أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حنان بناصر - انكفاء الدبلوماسية المغربية اتجاه المحيط العربي: حقيقة أم ادعاء؟















المزيد.....



انكفاء الدبلوماسية المغربية اتجاه المحيط العربي: حقيقة أم ادعاء؟


حنان بناصر

الحوار المتمدن-العدد: 1665 - 2006 / 9 / 6 - 09:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أثار الحكم الجديد للملك محمد السادس التساؤل حول الثابت والمتغير في السياسة الخارجية للمغرب، خاصة حول علاقته وسياسته الخارجية تجاه المحيط العربي، فالباحث غالبا ما يرتسم أمامه سؤال يتعلق بمدى وجود خط ثابت موجه لسياسة المغرب العربية؟
فهل صحيح أن هناك تراجع وتخلي عن التفاعل مع المحيط العربي كثابت في السياسة الخارجية كما كان عليه الحال في عهد الملك الراحل؟ أم أن الإشكال في المتغيرات الدولية، وبالتالي فالتغير في السياسة الخارجة المغربية ليس تغيرا في الثوابت والمحددات بقدر ما هو تغير على مستوى القدرة على تفعيل هذه المحددات وتوظيفها بشكل يحقق مصالح المغرب.
واذا كانت الظروف الدولية لعقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي قد سمحت للمغرب بأن يوفق في علاقاته العربية بين ضرورات الالتزام القومي العربي ومتطلبات النظام الدولي ومصالحه في المنطقة، ومن ثم تحقيق فضاء عربي تعويضي مساند، فان الظروف الدولية الجديدة منذ التسعينات وخاصة بعد أحداث 11 شتنبر 2001، لم تعد تسمح له بذلك، فشروع الولايات المتحدة بشكل مباشر في اعادة صياغة المنطقة وفق مصالحها قد أثرت كثيرا على علاقات المغرب مع الدول العربية، ولم تعد تمكنه من ذلك الدعم التقليدي الذي ميز علاقاته بها في العقود الماضية. فالوضع في العراق والضغوط التي تمارس على سوريا ولبنان واستمرار التعنت الاسرائيلي بدعم من الولايات المتحدة، كلها أمور فرضت على المغرب مواءمة علاقاته بها بما تقتضيه السياسة الامريكية في المنطقة2.
فالمطالب الامريكية بمحاربة الارهاب وادخال اصلاحات ديموقراطية على أنظمة الشرق الاوسط الكبير وشمال افريقيا، واستجابة المغرب لهذه المطالب وسعيه لأن يقدم كنمودج للاصلاح قد أثر بشكل او بآخر على العلاقات المغربية مع بعض الدول العربية الصديقة للمغرب مثل السعودية ومصر، خاصة مع استضافة المغرب لمنتدى المستقبل في دجنبر 2004.
لكن هذا لا يعني ان المغرب تراجع عن التفاعل مع الدول العربية، بل لازال سائرا في إطار الاستراتيجية الكبرى للمغرب الذي يسعى الى اقامة توازن جيوسياسي في منطقة المغرب العربي، وفي نفس الوقت تعويض اللاتوازن بالاتجاه نحو دول المشرق العربي، من خلال سعي الملك محمد السادس الى اللجوء والدفع بقوة في اتجاه تحالف يعتمد على الذات وعلى الأطراف الأخرى في مجموعة العالم الثالث، وخاصة العالم العربي الذي تجمعه معه العديد من الروابط، وهو ما يظهر من خلال التأكيد على التضامن التنموي في خطبه. فالمنظور الملكي مناقض تماما لتك الاطروحات الداعية للعودة إلى عهد أنظمة العزلة الاقتصادية وفلسفة الاكتفاء الذاتي الذي يعتبره قد ولى لتحل محله طموحات التكتل المبني على المصلحة أولا من خلال بلورة فكرة الدبلوماسية العربية المشتركة ذات المصالح المختلفة والتي تنتمي إلى الأسرة المتعددة بدلا من الدبلوماسية التي تغيب الاختلافات الوطنية، فأحسن طريق للوحدة والتكتل هو بداية الانطلاق من الواقع ووضع الاختلافات الوطنية في الحسبان من أجل الوصول إلى وحدة حقيقية على غرار ما يعيشه الاتحاد الأوربي.
فماهي جهود الدبلوماسية المغربية الحالية من أجل تفعيل التعاون العربي؟ وماهي المتغيرات التي عرفتها؟ وما السبب الذي يفسر التكيف السريع للمغرب في ادائه مع أطروحات النظام الدولي لما بعد 11شتنبر2001، وخاصة اطروحة محاربة الارهاب والاصلاحات السياسية في العالم العربي؟ وهو ما يقودنا الى التساؤل حول الدور الذي لعبته هذه المتغيرات في التأثير سلبا أم ايجابا على هذا التفاعل المغربي العربي؟ وأمام التراجع النسبي للتهديد والتنافس العسكري لصالح التنافس الاقتصادي، حيث أصبحت أولوية السياسي والعسكري ثانوية بالمقارنة مع أولوية الاقتصادي، وصارت الشؤون الاقتصادية والتجارية تحتل مكانة الصدارة في سياسة الدول الخارجية، وأصبحت المواجهات اليوم اقتصادية أكثر مما هي عسكرية وأصبحت الدبلوماسية الثنائية والمتعددة الأطراف أداة ردع وتدخل في سياسات الدول، ولذلك نلاحظ اليوم لمعان مصطلح الجيواقتصادي مقابل احتشام مصطلح الجيوسياسي. وهو ما يطرح التساؤل حول العوائق التي تقف أمام تعاون عربي فاعل على المستوى الاقتصادي؟
إن أهم ما يثير انتباه الباحث في مجال السياسة الخارجية للمغرب عموما والعربية خصوصا، أنه يتفا جئ بمجموعة من الكتابات التي تتهم الدبلوماسية المغربية الحالية بالفتور اتجاه المحيط العربي ، وتراجع دورها بعد أن استطاعت خلال العقود الماضية نهج توجه براغماتي متوازن يقوم على الجمع بين تحقيق مطالب التضامن العربي واسترداد حقوق الشعب الفلسطيني، وكذا محاولة لعب دور تحقيق التقارب وتجسير الفجوة بين الجانب العربي والإسرائيلي .
فهل صحيح أن هناك تراجع وتخلي عن التفاعل مع المحيط العربي كثابت في السياسة الخارجية كما كان عليه الحال في عهد الملك الراحل؟ أم أن الإشكال في المتغيرات الدولية، وبالتالي فالتغيير في السياسة الخارجة المغربية ليس تغيرا في الثوابت والمحددات بقدر ما هو تغير على مستوى تفعيل هذه المحددات وتوظيفها بشكل يحقق مصالح المغرب .
فمن غير الممكن تحقق احتمال إلغاء التوجه العربي والإسلامي للسياسة الخارجية المغربية ، فلظاهرة الاستمرارية في السياسة الخارجية المغربية أسباب ترتبط بوجود ثوابت ومحددات رئيسية تتمثل في التاريخ و الجغرافيا والتوجه العربي والإسلامي .

أكد المغرب على توجهه العربي قبل حصوله على الاستقلال بوقت غير قصير، وتأكد ذلك التوجه خاصة في خطاب الملك محمد الخامس في مدينة طنجة عام 1947، كما ثم إقراره في أول دستور للمملكة بعد الاستقلال وفي الدساتير التي تلته، والتي نصت على أن المغرب دولة عربية مسلمة، ويمكن القول أن المغرب حاول على الدوام تعزيز الصورة العربية الإسلامية لسياسته في العالم العربي على الرغم من بعض الصعوبات الراجعة إلى الاختلافات القائمة بين النظام الملكي المغربي والأنظمة الثورية ، حيث كان المغرب متخوفا من المد القومي الكاسح للمنطقة آنذاك ، وهو ما طبع التفاعل المغربي العربي بنوع من الحضور الحذر وهو ما سوف يتحول إلى انخراط تدريجي في المحيط العربي ثم حضور فاعل ومتوازن من خلال احتضان المغرب للعديد من القمم العربية والإسلامية10من أجل العمل على إيجاد المناخ الكفيل بتسوية الأزمات والقضايا العربية11، ورغم أن مبادلات المغرب التجارية هي أساسا مع الغرب وكذلك التعاون الاقتصادي والثقافي، فإن مغرب الستينات كان محتفظا في علاقته الوثيقة مع الغرب بالمسافة الضرورية التي تطبع مواقفه بالاستقلال مع التضامن الضروري12.
ربما هذا الرصيد الحافل للدبلوماسية المغربية العربية على عهد الحسن الثاني ومقارنتها بمثيلتها الحالية هو ما يعطي الانطباع بتراجع وانكفاء هذه الدبلوماسية اتجاه المحيط العربي، وهي مقارنة غير صحيحة من الأساس، نظرا لأن مدة 6 سنوات، وهي ما مضى من حكم الملك محمد السادس، غير كافية لاستعراض الحصيلة والمقارنة خاصة عندما يكون الإبن قد عوض مكان الأب الذي جلس على العرش لمدة 38 سنة13، ورغم ذلك لا يمكن إنكار دور الملك محمد السادس في الدبلوماسية المغربية العربية، وعموما فأهداف الدبلوماسية المغربية التي كانت متوخاة خلال القرن الماضي لا تزال أهدافا ثابتة ولا زال البعد القومي العربي من ركائز الدبلوماسية المغربية الحالية14، وهو ما يمكن استنتاجه من خلال قراءة في خطب الملك محمد السادس منذ اعتلائه عرش المملكة، )المطلب الثاني(، وقبل ذلك من خلال التطرق لحصيلة العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول العربية )المطلب الأول(.
المطلب الأول: العلاقات السياسة والاقتصادية مع الدول العربية.

يربط المغرب مع الدول العربية مجموعة من العلاقات تنبني على محددات عديدة تضمن استمراريتها وتطورها على الرغم مما ينبغي عمله لمزيد من تقويتها وتعزيزها على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي و السياسي والثقافي، في ظل التحول الذي يعرفه النظام الدولي الذي تطبعه عولمة متوحشة وتنافسية شديدة على جميع المستويات، مما يقتضي مزيدا من التعاون لمواجهة المخاطر التي تحدق بالاقتصاد والمجتمع العربي.
فيما يخص دول الخليج العربي، فإن تشابه الأنظمة بين المغرب وأغلب هذه الدول، جعل العلاقات بين رؤساء الدول الخليجية والمغرب خالية من التعقيدات والصعوبات التي تعيق باقي العلاقات الأخرى الاقتصادية على الخصوص، ومما زاد العلاقات السياسية متانة، تطابق وجهات النظر حول القضايا الأساسية التي تعنيهما، وخاصة ما يتعلق بمقاربتهما عل أساس الالتزام بالشرعية وإذكاء الطرق الدبلوماسية المعتمدة على الحوار والتفاوض في حلها، إضافة إلى مساندة دول الخليج مطالب المغرب فيما يتعلق بقضية الصحراء، وفي نفس الاتجاه ساند المغرب دولة الإمارات العربية فيما يخص مطالبها باسترجاع الجزر الثلاث في صراعها مع إيران على هذه الجزر15.
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت العلاقات السياسية تتميز بانخراط الطرفين في نفس المنظومة ونفس التصور لإشكاليات وتفاعلات النظام الدولي التي تتسم أكثر من أي وقت مضى بالتعقد وبضرورة التعاون المكثف، فإن هذه العلاقات ما زالت ضعيفة فيما يخض الجوانب التجارية والاقتصادية، وهو ما سوف نتطرق له في القسم الثاني بتفصيل، أما في هذا المطلب فسيتم الاقتصار على ذكر أهم بوادر التعاون الاقتصادي، على ضعفها، لأنها تشكل النواة التي يمكن الانطلاق منها لتحسين مستوى هذا التعاون.
فعلى سبيل المثال العلاقات الاقتصادية بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي أصبحت تتنامى خاصة بعد الصدمة البترولية الأولى، حيث راكمت الدول الخليجية، وأساسا المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية ودولة الكويت، إمكانات ضخمة مكنتها من الانفتاح أكثر على محيطها الخارجي ومن بينه المغرب الذي اختار منذ استقلاله سياسة اقتصادية منفتحة ما فتئ يدعمها على ضوء التحولات العالمية، حيث استقبل الاقتصاد المغربي بعض الاستثمارات من دول مجلس التعاون الخليجي خاصة في مجال السياحة والعقار، والتي تقودها المبادرات الخاصة أو المتمثلة في بعض صناديق التنمية التي أحدثت في بعض دول مجلس التعاون الخليجي،16 كما هو الحال في ما يتعلق بدولة الكويت والإمارات العربية المتحدة من خلال صندوق أبو ظبي للتنمية أو الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية والذي يتولى تمويل مشاريع تندرج ضمن البنيات الأساسية لكل إقلاع اقتصادي يتوخى التنمية المستدامة17، كتمويل الطريق السيار سطات، مراكش، ومشاريع أخرى. 18
لكن رغم تنوع مجالات التعاون الاقتصادي بين المغرب ودول المجلس فإن مجال التبادل وخاصة التجاري لا يساير نوع العلاقات السياسة القائمة ولا طموحات الطرفين، لأن حجم التبادل التجاري يتطلب مزيدا من الجهود من أجل تقريب أسواق كل الأطراف، ولا يجب أن تبقى المقاربة مقتصرة على كيفية جلب الاستثمارات الخليجية إلى المغرب، بل لا بد من استكشاف الإمكانيات التي تطرحها الأسواق الخليجية أمام المنتجات المغربية، 19 فالعلاقات التعاونية في المجال الاقتصادي لم تعد اليوم مقتصرة على مجالات محددة بل يجب توسعيها إلى مجالات أخرى تشمل المجتمع والثقافة خاصة في عالم سريع التغير، حيث لم يعد مجديا الاكتفاء بمقاربة أحادية الجانب لأن العلاقات الوجدانية والقومية لم تعد كافية بل لا بد من تركيزها بارتباطات ملموسة يجسدها توسيع القاعدة الاقتصادية المتبادلة بين الأطراف، ولعل ما يؤكد ذلك ضعف التبادل التجاري بين الطرفين، كما أن الاستثمارات تبقى ضعيفة مقارنة مع الاتحاد الأوروبي وتقتصر على بعض القطاعات كالسياحة والعقار.
وهذا ما يمكن استخلاصه من الجدول20 التالي :
السنوات 1999 2000 2001 2002 2003
الدول الصادرات الواردات الصادرات الواردات الصادرات الواردات الصادرات الواردات الصادرات الواردات
البحرين 127-771 441-631 128-631 448-326 126-701 440-603 128-703 413-611 127-813 415-612
المملكة العربية السعودية 676 3433 637 6088 709 5854 513 6795 425 5995
الإمارات العربية المتحدة 55 225 82 206 64 213 77 230 67 709
الكويت 21 133 40 102 30 60 22 123 26 93
سلطنة عمان 28 2 14 0 7 3 22 4 6 10
قطر 2 37 4 3 20 4 70 6 82

من خلال ملاحظة الجدول يظهر لنا بشكل جلي أن التبادل التجاري بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي يتفاوت من دولة لأخرى، حيث نجد السعودية تأتي على رأس الدول في المبادلات التجارية مع المغرب متبوعة بالإمارات العربية والكويت في حين نجد باقي الدول جد ضعيفة. كما نلاحظ أن العلاقات التجارية للمغرب مع هذه الدول تبقى الواردات أهم بكثير من الصادرات المقتصرة على الفوسفاط.
أما في يتعلق بالعلاقة مع مصر، فالعلاقة التجارية والاقتصادية والجمركية بين المغرب ومصر ليست حديثة العهد، إذ أن التعامل التجاري بينهما يرجع لعصور قديمة كما تحدثنا بذلك الكتب التاريخية. إلا أن هذه العلاقة ازدادت متانة خلال العشر سنوات الأخيرة من هذا القرن.
فقد تميزت هذه العلاقة باللجنة العليا المشتركة، التي تكونت برئاسة قائدي البلدين، حيث يترأس هذه اللجنة العليا كل من قائدي البلدين، وقد تناولت خلال الدورتين ماي 97 و ماي 98 قضايا متعددة، وأعطت دفعة جديدة للعلاقات المغربية المصرية، خصوصا التجارية منها والاقتصادية بحكم أن التوجه الدولي الحالي يطبعه هذا النوع من العلاقات والمعاملات وقد أسفرت اجتماعات اللجنة عن نتائج إيجابية في دورتها الثانية حيث تم التوقيع على اتفاقية لإنشاء منطقة للتبادل الحر بين المغرب ومصر21، وستساهم هذه الاتفاقية في رفع حجم التبادل التجاري والاستثمار بين البلدين.
ولعل أهمية هذه الاتفاقية تتجلى في الشق الثاني منها المتعلق بالاستثمارات المشتركة، والذي تم التوقيع بخصوصه على اتفاقية ضمان وحماية الاستثمار من طرف الدولتين، والتي صدر بشأنها الظهير الشريف المؤرخ في 10 ربيع الآخر 1419 الموافق 4 أغسطس 1998، الذي قضى بنشر هذه الاتفاقية التي سبق التوقيع عليها بالرباط في 7 محرم 1418 الموافق 14 ماي 1997 بين حكومة المملكة المغربية وحكومة جمهورية مصر العربية، ومن شأنها أن تسهم في نمو العلاقات التجارية والاقتصادية.
كما أن الموقع الجغرافي للمغرب ومصر يلعب دورا هاما في تطوير هذه العلاقات، فالمغرب يطل على الغرب الإفريقي، ومصر تطل على الشرق الإفريقي، وكل من البلدين له تطلعات لدخول السوق الإفريقية وغزوها بصناعات مشتركة، أو بمواد ومنتجات مشتركة من الجانبين الغربي والشرقي. وللوصول إلى هذا الهدف لابد من المساعدة الثنائية والاستثمارات المشتركة بين البلدين. وتعتبر هذه الاتفاقية نموذجا للإتفاقيات التي سبق أن وقعت من طرف المغرب ومصر مع دول عربية أخرى كاتفاقية المغرب مع تونس والأردن. ويمكن أن تفتح هذه الاتفاقية المجال لإقامة سوق عربية مشتركة صغيرة تضم مجموعة من الدول التي لها الإمكانيات لدخول هذه السوق في انتظار أن تلتحق بها دول عربية أخرى. ومن مميزات هذه الاتفاقية كذلك مساهمتها في غزو المنتجات العربية للأسواق العربية بتخفيضات جمركية، واستفادة المستهلك العربي من هذه المواد قبل دخول اتفاقية الغات حيز التطبيق بالنسبة للدول التي لها فترة سماح. كما أن هذه الاتفاقية تدخل أيضا في الاستراتيجية العامة للبلدين، باعتبار أن التوجه المقبل في العلاقات العربية هي السوق العربية المشتركة التي أصبحت ضرورة ملحة.
كما أن اتفاقية الغات تنص على أن كل اتفاقية ثنائية ستفرض على البلدين الموقعين منح نفس الامتيازات لدول ثانية من باقي دول العالم، في حين لو كانت هناك سوق عربية مشتركة وكانت هناك اتفاقية عربية مشتركة فإن الأفضلية ستكون من نصيب المنطقة العربية وبالتالي سيبقى التعاون عربيا مما يؤدي إلى تمتين العلاقات التجارية والاقتصادية على المستوى العربي.
أما التعاون الجمركي بين المملكة المغربية والجمهورية العربية المصرية فقد تعزز هو الآخر بتوقيع اتفاقية التبادل الحر بينهما، والتي تعتبر رائدة في مجال الاتفاقيات والمعاهدات التعريفية والتجارية، والتي تم التوقيع عليها بتاريخ 27 مايو 1998 وعلى البروتوكول الملحق بها والخاص بقواعد المنشأ، والتي دخلت حيز التنفيذ طبقا للمادة 24 من تاريخ تبادل الإخطار بتمام الإجراءات الدستورية في كلى البلدين أي ابتداء من 29 أبريل 1999. وقد حلت هذه الاتفاقية محل الاتفاقية التجارية والتعريفية، التي كانت قد وقعت بين البلدين بتاريخ 30 مايو 1988 والبروتوكول الإضافي الموقع في 6 شتنبر 1995ومن المزايا التي جاءت بها هذه الاتفاقية الجديدة أنها فتحت المجال للبلدين للقيام تدريجيا بإنشاء منطقة للتبادل الحر بينهما خلال فترة انتقالية مدتها 12 سنة كحد أقصى ابتداء من تاريخ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ22. واوضح وزير الخارجية المغربي ان هناك جهد بذل وأعطى بالفعل نتائجه باستكمال البناء القانوني للتعاون الثنائي من جميع جوانبه‏ ولكن القطاع الخاص في البلدين مازالت مبادرته ضعيفة، فعليه أن يساير مستوى العلاقات السياسية المصرية المغربية وأن يبادر باتخاذ خطوات إضافية مهمة في المجال الاقتصادي23. فحجم التبادل التجاري بين المغرب ومصر انتقل من 39ر304 مليون درهم سنة 1999 الى حوالي 800 مليون درهم خلال السبعة أشهر الأولى من سنة 2003 معتبرا أنه على الرغم من هذا التطور فإن هذه الحصيلة تبقى دون طموحات المسؤولين في البلدين. 24
وفي ما يخص دول المغرب العربي، لا تزال وحدة المغرب العربي تقدم في الخطاب الرسمي في كل من الرباط والجزائر على انها خيار استراتيجي أساسي لمستقبل البلدين. واضطرت التطورات الجديدة وزارة الخارجية الليبية الى الإعلان ان قمة الاتحاد التي كانت مقررة الأربعاء الماضي في طرابلس قد تأجلت لأجل غير مسمي. وقال بيان للوزارة بعد المشاورات والاتصالات التي جرت بين وزراء الخارجية: "ثم تأجيل القمة حتى يتمكن رئيس مجلس الاتحاد معمر القذافي من تهيئة المناخ الملائم لانعقاده في وقت اخر". وكانت مصادر من المشاركين في اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد قد كشفت في طرابلس ان القمة تأجلت لأجل غير مسمى بسبب خلافات بين المغرب والجزائر.
وتتسبب الجزائر مرة اخرى في انهيار أول قمة لرؤساء دول شمال إفريقيا منذ 1994 نتيجة تعنتها واستمرارها في دعم الانفصاليين.
رغم أن الدول المغاربية الخمس إن هي اندمجت وفق منظور متكامل قد لا تحتاج للخارج إلا في بعض المنتجات الخاصة والخاصة جدا. فالحمضيات المغربية والسمك الموريتاني والنفط الجزائري والليبي والسياحة التونسية كلها مؤشرات متوفرة لتحقيق شراكة إقليمية وفرص تجارية لتبادل المنافع والخدمات.
وقد تكون هذه البداية لدخول دول أخرى إلى الاتحاد ربما تكون مصر أولاها. ولعل المستفيد الأكبر من الوضع الحالي هو السوق الأوروبية، إذ المبادلات التجارية للدول الخمس الأعضاء تشير إلى أن 78% من صادرات تونس توجه إلى الاتحاد الأوروبي الذي يزودها بنحو 72% من وارداتها.
أما المغرب فتستحوذ أوروبا على 60% من مبادلاته التجارية, وتذهب 62% من صادرات الجزائر إلى دول الاتحاد مقابل 58% من وارداتها, أما موريتانيا فيغطي الاتحاد الأوروبي أكثر من نصف وارداتها. هذا الواقع الاقتصادي المغاربي المختل, يفوت برأي الكثير من الخبراء على الدول العديد من الفرص الإنمائية, حيث تفيد بعض الدراسات بأن الدول الخمس الأعضاء بعد 17 سنة من توقيع الاتحاد المغاربي وتجميد هياكله, تهدر سنويا ما قيمته 2% من الناتج القومي المحلي جراء تعطل مسيرة الاتحاد، في حين أن ضعف التجارة البينية بين الدول الأعضاء التي لا تتجاوز 5% من مجموع المبادلات الخارجية لكل بلد من البلدان الخمس، يجعل من المنطقة سوقا واعدة بقدرة استهلاكية تقدر بنحو 100 مليون نسمة لكنها مع ذلك تبقى قابلة للاختراق. وما التنافس الأوروبي الأميركي في حوض المتوسط إلا صورة مصغرة لهذا الوضع.25
إن الواقع الاقتصادي في وضعه الراهن يلزم الدول المغاربية اعتماد الواقعية الاقتصادية من حيث هي أداة لتفعيل شرط النمو الاقتصادي وفق معدلات جديدة للتنمية وفق قاعدة الانتقال من الدفاع عن المصالح القطرية إلى المصالح الإقليمية.
المطلب الثاني: قراءة في الخطب الملكية من 1999 إلى 2005.
رغم أن أطروحة اعتبار السياسة الخارجية بمثابة المجال المحفوظ للملك لا تجد أي سند دستوري أو قانوني26، حيث تبقى هذه الأطروحة قاصرة سواء على مستوى المنهج المتبع أو النص القانوني المعتمد كأرضية للتحليل، فالمنهج القانوني لا يكفى للإحاطة بكل جوانب الظاهرة السياسة، كما أن النص المعتمد كمنطلق للفرضية المذكورة لا يكفى، فهناك نصوص أخرى تتطرق لفاعلين في السياسة الخارجة المغربية، 27 ونصوص في دور الملك في صنع السياسة الخارجية ومساهمة باقي المؤسسات السياسية والتشريعية في صنع هذه السياسة وإن كان بشكل محدود، إلا أنه يبقى حاضرا، 28 فمن غير المعقول تغييب مرسوم 20 يناير 1995 المتعلق باختصاصات وزير الشؤون الخارجية وتنظيم وزارة الشؤون الخارجة والتعاون29، كما لا يمكن التغاضي عن دور الوزير الأول خاصة في ظل حكومة التناوب، وهو ما يظهر واضحا من خلال تصريح السياسة العامة للحكومة، حيث احتلت السياسة الخارجية مكانة مهمة في هذا التصريح من خلال التأكيد على مكانة المغرب في عالم مليء بالمتغيرات، كما تتضمن 7 فقرات من 88 إلى 94 تهتم بالسياسة الخارجة للبلاد والعمل على تطوير التعاون العربي الإسلامي وإعطاء اتحاد المغرب العربي أولوية في هذه السياسة30.
وبالرغم من كل هذه المعطيات يبقى للملك دور مركزي ومحدد، تكرسه اعتبارات مرتبطة بالأعراف والممارسات الدولية31، حيث يشكل الملك وحدة صنع القرار الرئيسية بينما باقي الفاعلين يشكلون وحدة ثانوية أو هامشية32، فالدور الذي يلعبه الملك في وضع السياسة الخارجية للمغرب أهم بكثير مما تتضمنه نصوص القانون العام المغربي، وإذا ما تم التركيز على تحليل هذه النصوص ستبقى الاستنتاجات التي يمكن التوصل إليها جزئية، فسلط وامتيازات رئيس الدولة في السياسة الخارجية تدخل في خانة ما يعرف بالاختصاصات الخاصة بالملك، فالتحكم الخاص للملك في السياسة الخارجة والدفاع والأمن الوطني لا يوجد في أي نص من القانون العام، بل هو نتيجة للجدل القائم منذ الاستقلال مع الحركة الوطنية حول الممارسة الفعلية للسلط.33
ومن خلال الاطلاع على الإنتاج الخطابي لدى الملك محمد السادس لإستخلاص المنظور الملكي للتفاعل المغربي العربي ومكانته، نصل إلى حقيقة ثابتة وهي أن الشعب المغربي لن يكون الا جزءا لا يتجزأ من الأمة العربية، ومن غير المنطقي التغاضي عن روابط المصير المشرك والرصيد التاريخي والإشعاع الروحي للمغرب. والعالم العربي بالنسبة للمملكة هو محيطها الأدنى في محيطها الأقصى34، حيث يؤكد الملك محمد السادس على ضرورة هذا التفاعل بقوله: " سنظل من جانبنا أوفياء لهذا الإرث النبيل اقتناعا منا بأنه لامندوحة لمجموعتنا العربية عن التعاون والتكامل فيما بينها إن أرادت ترسيخ قدمها في عالم تكتسح فيه العولمة كل المجالات"35، وهو ما يؤكد تميز النظام العربي عن باقي الأنظمة الدولية المعاصرة باشتراك جميع دوله وشعوبه برابطة قوية هي القومية العربية التي تربط بين الأغلبية من سكان المنطقة العربية36، لهذا فالملك محمد السادس ما فتئ يدعو إلى تقوية أواصر الوئام والتضامن والوساطة من أجل حل أي خلاف، كما لا يترك أي فرصة، سواء في خطبه أو استجواباته، إلا ويصرح خلالها بضرورة تقديم السند والدعم للقضية الفلسطينية إضافة إلى دعوته المستمرة إلى تمتين روابط التعاون في المجال الاقتصادي37، وهو الطريق إلى " العناية بمشاكل أشقائنا العرب والتجاوب مع همومهم، وما نرمي له جميعا من مصالحة والتئام وتعاون في تجاوز سلبيات الواقع والنظر بعيدا إلى المستقبل"38، ودائما يؤكد الملك محمد السادس أن بلوغ هذا الهدف ليس بالمستحيل حيث أكد على التضامن التنموي الذي يتطلب كل الطاقات من خلال "الأخذ بالآليات التي أثبتت فعاليتها في بناء اتحادات قوية وذلك بمساهمة الجهات الأكثر تقدما في تأهيل الأقل نماءا وتطويرها، وصولا إلى إيجاد التجانس والتوازن بين كل أعضائها"39. وايضا العمل على الانفتاح على باقي الفاعلين في المجتمع المدني من اجل عمل عربي مشترك فاعل حيث يقول في خطابه امام قمة شرم الشيخ 2003:" إن العمل العربي المشترك يحتاج الى المنهجية العقلانية، التي لا توفرها الآليات الحالية، وهذا ما يتطلب مراجعة عميقة لميثاق جامعة الدول العربية ولمؤسساتها، كما يتعين عدم الاقتصار على التعاون الحكومي، بل الانفتاح على المؤسسات المنتخبة والأحزاب السياسية والنقابات المهنية والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص".
ومن خلال استقراء الخطب الملكية نصل إلى أن البعد العربي لازال ثابتا من ثوابت الدبلوماسية المغربية، وان المغرب لازال حريصا على التفاعل مع محيطه العربي بكل ما يحبل به من إشكالات وقضايا، وأن الملك محمد السادس، كما والده الملك الراحل الحسن الثاني، حافظ على موقفه المعتدل والواقعي القائم على التوفيق بين ضمان حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة وبين تحقيق الأمن والسلام وهو الموقف الذي يتبناه المغرب في كل خطاباته الرسمية. فكيف يتم تدبير القضايا السياسة العربية والتعاطي معها في المرحلة الحالية.



#حنان_بناصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتغيرات الهيكلية في العلاقات العربية الامريكية


المزيد.....




- القضاء المغربي يصدر أحكاما في قضية الخليجيين المتورطين في وف ...
- خبير بريطاني: زيلينسكي استدعى هيئة الأركان الأوكرانية بشكل ع ...
- نائب مصري يوضح تصريحاته بخصوص علاقة -اتحاد قبائل سيناء- بالق ...
- فضيحة مدوية تحرج برلين.. خرق أمني أتاح الوصول إلى معلومات سر ...
- تظاهر آلاف الإسرائيليين في تل أبيب مطالبين نتنياهو بقبول اتف ...
- -فايننشال تايمز-: ولاية ترامب الثانية ستنهي الهيمنة الغربية ...
- مصر.. مستشار السيسي يعلق على موضوع تأجير المستشفيات الحكومية ...
- طالب جزائري يخطف الأضواء في برنامج للمواهب بروسيا (فيديو)
- مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين في إطلاق نار بحفل في مدينة نيويو ...
- احتجاج مناهض للحرب في غزة وسط أجواء حفل التخرج بجامعة ميشيغا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حنان بناصر - انكفاء الدبلوماسية المغربية اتجاه المحيط العربي: حقيقة أم ادعاء؟