فراس عبد المجيد
الحوار المتمدن-العدد: 1663 - 2006 / 9 / 4 - 10:17
المحور:
الادب والفن
في أواخر السبعينات من القرن الماضي ، وبينما كانت الدكتاتورية تكشف عن أنيابها الكريهة ، كان الفنانون الشيوعيون والتقدميون منخرطين في مشروعهم الفني التقدمي الذي لم يبق لهم سواه ، بعد أن سيطرت الدكتاتورية على مختلف مجالات العمل النقابي والجماهيري ضمن صفقة مختلة تعرض من يتجاوزها إلى عقوبة الإعدام .
في تلك المرحلة الحرجة ، كانت الفرق الفنية المسرحية تكافح ببطولة استثنائية لتقديم عروضها ، ضمن إجراءات القمع والملاحقة التي كانت تطال الفنانين وفرقهم المناضلة ، مما يضطر بعض هؤلاء الفنانين إلى الاختفاء فجأة ، في الوقت الذي كانوا يؤدون فيه أدوارا في عروض تستقبل كل يوم جمهورا لم يكن يحضر تلك العروض للمتعة الفنية المشروعة فحسب ، بقدر ما كان حضوره ، في حد ذاته ، مغامرة غير محسوبة النتائج ، الهدف منها مؤازرة هذه الفرق المناضلة ، واشعار الفنانين الملتزمين بأنهم ليسوا وحدهم في هذه المعركة غير المتكافئة .
كانت عروض فرق المسرح الفني الحديث ، ومسرح اليوم ، والمسرح الشعبي تسجل بطولة استثنائية في وجه الفاشية . ففي احدى عروض فرقة المسرح الفني الحديث ، حيث كانت تقدم احدى مسرحيات الشاعر الأسباني لوركا ، وأظنها " بيت برناردا ألبا " ، وكانت البطولة مشتركة للعديد من الفنانات .. في كل ليلة كان يتم تعويض إحدى الفنانات المختفيات أو المعتقلات بفنانة أخرى ، حتى تختفي ، أو تعتقل لتحل محلها أخرى .. وهكذا. حتى اضطر جلاوزة الأمن الى قطع التيار الكهربائي عن مسرح بغداد في أحد العروض ، فما كان من الفنانات إلا أن أشعلن الشموع تحديا لتلك القوى الفاشية وسط تصفيق الجمهور الحاضر الذي أدرك مغزى هذا التحدي البطولي .واستمر العرض . كانت هناك فنانة الشعب زينب ، وناهدة الرماح ، وآزادوهي ، وإقبال محمد علي ، ونضال عبد الكريم وغيرهن ممن لم تسعفني الذاكرة باسمائهن.ممن التصقن بالشعب ، وتحدين الدكتاتورية .
حصل نفس الشئ في مختلف العروض الفنية للفرق الأخرى ، ففي فرقة المسرح الشعبي ، وفي مسرحية " رقصة الأقنعة " التي أخرجها الفنان الرائد الراحل جعفر السعدي ، تضطر الفنانة وداد سالم بطلة المسرحية إلى الاختفاء والرحيل هربا من القمع الفاشي ، فتحل محلها الفنانة ماجدة السعدي ، برغم انقطاعها الطويل عن التمثيل ، كما أخبرني بذلك الرائد المسرحي بدري حسون فريد ، أطال الله في عمره ، وهو يستحضر ذكرياته مع الراحل جعفر السعدي ، على هامش الأيام الثقافية العراقية التي أقامتها جمعية الرافدين العراقية في الرباط ، وجرى خلالها تكريم الفنان الراحل جعفر السعدي .
ما دفعني إلى كتابة كل ذلك ، تلك الصفحة المطوية من حياة الفنان فؤاد سالم ، الذي يمر بأزمة صحية نتمنى له الشفاء العاجل منها ، كما نرجو ، ونلح ، أن يلتفت المسؤولون في عراقنا الجديد ، وعلى رأسهم الرئيس مام جلال ، الى هذا الفنان ، والصوت العراقي الأصيل ، لأسعافه في الوقت المناسب .
الصفحة المطوية تتمثل في أن برنامج فرقة المسرح الشعبي للعروض الفنية ، وبعد أن أعيد تأسيسها بانضمام فرقة مسرح الصداقة التابعة للمركز الثقافي السوفيتي ( وكان قد أغلق في بداية الحملة الفاشية ) كان يتضمن انتاجات قادمة للفرقة ، تعلن عنها في " كاتالوج " كل عرض . ومن هذه الانتاجات مسرحية " السيرك " التي قمت باعدادها عن الأدب الهنغاري ، بالأضافة الي مسرحية " الصغير الكبير " التي قدمت بنجاح في وقت سابق.
تولى الفنان الشهيد كاظم الخالدي ( الذي اغتيل فيما بعد في بيروت ) إخراج " السيرك " ، وكان أن أوكل دور المغني إلى الفنان فؤاد سالم ، وبدأت البروفات على مسرح الستين كرسي .
تطوي السنين هذه الأحداث والذكريات الجميلة والمرعبة ، إلى أن ألتقي بالفنان د. ميمون الخالدي في الرباط قبل سنتين ، ليذكرني بأن مسرحية " السيرك " ما هي إلا عمل أكل نفسه ( مثل قصيدة فاضل العزاوي الشهيرة) ..حيث أنه ، وكان أحد أبطال المسرحية ، كان يذهب الى البروفة يوميا في مسرح الستين كرسي ، ليجد أن فريق العمل نقص واحدا ... ابتداء بالمؤلف والممثلين تباعا .. حتى وصل الدور إلى المغني ( فؤاد سالم ) والمخرج كاظم الخالدي .لقد اختفى معظم طاقم العمل .. وتوزعوا على أرض الله الواسعة .. ومن المسثحيل اكمال البروفات ، وتقديم العرض. . وهكذا لم يمثل فؤاد سالم هذا الدور على مسرح الستين كرسي .. وان كان قد أدى دورا جميلا في أحد الأوبريتات الغنائية في البصرة.
دعواتنا بالشفاء العاجل لفناننا الجميل فؤاد سالم .
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟