقرب في تجمعها للتقليدية والتخلف منها لتنظيمات المجتمع المدني، عبارة عن تجمعات لا تعي ما يحدث، ولازالت تعيش ثقافة وقيم وتقاليد بعيدة عن منظومة التحضر التي تفترضها العملية الديمقراطية.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟