عماد الدين محسن
الحوار المتمدن-العدد: 1711 - 2006 / 10 / 22 - 11:46
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
كان شارع المتنبي وسيبقى هو المتنفس الوحيد للمثقفين والمتعلمين العراقيين من الذين يحملون أفكارا متنورة وأطروحات واعية وكان هذا الشارع الذي لايتجاوز طوله ألمائتي متر والممتد من شارع الرشيد إلى سوق السراي عالما كبيرا بالنسبة للمثقفين العراقيين كما أنه كان يمثل الخنجر في خاصرة النظام البائد لأن أكثر مريديه هم من خيرة أبناء العراق من الوطنيين والتقدميين , وكان هذا الشارع على موعد مع هؤلاء الطيبين كل يوم جمعه ليجتمع فيه الأخوة والأصحاب والزملاء أو ليتعرفوا على بعضهم البعض وليتداولوا شؤون الثقافة والمعرفة والسياسة , بعيدا عن سلطة رجال الأمن أو المخابرات أو الرفاق الحزبيين الذين لايفهمون للثقافة معنى لأن أمثالهم يصابون بالغثيان من كلمة ثقافة كونهم يجهلون مكنوناتها ومتعها أو كما قال أحد القادة النازيين من الألمان ((كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي)),وان جاؤوا فهم يجيئون اليه لإفساد متعة أهل هذا الشارع العظيم من المريدين , وقد حاول النظام البائد حرف هذا الشارع عن نهر المعرفة والثقافة الخالد عندما أدرك مدى الخطر الذي يتأتى منه كونه لم يعد موطنا لشراء الكتب والكراريس وإنما أصبح مرتعا للأفكار المتحررة والوطنية والمعارضه,فقد انتشرت في هذا الشارع أواسط التسعينات ظاهرة الإقبال على الكتب الممنوعة بصورة سرية , وتشكلت خلايا عفوية من البائعين وبمساندة المثقفين من الوطنيين لترويج تلك الكتب أو إعارتها وقد أدرك النظام البائد هذه الحقيقة ولكن السرية التامة التي كانت تتم فيها و شجاعة واصرار المثقفين هي التي حالت دون قدرة النظام على اكتشافها , ولكن النظام البائد لم يقف مكتوف الأيدي إزاء ظاهرة إشاعة الثقافة المعارضة فزج بكل الكتب التي تحمل أفكاراً ظلاميةً متخلفةً قادمة من القرون الوسطى يبيعها أشخاص محسوبين على النظام أو وكلاء له فمنهم بلحى ومنهم بأثواب قصيرة ومنهم من هذا وذاك , ولكن مريدو هذا الشارع العتيد كانوا يدركون مايجري فيه من ألاعيب السلطة الدكتاتورية , فأفشلوا مسعاها بوعيهم وثقافتهم . وبعد سقوط النظام البائد انفتح هذا الشارع على مصراعيه لكل الأفكار المتنورة والتقدمية وعادت المكتبات تزخر بكل الكتب التي تحمل أفكارا علمية وفكرية رصينة ولم يعد هناك حاجز يحول دون الحصول على مايبتغيه المثقف , وعاد الأحبة يلتقون هذه المرة ليتداولوا أفكارهم بحرية تامة و وعادت مقهى الشابندر التي تحملت وزرا كبيرا ومعاناة طويلة والتي احتضنت رواد شارع المتنبي بحب وعطف , عادت لتزيد هذا الشارع رونقا وطراوة ,ومابرحت في أن تعود كمنتدىً أدبياً وفنياً وعلمياً للمثقفين , ولكن شهر العسل هذا لم يدم طويلا , فقد طال الإرهاب الأسود هذا الشارع الرائع وضربت قنابل الإرهاب بعض شواخصه وأضرمت فيه الحرائق المفتعلة, للاشيء إلا من أجل قتل المتنبي مرة ثانية.
ثم جاءت الحكومة الحالية لتشّيع هذا الصرح الثقافي الرائع إلى مثواه الأخير ولتغلق آخر نافذة يطل منها المثقفون والوطنيون العراقيون إلى عالم المعرفة والعلم والأدب ,وذلك بإعلان منع التجوال أيام الجمع ,فأضحى هذا الشارع البديع في أيام الجمع قفرا يبابا تنعق فيه الغربان وتتراكم حوله تلال القمامة , ترى هل أن رواد هذا الشارع هم الذين يحرضون على الحرب الطائفية أم أنها سلوك رواد الجوامع والصوامع والتكيات ؟.
من يتأمل شارع المتنبي تأملا روحيا صادقا سيدرك أنه شارع طاهر كريم حفي بكل ما هو خير للبلد محب للسلام والنور وليس للحرب والظلام ومن الظلم غلقه تحت اية حجة أو ذريعة وحسبنا هنا قول الشاعر العظيم المتنبي حينما قال/
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدّق مايعتاده من توهــــــــــم ِ
وعادى محبيه بقول عداتـــــــــــه وأصبح في ليلٍ من الشك مظلم ِ
وأنني هنا أدعو كل المثقفين العراقيين من الوطنيين والتقدميين سواءً كانوا في الداخل أم في الخارج بان يتضامنوا ويتضافروا لكي يضغطوا على الحكومة لتعيد النظر بقرارها بمنع التجوال أيام الجمع ولتتخذ كل ماتراه مناسبا لمنع رواد الجوامع من إثارة الفتن والإحن والقتل والتفخيخ , أما رواد شارع المتنبي شيبا وشبابا وأمثالهم فهم بعيدون عن لغة الدم والموت لأنهم ينشدون للحياة والمحبة ,وليس للموت والدمار, .
أن بعض المثقفين من رواد شارع المتنبي يشككون بنوايا الحكومة الحالية بصدد منع التجوال أيام الجمع واعتبروا ذلك انه لم يكن الا بقصد استهداف الحياة الثقافية في العراق ومحاولة تحجيمها وحرفها عن مسارها الحقيقي وبدعم من بعض الأحزاب والتيارات المتخلفة والتي لاتؤمن بغير لغة القتل والتفجير والتفخيخ ,وذبح الناس على الهوية ولا نستثني أحدا منهم .
أيها المثقفون
أيها الوطنيون
لاتدعوا المتنبي يُقتل مرتين
#عماد_الدين_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟