اسرائيل: حذار’’ البيت يحترق’’ رينية باكمان -ترجمة واعداد : فؤاد الصفار

فؤاد الصفار

الحوار المتمدن-العدد: 7544 - 2023 / 3 / 8 - 16:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تعرضت بلدة حوارة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة لهجوم من قبل عشرات المستوطنين الإسرائيليين ،بعد مقتل اثنين منهم بنيران فلسطينية، وصفته الحكومة الاسرائيلية ’’ هجوم ارهابي فلسطيني’’ وتأتي هذه الاشتباكات في اعقاب الغارة التي شنها الجيش الاسرائيلي في 22 شباط 2023 ، على مدينة نابلس والتي خلفت 11 قتيلا ونحو 100 جريح . بعدها دعت السلطات الاسرائيلية الى الهدوء ، كما عقد خلال الاسبوع اجتماع في العقبة ، مسؤولون اردنيون ، مصريون ، اسرائيليون ، فلسطينيون، وامريكيون من اجل وقف التصعيد على الارض ومنع المزيد من العنف ,
قبل التصعيد بأسبوع ، موقع ميديا بار ، اجرى مقابلة مع المؤرخ الاسرائيلي دنيال بلاتمان ، استاذ في الجامعة العبرية في القدس والمتخصص في النازية والابادة الجماعية ، يرى ان المشاريع السياسية لرئيس وزراء اسرائيل تذكر بنهاية جمهورية فايمار*، الامر الذي يمكن ان يؤدي حسب قوله الى حرب اهلية .
ميديا بار: ذكرت مؤخرا ان الازمة السياسية الحالية في اسرائيل تذكرك بالمانيا عام 1933، لديك ما يدعو للقلق ؟
بلاتمان : لنكن واضحين ، انني لا اقارن الايديولوجيات بل العمليات السياسية في المانيا ، ما حدث بعد وصول هتلر الى السلطة عام 1933، كان نوعا من الثورة التي لم تستغرق سوى بضعة اشهر، تم اشعال النار في الرايخستاغ، اصدر البرلمان قوانين غيرت نظام الحكم وشلت المعارضة ومنعتها من التصرف وحتى الوجود.
اسرائيل بعد شهرين من الانتخابات ، بدأت حكومة نتنياهو ، من خلال الكنيست التي يسيطر عليها ائتلافه ، بالتغيرات التي تم تقديمها كإصلاحات، ولكنها في الحقيقة تغير طبيعة النظام، بل تهدد وجود النظام الديمقراطي ذاته ، هذا بالضبط ما حدث في المانيا، وتتمثل العملية في اضعاف النظام بأسرع ما يمكن ، دون اعطاء فرصة للمعارضة من اجل مناقشة هذه الاصلاحات واقتراح تسويات، اولئك الذين يقودون هذه الاصلاحات في اسرائيل هم متطرفون، انا لا اقول انهم نازيون ، انا اتحدث عن يهود ووزراء اسرائيليين ، ولكن اذا كان رجال مثل سموتريتش (وزير المالية) او باريف ليفين(وزير العدل)، يقودون احزاب سياسية اليوم في أوربا او أي دولة ديمقراطية ، فسيتم اعتبارهم نازيين جدد، انهم ليسوا يمينا متطرفا بل ابعد من ذلك بكثير، انا اصر على انهم نازيون جدد، قيل لي ان ما يتم تخميره في اسرائيل سيكون مشابها لما هو اليوم في المجر او بولندا ، هذا خطا، انه اسوا بكثير ، نحن في الواقع اقرب الى تركيا ودعنا نقول بين تركيا وايران .
يريد نتنياهو ان يمنح هذه الحكومة القوة التي يستطيع ان يسيطر على كل شئ ، دولة المجر على سبيل المثال، لا تزال تنتمي الى الاتحاد الاوربي ، ويدرك قادتها انهم اذا ذهبوا بعيدا، فانهم سوف يفقدون المساعدات التي تقدمها لهم بروكسل، لذا يجعلهم يفكرون قبل اتخاذ اى قرار، اسرائيل ليس لديها هذه القيود وهى بالتالي تستطيع الذهاب بعيدا، اسرائيل دولة بلا دستور، دولة تواصل اختلالها العسكري دون عقاب لأكثر من ستين سنة ،دولة تم فيها اغتيال سياسي والضحية كان رئيس وزراء.
ممكن ان يتدهور الوضع في ظل ظروف لم نعرفها في التاريخ القصير لهذا البلد ، لهذا اجريت المقارنة مع المانيا عام 1933، اذا نجحت الحكومة في فرض ما تسميه اصلاح النظام القضائي ، فسنكون في واقع جديد.
هذا لأقول ؟
اليوم ، لا احد يستطيع ان يقول ، اذا حقق نتنياهو وائتلافه هدفهم ، فسيتم التحكم الشامل في النظام القضائي من قبل الحكومة والتي ستختار وتعين القضاة ليس فقط في المحكمة العليا ولكن للنظام القضائي بأكمله ، ميزان القوى بين السلطة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية سيكون قد مات ، سنكون قد دخلنا في ديكتاتورية ، لن يكون للمواطنين أي وسيلة للدفاع عن انفسهم ضد السلطة، سواء كان الامر يتعلق بحقوقهم المدنية او حماية ممتلكاتهم او حقهم في المعارضة السياسية ،من سيحمي هذه الحكومة فقد الداعمين لها، وهذا ما يمكن ان يحدث لنا.
نتنياهو سياسي شعبوي ، وهذا ليس بجديد، كان هناك قادة شعبويون اخرون في اسرائيل واماكن اخرى من العالم ، حتى في أوربا ولكن ما يفعله نتنياهو من خلال ادانته للمعارضة والنخب السياسية ، يعني عبور الجسر الذي سيقربه اكثر من ان يصبح زعيما فاشيا ، اعتقد انه يدرك ذلك ، لأنه ليس غبيا انه ذكي جدا ولكن لا اعلم ما اذا كان يدرك انه يقود البلاد نحو مخاطر لا مثيل لها من قبل، انا لا اتحدث عن المخاطر السابقة عامي 67 و 73، انا متردد حتى في النطق بعبارة ’’ حرب اهلية’’ ولكنها قد تكون من هذا القبيل .
ميديا بار : منذ ما يقرب من شهرين ، هناك مظاهرات شعبية كل اسبوع لعدة عشرات الالاف من الناس ، نداءات في الصحافة من المثقفين والاقتصادين والضباط الذين يحتجون ويحذرون من مشاريع الحكومة، هل هذا الرفض الكبير ’’ للإصلاحات’’ التي اقترحتها الحكومة من دفها الى التراجع ؟
بلاتمان : انظر الى الاحتجاجات ، من هم الاشخاص الذين يتظاهرون كل اسبوع مئات الالاف ، الغالبية العظمى منهم لم يشاركوا في السياسة لحد الان ولم يتظاهروا في حياتهم ضد الحكومة ، غالبيتهم من الطبقة الوسطى ، مثقفون، سابقا كانوا يهتمون بوظائفهم وحياتهم الخاصة، لقد تم تسيسهم بسرعة لا تصدق ... لماذا ؟ لانهم فهموا ان المنزل يحترق، من الواضح ان هذه المظاهرات ضرورية لإظهار نتنياهو ان الجميع لا يتفقون معه وان الذين يرفضون إصلاحاته يتزايد عددهم كل يوم . ولنفس الاسباب لا أومن كثيرا بالدعوات الى الحوار ، الدعوات التي صدقها الرئيس هرتسرغ ، ما هو الحوار الذي نتحدث عنه ، وعن ماذا نتحدث، لا يوجد شئ على الطاولة من شانه ان يفتح الحوار، هل سنناقش 50% دكتاتورية، ام 25% دكتاتورية ، السؤال ليس هنا ، انها صريحة ،هل تريد عدالة مستقلة ؟ هل تريد سلطة تتحكم فيها الضوابط والتوازنات ؟ ها تريد مؤسسات ديمقراطية ، نعم ام لا ؟
كمؤرخ ، اعلم ان تدمير الديمقراطية أمر سهل للغاية
لأكون صريحا ،انا لا أومن مطلقا بحسن نية السياسيين الذين اقترحوا هذه الاصلاحات سواء كان وزير العدل (ياريف ليفين) او رئيس لجنة الكنيست هو المسؤول عن اعداد نص القانون والذي سيرفع الى النواب، لا اعلم ماذا سيحدث ، ما اعرفه في حالة عدم وجود حل في القريب العاجل لضمان استقلال العدالة ، فسيكون ذلك بداية النهاية لإسرائيل . هذا لا يعني ان الدولة ستختفي من على وجه الارض ، ولكن سيكون الوضع شديد الخطورة ، هناك اشخاص يبحثون عن دول اخرى من اجل اعالة اسرهم ، نحن نعلم اذا دخلت اصلاحات نتنياهو حيز التنفيذ ، فسنجد جامعاتنا صعوبة في العثور على اموال في الخارج لتمكينها من العمل، وسيسعى المستثمرون الى استثمار في دول اخرى اكثر امانا من الناحية القانونية.
ميديا بار : قبل فترة ارسل جو بايدن رسالة الى نتنياهو عبر وزير خارجيته ،بلنيكن، يؤكد على التحالف بينهما وان هذا التحالف يقوم على اساس انهما ديمقراطيتان تقوم على نفس المبادئ، هل تعتقد انه فهم التحذير ؟
بلاتمان : بالتأكيد، انها تقيس دون شك اهمية المساعدات العسكرية والدبلوماسية والمالية التي تقدمها واشنطن، ولكني اعلم ايضا ان تصرفات رؤساء الدول الاجنبية تتحدث بصوت اعلى من اقوالهم، ومن وجهة النظر هذه ، فاءن قرار بايدن بعدم استقبال نتنياهو في البيت الابيض هو عمل سياسي بليغ للغاية، من ناحية اخرى كان قرار الرئيس الفرنسي ماكرون بدعوة نتنياهو على العشاء ،تصرف غبي ، كما انه الرئيس الوحيد الذي فعل ذلك.
ميديا بار : ماذا يمكن ان يحدث في الاشهر القليلة القادمة ؟
بلاتمان : بعد حوالي شهر ونصف ، ستعلق الكنيست اعمالها بمناسبة عيد الفصح، اذا لم يتم العثور على حلول في ذلك الوقت لتقليل التوترات الموجودة اليوم ،فأننا نجازف بدخول فترة من العنف الداخلي لم تعرفها اسرائيل من قبل .
ميديا بار: كيف تفسر وجود اسرائيل ؟ على وشك المواجهة بين اولئك الذين يؤيدون نتنياهو والذين انتخبوهم، وهذا يعني ان اغلبية من الاسرائيليين على نحو متزايد على اليمين، حتى في اقصى اليمين، واقلية ترفض هذا التحول.
بلاتمان : التحول الى اليمين هو نتيجة لعملية طويلة لا سباب متعددة ، الاول هو الاحتلال للأراضي الفلسطينية ، لقد ساهمت مقاومة الفلسطينيين ، الانتفاضة الاولى والثانية ومختلف اشكال العنف ، كشفت تنامي عدم التسامح داخل المجتمع الاسرائيلي تجاه الفلسطينيين ،وكذلك تجاه العرب الإسرائيليين (المواطنين الفلسطينيين داخل اسرائيل) اضافة الى عنصر اساسي هو الوزن المتزايد للدين ، على عكس معظم المجتمعات الاوربية ، اصبح المجتمع الاسرائيلي متدينا بشكل متزايد، حتى الاشخاص الذين لا يذهبون الى امكان الصلاة (الكنيست) ،اصبحوا اكثر تدينا، فهو يتوافق مع مسألة الهوية اليهودية العلمانية ، أن تكون اسرائيليا، اليهودية هي الان القيمة المهيمنة للهوية الاسرائيلية ، الديمقراطية ثانوية، لهذا السبب لا يمكن للإسرائيل أن تكون ’’ دولة يهودية ديمقراطية’’ يمكن أن تكون احدهما او الاخر وليس كليهما، هذه هي المشكلة الكاملة ’’ القانون الاساسي’’ الذي يعلن اسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي الذي تبناه الكنيست في 19 يوليو 2018.
ميديا بار : ماذا يمكن أن تكون العواقب بالنسبة للفلسطينيين من التحول الاستبدادي في النظام الإسرائيلي ؟
بلاتمان: من الواضح انه اذا اصبحت اسرائيل الدولة الاستبدادية الدكتاتورية التي يحلم بها نتنياهو، فسيكون الفلسطينيون من بين اول من يعاني ، انا لا أؤمن بضم رسمي للضفة الغربية او اقامة نظام فصل عنصري، فالضغط الدولي من المحتمل ان يثني نتنياهو ، الذي لا يريد ان يفقد الدعم الاساسي للويلات المتحدة الامريكية ، ولكن يمكننا أن نرى تضاعف ’ الامر الواقع على الارض’ مع زيادة حادة في البناء في المستوطنات وهدم المباني و مصادرة الاراضي في الضفة الغربية ، با لاضافة الى ذلك لا استبعد الحظر على الاحزاب العربية المنتخبة لاعضائها في الكنيست .
ميديا بار: منذ قيام دولة اسرائيل عام 1948، هل مرت الدولة بأزمة مماثلة؟
بلاتمان : لا، اسرائيل ، كما يعلم الجميع ، مرت بأيام صعبة ، الازمات السياسية والصرعات المسلحة مع جيرانها ، ولكن ما يهددنا اليوم هو خطر مميت لم نواجه من قبل ، الحرب الاهلية، اكرر الانتباه الخطر عاي بابنا :
• جمهورية فايمار : الجمهورية التي نشأت بعد الحرب العالمية الاولى 1919-1933، كنتيجة لهذه الحرب، سميت باسم المدينة الواقعة في وسط المانيا، اجتمع فيها ممثلو الشعب لصياغة الدستور الجديد للجمهورية حتى 1933، حيث سيطر هتلر على السلطة ، واعتبرها المؤرخون نهاية جمهورية فايمار
.

#فؤاد_الصفار (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات