أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - الحزب الشيوعي الثوري الكندي - الثورة الثقافية الكبرى: ثورة داخل الثورة.















المزيد.....


الثورة الثقافية الكبرى: ثورة داخل الثورة.


الحزب الشيوعي الثوري الكندي

الحوار المتمدن-العدد: 1654 - 2006 / 8 / 26 - 11:05
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


وثيقة مترجمة عن الحزب الشيوعي الثوري الكندي (لجنة التنظيم).ا

ببدء تطبيقها أواسط الستينات، زعزعت الثورة الثقافية البروليتاريا الكبرى كل الصين، بل وكل العالم أيضا، خلال فترة دامت عشر سنوات وقد نعتها خصومها، بما فيهم التحريفية التي هي من الآن فصاعدا على رأس السلطة في الصين، بالعشر سنوات السود. ومع ذلك تشكل الثـــــورة كما أكــدنا ذلك في برنامجنـا " تجربة التحويل الأكثر تقدما في تاريخ البروليتاريا العالمية". فبعد خمسة عشر عاما من دخول جيش التحرير الشعبي إلى بكين، كانت جماهير العمال والفلاحين مدعوة من جديد للتحرك لمنع عودة الرأسمالية، وللدفع بالمجتمع الصيني نحو الشيوعية؛ ويأخذ الكراس الحالي، في شكل أسئلة و أجوبة، الشيء الأهم من وثيقة قصيرة نشرت منذ وقت قريب، من طرف الرفاق في الحزب الشيوعي الثوري في الولايات المتحدة (RCP. USA) وقد نشرت مقتطفات قريبة منها في صفحات أسبوعية " العامل الثوري" – عدد 1251 29 غشت 2004 متوفرة على Rwor.Org – ويهدف إلى البحث عن عناصر الإجابة والرد على الاعتراضات الرئيسية المرفوعة ضد الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى.

عورضت بالبداهة، الثورة الثقافية معارضة شديدة. وقد وصفها كثيرون بحملة تطهير ضد خصوم ماوتسي تونغ، جرت الصين إلى فوضى كبيرة. فما مدى صحة ذلك؟

كانت الثورة الثقافية البروليتارية حركة جماهيرية حقيقية، شارك فيها مئات الملايين من الناس. وبالتأكيد يمكننا نعتها بــ"ثورة داخل الثورة"، ففي سنة 1949، كما نعرف قلبت الثورة النظام الاجتماعي القديم وسمحت بتأسيس نظام اقتصادي وسياسي اشتراكي، قائم على سلطة الجماهير، و أضافت مكتسبات كبيرة للشعب. لكن مع ذلك بقيت التفاوتات الاقتصادية و اللامساوات الاجتماعية، وبزغت نخبة جديدة، تهدد مكتسبات الثورة. فقد كان المركز السياسي والتنظيمي لهذه الزمرة يوجد داخل الحزب الشيوعي الصيني، وكان تأثيره الايديولوجي والسياسي يتعاظم.
أواسط الستينات، ناور مناصرو الطريق الرأسمالي بحمية كبيرة للاستيلاء على السلطة ( نتحدث هنا أساسا على قادة الصفوف العليا للحزب، الذين يرتكزون على ماركسية متحللة ليبرروا واقع ان الصين تتبنى نهجا سياسيا واقتصاديا يقود إلى عودة الرأسمالية). وكان هدفهم هو إعادة تأسيس النظام الاستغلالي وإعادة تأسيس النظام الاستغلالي و إعادة فتح الصين للسيطرة الأجنبية – بكلمة واحدة: كان هدفهم هو تحويل الصــين إلى ما أصبحـت عليه اليوم فعلا. جنة المحلات التجارية الجميلةLe paradis des sweat shops.
بعيدا عن أنها كانت " ثورة البلاط" كما يزعم البعض كانت الثورة الثقافية مسرحا لمعركة محتدمة وعميقة حول مسألة معرفة من سيوجه – منذ ذاك – المجتمع: هل الجماهير الشغيلة بمعناها الواسع؟ أم طبقة برجوازية جديدة ؟
نعم، لقد حرض ماو والثوريون داخل الجماهير وحثوها على ان تثور لمنع الرأسماليين من التحكم بها، ولرفع الحزب إلى المراتب العليا. هذا الحزب الذي كانت فيه نزعة تميل إلى الانصهار اكثر فاكثر في النموذج البرجوازي والبيروقراطي. غير أن الثورة الثقافية كانت شيئا اكبر من هذا. فبفضلها باشرت الجماهير التحويل الاقتصادي و تغيير المؤسسات الاجتماعية، والثقافة ومجموع القيم التي يتشرب بها المجتمع. لقد كانت ( الجماهير ) مدعوة لتثوير الحزب نفسه، وقد سمى ماوتسي تونغ العملية باستمرار ( أو مواصلة) الثورة في مرحلة ديكتاتورية البروليتاريا.

هل كان الأمر يتعلق حقيقة بثورة شعبية؟ فما يزعمونه، وما نسميه في الغالــب هو انها كانـــت فرصــــــة " لتطهير اجتماعي" جد مهول.

على عكس ما يزعمون، فالثورة لا يمكن تلخيصها في "الاجتماعات الإجبارية" ولا في أن أناس كانوا ضد المشاركة في "معسكرات الأشغال الشاقة"، أو ضد الموافقة على فكر وحيد "جماعي وشمولي". فلقد كانت المناهج المستعملة في إطار الثورة الثقافية، في الحقيقة، جد متخلفة عما يقال عنها الآن. لقد شارك العمال والعاملات والفلاحون والفلاحات، والجماهير الواسعة، بالفعل، فيما كان "حركة نقد واسعة للإدارة الفاسدة"، وشاركوا في نقاشات عمومية واسعة وعميقة تخص مسائل جد متنوعة كالاقتصاد السياسي، ومستقبل نظام التربية والثقافة، وأيضا العلاقات بين الحزب و الجماهير. وبالفعل، لم يكن ماو مهتما بـ " التطهيرات"، بل كان يفضل حركة الجماهير، في القاعدة ، لقطع الطريق على أعداء الثورة. وهذه بعض الأشكال التي اتخذتها هذه العملية:
 الحرس الأحمر: انضم ملايين الشباب إلى هذه الألوية السياسية التي كانت تهدف إلى الدفع بنقد قادة الحكومة والحزب الذين كانوا يناورون بهدف إعادة المجتمع نحو الرأسمالية. وقد ناضل الحرس الأحمر لوضع حدا للممارسات النخبوية في الجامعات، وحث العمال والعاملات على رفع رؤوسهم، ووضع السلطات الرجعية موضع تساؤل، بل وتحديها إذا لزم الأمر. وقد اتجه الحرس الأحمر إلى الريف لتوسيع الحركة، وأيضا لمعرفة المزيد عن ظروف الفلاحيــــن.
 Les diazibaos أو " جرائد بحروف كبيرة" : ظهرت هذه الإعلانات الحائطية المطبوعة بكثرة على حيطان المدارس، والمعامل، وفـــي الأحياء الشعبية. وقد دفعت باتساع رائع للنقد الشعبي بخصوص القادة وسياساتهم. وكان الحبر والورق يمنحان مجانا لكل من يريد استعمال هذه الطريقة في التعبير. وقد ساعدت هذه الإعلانات كرصيف للنقاشات، وقد نشرت أكثر من 10.000 جريدة ومؤلف ، أو دوريات مختلفة ــ بعيدا عن المنشورات الرسمية ــ لبحث المسائل السياسية المختلفة ( فقط في بكين 900 دورية أثناء الثورة الثقافية).
 الإطاحة بمناصري الرأسمالية وخلق أشكال جديدة للسلطة في القاعدة: شارك أكثر من 40 مليون عامل وعاملة موزعين على كل القرى الكبيرة في صراعات سياسية قوية ومعقدة بهدف نزع السلطة من النخب الفاسدة. وكان المناخ السياسي مكهربا: ففي مدينة شنكهاي وحدها ظهر ما لا يقل عن 700 منظمة جديدة. و هكذا خلقت مؤسسات جديدة تهدف إلى السماح للبروليتاريا بقيادة المجتمع، وذلك بمناقشة التجريبية السياسية وبفضل قيادة الثوريين الماويين.

ألم يكن هناك كثير من العنف خلال الثورة الثقافية، ذهب ضحيته أناس أبرياء؟

توحي التقارير المنجزة في الغرب بأن الهجومات العنيفة ضد بعض الأشخاص والتصفية الجسدية للمعارضين كانت بالمباركة الرسمية لماو، وان العنف ــ سواء كان سياسيا أم لا ــ الممارس من طرف بعض الأوباش كان منتشرا جدا، غير أن هذه الادعاءات هــي زعم خاطئ.
إن توجيه ماو فيما يخص سيماء الثورة الثقافية، كان محددا منذ البداية في وثائق رسمية كانت موضوعا دسما للنشر. فـ "البيان من 16 نقطة" الشهيــــر الذي تبنته اللجنة المركزية في غشت 1966، شرح بطريقة واضحة بأنه أثناء النقاشات، يجب الاحتكام إلى العقل، والأدلة، والبراهيـــن، وليـس إلى الإكـــراه أو القسر" وقد أكدت هذا التوجيه تصريحات عديدة كان مصدرها التيار الماوي طبعا، وهكذا، منع الحرس الأحمر من حق حمل السلاح، أو اتخاذ إجراءات التوفيق.
صحيح ان ماو دعا الجماهير إلى "تفجير مقر القيادة العامة" و إلى الإطاحة بالحفنة المناصرة للرأسمالية داخل الحزب والدولة. لكن كانت كل الانتفاضات التي دعا إليها ماو دائما ذات طابع سياسي، وقد أخذ الصراع الطبقي، خلال فترة الثورة الثقافية، شكل النقاشات، والنقد والتعبئة السياسية للجماهير. وقد منح مسؤولو الحزب والموظفين الذين كانوا تحت نيران النقد، إمكانية إصلاح أنفسهم والمشاركة في الحركة. وبالفعل فقد كان عدد أطر الحزب الذين طردوا فقط ثلاثة وهذا ما ينفي تماما ما يمكن أن يسمى تطهيرا تعسفيا.
ومع ذلك، هل كانت هناك فترات عنف؟ بطبيعة الحال، نعم. فقد تميزت فترة الثورة الثقافية بصراع طبقي حاد وصاخب. وفي إطار حركة جماهيرية كهاته ( ولنذكر ان الحرس الحمر وحده ضم أكثر من 30 مليون من الشباب المناضلين والمناضلات) وفي بلد واسع كهذا، يضم أكثر من 800 مليون نسمة، سيكون من الصعب تصور شيء غير ذلك. إنه من المحتم ان حركة اجتماعية بهذا الاتساع، حركة تهدف إلى تقويم عدد المظالم Injustices ستقود إلى بعض التجاوزات، غير أنه يجب الإلحاح هنا على ثلاث مسائل.
1) أولا كان العنف الذي مورس محدودا ومتفرقا. ولم يكن إلا ممارسة أقلية من داخل الحركة.
2) ثم عندما ظهرت بعض النزاعات المؤذية في معسكر الشعب ( مثلا ، عندما يعتدي أفراد من الحرس الأحمر على بعض الأشخاص جسديا أو يهينون بعض الموظفين أو أيضا، عندما يحول البعض استخدم الحركة لتصفية الحسابات الشخصية مع الآخرين) انتقدت و حوربت من طرف القيادة الماوية .
و هكذا ، ففيما يخص واحدة من الحلقات التي ميزت الثورة الثقافية ( التي لا نكاد نسمع أحدا يتكلم عنها إلا نادرا) دخل مجموعة من العمال و العاملات، الذين يتبعون خط ماو، جامعات بكين يهدف وقف المعارك بين الطلاب ، و مساعدتهم على حل خلافاتهم بطريقة صحيحة. (4)
3) و أخيرا يجب القول بأن جزأ كبيرا من العنف قد شجعه بالفعل مناصرو الرأسمالية ـ و هم من الصفوف العليا من الحزب ـ الذين كانوا يبحثون موقع لهم. و قد كان أحد تكتيكاتهم عندما وجدوا أنفسهم تحت نيران النقد، هو تعبئة مجموعة من العمال و الفلاحين للهجوم على قــطاعات أخرى من الشعب لتعميم الفوضى باسم الثورة الثقافية. و قد ذهب البعض منهم إلى حدود تكوين تنظيماتهم الخاصة من الحرس الأحمر"المحافظين"، الذين كرسوا أنفسهم للتخريب. و كان هؤلاء القادة يهدفون بذلك من جهة إلى تحويل أنظار النقد الموجه إليهم، و من جهة أخرى إلى التقليل من شأن حركة الثورة الثقافية .
و كما نعرف فهؤلاء المناصرون للرأسمالية هم أنفسهم الذين أطاحوا بالسلطة البروليتارية، بعد ذلك في سنة 1976 . و بما أننا نتحدث عن العنف، سنسمح لأنفسنا بالإشارة إلى أنهم هم، بالضبط الذين أرسلوا الجيش للهجوم بجبن على الطلاب و العمال، الذين كانوا يحتجون في ساحة التيانامين tianamen عام1989.

ماذا عن المعاملة التي كانت مخصصة للفنانين و المثقفين ؟
و ماذا عن هذه السياسة الشهيرة التي بموجبها يبعث الناس للعمل في الريف ؟

لم يكن الفنانون و المفكرون ، و الفنيون أبدا مستهدفين كفئة أو كشريحة اجتماعية مميزة أثناء الثورة الثقافية. أكيد أن الفنانين كانوا يحثون على المشاركة في الحركة، خصوصا بالشروع في تقييم ذاتي auto –evaluation فيما إذا كانت أعمالهم و ممارستهم تتقدم بالثورة أم لا . لقد كانوا مدعويين إلى تسجيل أعمالهم في إطار عام ، الذي هو النضال من اجل خلق مجتمع جديد . و قد بحثت الثورة على تحريض الفن الثوري ، الفن الذي يضم الجماهير ، و يساعدها على التقدم بسير التاريخ .
لقد كان أحد أهداف الثورة الثقافية هو الحسم مع التفاوتات الكبيرة في هذا المجال ، حيث كان الفنانون و المثقفون و الفنيون مركزين في المدن ، و كان عملهم منفصلا بشكل كبير عن الأغلبية الساحقة للمجتمع ، و خصوصا ال 80 % من ساكنة الريف. لقد أعطت الثورة الثقافية ولادة نقاشات واسعة حول ضرورة تقليص التفاوتات من هذا النوع : بين العمل اليدوي و الذهني ، و بين المدينة و الريف ، و بين الصناعة و الفلاحة ، و أيضا بين الرجال و النساء.
فنانين ، أطباء ، ورجال و نساء العلم ، تقنيين ، كلهم كانوا مدعوين للارتباط بالعمال و الفلاحين ، حتى يمكن لمؤهلاتهم ان تلبي الحاجات الاجتماعية ، و حتى يمكنهم مقاسمة الجماهير حياتهم ، و معارفهم ، و أيضا ليتعلموا هم أيضا من الجماهير. و بالفعل استجاب عدد كبير من الشباب و الفنيين بشكل إيجابي لنداء ماو هذا ، الهادف إلى خدمة الشعب ، و توجهوا بشكل تطوعي إلى الريف.
هذا يعني ، كي يصل تغيير الذهنية هذا إلى مستوى معين من التطور ، كان من الضروري أن تصبح السياسات الاجتماعية الجديدة مؤسساتية Institutionnalisé . و هكذا تم إلزام أصحاب الشهادات الثانوية بقضاء عامين على الأقل في القرى والمعامل، في الوسط القروي قبل ان يمكنهم الدخول إلى الجامعة؛ كان إذن – بالتأكيد- نوع من القسر والإكراه : لكن يجب فهم أنه ليست كل أنواع القسر سيئة بالضرورة. وهكذا، هل كان يجب معارضة إنهاء التمييز العنصري في جنوب الولايات المتحدة تحت ذريعة ان الأمر يتعلق بإجراء قسري فرض بالضرورة داخل المدارس؟ بالنسبة لكثير من المثقفين فإن ترك امتيازاتهم والارتباط بالجماهير في الريف يشكل تجربة مفيدة و ثمينة.
إن الهجومات التي شنت ضد الثورة الثقافية، والتي نزعم ان هاته الأخيرة " أفسدت الحياة" و" خربت مسيرة " بعض الأشخاص، تستهدف فعلا قلب Cœur السياسات الاجتماعية التي كانت متخذة ضد النخبويين بشكل جذري.
يقال دائما أن السياسة التي تستهدف بعث الأطباء والمهندسين، والمثقفين وأشخاص آخرين متعلمين إلى الريف، كانت بالنسبة لهم نوعا من " العقاب" لكن هنا أيضا، يجب التمركز داخل السياق السوسيو ــ اقتصادي للمرحلة، وخصوصا إرادة الصين الوصول إلى تطور متكافئ ومتساو. فبلدان العالم الثالث وكما نعرف تواجه مشاكل التمدن urbanisation الحادة، والتطور اللامتساوي: تصبح المدن في هذه البلدان بفائض سكاني كبير بسرعة كبيرة، وتعرف مشاكل بيئية غير قابلة للتذليل تقريبا. وتحيط بها مدن صفيح شديدة التلوث، ويجب ان تواجه الدفق الهائل للمهاجرين القادمين من الأقاليم الريفية الذين لا يجدون في الغالب فرصا للشغل؛ إن السياسات الاقتصادية ونظام التربية و البنى التحتية الصحية غالبا موجهة في المقام الأول لسد حاجات الأغنياء على حساب الأكثر فقرا ( في المدينة كما في الريف).
كانت الصين الماوية تبحث بوعي لتجنب هذا النوع من النمو المفرط للمجال الحضري الذي يميز النموذج الغربي، و ذلك بتأمين تطور صناعي وفلاحي متكامل عن طريق توزيع القدرات الإنتاجية، و محاربة اللامساواة بين الجهات، وقد طبقت استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار رفاهية الريف، وتعطي الأولوية لأولئك الذين استغلوا وأهملوا من قبل.

نعم، ولكن هناك شهادات عديدة مأخوذة مباشرة تحكي معاناة شخصية لأولئك الذين عايشوا الثورة الثقافية؟

إن لمختلف الطبقات وممثليها على المستوى الأدبي مفاهيم مختلفة عن ما هو الصحيح و ما هو الخطأ. وعن ما هو "رهيب" و ما هو "محرر". ومسألة أن أحدا عايش شخصيا هذا الحدث أو ذاك لا يغير شيئا في هذه الظاهرة، ولا يمنحه بالضرورة فطنة اكبر.
هناك فعلا العديد من الفنيين ذوي امتيازات نسبية (خصوصا في الوسط الحضري) أحسوا بــ"المعاملة الجائرة" خلال الثورة الثقافية، لأنهم كانوا عرضة للنقد واختل نمط حياتهم العادي، وتقلصت امتيازاتهم. هذه هي "الجراح" التي عانوا منها ويحكوها لنا الآن... مع إضافة قليل من المبالغة إليها من دون شك. ويجب ألا نندهش إذا كانت أعمالهم قد احتفل بها ونصبت في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الصين عندما تمكن أعداء الثورة من السلطة سنة 1976 . إن التقييمات و التقريرات الإيجابية عن الثورة الثقافية بالنسبة لهم ، التي تمثل ما كان يعني جزءا هاما من الجماهير الشغيلة، لم تنشر عموما من طرف دور النشر الكبرى .
لكن لنفكر في ذلك قليلا : ما هو نوع التقييم للثورة الفرنسية الذي سنحصل عليه من طرف " شاهد" كان ينتمي للأرستقراطية القديمة ؟ ماذا سنعرف عن الحرب الأهلية من ريشة عضو من النبلاء الصغار الذين يملك المزارع في و م أ EU ؟ أو أيضا قريبا منا. ماذا يمكننا أن نستخلص من شهادة رجل أبيض يتأسف عن عدم قبوله في مدرسة الحقوق التي اختارها، بسبب برامج الدخول التي تفضل قبول الافرو ـ أمريكيين ؟ من الطبيعي أننا سنعتبر مثل هذه التقارير الصادرة على شاهدي "عيان" هؤلاء ، مواربة ضد هذه التغيرات الاجتماعية المهمة التي حدثت، و هذا هو الشيء نفسه مع الثورة الثقافية . فالقوى الاجتماعية ذات الامتيازات قد رأت و ( شوهت ) الثورة الثقافية عبر عدساتها الخاصة .
إن هذا لا يعني أنه لا يمكن استنباط أي شيء شهاداتهم أو انه لم يرتكب أي خطأ في الطريقة التي عومل بها البعض. لكن هذه التقارير، ذات الطابع الشخصي، تعكس الأحداث بشكل خاطئ، وكذا الحركة الجماهيرية والتيارات الرئيسية التي تقاطبت الثورة الثقافية. على العكس، وفي كثير من الأحيان، تعتم هذه الشهادة على المصالح الطبقية والرهانات الاجتماعية التي كانت في قلب التناقضات والصراعات التي ميزت هذه المرحلة.

هل يمكنكم ذكر بعض الإنجازات الحقيقية للثورة الثقافية البروليتارية الكبيرى؟

في المقام الأول ما يجب الإلحاح عليه هو ان الثورة الثقافية قد سمحت بالحفاظ على ديكتاتورية البروليتاريا ومنعت البرجوازية أخذ السلطة طيلة فترة لا يستهان بها، مدة عشر سنوات من 1966 إلى 1976، وقد قادت الثورة الثقافية أيضا إلى تغيرات اجتماعية ومؤسساتية عميقة، حول مبدأ "خدمة الجماهير" وهذه بعض الأمثلة:
• في مجال التربية: تحولت الجامعات التي كانت في بداية الستينات محمية أبناء وبنات كبار المثقفين والأطر والطبقات القديمة ذات الامتيازات تحولا تاما. قلبت البرامج التعليمية رأسا على عقب بالشكل الذي تسد به حاجات مجتمع متساو البناء. وانتقدت المناهج البيداغوجية الأتوقراطية. وعلى كل المستويات تم البدء في اعتبار التربية اكثر من مجرد طريقة لنقل المعارف داخل القاعة أو القسم. بل كورشة كبيرة للنضال والبناء، مرتبطة بالتطور الاجتماعي. وقد كانت الدراسات والأبحاث تتناسب مع متطلبات الإنتاج. وكانت السياسة الثورية والتربية السياسية متكاملان في العملية التربوية.
إضافة إلى ذلك أعادت الثورة الثقافية وضع المفهوم القديم موضع تساؤل، هذا المفهوم الذي يريد ان تكون التربية وسيلة للترقية الاجتماعية، وان المؤهلات والمعارف تعمل على تثبيت مصالح هذا الآخر. وقد شجع ذلك انتشار قيم جدية. مثلا كفكرة ان اكتساب واستعمال المعارف يجب أولا ان تخدم المصلحة الجماعية.
كانت الجامعات مجبرة على اتخاذ سياسات قبول اكثر انفتاحا: في بداية 1970 اصبح الطلاب من اصل عمالي وفلاحي يشكلون الأغلبية الساحقة داخل الجامعات. وفي المناطق الريفية تطورت الوسائل التربوية بصورة مذهلة. كمثال ساطع: تزايد عدد التسجيلات في المدارس المسماة "متوسطة" من 15 إلى 58 مليون. إن الاتهامات القائلة ان الثورة الثقافية كانت "عقدا ضائعا" على مستوى نظام التربية هو إذن تشويه خالص ومثال آخر على المواربة التي تثيرها الطبقات ذات الامتيازات.
• في الميدان الثقافي: فــ" الأعمال الثورية النموذجية" التي قدمت و أنتجت في ميدان الأوبرا والباليه تضع هالة حول حياة العمال والفلاحين، وحول مكافحتهم للاضطهاد، مكان الدراما القديمة التي كانت تجري نقصا في الساحات الإمبراطورية. و قد تم ضم التقنيات الغربية إلى الأشكال الصينية التقليدية وبحثت أعمال عديدة، عن تقديم صورة جديدة للمرأة القادرة على تحدي العلاقات البطريركية القديمة.
لقد كان هناك انفجار حقيقي للإبداع بين الجماهير: أدب جديد، شعر ، رسم، نحت، موسيقى ورقص. وتنوعت الإنتاجات. وأسست جماعات ثقافية ومجموعات الإنتاج السينمائي في القرى. فمن سنة1972 إلى 1975 نظمت معارض مختلفة في متحف الفنون الجميلة في بكين كانت 65% من العمال المقدمة فيها لفنانين هواة. وقد جابت هذه المعارض 7,8 مليون من الزوار وهو رقم لم يسبق أن كان أبدا قبل الثورة الثقافية.
يصف الكاتب M.C.F.Gao كاويز الذي شارك في الثورة الثقافية تأثير الثقافة الجديدة في الريف هكذا:" للمرة الأولى تمكن القرويون من تنظيم فرق مسرحية أعطوا تمثيلات تمزج محتوى وشكل الأوبرات الثمان الكبرى النموذجية في بكين، منسجمة في اللغة مع الموسيقى المحلية. فلم يتسل القرويون وينشغلوا فقط، ولكن أيضا تعلموا القراءة والكتابة بهاته الطريقة. وقد نظمت مباريات وتجمعات ومباريات رياضية بالتعاون مع قرى أخرى. لقد منحت مجموع هذه الأنشطة للقرويين فرصا ليجتمعوا ويتناقشوا، ويعشقوا. لقد أعطتهم هذه الأنشطة الشعور بالانضباط والتنظيم، وخلقت أيضا فضاء عاما استطاعت فيه الاتصالات والاجتماعات ان تتجاوز العادات القبلية والعائلية والقروية. إن هذا لم يحدث من قبل قط، ولا حتى من بعد.
• في مجال الاقتصاد والتسيير: أهملت أشكال التسيير التقليدية والفردية في المصانع وأماكن العمل الأخرى، وقد عوضت بلجان التسيير المسماة"الثلاثة في واحد" جامعة مشاركة عاملات و عمال عاديين وتقنيين متخصصين وأعضاء من الحزب، وكانت لهذه اللجان كمهمة: النظر في التسيير اليومي للمصانع وأماكن العمل.كان يلزم العمال بعض الوقت ليحققوا العمل بأنفسهم على " اليابسة"sur le plan cher des vaches.
• طرق جديدة لإدارة العمل العلمي: أدخلت السياسة المسماة "البحث بأبواب مفتوحة" وفتحت مراكز البحث في الريف، ليتمكن الفلاحون من دخولها، وفتحت المختبرات بمعنى الكلمة الحرفي أبوابها للعمال و العاملات، و حققت الجامعات في جوارها و في المعامل والأحياء المحيطة بها. وقد نشرت كتب صغيرة معممة لتسهيل المعرفة العلمية للجماهير الشعبية.

إذن ماذا يمكن استخلاصه من كل هذا؟

لقد كانت الثورة الثقافية الصينية حدثا تاريخيا بدون سابق في تاريخ البشرية، وفي وضع تأسس فيه نظام اشتراكي، عرف ماو والثوريون داخل الحزب الشيوعي الصيني إخراج المبادرة والإبداع الجماهيريين لمنع عودة النظام الاجتماعي القديم، وللدفع بالثورة الاشتراكية نحو الشيوعية. وهو ما يعني المحو الكلي للطبقات وعلاقات الاضطهاد. فحتى ذلك الحين لم يعرف التاريخ حركة ونضالا بهذا الاتساع مقادة بطريقة واعية، وبتوجيه سياسي ثوري. ولم يعرف التاريخ أبدا محاولة لتغيير العلاقات الاقتصادية وللمؤسسات الاجتماعية والسياسية وللثقافة ولعادات والأفكار القديمة، اكثر جذرية من هذه.
هل ارتكبت أخطاء؟ هل ظهرت "مخالفات" خلال هذه المرحلة؟ بطبيعة الحال، نعم، بل وأيضا ومن دون شك، كانت بعض هذه الأخطاء فادحة.غير أننا إذا وضعناها في سياق الإنجازات الكبرى التي حدثت وأيضا عندما نواجهها بفظاعات المجتمع الرأسمالي الحالي، تظهر هذه الأخطاء كأشياء تافهة.
وكيفما كان الحال، فمن البديهي أن على الثورة الشيوعية ألا تبقى فيما أنجز وتحقق. على الشيوعيين ان يتعلموا من تجاربهم الخاصة بطريفة نقدية، وألا يخافوا من التساؤل بطريقة تمكنهم من التطور، وعمل الأفضل في المستقبل لهذه المهمة تتفرغ الحركة الماوية في القرن الجديد الذي بدأ.

ترجمة: خالد




#الحزب_الشيوعي_الثوري_الكندي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - الحزب الشيوعي الثوري الكندي - الثورة الثقافية الكبرى: ثورة داخل الثورة.