أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ساندرا بلودورث - من هي ألكسندرا كولونتاي؟















المزيد.....



من هي ألكسندرا كولونتاي؟


ساندرا بلودورث

الحوار المتمدن-العدد: 7106 - 2021 / 12 / 14 - 22:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


–النص تدوينة باللغة الانكليزية نشرتها الكاتبة على صفحتها على الفايسبوك–

ألكسندرا كولونتاي التي نعرفها ولدت باسم ألكسندرا دومونتوفيتش عام 1872. ستختبر الحرب والثورة، وستكون واحدة من أشهر خطباء/خطيبات الحركة العمالية الأوروبية، كاتبة، ومحرضة ومنظمة طوال 30 سنة كثورية.

رفضت كندا اعتمادها سفيرة لدولة العمال السوفيتية. كان من غير المعقول أن تتولى امرأة مثل هذا المنصب. وعندما وصلت إلى النروج كسفيرة لبلادها عام 1922، جن جنون الوسائل الإعلامية الغربية:

فقيل عنها: “قامت بغلي أعدائها أحياء بكل برودة أعصاب- واضعة سيجارة بين شفتيها ومسدساً على وسطها. (1)

من الصحيح، كما يؤكد كاتبو سيرتها الذاتية الغربيين، أنها أمضت وقتاً وجهداً كبيرين في الكتابة عن حقوق النساء وتنظيمهن، فضلاً عن نقاشها القضايا المتعلقة بالجنسانية.

ولكن هناك الكثير مما يمكن قوله عن 50 عاماً من الالتزام السياسي أكثر عن أفكارها حول حقوق النساء.

في الواقع، من خلال الإفراط في التأكيد على هذا الجانب من عملها، يؤدي إلى التقليل من شأن مساهمتها في نضال الطبقة العاملة والثورة الروسية.

من ناحية أخرى، فإنه يقلل أيضاً من شأن استسلامها النهائي لنظام الستاليني المناهض للثورة وينتقص من أي محاولة لفهم سبب عدم تمضية حياتها إلى جانب تروتسكي، الذي ناضل من أجل الحفاظ على التحرر الذاتي للعمال التي قدمت 30 عاماً من حياتها في الدفاع عن هذه الفكرة ومحاولة وضعها موضع التنفيذ.

بداية، سنلقي نظرة موجزة على تلك السنوات الثلاثين من نضالها الثوري.

لم تصبح ألكسندرا دومونتوفيتش ثورية لأنها كانت فقيرة أو بسبب تعرضها للاستغلال. إنما اتبعت ذات المسار الذي سلكه العديد من الشباب/الصبايا أصحاب الامتيازات في ذلك الوقت.

كمراهقة، فرحت بشدة من بطولات الثوار الذين حاولوا اغتيال المسؤولين في النظام القيصري واشتهروا خلال سلسلة من المحاكمات الصورية.

عندما بلغت سن الـ 18، نقلتها والدتها إلى برلين وباريس خوفاً عليها من زواج غير مرغوب فيه، أو الأسوأ منه: انضمامها إلى صفوف الثوار.

بعد عام عادت ألكسندرا كماركسية بعد أن عثرت على نسخة من البيان الشيوعي على طاولة في مكتبة، وبعد ذلك سعت إلى المشاركة في اجتماعات اشتراكية في ألمانيا. تزوجت من فلاديمير كولونتاي، على أي حال، هدف زواجها إلى الهروب من الجو العائلي الخانق أكثر من أي أمر آخر.

لقد كانت بالفعل من أشد المعجبات بجورجي بليخانوف، أحد مؤسسي إحدى الحلقات الماركسية الأولى في روسيا، سمعت للمرة الأولى باسم لينين عام 1895 عندما قرأت إحدى منشوراته ومقالاته الممنوعة الموجهة إلى العمال المضربين أو تلك الهادفة إلى بناء التضامن معهم. تقول كاتي بورتر (إحدى كاتبات سيرها الذاتية):

“وجدت ألكسندرا في لينين فهماً لقوة وغضب أبناء المدينة من الطبقة العاملة”. (2)

في بداية عام 1896 زارت مصنعاً تولى زوجها تصميم نظام التهوئة له.

هناك، أتعبتها التجربة.

أخبرتها العاملات عن عملهن الذي يمتد إلى 16 ساعة، وعدم استطاعتهن مغادرة المصنع ليوم واحد في الأسبوع. كما وجدت طفلاً ميتاً في الحضانة ترك برعاية طفل في الخامسة من عمره.

اضطرت صديقتها، زويا، إلى المغادرة، لأن الهواء كان ثقيلاً بألياف النسيج الذي جعلها مريضة، وهي ظروف عمل أصابت العاملات بالسل بعد 3-4 ساعات من العمل ويبلغ معدل أعمارهن الـ30ات.

ذكّرها فلاديمير بأن ذلك كان السبب وراء تصميم أنظمة التهوئة، لكنها انتقلت بسرعة للتحدث عن العلاقات الاقتصادية، وليس أنظمة التهوئة.

وزادت حياتهما المترفة والعبثية من اشمئزازها.

في ربيع العام 1896، عمت موجة من الإضرابات روسيا. وكانت تلك نقطة تحول. فهرّبت المنشورات السرية إلى المصانع، وجمعت التبرعات لدعم الإضراب، كما شهدت قوة العمال وتصميمهم، وواقع أن النساء لعبن دوراً بارزاً خلال الإضراب.

حصل ذلك عندما انتقلت من العمل الرعائي الاجتماعي إلى تنظيم دعم إضراب الآلاف من العمال، وأدركت إمكاناتهم في النضال بدلاً من رؤيتهم كضحايا. بكلمات أخرى، عندما باتت ماركسية بشكل أوضح.

عام 1920، كتبت عن تجربتها هذه وغيرها من التجارب المشابهة:

“كان أمراً رائعاً فعلاً رؤية عاملة المصنع الساذجة سياسياً، تنحني بيأس بسبب ظروف العمل القاسية التي لا تحتمل، وعرضة للاحتقار من الجميع… الآن باتت في الطليعة، تناضل من أجل حقوق الطبقة العاملة وتحرر النساء”. (3)

خلال السنوات الثلاثين التالية أصبحت ثورية حقيقية.

في شتاء عام 1899، عادت إلى روسيا بعد تمضيتها سنة في زوريخ بعد أن تركت زوجها، وبدأت بالنضال السري في صفوف الحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي الذي تشكل حديثاً في روسيا.

كانت حياتها عبارة عن نضال غير شرعي، من تهريب المنشورات إلى المصانع، وجمع التبرعات للمضربين، وكتابة المنشورات والمقالات غير الشرعية.

في الأحد الدامي، يوم 5 كانون الثاني/يناير 1905، كانت محظوظة بهروبها دون التعرض لإطلاق النار خلال المذبحة التي أسقطت 3000 عامل في مظاهرة سلمية كانت الشرارة لثورة كانت بروفا لثورة عام 1917.

إن تجربة النشاط الجماهيري والثوري للطبقة العاملة أثرت فيها بشكل كبير وعلى سواها من الثوريين الملتزمين إلى جانب العمال.

لكن لا أحد بإمكانه الفرار لوقت طويل من القمع الرجعي عندما تنهزم الطبقة العاملة.

بين كانون الأول/ديسمبر 1908 وحتى 1917 عاشت كولونتاي في المنفى. قراءة نشاطها خلال هذه السنوات يشبه تماماً قراءة تاريخ الطبقة العاملة الأوروبية والمنظمات الاشتراكية.

انضمت إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني وناضلت إلى جانب كلارا زيتكين.

سافرت مسافات طويلة، وخطبت في اجتماعات الاشتراكيين والعمال، في كل أنحاء أوروبا.

كان بإمكانها إلقاء خطاب بأي من اللغات السبعة التي كانت تتحدثها بطلاقة، وغالباً ما كانت تلقيها بلغتين أو ثلاث لغات في الاجتماع نفسه.

أصبحت معروفة كخطيبة شغوفة وبليغة ومنظِّمة فعالة.

عام 1915، دعيت للقيام بجولة محاضرات في الولايات المتحدة ضد مشاركة الأخيرة بالحرب، تحدثت خلال 4 أشهر ونصف الشهر في 123 لقاءً بأربع لغات.

في ذلك الوقت، انضمت إلى البلاشفة بعد نضالها لمدة 8 سنوات في صفوف المناشفة، بعدما اقتنعت بمعارضة لينين الشديدة للحرب ودعوته للعمال إلى تحويلها إلى حرب أهلية ضد الرأسماليين.

عام 1917، كانت البلشفية الوحيدة التي أيدت علناً أطروحات نيسان التي وضعها لينين وفيها رفع شعار “كل السلطة للسوفييتات”.

في شهر تموز/يوليو، اعتقلت للمرة الثانية، المرة الأولى كانت في معتقل سويدي لمدة شهر بسبب موقفها المعارض للحرب. هذه المرة اتهمها كيرنسكي وحكومته المؤقتة بالتجسس لصالح الألمان، إلى جانب لينين وبقية القيادة البلشفية.

خلال وجودها في المعتقل، انتخبت عضوة في اللجنة المركزية البلشفية.

وتناسباً مع مكانتها كخطيبة شعبية مفوهة، تحدثت في المصانع، والشوارع، والبوارج.

وساعدت على تنظيم العاملات وعملت على تحرير رابوتنيتسا، الجريدة البلشفية الموجهة إليهن.

كانت تشارك في الاجتماع الذي قرر خلاله البلاشفة شن الهجوم. كما خطبت في اجتماعات جماهيرية ومسيرات طيلة يوم 22 تشرين الأول/أكتوبر، يوم بتروغراد السوفياتي، حين أعلنت الجماهير دعمها لنقل السلطة إلى السوفييتات.

بعد ثورة أكتوبر، وباعتبارها المرأة البلشفية الوحيدة في الحكومة البلشفية، انتخبت مفوضة لشؤون الرعاية الاجتماعية وكان من المفترض أن تساعد على إنشاء مكتب النساء المعروف باسم زينوتديل.

غالباً ما يكون رفض هذا التعيين نموذجياً، بأن النساء “ينبغي” عليهن الحصول على مثل هذا المنصب. ولكن بمقدار أي شيء آخر، يدل على أنها كانت تحظى بالاحترام في الحزب لما هو أكثر بكثير من نضالها إلى جانب النساء.

لم تكن المصالح القطاعية كافية لنيل القيادة. كنتَ بحاجة إلى أن تكون موثوقاً في العديد من القضايا التي تواجه الحزب.

خلال الحرب الأهلية، وفرت لها سمعتها كخطيبة وكاتبة أن تتولى مهمة الدعاية. بعد جمع الدعم للحكومة البلشفية في السويد وإنكلترا وفرنسا عام 1919 سافرت على امتداد مساحات شاسعة من روسيا حتى أوكرانيا.

وكمفوضة للدعاية والتحريض، لعبت دوراً بارزاً في الحفاظ على معنويات الجيش الأحمر وإقناع الفلاحين على مواصلة القتال دفاعاً عن ثورتهم وهزم الثورة المضادة البيضاء.

في الوقت عينه، كانت تعمل على توسيع تنظيم وتأثير مكتب النساء (زينوتديل).

ناضل البلاشفة لوضع نظرياتهم حول تحرر النساء موضع التنفيذ: إقامة مطابخ جماعية، ومراكز رعاية الأولاد، وإلغاء مفهوم اللاشرعية، كما أصبح الزواج والطلاق مسألة إجرائية بسيطة.

كتب تروتسكي وكولونتاي عن هذا النضال، وعلم الاثنان ولينين أنه لإسقاط هذا الاضطهاد القديم، يجب إقامة بنية تحتية جديدة بالكامل. إقامة البيوت التي تستوعب الحياة المجتمعية، إضافة إلى إجازة الأمومة وتوفير ظروف عمل لائقة.

في ظل المجاعة والخراب الاقتصادي الذي سببته الحرب العالمية والحرب الأهلية والحصار الإمبريالي، كان مدهشاً أنهم حاولوا تنفيذ هذا البرنامج.

تمكنوا من تحقيق تقدماً بسيطاً، لكنهم لم يستطيعوا تحقيق مكاسب جدية ما لم توضع الثورة على أسس جديدة.

الطريقة الوحيدة لتدعيم الثورة والمضي قدماً في بناء مجتمع اشتراكي كانت إذا أقام عمال الدول الصناعية الغربية ثورتهم.

فبذلك يكسرون الحصار المفروض على روسيا، ويرسلون المساعدات لتوفير الثروة اللازمة لبناء المجتمع الجديد.

الآن، دعونا نوقف هذا التسلسل الزمني لحياتها.

أريد الانتقال إلى معالجة بعض الأسئلة التي يجب مواجهتها إذا أردنا تقييم حياتها بصدق.

لفعل ذلك، علينا تقييم عملها حول مسألة النساء لأنها لهذا السبب عُرفت على نطاق واسع وحظت بالإعجاب اليوم.

عنونت الكاتبة بربارة كليمنتس سيرة كولونتاي الذاتية: النسوية البلشفية. بكل تأكيد، كانت كولونتاي سترفض مثل هذا اللقب، كما تقر كليمنتس نفسها.

يريد كتّاب سيرها الذاتية أن يضيفوا كلمة “نسوية” إلى هويتها السياسية لأنهم يرفضون فكرة أن البلاشفة دافعوا عن تحرر النساء أو أنهم لا يمكنهم سوى التفكير بدعم حقوق النساء كأمر نسوي.

حددت كاتي بورتر سبب كونها شخصية مشهورة بين نسويات الـ 1970ات، اللواتي خلقن هذه الصورة عنها:

“إن استحضار عزلة المرأة الماركسية من الطبقة الوسطى في روسيا في بداية القرن العشرين له صدى كبير بالنسبة لنساء نفس الطبقة اليوم في الغرب”.

لسوء الحظ، هذا ليس أساساً سليماً لتقييم عملها.

لم تعرّف كولونتاي عن نفسها كنسوية أبداً. في تأريخها لحركة العاملات الروسيات تتحدث عن “سم النسوية”.

تعرّف عن نفسها على أنها جزء من الحركة العمالية الثورية ككل، وليس كممثلة للمنظمات النسائية، حيث تشير في رسالة لصديق خلال الحرب العالمية الأولى حول جولة محاضرات لها:

“جعلني أشعر بارتياح أخلاقي كبير، لأنني كنت أتحدث بوعي وبشكل جلي عن الجناح الراديكالي في الحزب السويدي، وليس فقط لقسم النساء…”

في الحقيقة، وعلى عكس ما قالته هي نفسها في آخر حياتها، لم يكن همها الرئيسي تنظيم النساء طيلة 10 سنوات من التزامها.

عام 1903 نشرت مقالاتها في كتاب. كان الكتاب الجاد الأول حول الطبقة العاملة في فنلندا (حيث أمضت الكثير من طفولتها في أملاك والدتها).

من المفترض أنه بسبب التركيز على ما يسمى “النسوية” من اليسار الغربي، لم يترجم هذا العمل إلى اللغة الانكليزية أبداً، على الرغم من مقارنته بالعمل الكلاسيكي لإنغلز، حالة الطبقة العاملة الانكليزية.

في خضم كتابة منشورات غير قانونية تدعو إلى الإطاحة المسلحة بالقيصر عام 1905، تناولت للمرة الأولى “مسألة المرأة”.

ولكن لم يكن الأمر كذلك في التحضير للمؤتمر الوطني النسوي للنساء عام 1908 حيث قررت الكتابة عن مسألة المرأة. فنشرت كتاب الأسس الاجتماعية لمسألة المرأة عام 1909.

وقد أوضحت فيه كولونتاي فيه الموقف الماركسي:

“يرفض أتباع المادية التاريخية وجود مسألة خاصة بالمرأة منفصلة عن السؤال الاجتماعي العام في عالمنا اليوم…

فقط عبر تطور تلك القوى التي أدت في وقت ما في الماضي إلى إخضاع النساء، هو القادر بطريقة أساسية بطريقة أساسية على التأثير وتغيير وضعهن الاجتماعي.

بكلمات أخرى، يمكن للنساء أن تصبحن حرات حقاً ومتساويات فقط في عالم منظم بحسب أنظمة اجتماعية وإنتاجية جديدة”. (4)

كلما نظمت النسويات البرجوازيات اجتماعاتهن كانت تشارك فيها لتعطيلها. كما نظمت نساء الطبقة العاملة لحضور تلك المؤتمرات وإثارة الضجة فيها، مع نية واضحة للخروج والاحتجاج بمجرد أن يبدين وجهات نظرهن.

كما أدانت فكرة أن حركة نسائية يمكنها أن تناضل من أجل حقوق النساء اللواتي لديهن مصالح طبقية متعارضة تماماً:

نعم كان هناك مناقشات مع البلاشفة الآخرين حول تخصيص مناسب للموارد لتكريسها في تنظيم النساء في أي وقت.

لكن هذا لم يكن مواجهة نسوية-بلاشفة كما جرى تصويره.

كان لينين في كثير من الأحيان هو الشخص الذي يباشر النضال بين النساء. فالكتيب الذي كتبته كروبسكايا في الـ 1890ات كان أول كتابات الاشتراكيين الديمقراطيين حول النساء، كان فكرته.

وقد وبذل جهوداً كبيرة لمساعدة كروبسكايا في كتاباتها، وتزويدها بالمعلومات التي جمعها خلال بحثه عن تطور الرأسمالية في روسيا.

وعادة كان يؤيد طروحات كولونتاي وغيرها من المقترحات حول هذا العمل، في حين عارضها العديد من العضوات.

لم تكن بعض جهودها محسوبة لإقناع المتشككين. على سبيل المثال، عام 1906، نظمت نادٍ للعاملات.

كانت النقاشات حامية بين المناشفة والبلاشفة حول طريقة التدخل في الدوما.

وفي ظل حالة من السخط، قررت عاملات النسيج في النادي حظر دخول المثقفين لأنهن سئمن من تلك النقاشات.

يشير هذا إلى ضعف في مقاربة كولونتاي:

بدلاً من العثور على أعداد قليلة من النساء اللواتي يمكن استقطابهن في الحزب الثوري، كان لديها ذلك الموقف الأخلاقي المتمثل بـ “تنظيم العاملات”.

فشل النادي لأنها لم تجد بديلاً سوى الاستقالة من إدارته.

تشير كولونتاي إلى أن مقاومة تنظيمها لنساء الطبقة العاملة لحضور المؤتمر النسوي عام 1908 كان بسبب عدائية الذكور.

ولكن الواقع كان أكثر تعقيداً. شملت النقاشات بين البلاشفة حول التدخل في مجلس الدوما من ضمنها مؤسسات برجوازية.

كان المؤتمر النسوي واحداً من هذه المؤسسات. كما يلخص الأمر ألكس هولت: ممانعة اللجنة “بالتالي لم ينبع العداء تجاه تحرير النساء إنما من المبادئ السياسية العامة”.

على أي حال، انتهى بهم الأمر إلى تأييد تدخلها.

لكنني أعتقد أنهم كانوا على حق في معارضتهم. فثبت أنه كان مضيعة للوقت والموارد. بعد أسابيع من التنظيم الكثيف اصطحبت 45 امرأة من الطبقة العاملة إلى المؤتمر الذي جمع 3000 ناشطة برجوازية اللواتي أسأن إليها بوصفها “مشاغبة”. واحدة منهن، قالت لها، بكل تأدب برجوازي، إنه كان يجب خنقها عند ولادتها.

كان لدى كولونتاي ميلاً إلى الطوعية الأخلاقية والقليل من الإدراك أن الظروف هي التي تحدد أرضية ما هو ممكن. وقد أظهرت بنفسها كيف أن تصاعد النضال أدى إلى انخراط النساء فيه:

“خلال الإضرابات والاضطرابات، المرأة البروليتارية والمضطهدة والخجولة والمحرومة من الحقوق تكبر فجأة وتتعلم كيف تقف شامخة ومستقيمة. تصبح “الأنثى” الأنانية ضيقة الأفق والمتخلفة سياسياً متساوية ومقاتلة ورفيقة.

يكشف… التحول الطريقة التي تقود المشاركةُ في الحركة العمالية العاملةَ نحو تحررها، ليس فقط كبائعة لقوة عملها إنما كامرأة وزوجة وأم ومدبرة منزل”.

لكنها بعد ذلك تتجاهل مشكلة التنظيم في أوقات التراجع الثوري مثل عام 1908، التي يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار بما يتعلق بتعبئة النساء.

وتروي عن لينين رواية ظريفة في عام 1917، تعطينا صورة عن موقفه:

كانت تحاول التنظيم بين النساء مع مساعدة قليلة من الحزب: التقطت كمّ قميص لينين:

“لحظة، فلاديمير إيليتش، الأمر يتعلق بالإضراب- إنه بدأ الانتشار”. فجاوب على الفور، مبدياً كل اهتمامه: “إضراب؟ أي إضراب؟”.

كان واضحاً أن العمال المضربين (بالنسبة إلى البلاشفة) كانوا أكثر انفتاحاً على حججهم من أولئك الذين بقوا سلبيين. وكل شيء كان أفضل لو كن من النساء!

قادتها طوعيتها الأخلاقية إلى تنظيم النساء بهدف التخلص من حجابهن في مناسبات عامة بعد عام 1917.

تناقض هذا الأمر مع السياسة البلشفية، حيث رفضت القيادة ذلك، وصفته “بالمسرحية”. كانت القيادة تكره “الاستعراض”، وتصر بدلاً من ذلك القيام بنضالات جادة يمكن أن تحرز تقدماً.

كان موقف لينين:

“نحن نعارض تماماً إهانة المعتقدات الدينية للعمال/ات”. (5)

لقد أدركوا أنه إذا أريد للنساء أن تعيش حياة أكثر تحرراً، فلا بد من تغيير المجتمع؛ وجماهير النساء، وليس فقط مجموعة من الراديكاليين يمكن أن تؤدي هذا الدور.

مسألة التحرر الجنسي

لقد كتب الكثير عن خلافاتها مع ذكور القيادة البلشفية، ولكن العديد من المراجع غير واضحة حول من عارض عملها فعلياً. يشتكي الكتّاب وحتى كولونتاي نفسها من مواقف الاشتراكيين الديمقراطيين. ولكن دعونا نتذكر، أنها كانت منشفية بين عامي 1906- 1915، وبقدر ما كان البلاشفة مرتابين منها، يمكن اعتبار هذا الارتياب لأنها كانت منشفية.

ولكن هناك بعض الأشياء التي يمكن قولها حول نظرياتها عن الجنسانية حيث ينظر إليها كمعارضة وأكثر حداثة وتقدمية من مواقف لينين. حيث افترض أنها مع الحب الحر ولينين محافظ.

رغم ذلك، كتبت في كتيبها الصادر عام 1908، المعنون الأسس الاجتماعية لتحرر المرأة، عن الحب الحر:

“فقط عندما تعفى النساء من الأعباء المادية التي تسبب في الوقت الراهن اعتماداً مزدوجاً، على رأس المال وزوجها، يمكن تطبيق مبادئ “الحب الحر” دون إحداث حزن جديد بسببه”.

إذا فُهم الجدل مع إينيسا أرماند، حيث قيل أن لينين عارض فيه الحب الحر، بشكل صحيح، فهذا ما كان يسعى إليه. كان موقفه أن “الحب الحر” مطلب برجوازي طوباوي لا يمكن تحقيقه إلا بعد ثورة اشتراكية. لذا عارض لينين إدراج المسألة في كتيب موجه للعمال.

في مقال بعنوان العلاقات الجنسية والصراع الطبقي نشر عام 1921، ناقشت كولونتاي الحاجة إلى أخلاق جنسية بروليتارية جديدة. لكنها لم توضح ما الذي يمكن أن تتكون منه.

كما حاججت في مقالي المنشور في العدد 2 من مجلة ماركسيست ليفت ريفيو Marxist Left Review:

“في الواقع، على الرغم من كل اهتمامها بقضايا الجنسانية، فإن كولونتاي لم تكن أكثر راديكالية من لينين وتروتسكي. اتفقوا جميعاً على أن التحرر الجندري كان مستحيلاً حتى تحقيق ثورة كاملة في البنى الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع. لقد واجهوا حقيقة أن النضال من أجل التحرر لا يمكن فصله عن ذلك النضال”.

ومن وجهة نظر حديثة فإن بعض مواقفها كانت غير مفيدة.

لقد أيدت تشريع الإجهاض فقط كاستجابة براغماتية للنساء اللواتي يجهضن خلال الظروف البالغة الصعوبة للحرب الأهلية.

لكنها حلمت بالمجتمع الجديد كما قالت، حيث ترتقي “غريزة الإنجاب” إلى “غريزة الأمومة” النبيلة.

لم يكن هذا موقفاً صلباً للرد لاحقاً على موقف ستالين الرجعي الذي مجّد “الأمومة” من أجل زيادة الإنجاب ومنع الإجهاض.

في مذكراتها ورواياتها تتألم بشأن التوتر الناتج عن علاقات جنسية مكثفة، وحياة شخصية مُرضية، والالتزام بالمشاركة السياسية.

لقد جرى تصويرها [في كتبها] من قبل النسويات على أنها تثير النقاشات حول تلك المسائل.

لكن ما كتبته في هذه المسائل كان أضعف وأقل فائدة من مجمل كتاباتها.

على سبيل المثال، تحتوي رواية حب عاملة النحل على بعض السياسات الجنسانية المريعة. هنا مثال واحد على ذلك:

“تدرك فاسيا أن زوجها كان يمارس الجنس مع امرأة أخرى. فتواجهه بذلك فيجيبها:

فاسيا، … (النساء) يلعبن بي. لكني أكرههن! اللعنة عليهن كلهن! العاهرات الوقحات، الداعرات!

لم تتأثر بفورته الغاضبة، فبكى وترجاها:

… فقبلت فاسيا رأسه…، قلبها يتألم بالحب والشفقة على هذا الرجل الذي كان يبدو حقاً كطفل”.

عادة ما يصور حب النساء للرجل على أنه أمومة تجاهه وإشفاق عليه، على الرغم من المعاناة التي سببتها عدم وفائه لها.

ولكن الأسوأ من ذلك، أن بعض السياسات العامة لهذه الرواية مشينة. فشلت تجربة إنشاء منزل جماعي، ليس بسبب الإجهاد والحرمان الذي تسببت به الحرب الأهلية والهجمات الامبريالية والحصار، ولكن لأن الناس تافهين وتنافسيين وغير متعاونين.

تحتوي الرواية كذلك على نقد شديد للبرجوازية الناشئة، النيبمانية (NEPmen)، بعد الحرب الأهلية، وهذا الأمر أثار اشمئزازها وكان موضوعاً علق عليه ثوار آخرون من بينهم فيكتور سيرج.

ولكن هذا الأمر لم يثر اهتمام النسويات اللواتي لم يرين سوى الألم في الحياة الشخصية.

في الواقع، لا يمكن لأي قدر من تحليل للحياة الشخصية في مجتمعاتنا التهرب من واقع أن النساء لن تتحقق حريتهن إلا في مجتمع غير طبقي.

كل هذا التنظير هو من دون شك علامة الأزمنة التي كتب فيها.

كان بارزاً أن كولونتاي لم تناقش في أي وقت من الأوقات العلاقات المثلية، على الرغم من تشريعها ودعمها من المحاكم ضد أي معارضة. لم يكن ذلك نموذجها المثالي ما أصبح مثالاً أعلى للتحرر الجندري خلال الـ 1960ات، إنما كان مثالها الزيجات الأحادية المتسلسلة، وذلك يتجاهل بكل بساطة الجدية التي تعامل بها البلاشفة مع الموضوع.

لقد دعم البلاشفة لجنة هيرشفيلد العلمية الإنسانية التي تحدثت علناً عن الاضطهاد المثلي ونظمت حملات من أجل حقوق المثليين. زار مفوض الصحة، سيماشكو، معهد هيرشفيلد عام 1921 ورحب بهيرشفيلد كزائر إلى الاتحاد السوفياتي خلال الـ 1920ات. شاركت الوفود السوفياتي في الرابطة العالمية من أجل الإصلاحات الجنسانية بدءاً من العام 1921. وكانت كولونتاي والدكتور غريغوري باتيكس، “البلشفي الغضوب”، الذي كان مديراً لمعهد موسكو للصحة الاجتماعية، عضوين في اللجنة الدولية للرابطة. كل ذلك، يدل على الدعم الرسمي والمفتوح للحركة الناشئة من أجل حقوق المثليين.

لذا إن التركيز على هذه الكتابات يقلل من مساهمتها في الحركة الماركسية.

على الرغم من كل المحاولات لتصويرها كناشطة نسوية، لم تكن مسألة المرأة محورية في أهم القرارات السياسية في حياتها:

عام 1905، انضمت إلى المناشفة لأنها كانت تنتقد الموقف اليساري المتطرف للبلاشفة من السوفييتات.

كما أنها دعمت سياسة المناشفة الرامية إلى التعاون الطبقي بين الفلاحين ومشاركتهم الفورية في انتخابات الدوما (مجلس النواب الذي تنازل عنه القيصر).

إذا كانت مسألة المرأة محورية بالنسبة لها، لكانت انضمت إلى البلاشفة، لأنهم، وخاصة لينين، كانوا أكثر تأييداً لتنظيم نساء الطبقة العاملة أكثر من المناشفة.

ثم عام 1914، انضمت إلى البلاشفة بسبب موقف لينين المعارض للحرب العالمية الأولى.

نقاط الضعف

لم تأخذ قضية الحزب بشكل جدي. كانت لا تتحلى بالصبر إزاء الانقسام بين المناشفة والبلاشفة، وكانت تناشد بكل بساطة الرغبة بـ”الوحدة”.

تجاهلت الانقسامات الجوهرية التي أصبحت حاسمة مع اندلاع الحرب وخاصة عام 1917.

ومالت إلى تمجيد النضالات العفوية للعمال من دون فهم جدي لعلاقة الحزب، المكون من العمال الأكثر تقدماً والتزاماً، بجماهير العمال.

إن صورتها كمناضلة نسوية لا تفيدنا بأي شيء إزاء استسلامها الكامل للثورة المضادة بقيادة ستالين.

لذلك نحن بحاجة إلى الحكم على أفعالها وفق مقاربة ماركسية ومن خلال سياقها.

في ظل الوضع الحرج الذي واجهه البلاشفة بدءا من العام 1918، فقدت كولونتاي اتجاهاتها. برز ميل لديها إلى اليسارية الطفولية والطوباوية التي كانت موجودة في بداية حياتها السياسية.

عارضت معاهدة بريست ليتوفسك التي وقعها تروتسكي لإنهاء الحرب مع ألمانيا ودعت إلى حرب ثورية. لاحقاً تراجعت عن هذا الموقف بعد أن أدركت خطأها. كان موقفها يوتوبياً بالكامل ويميل إلى الطوعية الأخلاقية.

فالجيش لن يقاتل بكل بساطة، والشعب كانت قد استنزف قواه بعد أن صنعوا ثورة لإنهاء الحرب.

دفعت آثار الحرب الأهلية الملايين إلى حافة المجاعة، وتراجعت السوفييتات بسبب نقص في العمال الواعين طبقياً الضروريين لإبقائها حية ونشطة.

كان لا بد من الدفاع عن دولة العمال حتى يأتي العمال الغربيون لمساعدتها، لكن الاضطرابات المستمرة أصبحت مشكلة جدية.

انضمت كولونتاي إلى المعارضة العمالية، وهي تكتل طوباوي يساري متطرف.

طالبت المعارضة العمالية بوضع الصناعة تحت سيطرة النقابات وطالبوا برفع مستويات المعيشة فوراً. لكنها لم تشرح كيف يمكن تحقيق أي من هذه المطالب.

الجدير ذكره، أنها لم تتعرض أبداً لهجوم شديد من قبل لينين وتروتسكي في العلن بسبب أي خلافات حول مسألة النساء لأن الانتقادات كانت حول دعمها للمعارضة العمالية، الأمر الذي وضع الخلاف حول مسألة المرأة ضمن مقاربة محددة.

مأساة المبادئ الضائعة

كان دعمها للمعارضة العمالية خاطئاً، لكن حياتها اللاحقة كانت مأساة من ضياع المبادئ.

عندما توفيت، وضع النظام الستاليني لوحة رخامية بيضاء فوق قبرها بموسكو كتب عليها: “ألكسندرا ميخائيلوفنا كولونتاي، 1872-1952، ثورية، خطيبة، دبلوماسية”.

هذه اللوحة الرخامية البيضاء، في نظر أي شخص يدافع عن السلطة العمالية والاشتراكية هي لائحة اتهام.

لقي عشرات الآلاف حتفهم في ظروف بالغة الصعوبة في معسكرات العمل الإجباري في سيبيريا، احتجاجاً على الثورة المضادة بقيادة ستالين حتى النهاية، لم يكن لأي منهم أي قبر مميز.

أطلق النار على شليابنيكوف وديبينكو، اثنين من عشاقها، مع عدد لا يعد من الرفاق، خلال عمليات التطهير التي شنها ستالين منذ أواسط الـ 1930ات وحتى نهايتها، وبقيت كولونتاي صامتة.

تقرب منها تروتسكي حتى تنضم إلى معارضته اليسارية، إلا أنها رفضت. لم تظهر إطلاقاً، على حد علمي، أي شعور تضامني تجاهه أو مع مؤيديه الذين حاربوا فساد ستالين وكل ما دافع عنه البلاشفة والثورة.

لوحق أنصار تروتسكي في كل أنحاء العالم وشوهت سمعتهم، واتهموا بالعمالة للنازيين.

حتى تروتسكي نفسه، انتهت حياته في المنفى بالمكسيك بضربات مطرقة على رأسه عام 1940.

يقلل كتاب سيرتها الذاتية من شأن فشلها في الوقوف مع التروتسكيين، الثوريين الوحيدين الذي أبقوا على قيد الحياة الالتزام الماركسي الحقيقي بسلطة العمال وبالتالي إمكانية تحرير النساء.

إنهم يقرون أن كرهها لتروتسكي بسبب عدائه للمعارضة العمالية هو تبرير كافٍ لهذا الفشل الذريع في التقدير.

ليس الأمر كما لو أنها انسحبت أو تقاعدت كما يوحي المعجبون بها. إنما هي ساعدت في إعطاء شرعية للنظام الستاليني كسفيرة له في السويد منذ عام 1930 الذي سعى وراء مصالحه الامبريالية.

والأسوأ من كل ذلك، أنها شاركت فعلياً في التشويه الستاليني لتاريخ الثورة.

عام 1937، أعادت كتابة مقال نُشر عام 1927 بهدف إعادة إصداره في الذكرى العشرين للثورة.

المقال الأصلي كان سرداً للاجتماع حين صوتت اللجنة المركزية لصالح شن انتفاضة أكتوبر المسلحة.

في المقال الأول قدمت صورة لبافيل ديبينكو بكونه غير صبور لمتابعة الأمور، في حين كان تروتسكي هادئاً ومثيراً للإعجاب.

أما في نسخة عام 1937، فصوّرت ستالين الذي لم تذكره في المقال الأصلي، داعماً بشدة للينين.

وادعت أن ستالين قاد البلاشفة في حين كان لينين مختبئاً في فنلندا، الأمر الذي أمن الشرارة الثورية لدفع الحزب إلى التصرف.

صوّر اتفاق تروتسكي مع لينين بأنه أكثر مخادعة من معارضة زينوفييف وكامينيف، اللذين تصرفا ككاسري الإضراب، وشجبوا بالعلن الخطط البلشفية لنقل السلطة إلى السوفييتات.

تروتسكي، بحسب كولونتاي، اختبأ وراء حجة التأجيل حتى انعقاد السوفييتات:

“فانزعج تروتسكي اليهوذيّ، العميل المستقبلي للغستابو”. العميل المستقبلي للغستابو، الاتهام الستاليني الكلاسيكي للمعارضة التروتسكية لجرائمه.

كما لخصت كليمنتس، بصراحة أكثر من غيرها/ه من كتاب سير كولونتاي الذاتية، إلى:

“لقد أشادت كثيراً بستالين، كذبت حول الماضي، وقامت بتحرير كل الإشارات إلى ديبينكو، الذي كانت تحبه”.

وعندما كتب تروتسكي حول الثورة الاسبانية عام 1936، مجلدات فضح فيها الطبيعة الحقيقية للستالينية، وعندما كان يحاول دفع الشيوعيين الألمان لتوحيد الطبقة العاملة لهزم استيلاء هتلر على السلطة، وكتابة تحليلات للفاشية والفشل الستاليني، العمل البالغ الأهمية، كانت كولونتاي تشارك في عصبة الأمم ممثلة دولة ستالين الامبريالية.

حتى أنها رفّهت عن أتباع هتلر خلال اتفاقية ستالين-هتلر. وعام 1939 دافعت عن هذا الاتفاق:

“هناك طريقة أكثر ذكاء لحل مشاكل العالم من مجرد استعمال الأسلحة، وذلك من خلال المفاوضات، التي تمثلها اليوم عصبة الأمم”. (6)

عندما قاومت فنلندا عدوان ستالين، لعبت كولونتاي دوراً بإقناعهم بعدم خوض حرب الاستقلال، وإنما الرضوخ لتسوية شديدة السوء تنكر استقلالهم وتفقدهم 10 بالمئة من أراضيهم لصالح روسيا الامبريالية. ساعدت مؤهلاتها كثورية وكاتبة لتاريخ الطبقة العاملة الفنلندية في كسب مصداقيتها في هذا الإرغام المشين للسياسة الامبريالية.

ألكسندرا، التي رفضت في سن السابعة فقط، تقديم السيغار لزائر رجعي لأسرتها، وصلت إلى هنا.

تقييم

يحتاج التقييم الأمين لحياتها إلى النظر في السؤال التالي:

لماذا عملت “النسوية البلشفية” كسفيرة لنظام ستالين الإجرامي، في وقت تراجع عن جميع المكاسب التي حققتها هي والبلاشفة للنساء بشكل مؤقت في السنوات التي تلت الثورة مباشرة؟

ليس من السهل العثور على إجابة. كيف يتفاعل الناس مع الظروف ليس واضحاً دائماً بشكل كلي.

في حالة كولونتاي، هناك العديد من العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند قراءة سيرها الذاتية:

أولا، لا يوجد كاتب سيرة ذاتية يتحدث الانكليزية حتى اليوم ويفهم سياسات لينين والبلاشفة. دائماً ما يقدمون رواية غير دقيقة عن مواقف لينين.

ينبغي أن ينبهنا ذلك إلى احتمال وارد بشكل جدي أن ملخصات مواقفها مشوهة بسبب سوء الفهم. ويجب التحقق من مصادرها باللغة الروسية.

لذلك وحتى يتوفر لدينا متحدث روسي على دراية جيدة بالسياسات الفعلية للبلاشفة وتاريخهم، لن يكون لدينا الكلمات الفعلية التي تبين من كانت ألكسندرا كولونتاي فعلياً.

ولكن يمكننا إجراء بعض التقييم لحياتها والذي يكون مناسباً لكل شخص يريد التعلم ممن سبقنا في النضال من أجل تحقيق الاشتراكية.

دعونا نبدأ بالسلبيات وننتهي بالإيجابيات، لأن مساهمتها كانت ملحوظة.

لم تفكر أبداً بشكل جدي من خلال النظرية لماذا تحتاج الطبقة العاملة إلى الحزب الخاص بها، أو إلى أي نوع من الأحزاب التي يجب أن تكون موجودة.

لم يكن حماسها للنضالات العفوية للطبقة العاملة، والتزامها المطلق تجاهها، كافياً لدعمها في الأوقات الصعبة. لذلك نحتاج إلى تحليل ملموس وتقييمات جدية لما هو ممكن. كما حاجج لينين دائماً “حقيقة ملموسة”.

لذلك في فترة التراجع الثوري بعد عام 1908، كانت مواقفها مشوشة ومتباينة، شبيهة بمواقف بوغدانوف و”طالبي الرأفة من الله”، بقيت مع المناشفة عندما كان واضحاً أنهم ليسوا إلى جانب ثورة العمال، إنما من أجل التذيل للانتلجنسيا الليبرالية الخائنة.

تملكتها ضغينة شديدة بعد الهجمات على المعارضة العمالية. لا يستطيع الثوريون أن تتملكهم الضغائن الشخصية، ولا يمكنهم اتخاذ قرارات صحيحة على أساس الإعجاب وعدم الإعجاب الشخصي.

ينبغي وضع الخلافات على حدى إلى حين توفر ظروف جديدة. كانت المشاكل التي ذكرتها عام 1921 صحيحة، وربما ذهب تروتسكي ولينين بعيداً في رفضهما لها، حيث كانا مذعورين من الموقف.

لكن في نهاية الأمر، استمر تروتسكي بسلوك الطريق الوحيد الثابت والمبدأي المفتوح للماركسيين الثوريين.

لقد واجه ستالين عند كل منعطف، ليس على أساس التخلي عن التزامه بالثورة العمالية كما فعل الكثيرون، ولكن من خلال ترسيخ هذه المعارضة بشدة ضمن التقاليد الماركسية.

وحافظ مع أنصاره على ما كان أساسياً من التجربتين الثورية والثورة المضادة للطبقة للطبقة العاملة الروسية.

برفض كولونتاي دعمهم، ستحمل العار للأبد.

مع ذلك، إن ثلاثين عاماً من نضالها هي مصدر إلهام لأي شخص يريد رؤية بناء العمال من خلال نضالاتهم الثقة والإرادة السياسية والتنظيم للإطاحة بالرأسمالية.

دافعت وحاولت تطبيق الموقف الماركسي أن اضطهاد النساء جزء لا يتجزأ من المجتمع الرأسمالي وأن النساء لن تتحررن إلا بعد اسقاط هذا النظام وتأسيس الاشتراكية.

حاججت بكل شغف لمدة 30 عاماً معتبرة أن هذه النتيجة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال ثورة الطبقة العاملة.

ساهمت في النضالات التي بنت التقاليد الاشتراكية في الطبقة العاملة الأوروبية والروسية من خلال خطاباتها الحيّة وكتاباتها الرائعة وقدرتها الهائلة على النشاط والتنظيم.

لذلك أعتقد أنه من المناسب أن أختم هذا النص بوصف نموذجي لها كخطيبة من صحفية اشتراكية سويدية المناهضة الحرب هناك:

“عندما تحدثت برقت عينيها بالحماسة الثورية فاستعادت كل إلهامها الشغوف، لا تعرف طاقتها التعب وشغفها لا ينضب، وعندما صمتت، سُمع هذا التصفيق الهادر بحيث يتخيل المرء أنه سيؤدي إلى إسقاط النظام القيصري بحد ذاته”. (7)

الهوامش:

1. Porter p.308.

2. Porter p.42-43

3. Towards a History of the Working women’s Movement in Russia

4. Alexandra Kollontai, “The social basis of the woman question” in Alexandra Kollontai on Women’s Liberation, Bookmarks, London, 1998, p.9

5. Mick Armstrong’s MLR article Lenin, Vol 15 of Collected Wks, pp.402-413.

6. Letter to her Swedish friend, Ada Nilson

7. Porter, pp.175-176



#ساندرا_بلودورث (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من هي ألكسندرا كولونتاي؟


المزيد.....




- مصدردبلوماسي إسرائيلي: أين بايدن؟ لماذا هو هادئ بينما من ال ...
- هاشتاغ -الغرب يدعم الشذوذ- يتصدر منصة -إكس- في العراق بعد بي ...
- رواية -قناع بلون السماء- لأسير فلسطيني تفوز بالجائزة العالمي ...
- رواية لسجين فلسطيني لدى إسرائيل تفوز بجائزة -بوكر- العربية
- الدوري الألماني: هبوط دارمشتات وشبح الهبوط يلاحق كولن وماينز ...
- الشرطة الأمريكية تعتقل المرشحة الرئاسية جيل ستاين في احتجاجا ...
- البيت الأبيض يكشف موقف بايدن من الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ف ...
- السياسيون الفرنسيون ينتقدون تصريحات ماكرون حول استخدام الأسل ...
- هل ينجح نتنياهو بمنع صدور مذكرة للجنائية الدولية باعتقاله؟
- أنقرة: روسيا أنقذت تركيا من أزمة الطاقة التي عصفت بالغرب


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ساندرا بلودورث - من هي ألكسندرا كولونتاي؟