أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - ماري بنيلد - قبل ثمانية أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية: أوليغارشيا الإعلام تتوّج ساركوزي سلفًا















المزيد.....



قبل ثمانية أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية: أوليغارشيا الإعلام تتوّج ساركوزي سلفًا


ماري بنيلد

الحوار المتمدن-العدد: 1685 - 2006 / 9 / 26 - 09:57
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


استنادًا إلى استقصاءات رأي غير ذي مصداقية وأشهرٍ عدّة قبل الاستحقاق، قدّمت وسائل الإعلام الفرنسية الرئيسية الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة القادمة في ربيع السنة المقبلة على أنّها محسومة سلفًا: إذ ستكون المواجهة في المرحلة الثانية بين السيد نيكولا ساركوزي وبين السيّدة سيغولين روايال. وفي حين يستفيد الاثنان من شخصنة الانتخابات، يبقى لدى السيّد ساركوزي ميّزة خاصّة لم يحظَ بها أبدًا أيّ مرشّحٍ قبله وهي دعمِ مالكي وسائل الإعلام.

مع الخسارة بفارقٍ بسيط التي لحقتْ بالسيّد سيلفيو برلوسكوني في نيسان/ابريل 2006، تلقّى النظام القبلي الايطالي ضربةً بعد أن بدا مصمّمًا على السيطرة على الرأي العام، بفضل مزيجٍ من التسويق السياسي والمصالح المتشابكة مع الصحافة والنشر، والهيمنة المباشرة أو غير المباشرة على الإعلام المرئي والمسموع. وبالطبع كان قد تأكّد قبل عام، بمناسبة الإستفتاء على معاهدة الدستور الأوروبي، أنه لا يكفي احتلال الحيّز الإعلامي احتلالا شبه كامل من أجل إقناع غالبيّة المواطنين. بيد أنّ المعركة الرئاسية القادمة، في ربيع 2007، ستسمح، بالرغم من كل شيء، بتقديم البرهان حول النتائج التي يمكن تحقيقها من جرّاء المثابرة في عمليّة تطويع هذا الإعلام. ألمْ يفسِّر البعض على هذا النحو إعادة إنتخاب جاك شيراك على رأس الدولة عام 2002، على خلفيّة حملة إعلاميّة إتّخذتْ من انعدام الاستقرار الأمني موضوعًا رئيسًا لها؟
في كلّ حال، العدّة جاهزة لتشجيع تطويب السيّد نيكولا ساركوزي رئيسًا في الأليزيه. فرئيس أكبر حزبٍ يميني، "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية"، ووزير الداخلية ورئيس المجلس العام لمقاطعة السين العليا وهي الأغنى في فرنسا، قد سعى منذ عشرين عامًا لبناء شبكة نفوذٍ له داخل وسائل الإعلام، في خدمة طموحاته العليا. وكانت هذه الشبكة قد برهنتْ فعّاليتها مرّةً جديدة في صيف 2006. فمع صدور كتاب ساركوزي الجديد في تموز/يوليو، "شهادة" (Temoignage, XO Paris)، سارعتْ مجلّة "لوبوان" (وللمرّة الثالثة خلال أربعة أشهر) لتخصيص غلافها لساركوزي مبتسمًا وأجرى معه جان بيار الكاباش - من بين أمثلة أخرى - حوارًا سخيفًا بطابعه الإطرائيّ على إذاعة "أوروبا 1". ففي نظر الصحافي المُحاوِر ومدير الإذاعة الخاصّة المملوكة من مجموعة "لاغاردير" - التي تضمّ أيضًا "باري ماتش"، "لو جورنال دو ديمانش" Le Journal du Dimanche و"هي" Elle - يتميّز السيّد ساركوزي برفضه "للانصياع". وتلك فضيلةٌ مُحبّبة لدى السيّد أرنو لاغاردير وجان بيار الكاباش هو أحد مستشاريه. ففي حزيران/يونيو 2006، جاء طرد ألان جينيستار، مدير مجلة "باري ماتش"، لأنه تجرّأ ونشر صورة لزوجة رئيس حزب "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية" مع صديقها في حينه، ليبرهن عن حدود عدم الإنصياع المسموح بها لوسائل الإعلام التابعة للمجموعة. مدير صحيفةٍ يُعفى من مهامّه إكرامًا لرجل سياسيّ؟. منذ زمنٍ طويل، لم يبرهن الإعلام عن هذا القدر من التبعيّة إزاء السلطة السياسية...
إنها نتيجة عملٍ دؤوب وطويل قام به مرشّح "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية"، توصّلا للتقرّب من كبار مالكي وسائل الإعلام. فالسيّد ساركوزي يملك عددًا كبيرًا من الصداقات النافذة في الصحافة والإعلام المرئي والمسموع. ومنهم المقرَّبون، أمثال السيّد مارتن بويغ المُساهم في TF1 وعرّاب ابنه أو السيّد برنار أرنو (La Tribune, Investir, Radio Classique) الذي زوّج ابنته في حضور السيّد ساركوزي. والسيّدان بويغ وأرنو من سكّان "نويي" وكانا شاهديْن على زواج رئيس بلديّة المدينة...
رفاق دربٍ ... يمكن إعادة استخدامهم
ترسّخت الصداقات بفضل هذه العلاقات المهنية. فالسيّد لاغاردير مدينٌ مثلا لنيكولا ساركوزي، عام 2004، بالتوصّل إلى حلّ حول نزاع الميراث مع حماته "بيتي"، وذلك عندما كان الرجل السياسي ومحامي الأعمال السابق وزيرًا للاقتصاد والمال والصناعة، وله بالتالي السلطة على إدارة الضرائب. ويُنسب إلى الوزير، عند تعيينه في برسي (وزارة المال) أنّه قال: "نوقّع له على ورقة الضرائب الخاصّة به وننتقل إلى أمورٍ أخرى" [1]. وكان لاغاردير، المُتوفّي عام 2003، قد قدّرَ خير تقدير، عند إفلاس المحطة الخامسة عام 1992، النصائح التي قدّمها له الشريك في مكتب المحاماة كلود - ساركوزي.
في نيسان/ابريل 2005، كان رئيس "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية" ضيف شرفٍ على منتدى مجموعة لاغاردير في دوفيل. وعرّف عنه وريث عائلة أرنو "ليس كصديق بل كأخ". وبعد شهرٍ من الزمن، أظهر مدير أكبر مجموعة صحافة ونشر في فرنسا صداقته، من خلال المشاركة في تجمّع للسيّد ساركوزي (كان العرّيف فيه الصحافي ميشال فيلد)، لصالح التصويت بـ"نعم" في الإستفتاء على المعاهدة الدستورية الأوروبية. وقد كشف السيّد لاغاردير هذا المساء عن إلتزامه: "عند تسجيل الهدف، أفضّل أن أكون في أرض الملعب وليس في غرفة الملابس" [2]. وحضر هذا الاجتماع الانتخابي أيضًا ستيفان كوربيت، رئيس "انديمول" فرنسا ومنتج برامج مارك اوليفيه فوغييل وكارل زيرو.
ومن جهته، يتذكّر السيّد سيرج داسّو (Le Figaro, Valeurs actuelles) أنّ وزير الداخليّة الحالي سهّل مصاعب إنتقال ورثة والده مرسيل [3]. ولا يجهل أنّ السيّد ساركوزي بات من المقرّبين من ابنه اوليفيه، وهو في كلّ حال نائب في حزب ساركوزي. تتشابك الأدوار أحيانًا: فصديقا العائلة، بويغ وأرنو كانا أيضًا من زبائن مكتب المحاماة. أخيرًا لا يجدر بنا أن ننسى أصدقاء الدرب، عندما يكون الرجل السياسيّ من هواة ركوب الدرّاجات الهوائيّة... ومن بينهم أيضًا بويغ وأرنو، إضافة الى جان كلود ديكو، الرائد العالميّ للإعلانات في المدن، وفرنسوا بينو، صاحب مجلّة "لوبوان"، دون أن ننسى ميشال دروكير مقدّم البرامج الشعبيّ على شاشة فرنسا 2.
لم يأتِ بناء هذه الشبكة من باب المصادفة. ففي العام 1983، عندما وصل إلى رئاسة بلديّة مدينة "نويي" وهو في الثامنة والعشرين من عمره، انصرف ساركوزي سريعًا إلى بناء العلاقات التي من شأنها تشجيع صعوده السياسيّ. فمدينته الأكثر ثراءً في فرنسا تضمّ 2400 شركة، وهناك بالتالي العديد من أرباب العمل مهتمّون بالعلاقة معه كجيران أو كأبناء المنطقة، بصفةٍ شخصيّة أو مهنيّة. وقد أنشأ رئيس البلدية، منذ العام 1985، نادي "نويي للتواصل" ومن أعضائه جيرالد دو روكموريل، رئيس ومدير عام "هاشيت فيليباتشي ميديا"، نيكولا دو تافيرنوست، رئيس محطة "أم 6"، أو أيضًا أرنو دو بويفونتين، صاحب "موندادوري فرنسا" (ثالث منتج للمجلات الاجتماعية). كما حرص السيّد ساركوزي أن يحيط نفسه بأصحاب الإعلانات، أمثال تييري سوسيز، مدير "Image et Strategie"، وفيليب غومون وجان ميشال غودار، وله علاقات أيضًا مع كبار المُعلِنين مثل فيليب شارييز (بروكتر وغامبل) وليندساي اوين - جونز (لوريال).
في تموز/يوليو 1994، أصبح الرئيس الحالي للاتحاد من أجل الحركة الشعبية وزيرًا للاتصالات وللموازنة معًا في حكومة السيّد ادوار بالادور، ممّا حوّله إلى صاحب قرارٍ سياسيّ ومموِّلٍ رسميّ للمجموعات الإعلامية الكبرى من أموال الخزينة... لكنّ موقعه، كناطقٍ رسميّ باسم الحكومة ومن بعدها باسم المرشّح بالادور بين 1993 و1995، هو الذي سمح له بالالتقاء بأشخاصٍ نافذين أمثال آلان مينك - الذي سيكون مستشارًا له بعد عشرة أعوام بمناسبة الاستفتاء الأوروبي - وجان ماري كولومباني، الساعيَيْن إلى ترسيخ وجودهما في صحيفة "لوموند". وقد قام ساركوزي بتنسيق الأفضلية الإعلامية المُعطاة للسيّد بالادور - ومن أنصاره أيضًا السيّد آلان مينك - والترويج بأنّ فوزه محسومًا. واستفاد لهذا الغرض من خدمات منظّم استقصاءات الرأي، جيروم جافريه، مدير عام مؤسّسة "سوفريس" في حينه. ففي 22 آذار/مارس 1995، عنونتْ "لوموند" في صفحتها الأولى: "السيّد والسيّدة شيراك استفادا من بيع أراضٍ في مرفأ باريس". وكانت المعلومات صادرة من إدارة الموازنة برعاية... السيّد ساركوزي.
TF1 شاركت أيضًا في الجوقة [4]. إحدى المقدّمات فيها، كلير شازال، كتبت مديحًا في السيّد بالادور، بينما فتح السيّد بويغ أبواب محطته أمام من بات يُعتبر سلفًا نائبًا لرئيس الوزراء. ويقول أحد المراقبين: "بالنسبة لمارتن (بويغ)، ساركوزي هو نوعٌ من المرشد الفكري، وفي نظر ساركوزي يمثّل مارتن قوّة كبيرة. ثنائيٌّهم هو مؤسسة، بل شركة صغيرة أو متوسّطة. هذا ما يفسّر لماذا تحوّلتْ TF1، خلال انتخابات 1995، إلى تلفزيون بالادور. فبويغ لم يكن يؤدّي الخدمات إلى بالادور بل إلى أحد معاونيه" [5]. وفي تلك الفترة، أُطلق على الوزير الطموح لقب "دارتي" (ماركة الأدوات المنزلية)، بسبب نزعته للظهور على الشاشة قبل نشرة الطقس وبعدها... في تلك الفترة، كان جان لوك مانو مديرًا للأخبار في محطة "فرنسا 2"، فلحقَ بالموجة وسيساهم لاحقًا في هندسة حملة ساركوزي للانتخابات الأوروبية عام 1999. وسيكون الفشل ذريعًا [6].
وكان السيّد ساركوزي قد إختار في العام 1995 المعسكر الخاطئ. لا يهمّ، فهو استفاد من صعوده الصاعق لفرض أسلوبه وصورته. وفي أيار/مايو 1993، تعرّف عليه مشاهدو التلفزيون بمناسبة عمليّة احتجاز رهائن مشهودة في إحدى دور الحضانة في "نويي". ويذكّر جان بيار أبوت ، رئيس تحرير قسم التحقيقات في TF1 :"كان دائمًا أمام الكاميرات دون أن يتكلّم. لكنّه اختفى في اليوم التالي عندما أُصيب الخاطف بالرصاص. كانت تلك ضربة معلّم، إذ انسحب من السجال حول خيار قتل الخاطف التي تلى العملية" [7]. تلك هي ميزة السيّد ساركوزي: تقنيّة "الحركة الدائمة" بالإستيلاء على مجرى الأحداث، للظهور في مظهرٍ مميّزٍ في الإعلام، قبل أن ينتقل سريعًا إلى مسألة أخرى".

* "أعرف ما يحدث عندكم في صالات التحرير"
وفي 2002، خلال حملة الانتخابات الرئاسية، أتاح له المرور الأوّل في وزارة الداخلية بتعميم منهج التواصل هذا. فقامت TF1، من خلال نشرات أخبارها، ببث جوٍّ من انعدام الثقة بالوضع الأمني، لتدافع بقوّة عن الردّ الوزاري. وبرز هذا المناخ يوم 22 ايار/مايو 2002، عندما قامت مجموعة التدخّل الإقليمي بالتدخّل في ستراسبورغ وكان حضور الرجل السياسيّ خلالها طاغيًا. إذ أشارت TF1 إلى العثور على "أسلحة حرب"(!): مسدسان وأربعة كاميرات تصوير محمولة باليد وآلتا تصوير رقميّتان [8]... وسرعان ما تحوّل الوزير إلى الناطق الوحيد بالخطاب البوليسيّ. وجاءت أحداث الضواحي، في تشرين الثاني/نوفمبر 2005، تؤكّد هذا التحوّل. فأُقيمت خليّة اتصال في وزارة الداخلية، وباتت المعلومات تمرّ عبر شبكة وزير الداخلية الذي يحبّ إشعال الحرائق - بتوزيع العبارات النافرة - ليعود ويطفئها.
إنّ وسائل الإعلام المُرتَهَنة لكلامه تقوم أيضًا بنشره. ومن الواضح أنّ للسيّد ساركوزي طلاقة لسان وأسلوبًا يعجب الإعلام. "إنه المقدّم الجديد لنشرة أخبار الساعة الثامنة"، يقول بسخريّة السيّد فرنسوا هولاند، السكرتير الأوّل للحزب الاشتراكي وهو يحتسب ظهور الوزير المتكرّر في هذه النشرات. فما من رجلٍ سياسيّ آخر دُعيّ ثلاث مرّات إلى برنامج "100 دقيقة للإقناع" على محطة "فرنسا 2". وفي كلّ مرّة يكون المشاهدون على الموعد (بين 4 و6 ملايين مشاهد).
ويعود حسن أدائه الخطابي الى إتقانه "أسرار" مهنة المحاماة: اللّجوء المطنّب إلى صيغٍ استفهامية وتكرارية ("لأنكم تؤمنون بأنّ...")، والتأثير عن طريق الصدمة بواسطة الصور ("لا يمكن اغتصاب مراهقة في قبوٍ والإفلات من العقاب")، وتلبّس وضعيّة المصارحة والكلام الشعبيّ ("أنا أحاول أن أجعل الناس يفهمون كلامي")... هذا الإغراء يفعل فعله في الصحافيّين، ويقرّ توماس لوبيغ، الصحافي في "ليبراسيون": "لديه طريقة في طرح الأسئلة تجعلك موافقًا على الأجوبة، ونحن نلعب معه دور المتواطئ... وهو يجرّب الحجج على الصحافيّين قبل أن ينشرها على نطاق واسع [9]". صورة الرجل ليست أبدًا سيّئة ولو أنه وزير للداخلية، الوظيفة التي لا تتضمن شعبيّةً كبيرة لدى الصحافيّين. فشخصٌ يعشق الإعلام ويلعب لعبتهم، لا بدّ له أن يكون جيّدًا...
يترجم هذا الغرام في الأرقام: فمنذ عودته إلى وزارة الداخلية في ايار/مايو 2005، حاز السيّد ساركوزي على اهتمامٍ شهريّ بمعدّل 411 مقالا مقابل 220 لدومينيك دو فيلبان عندما كان في المنصب نفسه [10]. فالرجل عرف كيف يتملّق ما آلتْ إليه الصحافة. فعندما كان وزيرًا للموازنة أو للماليّة، حرص على عدم المسّ بالخفض الضريبيّ الخاصّ بالصحافيّين والمثير للجدل (7650 يورو تُحسم من الأجر الخاضع للضريبة). وإتّخذ، في موازاة ذلك، مواقف ليبراليّة جدًا حول خفض الضرائب عن الشركات والضريبة على الثروات ورسوم انتقال الميراث. وهذا ما يُرضي كبار الأثرياء من الورثة، أمثال السادة لاغاردير، بويغ، داسو أو ادمون دو روتشيلد، الخ... [11].
إعتاد السيّد ساركوزي القول: "الصحافيّ الذي ينتقدني لا يعرفني". أليس هو نوعًا من زميلٍ للصحفيين، هو الذي حلم ذات يوم بأن يكون مقدِّمًا لنشرة أخبار الساعة الثامنة المتلفزة؟ في 1995، عندما نشر تحت إسم مستعار سلسلة مقالات بعنوان "رسائل من قصري"، في صحيفة Les Echos، برهن أنه مهتمٌّ بالإعلام بقدر اهتمامه بالسياسة. من هنا حرصه على تقييم الصحافيّين والاهتمام بالوافدين الجدد إلى المهنة، فيتوجّه إليهم دون كلفة، كما يفعل مع لوران جوفران، سكرتير التحرير في مجلة "لو نوفيل اوبسرفاتور" أو جان ماري كولومباني (من "لوموند"). هذا ما أصاب ادوي بلينيل (رئيس تحرير "لوموند") بالصدمة... التي لم يعبّر عنها سوى بعد ستة أشهر على مغادرته هيئة تحرير الصحيفة. هو نفسه كان، في العام 2003، عند صدور كتاب بيار بيان وفيليب كوهين حول صحيفة المساء الشهيرة، قد طلب نصيحة الوزير نفسه في مكتبه في ساحة "بوفو" [12].
يعرف السيّد ساركوزي أيضًا كيف يتفرّغ للصحافيّين الأقلّ تجربةً، فيفرض مثلا على مستشاره الصحافيّ، السيّد فرانك لوفريه، أن يجيب على جميع الطلبات. لكنْ حذار الإنقلاب في المواقف. فخلال جولة له في الشمال في كانون الثاني/يناير 1995، قال للمراسلين: "أعرف كلّ ما يدور لديكم في صالات التحرير" [13]. وبالفعل ها هو جان بيار الكاباش يستشيره عندما تنوي إذاعة "اوروبا 1" اختيار صحافيٍّ لتغطية أخبار "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية" [14]. كما يمكنه الاعتماد على السيّد بويغ: فالسيّد ساركوزي هو الذي أعلن، قبل رحلة دقيقةٍ إلى جزر الانتيل، وإلى هيئة تحرير TF1 نفسها، بأنّ صحافيًا أسود، هاري روزلماك، سيقدّم نشرة أخبار الثامنة خلال صيف 2006.
ويملك رئيس "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية" اليوم أوراقًا تسمح له بتوقّع نهاية سعيدة للحملة الانتخابية الرئاسيّة، بفضل هذا التنسيق الأوركسترالي الإعلامي. لا يهمّ إذا تناقض أو أخطأ، فما عاد أحد يلتفت إلى ذلك في الصحافة. ففي 25 كانون الثاني/يناير 2006، اعتبر أنّ عقد العمل الأوّل "يمثّل إجراءً مُمتازًا لعمالة الشباب". ثم يصحّح مقولته بعد ستة أشهر: "كنتُ مقتنعًا أنه سيُنظَر إلى عقد العمل الأول على أنّه غير عادلٍ وذلك لأنّه غير عادل". وفي تموز/يوليو الماضي، رحّب بحرارة بالقصف وبالتحضير لاجتياح جنوب لبنان بحجّة أنّ "إسرائيل تدافع عن نفسها" ("اوروبا 1"، 18 تموز/يوليو). لكنّه سيعلن لاحقًا إتفاقه مع رئيس الجمهورية الذي كان أكثر تحفّظًا منه حول الموضوع [15].
كما توصّل أيضًا إلى إغراء عدد من الممثّلين والمغنّين ونجوم الفنّ، أمثال جان رينو، كريستيان كلافيه أو جوني هاليداي. فالسيّد ساركوزي يحوز أيضًا تقدير صحافيّين محسوبين على اليسار. ويهنّئ السيّد سوسيز نفسه على هذا الواقع: "صورته جيّدة لدى الناس الذين لا يشاطرونه الرأي، هذه ظاهرة جديدة جدًا" [16]. يتحرّك بين التسامح النسبيّ (كإلغاء العقوبة المزدوجة) والقمع (مع قانون الهجرة الجديد)، ليترك لكلّ طرفٍ سببًا للإعجاب به. ويقرّ أحد مساعديه الأوفياء، وزير الهيئات المناطقيّة، بريس هورتوفو: "دوره الإقناع، إقناع الصحافيّين أوّلا" [17].
وإذا كان هؤلاء هم الهدف الفعليّ لساركوزي، فلأنّهم ينقلون صورةً قد تلقى الصدى الإيجابي في الأوساط النافذة التي تمارس بدورها تأثيرًا على دوائر أخرى في شركاتهم ونواديهم الرياضية وجيرتهم... فالإعلام، ولو أنه ليس محورًا مباشرًا للرأي، إلاّ أنه يؤثّر في من يعتقدون أنّ وسائل الإعلام تفعل فعلها في الجمهور.
على كلّ حالٍ، أمام ساركوزي الوقت والمتّسع كي يعبّر عن آرائه. الكاباش يوفّر له عشرين دقيقة حوار إضافية، LCI التابعة لـ TF1 تنقل مباشرةً تمنّياته للصحافة، "تي في ماغازين"، ملحق "لو فيغارو" الذي يوزَّع على 5 ملايين قارئ محتمل، تضع صورته على الغلاف بمناسبة حوار على "قنال +" مع صديقه ميشال دروكير الذي سبق ووقّع كتابًا مشتركًا مع الوزير. أمّا علاقته مع زوجته سيسيليا فقد أفرحت الصحافة "الاجتماعية" ("غالا"، "باري ماتش"..)، في كلّ مرة تكون مفيدة لمصالح المُسترئس، لكنها تخضع للرقابة الذاتيّة إنْ لم يكنْ للرقابة العاديّة، عندما لا تعود هذه العلاقة في صالحه. هكذا عندما قرّرت الصحافيّة في مجلة "غالا"، فاليري دومان، في 2005، تأليف كتاب لا يناسب السيّد ساركوزي بعنوان "بين القلب والعقل"، تمّ استدعاء الناشر إلى وزارة الداخلية.

* شغف غير عاديّ
يمكن أن تكون الرغبة في السيطرة على الإعلام طبيعيّة لدى المسؤول السياسيّ. لكن ما هو غير اعتيادي هو جهوزيّة مجموعة من مديري الوسائل الإعلامية والصحافيّين (دنيز جانبار الذي غادر لتوّه إدارة مجلة "الاكسبرس" لينتقل الى منشورات "سوي" أو فرانز اوليفيه جيسبير، رئيس ومدير عام مجلة "لوبوان" مثلا)، في لعب دور الوسيط لدى هذا السياسي. تشجّعهم على ذلك الهالة التي يتمتّع بها المرشّح للرئاسة، لدى أصحاب هذه الوسائل الإعلامية ولدى المعلِنين، فيقيّمون أكثر من قدره الإغراء الذي يمكن أن يمارسه ويغفلون بسهولة عن فشل سياسته، مثلا، في مجال العنف ضدّ الأفراد (فقد إرتفعت هذه الأفعال رسميًا 12 في المئة بين ايار/مايو 2002 ونيسان/ابريل 2006). وعلى العكس، عندما يقدّم محرّكوالرأيالعام أنفسهم تقويمًا سلبيًّا لمحصّلة عمل دو فيلبان، يتناسون أنّ ساركوزي هو أحد وزراء حكومته الرئيسيّين، وأنّ الخلاف بينهما ليس سوى وسيلة إصطناعيّة تسمح لليمين بإيجاد بديلٍ من داخل صفوفه.
بتدخّله الدائم في مجرى الأحداث، يجرّب ساركوزي أفكاره التي يهندسها فقط وفق الصدى الإعلامي التي تلقاه. وهو يهدف هكذا إلى بناء شرعيّة إعلاميّة وإلى البقاء في أعلى سلّم إستقصاءات الرأي العام، من خلال سلطة عناوين الصحف ونشرات الأخبار بدل سلطة صناديق الإقتراع. وفي هذه النقطة بالذات، لا يتصرّف بعض المرشّحين الإشتراكيّين، أمثال سيغولين رويال، بطريقة مختلفة. وفي توضيح لرغبتها البقاء تحت الأضواء الإعلامية، يقرّ أحد مستشاري رئيسة المجلس الإقليميّ لمقاطعة بواتو شارانت: "إنّ الحضور الإعلاميّ الدائم يُعطي الإنطباع بالنشاط السياسيّ. وقد قرّرْنا، على غرار ساركوزي، الإستفادة من كلّ الفرص المُتاحة. نحن نلتهم كلّ شيء" [18].
في حالة وزير الداخلية، يستفيد الجميع - أو تقريبًا الجميع - طالما أنّ المُنتَج قابل للتسويق. فيقول السيّد جيروم بايرا، المدير العام للاتحاد من أجل الحركة الشعبيّة [19]: "إنه الرجل السياسيّ الوحيد الذي يُسعِد ظهوره وكالات الإعلان". وهذا النوع من الإعتبارات ليس ثانويًا في الصحافة نظرًا لتراجع انتشارها. أمّا الفرنسيّون فعليهم قريبًا أنّ يقرّروا مدى استفادتهم من الظهور المُلائم لرجلٍ منكبٍّ كلّيًا على تلبية طموحاته وطموحات قبيلته.

* كاتبة صحفيّة فرنسية


الهوامش:
[1] Airy Routier, Le Complot des paranos, Albin Michel, Paris, 2006, p. 119
[2] Serge Halimi, Les Nouveaux Chiens de garde, réédition de 2005, Raisons d’agir, Paris
[3] « Sarkozy et les patrons », Le Point, Paris,26 août 2004
[4] Pierre Péan et Christophe Nick, TF1. Un pouvoir, Fayard, Paris, 1997
[5] Victor Noir (nom d’un collectif de journalistes sous la direction de Laurent Valdidié et Karl Laske),Nicolas Sarkozy ou le destin de Brutus, Denoël Impact, Paris, 2005, p. 56.
[6] التجمّع من أجل فرنسا، بزعامة شارل باسكوا (13،5 في المئة)، كان تقدّم على التجمّع من أجل الجمهورية - ديموقراطية ليبرالية بزعامة نيكولا سركوزي (12،82 في المئة). الحزب الاشتراكي المتحالف مع الحركة الجمهوريّة والمواطنيّة حصل على 21،95 في المئة من الأصوات.
[7] Claire Artufel et Marlène Duroux, Nicolas Sarkozy et la communication, Pepper, Paris, 2006, p. 37
[8] Aymeric Mantoux, Nicolas Sarkozy ou l’instinct du pouvoir, First Editions, Paris, 2003, p. 35
[9] Claire Artufel et Marlène Duroux, op. cit., p. 70
[10] Selon Claire Artufel et Marlène Duroux, ibid
[11] « Médias français, une affaire de familles », Le Monde diplomatique, novembre 2003.
[12] Edwy Plenel dans Marianne,Paris, 18 mars 2006
[13] Victor Noir, op. cit., p. 181
[14] Le Canard enchaîné, Paris, 22 février 2006
[15] أشير أكثر إلى انقلاب موقف ساركوزي من دمج شركة "غاز فرنسا" و"سويس" من قبل الصحافة: فوزير الاقتصاد والمال والصناعة عام 2004 وعد صراحةً بأن حصة الدولة لن تنخفض عن 70 في المئة في "غاز فرنسا". لكنه وافق في 2006 على الدمج مما جعل الدولة تملك أقلية الأسهم في الكيان الجديد.
[16] Aymeric Mantoux, op. cit., p. 75
[17] « Comment Sarkozy cherche à contrôler les médias », Marianne, Paris, 11 mars 2006.
[18] Le Point, Paris, 17 août 2006.
[19] « L’entreprise Sarkozy », Challenges, Paris,16 mars 2006.

نيكولا ساركوزي* ولد في الدائرة السابعة عشرة من باريس في يناير 1955 لأبوين مهاجرين ينتميان إلى عائلة أرستقراطية هنجارية هربت من "التأميم" الذي قام به الشيوعيون لأموالها.
* نشأت اتجاهاته اليمينية وجعلته ينتمي إلى أحد أحزاب اليمين، حيث بدأ نشاطه مبكرًا لينخرط في الحزب الديجولي آنذاك "التجمع من أجل الجمهورية" الذي أصبح حاليًّا "التجمع من أجل الحركة الشعبية".
* في العام 1977 أصبح عضوًا نشطًا في اللجنة العامة "للتجمع من أجل الجمهورية"، وقد مكنته الإجازة التي حصل عليها في الحقوق سنة 1978 ثم حصوله على شهادة العلوم السياسية فيما بعد، من أن يفتح مكتبًا للمحاماة.
* بدأ صعوده في سن الـ28 حينما أصبح رئيسًا لإحدى بلديات ضواحي باريس، وفي سن الـ34 أصبح عضوًا في البرلمان، وفي سن الـ38 أصبح وزيرًا.
* عُيّن وزيرًا للداخلية في حكومة جون بيار رافاران عام 2002، واشتهر بتشدده في مقاومة الانحراف والجريمة المنظمة وعمل طوال سنتين على الوصول بمعدلات الجريمة والعنف -خاصة في ضواحي المدن الفرنسية- إلى أدنى مستوياتها.
* قمع انتفاضة الضواحي التي قام أبناء المهاجرين العام الماضي ناعتًا إياهم بـ"الأوباش" و"الحثالة".
* المبادر إلى تشريع قانون انتقاء الهجرة الذي بات يعرف بـ"قانون ساركوزي"، والذي يجهز على حقوق المهاجرين خصوصًا من الدول العربية والإسلامية.
* من معارضي قانون الوظيفة الأولى الذي شهدت فرنسا نضالا طلابيًَا ونقابيًا واسع النطاق ضده.



سيغولين رويال* ولدت عام 1953 في عائلة من ثمانية أطفال في دكار، عاصمة السنغال، حيث كان يخدم والدها الكولونيل في سلاح المدفعية الفرنسي.
* في العام 1982، تعرفت على جاك أتالي، المستشار الخاص لرئيس الجمهورية الاشتراكي فرنسوا ميتران، الذي لفتت انتباهه بحدة ذكائها وشخصيتها القوية، فعينها مستشارة تقنية في القصر الرئاسي مولجة شؤون الشباب والرياضة.
* وفي العام 1988، فرضها ميتران مرشحة عن الحزب الاشتراكي في منطقة ليه دو سيفر، جنوب غرب فرنسا. ومن النيابة انتقلت بعدها الى الوزارة، حيث شغلت ثلاث حقائب متتالية، هي البيئة والتعليم المدرسي وحقيبة الشؤون العائلية في وزارتين متلاحقتين.
وقبل وصولها الى القصر الرئاسي، كانت سيغولين رويال، قد تعرفت على رفيق دربها فرنسوا هولند، الذي أنجبت منه أربعة أولاد، من دون أن ترتبط به برباط الزواج.
* تلتصق بها صورة المرأة الأقرب الى التقليدية والمتحلية بالفطرة والصراحة، التي لا تخاف من الإعلان عن آرائها بصراحة، خصوصا في المسائل الاجتماعية والعائلية والتعليمية، بعيدا عن لغة واسلوب التكنوقراطيين، ولذا فالفرنسيون، خصوصا النساء والشباب يجدونها قريبة منهم وتجسد توقهم لمجتمع تجد المرأة فيه مكانها وتصل الى أعلى المناصب الحكومية.




#ماري_بنيلد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- معارضون خارج المملكة ينظمون مؤتمر -البحث عن الديمقراطية في ا ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مبنى في مستوطنة شتولا شمال ...
- الشورة.. والمصالحة الصعبة
- سويسرا تنظم مؤتمر -السلام في أوكرانيا- وروسيا تقلل من جدواه ...
- فون دير لاين تدعو لاستئناف حل الدولتين
- تجديد واسع في قيادات الجيش الإسرائيلي على خلفية الانتقادات ا ...
- تونس.. إحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة في الإرها ...
- الخارجية الأمريكية تكشف عن مطلبين سعوديين قبل تطبيع علاقاتها ...
- بزعم معاداة السامية.. قمع أمريكي لاحتجاجات طلابية تدعم غزة ب ...
- أردوغان: نواجه ضغوطا من الصهيونية


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - ماري بنيلد - قبل ثمانية أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية: أوليغارشيا الإعلام تتوّج ساركوزي سلفًا