أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رشيد لمهوي - سؤال وجود الله بين فرويد ولويس















المزيد.....

سؤال وجود الله بين فرويد ولويس


رشيد لمهوي

الحوار المتمدن-العدد: 7122 - 2021 / 12 / 30 - 23:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في الفصل الثاني من كتابه الذي يحمل عنوان سؤال وجود الله. جدل بين س.إس. لويس و فرويد حول سؤال وجود الله ، الحب، الجنس ومعنى الحياة the question of God.C.S.Lewis and Freud debate God, Love, Sex, and the meaning of life. يعمل من خلاله الباحث أرموند نيكولاي أستاذ بجامعة هارفارد على مناقشة سؤال وجود الله من خلال استحضار تصور كل من فرويد و لويس. وقد منح الكاتب هذا الفصل عنوانا ذو طابع تساؤلي مفاده : الخالق. هل هناك عقل متعال متوار خلف هذا الكون؟". حاول المؤلف عبره الحفر عميقا في حياة كل منهما ، والنبش في الحيثيات والظروف الداخلية والمؤثرات الخارجية التي دفعت كل منهما إلي أن يتبنى تصورا معينا عن الوجود . في يوم السادس من آذار/ مارس 1856 بمدينة فرايبورغFreiburg ، مورافيا ، وضعت أماليا Amalia وليدها الذي تنبًأت له منذ البداية بمكانة عظيمة في المستقبل يزاحم فيها العلماء والمفكرين العظام. مٌنح اسم سيسيغموند شلومو Sisigmund Schlomo ، لكن الفتى بعد ذلك، أي بعدما اشتدً عضٌدَه وعوده أسقط تلك الأسماء. والجدير بالذكر، أن فرويد لم يستعمل قط طيلة مشواره في الحياة الاسم الثالث وهو اسم جده شلومو. وفي مرحلته الجامعية وبالضبط في جامعة فيينا قام بتغيير Sisigmund إلى Sigmund. لقد تكفلت مربية أطفال بالاعتناء به خلال مراحل عمره الأولى، وهي بالمناسبة مربية تنتمي إلى الطائفة الكاثوليكية. وقد كان فرويد يرافقها باستمرار إلى الكنيسة. تعلًق بها إلى درجة أنه اعتبرها بمثابة أمه الثانية. كرست جهدها في رعايته على الوجه الأصح بعدما فقد فرويد أخاه يوليوسJulius ، حيث كان مرضه وموته قد شغلا أمه وقتا طويلا فتركت الابن بين يدي المربية بشكل مطلق، التي لم تبخل عليه باي شيء ، بل عملت على تعريفه بالطقوس الدينية حيث كانت تصحبه معها إلى الكنيسة، مما سمح للطفل آنذاك بملاحظة كيف كان الحاضرون يؤدون صلواتهم؛ وهي ملاحظات ترسخت في تفكيره بحيث لن تستطيع مفعولات الزمان المقيتة أن تقتلعها من جذورها أو تمحيها محوا لا هوادة فيه. أما فيما يتعلق بالكاتب س إس لويس Clive Staples Lewis فقد وُلد في 29 نوفمبر 1898 بضواحي بلفاست، إيرلندا. ولد من أبوين هما فلورانس هاملتون Florence Hamilton ، وألبرت جيمس Albert James. كانت عائلته تواظب على الذهاب إلى الكنيسة المجاورة حيث كان يشتغل فيها جده كاهنا. ومن مميزات جده الخطابية أنه كان يسترسل في مواعظه بنبرة لا تخلو من روح حماسية عالية. وغالبا ما كانت عيونه تذرف دموعا منهمرة على وجنتيه الحمراوين وهو يعظ الناس من منبره المجيد. وهي وقائع مخلًدة في عقل الطفل لويس. وقد كان لويس وأخوه وارين Warren يحملان انطباعا خاصا حول هذه السلوكيات التي يبديها الجموع في هذه الكنيسة، حيث بدت لهما مزعجة ، وغير مريحة على الاطلاق. كانا والحق يقال يتماسكان أنفسهما حتى لا تنفلت منهما قهقهة قد تضعهما في موقف حرج قد لا تحمد عقباه. في سنته التاسعة، انقلب عالم لويس المخملي والهادئ رأسا على عقب. من جهة أولى، توفي جده من أبيه. ومن جهة ثانية، اشتدً المرض بأمه. وبعد استشارات ماراطونية مع أطباء مختصين ، كشفوا هؤلاء الأطباء من خلال تحليلاتهم المخبرية أنها مصابة بداء السرطان الملعون، مما يستدعي ذلك من عملية جراحية مستعجلة. مرض والدته، ووفاتها بعد ذلك، أصاب لويس بقلق شديد غائر. حيث تضرًع الطفل لله في الليالي المظلمة أن يشفي والدته، لكن رجاؤه في الله قد خاب. وقد أعلن الأب على إثر هذا المصاب الجلل الحداد على زوجته ،مما جعله غير قادر على تحمل أعباء مسؤولية رعاية الأبناء، مما دفعه إلى أن يزٌجً بهم في المدرسة الداخلية بإنجلترا. عندما كان لويس متأثرا في بداياته الفكرية بتصورات فرويد جعله يتفق معه كل الاتفاق على أن كل ما يوجد في هذا الكون هو فقط محض صدفة عمياء لا غير، كل الأشياء والأحداث وقعت مصادفة بدون وجود تدخل خارجي أو تدبير من يد خفية . لكن مع ذلك، فلويس يتساءل بحرقة إن كانت هذه الشساعة اللامتناهية والهائلة للكون، ومدى التنظيم والتعقيد الذي يوطده و يسري في تلابيبه تعكس كلها مجتمعة على أن هناك وجود كائن متعال هو خالقه ومدبره الأسمى؟. في هذا الصدد، يجيب فرويد على تساؤل لويس بنبرة رافضة ، معتبرا أن وجود كائن كلي القدرة والقوة هي فكرة طفولية تتعارض مع الواقع. زد على ذلك، يعتقد فرويد أن السًواد الأعظم من الناس إن تملًكوا زمام المعرفة وتحصًنوا في معاقلها التي لا تتزحزح ،ولا يمكن أن تُخترق من أي عدو محتمل كيفما كانت عُدًته ستكون لهم القدرة على إبعاد وإقصاء كل السرديات الخرافية للدين. يذكرنا فرويد على أن هذا العالم ليس حضانة ناصحا إيًانا بأن نواجه عنف الواقع ، علما أننا وحيدون في عمق هذا الكون. وبشكل يميل إلى الاختصار ، يصرخ فرويد في وجه الإنسانية صراخا مدويا تحلوا بالنضج!. بالمقابل، فإن س.إس.لويس وبعد اعتناقه للرؤية الإيمانية أجاب عن هذا السؤال بنبرة الموافقة "نعم". مؤكدا على أن الكون مفعم حتى التُخمة برموز وإشارات من قبيل السًماء المرصًعة بالنجوم فوق رؤوسنا والقانون الأخلاقي بداخلنا، وهي بالمناسبة صيغة مشهورة صرح بها ذات يوم الفيلسوف إيمانويل كانط، وهي تشير بالبنان على أن هناك كائن أسمى خلف هذا العالم. في هذا السياق، ينصحنا لويس بأن نفتح عيوننا ونتمعن بكل ما يحيط بنا مع فهمه واستيعابه. وفي صيغة مختصرة، يصرخ فينا لويس صرخة مدوية قائلا " استيقظوا!. في رسالة بعثها فرويد إلى صديقه Silberstein سنة 1875 أشار فيها فرويد إلى تأثره الشديد بالفيلسوف فيورباخ Feuerbach حيث أكد في قوله:" يعتبر فيورباخ من الفلاسفة الذين أكن لهم الاحترام والتقدير". والجدير بالقول، أن فرويد قضى سنوات شبابه منكبا على الاشتغال بشكل لا يتخلله الفتور على الأطاريح الفيورباخية، وعلى الوجه التحديد أطروحته "جوهر المسيحية". يعتبر فرويد الدين بمثابة وهم و مرض عصابي للإنسانية جمعاء، مسترسلا في المساءلة إن كان المسيح عينه طرفا ضمن هذه الأوهام الخرافية ، أو أنه الوهم الأصلي عينه. في رسالة إلى صديقه القس Oskar Pfister اعتبر فرويد أن تلقين تعاليم المسيح هو بمثابة مضيعة للوقت ، فهي لا تفيدنا في شيء. وقد ختم رسالته بالقول أنه لا توجد أية قيمة في محاكاة المسيح. وهنا يحيلنا بشكل غير مباشر إلى الكتاب الذائع الصيت تقليد المسيح the imitation of Christ من تأليف Thomas à Kempis [ 1440ـ1390] يحث قراؤه على اتباع يسوع وتقليده في نكران الذات وحب الآخرين. قبل أن يعتنق لويس النظرية الالحادية شارك في ممارسات وطقوس دينية امتثالا لعائلته ولقوانين المدارس الداخلية التي ارتادها. لكن مع ذلك ، لويس ألفى نفسه في خضمها تائها شارد الذهن، ينتابه شعور بالملل والرتابة القاسية، فهي بمثابة طقوس دينية يؤديها بدون إحساس ، أو إن شئنا القول بدون اقتناع داخلي محض. ما يمكن ملاحظته هو أن لويس خلال السنوات الأولى المبكرة كانت حياته تشبه إلى حد بعيد الفترات المبكرة لفرويد ، تشبهها في بعض المناحي على سبيل المثال لا الحصر، أن كل منهما تلقًى تنشئة اجتماعية يهمين عليها الطابع الديني الصرف. بالإضافة إلى ذلك، تشبًعا بالجرأة في مرحلة المراهقة حيث أفصحا عن حقيقة كونهما ملاحدة بامتياز. كما أنهما أعادا النظر مليا في تلك الدلائل الأنطولوجية التي تُقَعد وتؤصل لوجود الله من حيث أنها من منظورهما لا تنطوي في عمقها على تماسك منطقي يلملم أطرافها ويزكي وجودها. يحاول الكاتب أرموند أن يفهم سر هذا التحول في الرؤى التي اجتاحت أذهانهما بغتة، بدون استئذان. وهو ما دفعه إلى الاستعانة بالخطاطة التي طورها Gordon W Allport حول التدين. وقد حدد نمطين من التدين. الأول جوهري و الثاني تدين عرضي. هذا الأخير هو ذاك الذي تكون بموجبه تعابير الايمان موجًهة بالأساس إلى كسب وضع اجتماعي، أو السعي إلى أن نكون مقبولين اجتماعيا من طرف الآخر. وفي الغالب ، فإيمان الطفل يسعى بموجبه إلى تلبية رغبات والديه؛ وهو إيمان يدخل في صنف الايمان العرضي أو التدين العرضي. أما فيما يتعلق بالتدين الجوهري الراسخ، فهو التدين الذي يكون الناس من خلاله مستبطنين لقيمهم ومعتقداتهم الدينية. هؤلاء الناس نجدهم يتحدثون عن البداية الأولى التي فتحت أعينهم على الايمان، وفي الغالب يعتبرونها بمثابة القبس أو الشعلة الأولى التي أنارت حياتهم بوصفها ولادة جديدة. ويستمر أرموند في الحديث عن هذين النوعين من التدين، مؤكدا أن أبحاث الطب الحديث كشفت على أن التدين العرضي يمكن أن تكون له انعكاسات وخيمة على صحة الفرد الجسدية و النفسية. بينما التدين الجوهري له انعكاسات إيجابية. إجمالا، يستخلص الكاتب في أن المحرك الأولي في اعتناق كل من فرويد ولويس للتعاليم الدينية في فترة حياتهم المبكرة مرده إلى الرغبة الجيًاشة في عدم كسر شوكة الطاعة أمام أوامر وإملاءات آبائهم. وهذا التدين من السهل أن تُقتلع جذوره بسهولة من خلال التأثيرات الخارجية. إن القاسم المشترك بينهما في كونهما عملا على إتلاف وإقصاء تدينهما هو أنهما تمردا على سلطة الأب. بالنسبة إلى فرويد توجه إلى الكلية ولويس إلى المدرسة الداخلية. لم يعد وجودهما قابعا تحت رحمة السلطة الأبوية. وقد لا حظ فرويد أثناء معاينته لمرضاه أن الأفراد الذين يفقدون الصلة بالدين هم أولئك الذين أعلنوا تمردهم على الأب وسلطته الجبارة. ويظهر جليا ومجهريا على أن فرويد كان عازما ومصمما على تدمير بأي وسيلة ممكنة النظرة الايمانية، لدرجة أنه أزاغ قليلا من فرط تصميمه حينما أدلى بدلوه هكذا جزافا، وبتعميم شامل على أن المؤمنين بوجود الله هم بكل بساطة يفتقرون إلى ملكة الذكاء، ويعانون من وهن ذهني. مسترسلا في القول دائما على أن الانسان الذي يتقبل بدون إعمال للعقل أو الحس النقدي تجاه تلك المذاهب الدينية المفعمة بالعبث ، و التي نُصِبَتْ قبله بآلاف السنين . إنهم متقاعسون وسهل التأثير عليهم لانهم يُعملون العاطفة عوض العقل. ما تجدر الإشارة إليه الى أن من ضمن الحجج التي دفعت بلويس الى أن يتشبث بالنواجد في بداياته بالرؤية الالحادية هو مدى سريان وتدفق مفعولات الظلم و العدوان على الوجود، ومدى قوى الشر والقسوة المفرطة المتغلغلة في عمق هذا الوجود. وكان يطرح على نفسه هذا السؤال بشكل مستمر مفاده هو أنه إذا كان الاله قد تدخل في صناعة و خلق هذا العالم، فلماذا آلت هذه الصنعة الى فساد؟. حاول لويس أن يجد جوابا شافيا لعلًه يشفي الغليل لمعضلة هذا التساؤل الميتافيزيقي. مبرزا في سياق إجابته على أن المسيحية تؤمن بكون الله خلق كائنات تتمتع بخاصية الإرادة الحرًة تعي الفروق ما بين الأفعال غير المقبولة، الخاطئة، التي تزيغ عن جادًة الصواب، وأفعال تميل في جوهرها إلى الإتيان بالصح وعين الصواب والمقبول. في هذا الصدد، فكل هذه المخلوقات لها الحرية المطلقة في أن تكون خيرة، صالحة، أو في اختيارها لأن تكون طالحة وشريرة. من هذا المنطلق، فإن حرية الإرادة هي التي تكون بموجبها أو إن شئنا القول بمباركتها أفعال الشر ممكنة وقابلة للتعين و التحقق. بناء عليه، فإن الفساد والشر الكامن في عمق الوجود هو الإصغاء الأعمى لوساوس الشيطان في أذنه؛ ذلك الصوت الذي أباح شيوع الشر إلى حد الهيمنة و السطوة المطلقة. إن مجمل الأحداث المريعة التي تجر الكائن إلى ما لا يحمد عقباه مرده الانصياع الأعمى لذلك الصوت غير المتقطع. يقول لويس في هذا الباب: " فما وسوس به الشيطان في رأسيْ أبوينا الأولين كان فكرة أنهما يمكن أن يصيرا مثل الله، يمكن أن يستقلا بأنفسهما ويصيران أسيادا على أنفسهما، أن يخترعا سعادة من نوع ما بمعزل عن الله أو خارج نطاقه. ومن تلك المحاولة اليائسة جاء تقريبا كل ما ندعوه " التاريخ البشري" ، المال، الفقر، الحرب، البغاء، و العبودية، تلك القصة المروعة الطويلة التي تصف محاولات الانسان أن يجد شيئا بديلا عن الله يبهجه و يسعده.( 1) من بين التجارب التي لامست عمق حياة فرويد في هذا العالم هو معايشته لتلك المنغصات ذات النفحة العنصرية الذي ذاق مرارتها مع باقي جيله في تلك الفترة التاريخية ؛ هذه المرارة المتمثلة أساسا في النزعة الشوفينية ضد السامية أو ما يصطلح على تسميته بمعاداة السامية. لقد كانت هذه الحادثة تنطوي على نصيب وافر من إمكانية التأثير على حياته الفكرية حيث أثرت بشكل مباشر على موقفه تجاه رؤيته الروحية للكون. في هذا السياق، يؤكد أرموند أن النمسا في تلك الحقبة التاريخية، الزمنية بالذات كان 90 بالمائة من سكانها ينتمون إلى الديانة الكاثوليكية، وفي خضم هذه الأجواء المتوترة قال فرويد:" كنت متوقعا أنني سأشعر بالدونية وأنني كائن غريب لا لشيء سوى أنني يهودي". لهذا السبب وغيره ، سعى فرويد جاهدا إلى تشويه و نسف ما يصطلح عليه ب Religious weltanschaung ، معتبرا أن الدين هو بمثابة عدو لدود. من هذا المنطلق، استعاد فرويد شريط ذكرياته حيث تذكر تلك القصص التي كان يرويها له والده عندما كان يبلغ حينها عشرة أعوام. " اقترب من والده مجموعة من الأفراد يظهر على أنهم ضد السامية، أبدوا سلوكا تفوح منه رائحة التنمر المقيتة حيث تقدم أحدهم وتجرأ على نزع قبعته ورماها في الوحل صارخا أمام وجهه أيها اليهودي تنحى عن الرصيف. فسأله ابنه ماذا كان رد فعلك؟ ، فأجابه تنحيت جهة الطريق والتقطت قبعتي". رد الفعل الأب نحو تقبله لذلك التنمر صدم فرويد الابن، حيث اعتبر موقف والده بمثابة ضعف وسلوك رعديد من طرف رجل كان ينظر إليه بوصفه رجلا قويا لا يقهر. ما يود فرويد قوله هو أن الاعتقاد في وجود الله هو في أساسه إسقاط لأحلام وأماني الإنسان. وفي هذا الاطار، يقر فرويد أن هناك من سبقوه وتناولوا هذه الفكرة على غرار فيورباخ، الذي أرجع الثيولوجيا إلى أنثروبولوجيا، معتبرا أن المصدر الإنساني للدين و الألوهية في نهاية المطاف ليسوا سوى تمثيلا لمشاعر وأفكار الانسان الباطنية. هنا يشير الباحث أرموند على فكرة فرويد التي تفصح عن حقيقة أن مفهومنا عن الله تعود جذروها إلى الطفولة ، حيث الإحساس بالعجز؛ هذا العجز الذي نحمله معنا إلى غاية لحظة رشدنا. مؤكدا أن الله عينه على المستوى السيكولوجي ليس سوى أب مبجًل. على ما يبدو من خلال هذا الكلام، أن الطفل أثناء علاقته بالأب يشعر بالأمن والأمان حيث يحفظه من رعب الحياة الخارجية. إذا فالله بوصفه الوجه الآخر للأب هو حاميه من شرور الدنيا. يقول فرويد:" تصبح الأم ، التي تلبي أو تسد الجوع، الموضوع الأول للحب، وفضلا عن ذلك الحامية الأولى، بكل تأكيد، من جميع الأخطار المبهمة و غير المحددة التي تتهدد الطفل في العالم الخارجي. وسرعان ما يحل محل الأم في هذا الدور الأب الأشد قوة و بأسا، ويبقى هذا الدور وقفا على الأب على امتداد الطفولة. بيد أن العلاقة بالأب مشوبة بازدواجية خاصة. فالأب يشكل بذاته خطرا، وربما بسبب العلاقة البدائية بالأم. وعليه نراه يوحي بالمهابة و الخوف بقدر ما يوحي بالحنين و الاعجاب. وأمارات هذه الازدواجية تترك عميق بصمتها على الأديان. 2. في نفس السياق، يسترسل أرموند في التأكيد على أن فرويد قد اعتبر أن الله لم تكن له اليد الطولى في خلقنا على صورته، بل نحن من خلقه على صورة آبائنا ؛أو إن صح التعبير، خلقناه على الصورة التي كنا نحملها ونحن أطفال تجاه الوالدان. الله موجود في أذهاننا. ومن ثم نجد فرويد يعترف أنه لا يستطيع مساعدتنا ولكنه قادر على توجيه النصح إلينا بأن نكون أكثر نضجا ونتخلص من تلك المرويات الخرافية التي تُحاك من طرف الدين. نستخلص مما سبق، أن سيغموند فرويد دافع باستماتة عن الرؤية الالحادية للعالم، والتي تجذًرت في تفكيره من خلال تأثره بمؤلفات سابقيه ، و على وجه التحديد إسهامات لودفيج فيورباخ. في حين أن لويس دافع بدوره بكل جرأة فكرية على المنظور الايماني، الذي تبناه من خلال تأثره بكتابات جورج ماك دونالد George Mc Donald. المراجع: 1ـ المسيحية المجردة: س.إس. لويس، ترجمة سعيد ف. باز، أوفير للطباعة والنشر المتخصصة عمان، الأردن، الطبعة العربية الأولى، 2006، ص 61. 2ـ مستقبل وهم: سيغموند فرويد، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان ، الطبعة الرابعة آذار/ مارس 1998، ص 33.



#رشيد_لمهوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التصفيق شكل من أشكال الإعتراف


المزيد.....




- -يعلم ما يقوله-.. إيلون ماسك يعلق على -تصريح قوي- لوزير خارج ...
- ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق -تيك توك-؟
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن للبحث في -عدوان الإم ...
- -عار عليكم-.. بايدن يحضر عشاء مراسلي البيت الأبيض وسط احتجاج ...
- حماس تبحث مع فصائل فلسطينية مستجدات الحرب على غزة
- بيع ساعة جيب أغنى رجل في سفينة تايتانيك بمبلغ قياسي (صورة)
- ظاهرة غير مألوفة بعد المنخفض الجوي المطير تصدم مواطنا عمانيا ...
- بالصور.. رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -الم ...
- -إصابة بشكل مباشر-.. -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مقر قي ...
- واشنطن تعرب عن قلقها من إقرار قانون مكافحة البغاء والشذوذ ال ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رشيد لمهوي - سؤال وجود الله بين فرويد ولويس