أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد الاحمد - الكائن الافتراضي















المزيد.....

الكائن الافتراضي


محمد الاحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1666 - 2006 / 9 / 7 - 03:42
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


من المستحيل ان لا يفترض الانسان حياة اخرى، في المخيلة، غير الحياة التي يعيشها الآن، في الحقيقة، حياة نقيضة للواقع المعاش، تحمل تعويضا عما يفتقده، وخاصة الانسان الفنان صاحب الحسّ الاستثنائي، عندما تكون الاقدار متكالبة عليه بسوادها في الزمان والمكان الاستثنائيين، فكلما افتقد اللازمة لديمومته، أكثر، التمس حياته البطينة، من بعد أن ازادت وحشته وشخُصت غربته، ويظل في حياته المفترضة باغيا ان تكون حرة كريمة بغير التي في الواقع الذي يقلص كثيرا من انسانية الانسان. وبطل رواية (الكائن الافتراضي) اسمه (حاتم)، قد وضعه الراوئي (طاهر عبد مسلم) مفترضا في الزمن العراقي الفضفاض الدارج بمدى تاريخه على الم ممض، وحرمان مدقع، ونفي سافر بين الاهل والاحبة. والرواية تجود علينا بالصور المؤثرة، المسردة بشاعرية عالية تعطي ذاتها وكانها مقاطع متناثرة من مسيرة هذه الحياة التي يعيشها بطل الرواية المثقف.. اذ قالت العرب في جل نظريتها النقدية (وضع الشاعر لمعان يريد التوفيق بين بعضها وبعض، بالموافقة او المخالفة، فيأتي بالموافق بما يوافق، والمخالف بما يخالف على الصحة، اويشرط شروطا ويعدد احوالا في احد المعنيين، فيجب ان يأتي بما يوافقه بمثل الذي شرطه وعدده، وفيما يخالف بصدد ذلك- قدامة بن جعفر )، عبر لغة جزلة واضحة المقاصد تشير بلا التواء الى غاياتها، وهي تحمل شهادة عصر تكدست فيه المحن المتوالية كالحروب المتتابعة، والتشرد المتواصل في منافي القهر والحرمان.. لغة بديعة رسمت هويتها العراقية البليغة، متخطية على ما كان يلم بالكائن (المواطن)، الذي بقي تتفرسه مخاظات التسلط والمسخ والحطّ من شأنه تحت اقوى الاقواس العنجهية وضاعة وخسة. فدارت به (آلة) المفيولا (آلة عرض سينمية قديمة) دوراتها السريعة، واختلطت اعمال الفنان بكوابيسه بطموحاته بمسيرة حياته. فثمة خلط مقصود اداره الروائي السينمي، (تزاد أهمية العمل الادبي بقدر رسوخ اصوله في وعي العصر الذي كتب فيه، وعلى قدر تصوير الكاتب لهذا الوعي تصويرا فنيا غنيا في واقعيته- محمد غنيمي هلال ).. اذ تمكن من اداة فنية الروائي من بطله (السينمائي) المفترض في رواية (الكائن الافتراضي)، فهو لطالما قد غير بوعي مسيرة حياة ابطاله كيفما هو يريدها، وليس كما هو مقدر له في مسيرة هذه الحياة، وخاصة عندما تكون بهذه الحياة منغصات قاهرة لا يمكن لانسان مرهف ان يتكيف معها، فيعمل بذهن متفتح على افتراضات لحياة اخرى، منوعا كاسرا رتابة الحياة. مرتبا لصورها لغرض ان يعيد النظر ومفكرا مليا مع قارئه في واقعية تلك اللقطات السينمية المخلطة مع واقع الحياة منتجا صور متتابعة الواحدة تذكر بالاخرى، وكان الحياة هي فليم، والفليم هو الحياة واعيا للزمن الذي يشطره الروائي الى شطرين متوازيين كلاهما يذهب الى طريق، ليتطابق مع قول الفليسوف الفرنسي (سارتر): (الصورة فعلٌ وليست شيئاً. الصورة وعيٌ للشيء). وفي الوقت نفسه مستعرضاً ما كان يمر على المثقف من تسطيح وتمسيخ، ويعرج على ذلك بذكاء (ربما كان حاتم شاهدا على النظام العروضي للقصيد البربري وهو في هذا لاينفي كون القصيد بري تماما، وهذا هو اول تخريج ساذج لقصة انشاء ذلك المد المتدفق الذي فرض على الملة، كتبت معلقاته على جدران المؤسسات، وردده الاولاد في المدارس صبحا وعصرا وذكرهم به التلفاز الحكومي ليلا، كان مثل تعويذة سحرية اذا ما اوجدت حفظه وترديده عن ظهر قلب فستظهر لك عجائب لاقبل لك بها، حتى شاع بين الناس وصار حلم ثلة من الفقراء والمعدمين، ان يتقنوه ويمتلكوا العجائب والسحر خلاصا من الفقر والاحزان لكن فئة فريدة في ذكائها كانت قد صارت هي روح القصيد ونافذته- الرواية ص14). تغوص الرواية في التغريب على الرغم من انها رواية احداث حقيقية حدثت بكل ثقلها على البطل المحوري، ولكنها حوادث كانها تستعرضها تلك (الالة)، وكانها ليست (آلة) وانما زمن الربط بين فواصل الاحداث، وتلك المفارقة البديعة قد سجلت لصالح الرواية سمة ابداعية لم يستخدمها احد من الروائيين العراقيين، وبقيت تخص كائن مفترض ابدعه (طاهر عبد مسلم)، فـ(القيمة المجهولة لوجودنا الذي لا يتحقق الابصنع فراديسنا الدنيوية الصغيرة، كينونتنا الضعيفة في عالم الاقوياء ستشع اذا قرأنا ذاتنا بصدق وبراءة، بتولتنا الطاهرة، وطيف العذرية الذي تحفه يد الرحمة والهناء ونحن نمارس تلك الوظيفة المقدسة.. ان تتطلع في عيون الآخرين وتقرأ سورة احزانهم- الرواية ص 22). جاءت صفحات هذه الرواية الشفيفة الحزن في عالم ازدحمت فيه التكنولوجيا لتحقق انتشارها الساحق على اديم هذا الكوكب مؤكدة بان الانسان مهما كانت قوته فهو ضعيف حيال هذه الاختراعات العاصفة التي قلبت موازين الكون، كونها تداخلت بكل مرافق الحياة وجعلت من العمران والطب ما يفوق الخيال، وباتت في الوقت ذاته تؤكد قوته وجبروته تجاه فرض وجوده في هذا العالم، وانسان اليوم لم تعد تمسك بتلابيه اساطير الاولين، تلك، لانه بقي يقيس التارك بما ترك، اي الفاعل بفعله، وصارت افكاره تلاقحية تبادلية تتطور يوما بعد يوم كل استحدث جديدا (يردد مصطلحات كثيرة أخرى التقطها من المذياع مثل المنعطف الخطير، والعبور المحقق، واندحار الأعداء، وشعب الذرى، والشهداء في عليين، والماجدات المجاهدات، والذي ينتخي ولا ينتخي، والاستحقاق... حتى صدعني وسألته عن اي شيء لاخرسه، عن الطقس والسماء، عن الزرع والدخان، عن الرقص والغناء، عن التعاويذ والاساطير- الرواية ص59). رواية متنها تفاصيل عراقية اجاد الروائي رسمها مؤثثا لعمق التفاعل بين القارئ وبين الشخصية، (تصمت ليلى وتعود قصة المجهول الذي يغلف ذلك الكيان، فعن اي الاولاد تتحدث وهي العزباء المتوحدة.. لكنها في اللحظة زوجة حاتم، زائر الشتاء، الذي سيحل في المكان ويخلف وراءه امرأة تشع بالسعادة- الرواية ص29). استخدم الروائي السينما في روايته، وقد احدث نشيجا فنيا متواليا ما بين لقطات سينمية ومعرجا على ذكر بعض الافلام التي تؤكد عشقه لذلك الفن المتحضر. في الوقت نفسه كانت فصول الرواية اشبه بشريط سينمي خام يحوي حكاية (حاتم وليلى)، وقد استطاع الروائي ان يستعرضه بدقة بالغة عبر سرد جميل لمسيرة تلك الحكاية العراقية المؤلمة في زمن الحصار.

الرواية : الكائن الأفتراضي
المؤلف : طاهر عبد مسلم
الناشر : دونكيشوت – اسبانيا وعين الزهور – دمشق
سنة النشر : 2006





#محمد_الاحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعض مثالب النشر في الصحف العراقية
- ليلة اخرى- قصة قصيرة


المزيد.....




- لم يسعفها صراخها وبكاؤها.. شاهد لحظة اختطاف رجل لفتاة من أما ...
- الملك عبدالله الثاني يمنح أمير الكويت قلادة الحسين بن علي أر ...
- مصر: خلاف تجاري يتسبب في نقص لبن الأطفال.. ومسؤولان يكشفان ل ...
- مأساة تهز إيطاليا.. رضيع عمره سنة يلقى حتفه على يد كلبين بين ...
- تعويضات بالملايين لرياضيات ضحايا اعتداء جنسي بأمريكا
- البيت الأبيض: تطورات الأوضاع الميدانية ليست لصالح أوكرانيا
- مدفيديف: مواجهة العدوان الخارجي أولوية لروسيا
- أولى من نوعها.. مدمن يشكو تاجر مخدرات أمام الشرطة الكويتية
- أوكرانيا: مساعدة واشنطن وتأهب موسكو
- مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على حزمة من مشاريع القوانين لتقدي ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد الاحمد - الكائن الافتراضي