أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد المعالي - المثقف العربي: سيرة قصيرة















المزيد.....

المثقف العربي: سيرة قصيرة


خالد المعالي

الحوار المتمدن-العدد: 1704 - 2006 / 10 / 15 - 10:24
المحور: الادب والفن
    


في الثمانينيات من القرن الماضي فاجأني صديقي، كاتب يساري وعلماني ومعارض سوري مقيم بباريس وهو يبدي اعجابه بحركة حزب الله الوليدة آنذاك، هو الذي كانت حياته الشخصية ضحية لأفكار دينية تعصبية كالتي يبشر بها حزب الله.. فهذا الحزب الديني المتعصب وغير المخفية علاقته بحكومتي ايران وسوريا، دشن سيرته في محاصرة المخيمات اللاجئين الفلسطينين الأمر الذي دفع الأخيرين إلى أن يأكلوا حتى القطط... وساهم في اغتيال شخصيات فكرية من أصول شيعية ابرزها حسين مروة (1908-1987) حيث تم ذبحه وهو في خريف عمره...
في البداية حسبت اعجاب صديقي هذا مجرد نقطة ضعف عابرة، ذلك أن حزب الله يقصف أحيانا الشريط الحدودي المحتل آنذاك من قبل اسرائيل، وأحيانا تصل صواريخه الى الجليل في شمال اسرائيل.. وهذا أمر بطولي من وجهة نظر الشارع العربي، لكنه بالنسبة للمثقف لعبة سياسية واضحة ومفضوحة رغم الغموض الذي يكتنف عملية التطور في المجتمعات العربية.
لم اصطدم بمواقف هذا الصديق بشكل جذري إلا خلال أزمة الكويت عام 1990، حيث لم يعد بمستطاعه اخفاء فرحه باحتلال صدام حسين للكويت، آنذاك بدت لي فكاهة علمانيته ويساريته التي كانت قد أبرزت اطرافها الإسلاموية فيما سبق وها هي تبرز مسوحها العروبية.. وتأكد لي الأمر أكثر وأكثر حينما دفعته نتائج مغامرة صدام حسين في الكويت إلى النشاط في مجال حقوق الإنسان (كان نشاطه السابق في هذا المضمار محدوداً وفي إطار حقوق المرأة وقضايا الإسلام) وبتمويل من مؤسسات أوروبية أضحى صاحبنا يحاول انجاز عمله البطولي هذا وأخذت نشرة حقوق الانسان التي يصدرها بواسطة التمويل المذكور أعلاه تصلني لمدة عشرة أعوام كاملة، لم يُنشر فيها حرف واحد عن صدام حسين وجرائمة البشعة، وبالطبع لا حرف فيها ينال من سياسة حزب الله تجاه المرأة.. بل وجدناه على العكس على علاقات ودّ مع أحزاب سياسية عربية معادية للحقوق المدنية كالأخوان المسلمين...
يمكننا بالطبع تصوّر فرحه وذهوله حينما رأى برجي التجارة وهما يتهاويان، بل أعجابه الداخلي العميق ببن لادن الذي حسب رأيه دكّ أمريكا في عقر دارها... وبالتالي فقد بزّ حزب الله وصواريخه الساذجة... فقد كان طيلة الفترة الماضية باحثاً دؤوباً عن التبريرات لكل من يقوم بعملية إرهابية من الإسلاميين. أي ذات المبدأ العصبي العربي القديم وهو الوقوف وقفة رجل واحد بوجه الأعداء.
ولهذا لن يكون أمراً غريباً أن يكون ضيفاً دائماً في قناة الجزيرة وفي برامجها الأكثر تهويشية، مردداً ما تقتضيه المرحلة منه حول النظام السوري وحقوق الانسان هنا أو هناك، فرحاً بهذا الإنجاز.. وأكثر نراه بعد أعوام، وهو يعود إلى دمشق وفي استقباله ضابط اتصال من المخابرات (لكي لا يعود إلى وطنه على ظهر دبابة أمريكية، هكذا برّر التبدّل في المواقف)... فاللغة لديه مجانيّة، وكلامه كلام مناسبة لا إعمال فكر وتمعن.
تصلح هذه السيرة وهذا الأداء للغالبية العظمى من المثقفين العرب.. واذا كان هذا الزميل المزعوم يحاول أن يخفي بسذاجة مشاعره الوطنية والدينية، بل تعصبه خلف ستار اليسارية أو العلمانية.. إلا أنها لدى الآخرين الذين يدفعهم طموحهم الكبير إلى الحربقة تتخذ مسوح الإزدواجية الكاملة، ومن النادر هنا أن نجد استثناءات يمكن ابرازها في هذا الشأن.
فهو لا يسعى إلى اخفاء قناعاته الحقيقية أمام مواطنيه، بل هو يبالغ في إعلاء شأنها أمام الملأ وكأنه كلب الحراسة الأوحد وهدفه أن يُعترف له بهذا الشرف، لكنه يريد أن نشتري منه في اللغة الأخرى قناعاته الأخرى، المضادة تماماً لتلك المعلنة حتى تتغنى بها الجماهير الأبية.
يشكو المثقف العربي دائما من ازدواجية المعايير في أوربا وأمريكا فيما يخص مشاكل الشرق الأوسط، فيما يخص فلسطين والإسلام... وهو شأنه شأن الأب المتسلط، يريد أن يخفي كل ما يتعلّق بالشأن الداخلي لعائلته، لكي تبدو من الخارج متماسكة وتليق بالصورة التي يُريد هذا الأب أن تكون له ولعائلته، لا الصورة التي ينطق بها الواقع بقسوة!
لهذا تراه بخصوص القضايا التي تحظى بالشهرة والانتشار، أي القضايا التي يمكن تسميتها بالقضايا الكبرى، كقضية التطبيع مع اسرائيل، سلمان رشدي، اسقاط صدام حسين، رسوم الكاريكاتور الدنماركية وحرب لبنان الأخيرة، فهو سيكون في خضم المعمان، مثل الناعية وسط المعزّين.
تراه يدلي في أحاديثه الخاصة بآراء مختلفة تماماً، بل يمكن القول أنها معاكسة تماماً لما سنراه في اليوم التالي في الجريدة! وتكون حدّة هذه المواقف حسب الموضوع أو حسب شيوعها بين الجمهور، فهو لا يقوم بالتفكير بنفسه، فكلامه مرتّب وموظّب كاستراتيجي مصلحة، داخله فارغ وخيالهُ أرض موات.
ولكي لا يبقى كلامنا مجرّداً، أعرض هنا لنماذج من هذه المجموعة السعيدة من نافخي الأبواق العرب.. من المستميتين على الشهرة والإنتشار.
الأول هو الروائي المصري جمال الغيطاني، محرر جريدة "أخبار الأدب" الاسبوعية، فهذا الروائي لم تثره المجازر الوحشية في رواندا، دارفور بالسودان أو في العراق، لكنه يرفع عقيرته مطالباً بمقاطعة أشد للدنمارك، وحسبه، فان الإعتذار الذي قدمه الدنماركيون بسبب رسوم الكاريكاتور جاء نتيجة حرصهم على تصريف الجبنة الهولندية التي تضرر بسبب المقاطعة، وليس احتراما أو التزاماً بمبدأ، (أخبار الأدب 5 فبراير 2006) وهذا السيد الذي يتحدّث هنا عن المبادئ، صاحب كتاب دعائي نشرته له وزارة الإعلام العراقية عام 1974، ووزعته بالآف النسخ، وما هو إلا مديح مدفوع الثمن للجيش العراقي (وبالتفاصيل يصف لنا ساهم الجيش الجبار في تدمير قرى الأكراد في الشمال العراقي..)

نموذج آخر من ذات الطينة ولكنه أكثر حذقاً وشهرة وهو الشاعر أدونيس الذي يُطرح في الغرب كشاعر سوري منفي وضد الأصولية وناقد ناقم على الأوضاع العربية البائسة وهو عكس هذا تماما.لم يترك موجة عارمة إلا وركبها، حيث تهيج العامة فترى أن موقفه ليس إلا موقفها، فحينما مات البكباشي جمال عبد الناصر عام 1970 وبكته الجماهير العربية، بكاه أدونيس بقصيدة، وحينما نجحت ثورة الخميني ضد شاه ايران عام 1978 حيّا ثورته بقصيدة موزونة يقول فيها:
أفقُ ثورةٌ، والطغاة شتات
كيف أروي لايران حبّي
والذي في زفيري
والذي في شهيقي تعجز عن قوله الكلمات؟
سأغنّي لقمّ لكي تتحول في صبواتي
نار عصف، تطوّف حول الخليج
وأقول: المدى، والنشيج
أرضي العربية – ها رعدها يتعالى
صاعقاً خالقاً
وحريقا
يرسم المشرق الجديد، ويتسشرف الطريقا.
شعب ايران يكتب للشرق فاتحة الممكنات
شعب ايران يكتب للغرب:
وجهك يا غرب ينهار
وجهك يا غرب مات
شعب ايران شرق تأصل في أرضنا، ونبيّ
انه رفضنا المؤسّس، ميثاقنا العربي.
ورثى بغداد صدام حسين قبيل سقوطها على يد الأمريكان بقصيدة موزونة (31/3/2003)، دون أن تعرف له موقف إدانة واحد للمذابح ارتكبها ويرتكبها النظام السوري ضد مواطنيه، فهو على تناغم مع مواقف هذا النظام ويستطيع استقبال اصدقائه في بيته هناك حينما يزور سوريا بسقيفته التي تتدلى منها ثمار العنب والتي لم يذق مثلها عباس بيضون في حياته كما كتب في جريدة السفير. ولكي نعطي صورة عن الخلطة الفكرية التي يعرضها هذا الكاتب العربي المعروف جدا، فهو مثلاً يضع ضمن مجموعة مختارات أعدها بالاشتراك مع زوجته خالدة سعيد، عن النهضة العربية، كتاباً عن مؤسس المذهب الاسلامي المتعصب: الوهابية، محمد بن عبد الوهاب، باعتباره واحداً من روّاد النهضة العربية، والمعروف أن هذا المذهب هو ذاته الذي يدين به بن لادن وتحت تأثيره تقع الغالبية العظمى من المنظمات الاسلاموية التي طريقها الإرهاب وقطع الرؤوس... وقبل فترة نقرأ له التصريح التالي في "الأهرام العربي 24/6/2006" حول سؤال: أتشهد بالشهادتين؟ نعم لا إله إلا الله محمد رسول الله عشرات المرات".
أما النموذج الأخير فهو الشاعر والصحافي اللبناني عباس بيضون، المحرر الثقافي لجريدة السفير اللبنانية والذي اهتمت بعض الصحف الألمانية في الفترة الأخيرة بالترويج له.. فترى مقالته التي تنشرها الصحيفة الألمانية لا تنشرها الجريدة العربية، كذلك فان محتواها مختلف تماماً عن محتوى المقالة التي ينشرها بالعربية، وكأن الكاتب العربي هنا ينفخ في بوقين مختلفين لكي يرقص على لحنه هذا هنا وذاك هناك. فهو يكتب في الجريدة الألمانية منتقداً موقف حزب الله ويشبه حربه وخطفه للجنديين الاسرائيلية بعملية انقلاب عسكرية، وبأن غالبية اللبنانيين مع السلام والديمقراطية والاستقرار وضد موقف حزب الله، ويكرر نفس المحتوى في الجريدة الأخرى، لكنك تقرأ له في جريدة السفير (28/7/2006) التالي: هذه المرة، هذه المرة، الذين اتهموهم والذين لاموهم هناك أو هناك يقفون احتراماً لهم.. أيا كانت سياسة العربي أو اللبناني فإن له في حرب الجنوب ديناً خاصاً يستوفيه، تصحيحاً لشيء في ذاكرته، تعويضاً عن احباط، مسحاً لخجل. أيا كانت سياسته فإنه لن يكون بعد الآن مسخرة الأمم.. عليهم أن يبصروا الآن فقط ما يجري وأن يأخذوا حصتهم منه، أن يتنفسوه أولاً... والخ من الهذر الوطني الفارغ وكأنه هنا يبجل قصيدة أدونيس المناسباتية حول انتصار الخميني من خلال حزب الله بالتعاون مع سوريا...

هذا اللف والدوران تجده شائع في كل صحافة العالم العربي الفكرية والثقافية منها بشكل خاص.. فحصيلة الكلام المنشور تتحكم به اخلاقية النافخ في البوقين، في بعض البلدان العربية التي تتحكم الدولة في الصحافة فهي التي تضع البوقين تحت التصرف وتقدم النوطة الموسيقية المطلوبة، لكنها وكما في حال جريدة مثل "القدس العربي" التي تصدر بلندن فهي بلسان حال رئيس تحريرها وبتوجهها اسلاموية عروبية شبه بن لادنية لكنها حينما يتقدّم أو يُقدّم رئيس تحريرها المعلن عبد الباري عطوان باللغة الانكليزية أو الألمانية ليبرالية مستقلة لا تقبض من أحد.
أخلاقية الكاتب العربي اليوم هي ليست اخلاقية الكاتب الذي يتأمل واقعه، يستقصي زواياه، حالاته، انها شخصية الدكتور المزوّر الذي يتصور بأن مجرد مسوح الطبيب هي التي تجعل المريض يتعافى، ومن يريد أن يكون شخصاً آخر ليحاول وسوف يتم عزله بسرعة ويقصى بعيداً عن قطعان المثقفين العرب السارحة اليوم في ريع سلطات لا تحترم مجتمعاتها وعلى حساب مبخرين لها في البلدان الغربية.
المتلقي الأول لأفكار الكاتب العربي هو ناشره (ان كان أصلا من اللذين يجيدون القراءة)، وبعضهم يعتبر نفسه ناشراً علمانيا، مناصراً للحرية الفردية وللمجتمع المدني... ولحقوق الإنسان بالطبع! بعيد شهرين من حادثة 11 سبتمبر وخلال معرض عربي للكتاب وصلتنا أثناء الدوام في المعرض اشاعة اصطدام طائرة ايطالية بعمارة في ايطاليا... شيء يبدو لأول وهلة وكأنه 11 سبتمبر ثانية، الأمر الذي جعل هؤلاء الناشرين يهتفون بصوت عال: الله أكبر، الله أكبر، تهليلاً وتكبيرا لهذه العملية المزعومة.
الغريب أن هؤلاء، ناشرين كانوا أو كتاباً هم الضيوف الدائمون في حلقات الحوار العربي الأوروبي...



#خالد_المعالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد المعالي - المثقف العربي: سيرة قصيرة