أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاروق حجي مصطفى - المجتمع المدني ودور المنظمات غير الحكومية في سوريا :















المزيد.....



المجتمع المدني ودور المنظمات غير الحكومية في سوريا :


فاروق حجي مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 1651 - 2006 / 8 / 23 - 09:28
المحور: المجتمع المدني
    


(الحركة الكردية في سوريا والمجتمع المدني مثالاً)

الفصل الثاني

المقدمة:
في الفصل الأول من ورقتنا تحدثنا عن علاقة الحركة الكردية في سوريا بالمجتمع المدني وقلنا أنها تعتبر جزءاً منه لأنها تسعى بالدرجة الأساس إلى بناء عقد اجتماعي جديد في مناطق تواجدها (الجزيرة ،كوباني (عين العرب)،كرداغ (عفرين)) إضافة إلى كونها تساهم مع الأطراف السياسية السورية الأخرى إلى بناء المواطنة الحقّة وتأسيس ثقافة جديدة بعيدة عن الإقصاء والتهميش واحترام حقوق الإنسان بمفهومها العام الحديث –بما فيها التمتع بشكل العيش وفي أي مكان وشكل ممارسته لحقوقه القومية والدينية والاجتماعية – وترجمت الحركة الكردية الأساسية نشاطها على ارض الواقع من خلال وصولها مع القوى العربية وغير العربية السورية إلى عدد من التفاهمات سميت ب"إعلان دمشق" وقبلها تتالت اللقاءات والحوارات سواء أكان في منتدى الأتاسي أو في منتدى رياض سيف إلى درجة أسست هذه القوى (العربية والكردية) كيانا موحدا ومنسجما إلى حد بعيد مع نفسها من خلال لجنة تنسيق العمل الوطني ،ومن بعدها " إعلان دمشق".
*ما بعد إعلان دمشق : يجد الكرد نصيبه في مبادئ إعلان دمشق في بندين ،بند يخص الأقليات القومية حيث يقول :"ضمان حرية الفرد والجماعات والأقليات القومية في التعبير عن نفسها والمحافظة على دورها وحقوقها الثقافية واللغوية و إحترام الدولة لتلك الحقوق ورعايتها في إطار الدستور وتحت سقف القانون ".وبند خاص بالقضية الكردية حيث يقول :" إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا بما يضمن المساواة التامة للمواطنين الأكراد السوريين مع بقية المواطنين من حيث حقوق الجنسية والثقافية وتعلم اللغة القومية وبقية الحقوق الدستورية والسياسية والإجتماعية والقانونية على قاعدة وحدة سوريا أرضا وشعبا ، ولا بد من إعادة الجنسية وحقوق المواطنة للذين حرموا منها وتسوية هذا الملف كلياً.."(1). يمكن القول إن إعلان دمشق كان اللحظة الفاصلة أو مرحلة الفرز الطبيعي بين القوى الكردية نفسها وبينها وبين القوى العربية ،إذ ما بعد الإعلان أصبحت الشكوك تراود الأطراف وأصبحت التهم الجاهزة تطلق جزافاً من هنا وهناك . ثلاثة أطراف كردية أعلنت فور صدور بيان إعلان دمشق واتهمته بأنه،أي مبادئ الإعلان ، لم ينظر إلى القضية الكردية على إنها قضية أرض وشعب ، وبنظر هذه الأطراف فإن الكثير من الفصائل العربية المنضوية تحت سقف "الإعلان" هي ليست ديمقراطية و أنها تمارس سياسة السلطة،لأن الموقعين على الإعلان اختزلوا حل القضية الكردية بتأمين حقوق المواطنة فقط ، ورأى حزب يكيتي الكردي هذا الإعلان بأنه قد"حدد سقف حقوق الكرد بالمواطنة وهذا يعتبر إجحافاً بحق شعبنا الكردي الذي يعيش على أرضه التاريخية وله خصوصيته القومية ، ونحن نعتبر أن القضية الكردية هي ليست قضية مواطنة فحسب ،بل هي قضية أرض وشعب ويجب أن تحل مثل معظم قضايا الشعوب حسب القوانين الدولية "(2) ، وشاطر حزب يكيتي ، حزب آزادي الكردي ، واعتبر إعلان دمشق بأنه" لا تعكس وحقيقة الوضع الكردي كثاني قومية في البلاد ،وبما يشكل قضية ارض وشعب ،وإنما حاول(البيان المشترك)و(إعلان دمشق) إدخال الوضع الكردي برمته ضمن دائرة حق المواطنة، وعلى أنه قضية مساواة في الدستور بين المواطنين السوريين "(3) وبنظر هذا الحزب(آزادي الكردي) فإن هذا "من شأنه نسف مبررات الحزب السياسي الكردي" برأيّ ، فإن هذا الحزب ، قد وقع في تناقض مع مفهوم الحزب السياسي ،كونه ، يعتبر إنشاء الأحزاب السياسية يكون فقط لتأسيس دول قومية وتحقيق الحقوق القومية ويبدو إن هذا الحزب لا يستطيع الفهم أو الفصل بين ما هو وطني وبين ما هو قومي ، فكيف لإعلان دمشق وتناوله للقضية الكردية أن ينسف مبررات الحزب السياسي الكردي.أما الطرف الثالث فرحب بالإعلان بوجهه العام لكنه رفض ما جاء في الإعلان بخصوص الوجود الكردي بقوله" نرفض ما جاء به بخصوص الوجود القومي الكردي ، معتبرين بان هذا الوجود غير قابل للتفاوض ،بينما الحق قابل للتفاوض والتوافق ، وإعلان دمشق تجاوز الوجود ولم يعترف به ،ليتوقف عن بعض الحقوق المتوافقة مع رؤية غير ناضجة وغير ديمقراطية للمسألة القومية بما هي مسألة وطنية"(4).بيد أن القوى الكردية المتمثلة في إعلان دمشق وهي قوى أساسية وتاريخية تملك تجربة سياسية وصاحبة فكر ناضج دافعت بقوة عن إعلان دمشق واعتبرته مكسبا وطنيا مهما، وهو أتى نتيجة إدراك هذه القوى السورية الوطنية طبيعة المرحلة الحساسة للبلد سوريا وان الإفراط بمثل هذا المكسب أو الابتعاد عنه من شأنه خذلان القضية الديمقراطية كما لا ينسجم هذا التوجه(رفض الحالة التلاحمية) مع الفكر السياسي الجديد المبني على الحوار ومحاكمة العقل بدلا من لغة المهاترات والتشكيك بنوايا الناس والقوى الديمقراطية، كون المهاترات لم تجلب للسوريين أي مكسب وهي أخذت رقما قياسيا على المشهد السياسي السوري ، هذا على المستوى السوري العام ، أما على المستوى الكردي ،فيقول إسماعيل عمر(5) وهو يرد على الطرف الكردي غير المنضوي في الإعلان:"الإعلان يعتبر بمثابة عنوان لمرحلة اسمها :العمل الديمقراطي السلمي ، وان مضمون الوثيقة الصادرة عنه عبارة عن مجموعة مبادئ عامة ،يمكن الانطلاق منها إلى التفاصيل والبرامج ، ولذلك فإن الهدف من الصيغة المتعلقة بالقضية الكردية هو مجرد الاعتراف بوجود هذه القضية باعتبارها قضية الشعب الكردي والإقرار بضرورة حلها ديمقراطياً وبشكل عادل...(والصيغة) فإنها جاءت صيغة توافقية أرادت منها القوى غير الكردية أن تكون ضمانة للوحدة الوطنية ،أما الجانب الكردي فقد أكد على عبارة (بما يضمن ) بدلاً من (بما يتحدد) لكي يؤكد بأن تلك الحقوق لا تعني جميع مستلزمات الحل الديمقراطي للقضية الكردية ،بل جزءاً منها".
*نقاط الخلاف : ثمة نقاط ملتبسة وغير واضحة بين الأحزاب الكردية وربما ليس بوسع أي طرف سماع طرف آخر عما يقلقه من بنود ومبادئ إعلان دمشق ،فالأطراف الثلاثة فهمت فهما ملتبساً لمبادئ إعلان دمشق –الذي عرضناه أعلاه- ولم تستطع هذه الأطراف قراءة أهمية الإعلان إلا من الزاوية الكردية ،لذا فهمت هذه الأطراف بأن مبادئ إعلان دمشق اعتبر الكرد من الأقليات القومية وان البيان تجاوز الوجود الكردي و أنكر بان للكرد خصوصيتهم القومية ويعيشون على أرضهم التاريخية، ويشكلون القومية الثانية في البلاد.هذا الفهم الخاطئ-بتصوري- أحدث شرخاً وتمايزا بين القوى الكردية،لكنه غير عميق فهو قابل للحل ، وإصرار هذه الأطراف على هذا الفهم خلق للكرد وضعا مختلفا عن السابق حيث وجدت القوى الكردية نفسها أمام اتجاهين ، اتجاه يوازن بين الوطني والقومي ويرى بان ثمة علاقة جدلية بينمها، واتجاه يتمسك بخيوط الوهم على أساس إن إعلان دمشق نهاية التاريخ وان الحقوق القومية للكرد أصبحت في خانة المصادرة ولهذا السبب ابتعدت شيئاً فشيئاً عن مقصد وجودها وعن حراك المعارضة السورية ومطلبها في تحقيق الديمقراطية ودولة القانون .
*الحل وفك العقدة بين الأكراد : سؤال يتبادر إلى الذهن ،أين يكمن الحل؟ في الحقيقة ثمة نقاط عديدة تشترك بها كل القوى السورية (الكردية والعربية والآشورية ) مثل مستقبل سورية وضرورة حدوث تغييرات وإصلاحات ومكافحة الفساد وإلغاء القوانين الاستثنائية وصدور قوانين عصرية للأحزاب وفتح مجال لبناء دولة المؤسسات والعمل جديا نحو سياسة فصل السلطات ،باختصار تريد وتجتمع كل القوى على تحويل البلد من دولة أمنية الى دولة قانون وصون حقوق الأفراد والمجتمع .هذه النقاط كلها محل إجماع لدى كل القوى أما ما تفترق فيه القوى السورية فهو وضع الأكراد ومستقبلهم، ونتيجة النقاشات التي تدور بين الفصائل الكردية، تدفع بعض القوى إلى الابتعاد عن الديمقراطية وعن مفاهيم المجتمع المدني وتضع نفسها في الصورة على أنها متطرفة وغير مهتمة بالتلاحمية والتعايش المشترك ،في الحقيقة تلك الأطراف ليست كذلك ، لكن عيب هذه القوى التي تعمل خارج العمل الجماعي هو عدم قدرتها على استيعاب المرحلة والاهتمام بأولويات النضال وكيفية رسم المستقبل . نستطيع القول إن القوى الكردية استطاعت أن تحل جزءاً من عقدها من خلال وصولها إلى عدد من النقاط في إطار مشروع قابل للنقاش بين القوى الكردية وسمي هذا المشروع ب"رؤية مشتركة للحل الديمقراطي للقضية الكردية في سوريا " والذي نص في مجاله السياسي :" * الإقرار الدستوري بالوجود القومي الكردي كثاني قومية في البلاد،وتأمين ما يترتب على ذلك من حقوق (سياسية وثقافية واجتماعية)،وحل القضية الكردية حلاً ديمقراطياً عادلاً على قاعدة وحدة الوطن.* إشراك الكرد وتمثيلهم في المؤسسات الدستورية المركزية والمحلية تبعاً لواقعهم السكاني. * إعادة النظر في التقسيمات الإدارية في المناطق الكردية،وتطوير الإدارة المحلية فيها بما يتلاءم مع خصوصيتها القومية. * إحداث وزارة خاصة لها مديرياتها في المحافظات المعنية تهتم بشؤون القوميات والأقليات القومية"(6).
في الحقيقة يمكن حصر الخلافات بين الكرد في نقطتين، والنقطتان في طريقهما إلى الحل لأنه بالأساس الخلافات ليست بين قوى تؤمن بالتغيير وقوى لا تؤمن بالتغير بل بين وجهين لعملة واحدة :
النقطة الأولى : كل القوى الكردية أيدت إعلان دمشق وأيدت العمل الجماعي المشترك بوجه عام، إنما خلاف الأحزاب الكردية (وكما تحدثنا بالتفصيل في أعلاه) على ما جاء في إعلان دمشق حول القضية الكردية، بررت هذه الأحزاب بأن ما جاء في الإعلان كان نتيجة الحامل الإيديولوجي لبعض الجهات العربية المنضوية في الإعلان والذي من خلاله يريد هذا البعض أن يعصب عينيه عن الحالة الكردية دون أن يبدي أيّ استعداد لتفهم المطالب والأهداف الكردية من الحراك السياسي ،لكن هذا الموقف أيضا أفاقه مفتوحة أمام الحل لأن المشروع الذي قدماه الإطاران الكرديان سيقطع الطريق أمام كل محاولات الشرذمة وسوف لن تكون هناك حجة قوية لدى هذه الأحزاب في الشارع الكردي خصوصا إذا حاولت قوى الإعلان (العربية والكردية ) تبني هذا المشروع الكردي ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن هذا المشروع مطروح للنقاش وقابل للتطوير بما ينسجم مع الأفكار العصرية المتزنة والأهم من كل ذلك اذا كانت هناك الرغبة الجدية لدى الأكراد للوصول إلى صيغة تناسب واقعهم ولا تعكر الأجواء أمام حلفائهم من العرب والمكونات السورية الأخرى ،سوف تصل القوى الكردية إلى صيغة غير معكرة الأجواء لأن سقف المطالب الكردية هو تأمين الحقوق القومية ضمن إطار وحدة البلاد وتحقيق الديمقراطية لتكون تمهيدا لخلق مجتمع مدني في سوريا حيث الأخير لا يتحقق دون خلق مناخ ديمقراطي فهو يتواجد بوجود الديمقراطية ويحافظ على شروطها فيما بعد .
النقطة الثانية : مسألة الديمقراطية ودور الأحزاب في بنائها وكيفية تحقيقها على ان الديمقراطية تنتعش في ظل نقاش هادئ ومتوازن ومسؤل بين القوى كافة وبين القوى السياسية والدولة ومنظمات المجتمع المدني وهذه المسألة ضرورية لخلق المجتمع المدني لأن المنظمات الديمقراطية تلعب دور الوسيط بين الدولة والمجتمع عموماً (حسب الآن تورين)،هنا أيضاً لا نستبعد التفاؤل لكن سيستغرق وقتا طويلاً وذلك بسبب الذهنية الكردية والوعي الكردي الراهن ،إنما هذا الوقت لا يؤثر بشكل من الأشكال في الحراك الديمقراطي والمدني في سوريا .بدون شك إن عنوان المرحلة الكردية هو نقاش بيزنطي ومسألة الوصول إلى الاستقرار تحتاج وقتاً ومساحة من الحوار لأن ثمة عقبات تقف عائقاً أمام إنضاج الحوار وتطويره بين الكرد من جهة وبينهم وبين القوى العربية من جهة أخرى .
*الإشكاليات وعوائق الحوار الداخلي : في الحقيقة إن الكرد ،وكل الكرد بدون استثناء، هم أول مكون سوري رحب بفكرة المجتمع المدني في الأيام الأولى من طرحها من قبل بعض المثقفين والسياسيين العرب في حين النسبة الكبيرة من الشارع العربي كانت ممتعضة من طرح هذه الفكرة وتفريغها من أهميتها ، وبمساعدة أتباع السلطة(المثقفون الحزبيون، الصحف والتلفزيون )نظر هذا الشارع إلى فكرة المجتمع المدني على أنها من صنع الأمريكان والمتآمرين ، بمعنى إن أدوات السلطة استطاعت أن تعمل في الوسط العربي لكنها لم تستطع أن تسيء إلى هذه الفكرة في الشارع الكردي ، فكانوا من الداعين لإحياء المجتمع المدني ودخلت هذه المفردة في خطابات وأدبيات الأحزاب الكردية كلها .ومرد ذلك يعود إلى سببين :الأول: إن – وهذا يعرفه المتابع للشأن الكردي في سورية - القوى الكردية منذ تأسيسها كان نضالها ينسجم مع مفهوم المجتمع المدني، فهي كانت تعتبر نفسها جزءاً من مؤسسات المجتمع المدني في سورية منذ أواسط القرن الماضي(إذا أراد بعض علماء الاجتماع السياسي تأرخة المجتمع المدني في سوريا)، وأصرت هذه القوى على النضال من أجل الديمقراطية في البلاد وبناء علاقات صحيحة بين المجتمعين الكردي والعربي والأقليات القومية الأخرى المتعايشة مع الكرد. ووقفت هذه القوى ضد محاولات شق صفوف المجتمع في مناطق وجودهم. طبعاً هذا الفعل الكردي الايجابي مستند إلى موروث سياسي وكفاحي منذ فترة مقاومة " الانتداب" في الأراضي السورية.
والثاني : أراد الكرد دائما ً، وفي كل مراحل حياتهم السياسية ، أن يكونوا جزءاً طبيعياً وقانونياً من النسيج السياسي و الاجتماعي والاقتصادي السوري ،من خلال العمل على إعادة مذاق التلاحم والدور الذي كانوا يتمتعون به وفقدوه على حين غرة نتيجة الظروف الاستثنائية التي حكمت المجتمع السوري بعد السبعينيات من القرن المنصرم . هذا المذاق التلاحمي أصبح هاجساً كردياً ومطلباً ملحاً فناضلوا طيلة وجودهم كقوى سياسية على الأرض، على أن تكون جزءاً من الحياة السياسية السورية ،فمثلاً وهذا دليل على ان القوى الكردية لم تفكر يوما بان تكون قوى تفكر من خارج الملعب السوري ،عند ظهور "الجبهة الوطنية التقدمية في بداية السبعينات طالبت القوى الكردية بأن تنضم إلى «الجبهة الوطنية التقدمية»- ومازال بعض الفصائل تحلم ببلوغ هذا الهدف، على رغم دخولها «إعلان دمشق»- وخسرت على المستوى الذاتي الكردي لأنه في المرحلة الأولى وبعد ازدياد التنظيمات الكردية عددياً على الساحة الكردية، ضغط الشارع على الساسة الكرد ليعملوا لأنفسهم اطاراً أو جبهة لتنظيم وتوحيد الخطاب والنشاط الكردي ،فمبرر هؤلاء السياسيين إن مقولة الجبهة(بما معناه) هي مصدرها آتٍ من الصمود والتصدي فنحن لسنا في هذا الموضع وتأسيس جبهة خارج عن إرادة السلطة يعني إننا سنعمل في مواجهة الجبهة وحيث جبهة السلطة ليست للبعث إنما هناك شيوعيون وناصريون وفصائل أخرى وكلهم أصدقاء لنا وبرروا أيضا إن الوضع السياسي السوري الإقليمي لا يتحمل أن يكون هناك جبهة معارضة لأن "العدو "سيستغل هذا الوضع وسنخسر الوطن، في حين أصرت تنظيمات هذا الإطار على إقصاء القوى السياسية الكردية وتهميشها. بل إن بعض هذه التنظيمات الرسمية كانت تعتبر مسألة وجود الكرد في الجبهة المذكورة بمثابة تعامل مع الشيطان.فما كان أمام القوى الكردية أي خيار إلا النضال ضد ما اعتبرته نزعة عنصرية في صميم القوى السياسية السلطوية، لذا اتفقت مع بعض القوى العربية على حصر نضالها في عدد من المفاهيم والمبادئ عرف بـ «إعلان دمشق». هذا الإعلان الذي رحب به غالبية المثقفين «العضويين» (والمقصود بالمثقف العضوي هنا هو ما عناه غرامشي)، وغالبية المنظمات الحقوقية وأنصار المجتمع المدني وطلاب الإصلاح والتغيير انتقدته(للأسف) بعض التيارات الكردية التي وجدت على الأرض للتو، أي بعد أحداث القامشلي واغتيال الشيخ معشوق الخزنوي، وبعد أن طغت ثقافة الشعبوية والشعاراتية في أوساط الكرد، والتي كان سببها معروفاً، وهو الأمية السياسية والقراءة الخاطئة للمشهد السياسي المحلي والإقليمي والعالمي. وهو الأمر الذي أبعد هذا الخط من الحركة الكردية ومن المشهد السياسي السوري وعن الحراك المدني، فبقي هذا الخط يغني على ليلاه في إطار محلي كردي ضيق، وسانده بعض الأكراد في المهجر الأوروبي، الذين لم يدرسوا في جامعاتها أو استفادوا من خبراتها السياسية ومن مفاهيم المجتمع المدني لديها، ولم يحتكوا مع مثقفيها، وإنما ذهبوا بحثاً عن لقمة العيش أو تحسين حياتهم المعيشية. وكان غالبيتهم يعملون في المطاعم وفي محطات المحروقات، وكان الخاسر الوحيد بالنتيجة هو الحراك السياسي في بلدنا سورية.
* ذروة الإشكالية والوصول إلى الحل :
في اعتقادنا إن أحد أسباب إبتعاد بعض القوى السياسية الكردية عن الحراك السوري العام على رغم أنها جزء منه هو قصر النظر السياسي، فنرى إن هذه القوى تزايد على القوى الكردية الأساسية على مستوى المفردات والشعارات، مثل مفهوم الشعب والقومية، والقومية الثانية في البلاد، وحق تقرير المصير للشعوب، وهل الكرد شعب قائم على أرضه التاريخية أم لا؟ مع أن كل الأكراد مقتنعون بأنهم شعب مقيمون على أرض آبائهم وأجدادهم، والفارق الوحيد بين هذه القوى هو أن القوى الرئيسية التي تنظر إليها القوى المستجدة والحماسية والانفعالية على أنها تعمل من تحت عباءة النظام، لا تكرر هذه المفردات على أساس أنها حقيقة قائمة وربما تكرارها يسيء إلى الحركة أكثر مما يفيدها ويخلق إحراجا لبقية القوى الحليفة . فهذه القوى لا تحبذ اللعب على عقول الناس الذين تحيرهم كيفية تأمين المأكل والملبس وتعليم الأولاد، على خلاف القوى الطارئة على الساحة، والتي تريد ابتلاع الساحة ومصادرة إرادة الناس وضياعهم في دوامة الأزمة السياسية.
هذه القوى السياسية التي تؤمن بخط "الهجوم عبر المواجهة "(بحسب انطونيو غرامشي ) تبدو وكأنها تفتقر إلى الثقافة السياسية، والى قراءة تجارب النضال السلمي للشعوب، وهي مصرة على البقاء أسيرة لثقافة اليسار الطفولي. وفي المحصلة، فان هذه النزعة نوع من البحث عن السلطة، تحت إغراء سببه القراءة الخاطئة للتطورات السياسية في المنطقة والعالم. بعض الأحزاب الكردية التي لا تمتلك أفقاً سياسياً (هنا يشبه وضع الأحزاب الكردية وضع التنظيمات في تونس في الستينيات والسبعينات من القرن المنصرم )، تتصور أن المسافة باتت قريبة من تشكيل الدولة القومية، وأصبح بعضهم يطرح مقولة «فيدرالية كردية» في سورية، كما في بعض أدبيات التنظيمات غير المنضوية تحت «إعلان دمشق». مع إن القوى الكردية كانت حريصة على عدم طرح شعارات تكون سبباً في ابتعاد القوى السياسية السورية عن بعضها،أضف إلى ذلك إن القوى الكردية الأساسية وصاحبة التجربة السياسية مع القوى العربية والموجودة على الأرض والتي تنشط في كل مناطق سورية وتشارك في اجتماعاتها، لم تتحدث يوماً عن الشعارات غير القابلة للتنفيذ، وأصرت على إن تسمي «الشعب الكردي في سورية»، وكانت الأحزاب الكردية تحرص على عدم تسمية نفسها باعتبارها حزب (س) الكردستاني، بل كانت تقول: حزب (س) الديمقراطي الكردي في سورية.
في الحقيقة إن عدم الانتباه للمفردات الخطابية والسياسية، وعدم قراءة الزمان والمكان، أوقع بعض القوى الكردية في سورية في تناقض مع الحراك السياسي الكردي، وبالتالي بات هذا الحراك لا يخدم المجتمع المدني.
ونعتقد إن تخبط بعض القوى الكردية وابتعادها من الناحية الفعلية عن حراك المجتمع المدني سببه يتعلق بالبنية القانونية للسلطة، ويتعلق بالوضع الكردي وحاله المأزوم أصلاً، بمعنى آخر إن أسباب تناقض ممارسة بعض القوى الكردية مع حركة المجتمع المدني يعود إلى أن الدستور لم يأخذ على عاتقه أن يكون مرجعا قانونياً وسياسيا للمجتمع المدني عمليا. فتعدد الأحزاب و الطروحات و الصراعات الحزبية التناحرية أحيانا، وعدم التزام بعض القوى الجديدة بالرؤية الموحدة، وعدم معرفة دور الأحزاب في بناء الديمقراطية والمجتمع المدني، إضافة إلى عدم وجود رؤية ناضجة وشفافة بشأن مستقبل الأكراد وضرورة التلاحم مع القوى العربية لتكون لبنة وأساس بناء عقد اجتماعي بين الأكراد والعرب.
هذان السببان يحولان دون تكيف واندماج المجتمع الكردي السياسي مع نظيره العربي، مع أن برامج كل الأحزاب السياسية ولغة تخاطبها لا تفتقر إلى مفاهيم المجتمع المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة وحرية الرأي والتعبير وفصل السلطات وبناء دولة المؤسسات والبحث عن الحكم الرشيد.
خطاب القوى الكردية، ومجمله نظري، ينسجم إلى حد بعيد مع مفاهيم المجتمع المدني ، وهذا سيسهل ويحلحل الوضع وسيكون مساهما ومساعدا للوصول إلى صيغة جامعة بحيث أن الكل سيرى صورته في هذه اللوحة ، إلا انه يبقى من دون معنى عندما يغيب عن التطبيق. بقي القول ان لدى الكرد ثمة ماكينة تعمل على مدار الأيام لخلق رؤية موحدة لكي تتوازن طروحاتهم النظرية مع العملية، وهذا معقول خصوصا إذا كرسوا وقتهم لقراءة وإجراء حوار جدي حول مشروع الرؤية المشتركة الكردية ؟
*الخلاصة:
يمكن القول إن القوى الكردية، خصوصا، القوى المنضوية تحت لواء إعلان دمشق وساهمت فيه على إنها أساس الإعلان و مسؤولة عنه خلقت وضعا متطورا على الساحة السياسية الكردية وبدأ الكرد يتلمس بعض من فضائل هذا التطور:
1- وجود الكرد في إعلان دمشق وعملهم المسؤول جنبا إلى جنب وحّد الصف السوري المعارض ووضع المعارضة في خانة أخرى أصبح ينظر إلى المعارضة السورية بمنظار آخر،ففي حين كان ينظر إلى المعارضة السورية على إنها معارضة هشة ومشتتة وممزقة وحمقاء في بعض الأحيان أصبح ينظر إليها على إنها كتلة متماسكة وناضجة وعقلانية غير متهورة تفضل مصالح الوطن العامة على المصلحة الحزبية الضيقة الخاصة وانكشف للرأي العام على إنها ليست أنانية تلهث وراء السلطة والمال خصوصا في إصرارها على التغيير الديمقراطي السلمي التدرجي غير تابعة لأي طرف دولي خارجي وتعمل بموجب "ريمونت كونترول " من الخارج، فمصدر قوتها وعي الشارع واستحقاق المرحلة السورية ومدى اهتمامها بمفاهيم وقوة المجتمع المدني والتي سوريا لها تجربة غنية في هذا المجال .
2- وجود الكرد في الإعلان عكّس الآية لدى البعض من الأطراف السورية المتحاملة إزاء الكرد حيث بوجود الكرد في إعلان دمشق، برهنوا على أن كل التهم الموجهة إليهم كانت باطلة وان اتهام الكرد على أنهم أنانيون أو يريدون تمزيق البلاد وإلصاقها أجزائها من شمالها بدولة أجنبية باطلة ولا معنى لها، وكما اثبتوا انهم يعون طبيعة المرحلة والخطورة التي تمر بها البلاد هذا من جهة ومن جهة أخرى ينسف التهمة التي لصقت بهم على أنهم انعزاليون ومتعصبون وإنهم يعملون لحسابات الأطراف الخارجية.
3- وبفضل وجودهم في إطار الإعلان للمرة الأولى وجدوا مدافعا عربيا سوريا(رياض سيف) عن القضية الكردية بجدية ولولا هذا الوجود لما كنا رأينا أيضاً بيانات صادرة من القوى السورية وموقعة من القوى العربية والشخصيات العربية تطالب بإلغاء الإحصاء الاستثنائي وإطلاق سراح السجناء السياسيين الكرد في سجون البلاد.
4- أهم ما كشفه الإعلان جلياً هو إظهار الأكراد على أنهم اتجاهان سياسيان، اتجاه يعمل بصمت ويرفض سياسة الشعارات والصبيانية ويدعو إلى التلاحم المتقدم الذي يحمي الخصوصيات الاجتماعية، وهو اتجاه أصحاب المصلحة في التعاطي مع المسائل في سورية بروح وطنية جامعة لأنه لا يرى بتاتا إن يوماً من الأيام ستحل القضية الكردية على طاولة مكانها ليس في دمشق، وهو تيار تقدمي ووطني وله تجربة سياسية طويلة. أما الاتجاه الثاني فهو اتجاه يحمي نفسه من خلال استغلاله للتناقضات الحزبية الكردية ويستغل العواطف وحماسة الأكراد البريئة المصنوعة من طين الريف، وهو اتجاه يريد ان يصبح الأكراد جسراً ليعبروا عليه لتحقيق مصالحهم الحزبية الضيقة. ومن سوء حظ هذا الاتجاه إن الشارع الكردي بدأ يعي ويدرك مصالحه وهو غير مهيأ لا للتهور ولا إن يكرر أخطاء الماضي .
5- "إعلان دمشق" يشكل بداية حسنة لخروج الأكراد من إطار مدنهم (القامشلي،كوباني،عفرين) وأرضية خصبة لاندماجهم مع المشهد السياسي والديمقراطي السوري، لأن استحقاقات المرحلة الكردية تفرض أن يخرج الأكراد من عزلتهم السياسية ومن انطوائيتهم السلبية والمؤذية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والمصادر:
1- بنود إعلان دمشق الصادر في 16-10-2005
2- تصريح صادر من اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردي في سوريا في 16-تشرين الأول-2005
3- توضيح من حزب آزادي الكردي في سوريا حول ما جاء في إعلان دمشق في 18-10-2005
4- بيان صادر من مكتب العلاقات العامة لتيار المستقبل الكردي في 18-10-2005
5- إسماعيل عمر رئيس حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا-يكيتي- في حوار مع موقع عفرين في الشهر الثالث من عام 2006
6- من الرؤية المشتركة الصادرة في 20-4-2006 من قبل التحالف الديمقراطي والجبهة الديمقراطية الكرديين في سوريا.
7- أجوبة سكرتير حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا-يكيتي- محي الدين شيخ آلي في حوار أجراه موقع آفستا معه في حزيران 2006.

* ملاحظة: هذا الفصل الثاني من الورقة التي قدمت إلى مؤتمر انعقد في مدينة توليدو الأسبانية في 10-13 أيار الماضي بناءً على دعوة من المركز الدولي للسلام - توليدو- أسبانيا ،و نص الورقة المتعلقة بالشأن الكردي وعلاقته بالمجتمع المدني في سوريا الذي قُرأ في المؤتمر بغياب صاحب الورقة الكاتب والصحافي فاروق حجي مصطفى الذي تم حرمانه من حضور المؤتمر المذكور بفعل قرار منع المغادرة العائد للسلطات الأمنية العليا في سوريا على خلفية آرائه وكتاباته في صحف لبنانية وخليجية واجراء حوارات مع عدد من قيادي الحركة الكردية في كردستان .



#فاروق_حجي_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «دولتان ديمقراطيتان» في الشرق الأوسط...«إسرائيل» وتركيا
- حياة«شيركوبيكه » في فيلم سينمائي
- زيارة المالكي الى كردستان
- ماذا عن تقاطع المعارضة الكردية مع السلطة السورية
- الكرد والمجتمع المدني
- حوار مع قيادي في حزب العمال الكردستاني
- مقتل الزرقاي... قطع رأس الفتنة
- الحركة الكردية والمجتمع المدني في سوريا
- مشكلة نساء كردستان، ومتى الخروج من الأفق الذكوري؟
- قضاة مصر ... الشعب يحدد المسار


المزيد.....




- واشنطن تريد -رؤية تقدم ملموس- في -الأونروا- قبل استئناف تموي ...
- مبعوث أمريكي: خطر المجاعة شديد جدا في غزة خصوصا في الشمال
- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاروق حجي مصطفى - المجتمع المدني ودور المنظمات غير الحكومية في سوريا :