أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - زهران زاهر الصارمي - الدعامات التي تبنى عليها جسور الثقة بين الشعب والحكومة















المزيد.....


الدعامات التي تبنى عليها جسور الثقة بين الشعب والحكومة


زهران زاهر الصارمي

الحوار المتمدن-العدد: 7048 - 2021 / 10 / 15 - 18:08
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    




ذات يوم قريب، تفاخرنا وفاخرنا كل أقطار العالم العربي، بمستوى وسقف حرية التعبير الذي نحظى به في بلادنا الحبيبة عمان.. التعبير الذي تحكمه في نهاية التحليل، الآية القرآنية الكريمة "أما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".. (الرعد الآية 17)؛ ولكن يبدو أنه كما قال ابن زيدون: - "غِيْضِ العدى من تساقينا الهوى فدَعَوا ..... بأن نغُصَّ، فقال الدهر: آمينا فانحل ما كان معقوداً بأنفسنا ................. وانبتّ ما كاد موصولاً بأيدينا" فأشهر الادعاء العام سيف قوانينه الصارمة المقيدة لحرية التعبير، تلك القوانين المطاطة القابلة للتأويل، لدى أية جهة؛ وانبرت بعض الأقلام "المسيسة" في إدانة التشهير بالفساد في البلاد، ودعت إلى لجم أفواه الناقدين له، متناسية تماماً أن عمان 2021، هي ليست عمان 1970، ولا حتى عمان 2011 ؛ فليس اليوم من بيت في هذا الوطن، إلا وبه خريج جامعي من شتى التخصصات، ناهيك عن عيش أجيال هذا الزمان، أينما كانت، بفضل الفضاءات المفتوحة ووسائل التواصل الاجتماعي، داخل القرية العالمية الواحدة؛ التي لا تخفى عليها خافية من الأحداث، ولا شاردة من الرؤى والأفكار والمعلومات. فأن تتعامل أية جهة مسؤولة مع أفراد هذا الشعب، وكأنهم قطيع من النعاج، لا يعرفون شيئاً عما يحيط بهم، أو عما يسرهم ويضرهم؛ فيه إجحاف كبير، واستخفاف بالعقول، واستهتار لا يليق بهذا الشعب وقواه العاقلة المثقفة، بل ولا يليق حتى بتلك الجهة التي تصم أذنيها وتغمض عينيها عن حقائق الحياة المعاصرة. وعليه؛ فلا بد من فتح باب الحوار على مصراعيه من أية جهة حكومية مع هذا الشعب، ليعرف كل منهما ما له وما عليه مع الآخر، وليقفا في الأخير على جادة الصواب في علاقتهما ببعض.

ولكنا قبل المضي قدماً في تناول محددات وحيثيات وأفكار هذا الحوار، حري بنا أولاً، أن نوجد، قدر الإمكان، القواسم المشتركة فيما بيننا، والأرضية التي سنقف عليها معاً، عند تناولنا لأبجديات هذا الحوار المنشود؛ وذلك يكمن في النقاط التالية: - 1) أننا لا نقبل من أحد المزايدة في حب الوطن، فليس من حق أيٍّ كان، مزايدة أيٍّ كان في حب هذا التراب الطاهر. فهذه الأرض، أرض عمان، هي بكل ما فيها وما عليها، ملك لكل أبناء عمان، وليست ملكاً لشخص بعينه، أو لفئة معينة دون غيرها من الفئات؛ وبالتالي؛ فإنه من حق، بل ومن واجب أي فرد من أبنائها المخلصين، الدفاع عنها، بالقول والفعل؛ والغيرة عليها من كل ما من شأنه إهانتها أو تشويه صورتها وسمعتها، أو الانتقاص من مكانتها، والمساس بكرامة شعبها أو حرياته وحقوقه. 2 ) أن يكون حوارنا قائماً على المبدأ القائل "بأن رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب"؛ وليس _ كما هو حادث عند بعض المتشنجين _ رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ لا يحتمل الصواب!.. فاحترام الرأي والرأي الآخر فرضٌ وضرورةٌ يحتمها أي حوار وطني هادف وبنّاء. وبدون ذلك، تسود الغوغائية والجدل البيزنطي ساحتنا الثقافية. ويصبح الحوار أشبه ما يكون بحوار الطرشان وصراع الديكة! 3 ) أننا إن اختلفنا في الرأي _ وذلك أمر طبيعي ومتوقع، لاختلاف زاويا الرؤية_ فإن هذا الاختلاف ينبغي له ألاّ يفسد بيننا للود قضية؛ إذا كان حقاً هدف الحوار، هو خدمة الوطن، والبحث له عن السبل القويمة والسليمة، للوصول إلى غاياته السامية النبيلة، في التطور والتقدم والازدهار. فينبغي أن نغلِّب حسن الظن والنوايا الحسنة، على سوء الظن والطوية، في كل ما نقرأه من وجهة نظر أو رأي؛ ولنشرع الأبواب لقراع الحجة بالحجة، والمنطق بالمنطق، وليُدْلِ كل بما يراه ويؤمن به، دون أن يُلقَمَ الحجر، طالما أن طرحه يتسم بالجدية والرزانة والمنطق. فذلك من شأنه أن يعمل على تلاقح الأفكار، وتكامل الرؤى

والوصول إلى الآراء والقناعات الفكرية السديدة التي ستعين (أو أنه من المفترض أن يُستفاد منها وتعين!) صناع القرار في قيادة وتوجيه المسيرة التنموية في هذا الوطن الكريم. وهذا أمرٌ، يحتم علينا، في الجانب الآخر، الاعتراف بقصور الفرد، أياً كان مستواه التعليمي أو الاجتماعي، أو الوظيفي، عن امتلاك ناصية الحقيقة المطلقة، فكما جاء في الأثر: "قل لمن يدعي في العلم معرفةً .........عرفت شيئاً وغابت عنك أشياء" وبالتالي فإن الاستماع والإنصات للطرف الآخر، دليلٌ على الحكمة والرغبة في التطور والتكامل، بينما الازورار وصم الآذان، وعدم الاهتمام بما يقوله الطرف الآخر، دليل على العجرفة وضيق الصدر والأفق. 4) أنه ليس من حق أحد، مهما كان موقعه من الإعراب أو من السلّم الاجتماعي أو الوظيفي، مصادرة أي رأي كان، لأي مواطن في هذا البلد؛ وهو مبدأ آمن به وشرّعه حاكم البلاد السابق، جلالة السلطان قابوس، لاسيما لمن يضع مصلحة عمان فوق كل اعتبار. وبالتالي؛ فليس من داع للحساسية المفرطة عند قراءتنا أو اطلاعنا لأي رأي مخالف لرأينا، طالما أننا نضع نصب أعيننا بأنه في نهاية التحليل، اجتهاد مواطن غيور في أي أمر من الأمور التي تهم هذا الوطن، وللمجتهد المصيب حسنتان _ كما علمنا رسولنا الأعظم _ ولغير المصيب حسنة. 5) أن من الحق المطلق لكل مواطن، الحلم بحياة أرغد ومستقبل أفضل وأسعد لحياته ولوطنه، وأن يتجاوز بعقله وفكره القول المحبط السائد، بأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان أو يكون، بوجود قناعة متنامية لديه، بأن هناك دائما فرصة له ولوطنه، بأن يكون أفضل وأرقى وأروع مما هو عليه الآن، تحت أي ظرف من الظروف، إن وجدت النية الصادقة والعزيمة المخلصة، لدى من بيدهم أمره وأمر البلاد، من أصحاب الحل والعقد. فيغدو التعبير عن هذا الحلم المشروع، في التغير والتطور والرقي، حق من الحقوق الوطنية المشروعة، التي يكفلها العرف والقانون المدني لأي مواطن لديه القدرة على طرح الرؤى والنقد الهادف البناء، الذي من شأنه تسليط الضوء على الزوايا المعتمة، واكتشاف الفجوات، وإنارة الدروب، أمام ركب المسيرة التنموية في الوطن.

وتأسيساً على تلك المبادئ، وانطلاقاً من تلك القيم، نقول بدايةً؛ بأن الكمال لله وحده، وهذا يعني ببساطة شديدة بأنه لا عصمة لمخلوق من الخطأ أو السهو أو التقصير، فحتى الأنبياء، وهم رسل الله، لم يكونوا معصومين من الخطأ، وسورة "عبس وتولّى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزّكى" الموجّهة لنبينا العظيم، ماثلة في الأذهان.

وطالما أن الأمر كذلك، وأخذاً بقول الرسول الكريم "من رأى منكم منكراً، فليغيره بيده، ومن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"؛ فلا بد لنا حينئذ، ولابد لكل مخلص غيور، من اتخاذ "موقفٍ "، إزاء أي منكرٍ أو خطأٍ أو تقصير، يراه يُقترَف في حق هذا الوطن أو مواطنيه، فالصمت هنا أو اللامبالاة، يُعَدّ ممالأة وتواطؤاً، والشاهد على فعل الشر أو المنكر، يُعَد شريكاً في الجرم، إن لم يكن كفاعله تماماً، إن وقف منه موقف الصامت المتفرج.

والموقف المطلوب في هذه الحالة هو في الأصل، المنع باليد؛ أي بفعل رادع يدرأ الشر أو الخطر من الحدوث؛ ولكن لأن الشر أو المنكر الذي يقع أو يحيق بالأوطان، هو في العادة ليس من النوع الذي بوسع يد الفرد العادي درأه أو تغييره؛ فلم يبق له، من الواجب الوطني والأخلاقي فعله لحظتها، سوى

اللسان؛ أن يرفع عقيرته للتنبيه، ولفت الانتباه لفعل ومصدر الشر أو المنكر الحادث. علّ استغاثته تجد آذاناً صاغية لدى المعنيين، فيقومون بالواجب، أو يكونون عوناً له على فعل الخير الذي يستطيعه ويمليه عليه خلقه وضميره. أما الاستنكار همساً بالقلوب (الذي هو أضعف الإيمان) في أية مسألة من المسائل المتصلة بانتهاك حرمات وكرامة الأوطان، فذاك، في رأيي، هو فقط، دأب الخائر الجبان؛ لأنه في نهاية الأمر، ليس من شيء أسوأ ولا أقسى من الموت على الإنسان، كعقاب يناله جراء كلمة حق حرة يقولها، ولكنه تبقى في عمق الذاكرة أن "خير الشهادة _كما جاء في الحديث النبوي الشريف_ كلمة حق تقال في وجه سلطان جائر". والجائر هنا، تعني كل من يصم أذنيه عن سماع كلمة الحق، ويعتقد في نفسه التنزيه، والعصمة من ارتكاب الخطأ، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. كما كان يرى في نفسه فرعون.

وهذا أمر يحتم على كل مواطن في أي بلد كان، وليس في عمان فحسب، أن يكون مدركاً تمام الإدراك، بما عليه من واجبات نحو وطنه، فيسعى جاهداً لأدائها وتلبيتها، حتى لو تطلب الأمر منه أي شكل من أشكال التضحية أو الفداء. كما أن عليه، بالتوازي، أن يعرف حقوقه في هذا الوطن، فيسعى لنيلها والتمتع بها في شرف وكرامة. وبهذا الوعي النوعي الرصين سيكون كل مواطن، تلقائيا، هو السائل والمسؤول. هو المحاسَب والمحاسِب، هو المنتقَد والناقد، هو العين البصيرة والساهرة على مواطنته حقوقاً وواجبات. فمن تهاون يوماً، أي كان، في أداء واجباته، أو قصر فيها أو خان الأمانة الملقاة على عاتقه، حق عليه الردع والقصاص، وفقاً لقانون العدالة الحافظ للأمن والنظام العام؛ ومن بذل وأدى عمله بكل أمانة وإخلاص، حق له الثناء والشكر والتقدير، من الدولة وأفراد المجتمع. فينبغي وجوباً، أن يكون العقاب أو الثواب من جنس الفعل والعمل. وإذا وضعنا خصوصية الزمن الذي نعيش فيه، المتمثل في وجود كاميرات الصوت والصورة، في أيدي كل أبناء هذا الجيل المعاصر، الصغير منهم قبل الكبير، فهذا يعني أول ما يعنيه، أننا نعيش عصر التوثيق بالصوت والصورة لكل حدث، ولكل فعل أو قول يقع من أي إنسان كان بأي مكان، مهما تخيل أنه سري بعيد عن الأعين والآذان؛ مما يجعل كل أفراد المجتمع، وعلى كافة فئاتهم ومستوياتهم الطبقية أو الاجتماعية أو الوظيفية، رغم الفوتوشوب، يعيش ضمن واقع يحصي عليه، من حيث يدري ولا يدري، أنفاسه، حركاته وسكناته، فيجرده في نهاية الأمر من حصانة الرفض أو الجحود، لحقيقة قيامه بأي فعل فيه مظلمة أو مثلبة أو تقصير. إنه عصر العيش تحت المجهر، عصر المكاشفة والشفافية الموضوعية التي تحتم على المرء أن يحسب ألف حساب وحساب قبل أن يقدم على أي تصرف أو فعل منحرف، فليس للجدران، بل ولكل ما حوله في الجهات الست، عيون وآذان! وإني لأعلم حق العلم "أن الحق مغضبة" كما قالت عنه العرب، من قديم الزمن. فصعب على جُلّ البشر، إن لم يكن كلهم، الكشف عن سوءاتهم أو مساوئهم؛ فلا يتقبلون طواعيةً في الغالب، نقداً ولا إشارةً أو توجيهاً من أحد، لاسيما إن كان ذلك الفرد من ذوي الجاه أو المال والمنصب؛ ولكن الخطأ أو الجرم الصُراح، يبقى خطأً وجرماً؛ والحق يبقى حقاً، شاء من شاء وأبى من أبى، كالشمس التي لا يطفئ نورها غمض العيون عنها.. وهذه حقيقة تقودنا إلى مداخلة هامة في سياق موضوعنا؛ إنها مسألة النقد، من أين يبدأ، وأين ينتهي، وكيف يُطرح، وما الذي يجب أن يُتخَذ إزاءه؟ أما من أين يبدأ النقد؛ فإنه من حيث يبدأ الخطأ أو التقصير، أو أي نوع من الفساد، من أي فرد كان، وفي أي موقع من مواقع الحياة أو العمل.. وأما أين ينتهي، ففي بساطة شديدة، ينتهي عند الإصلاح والتقويم

الفعلي للأمر أو الفعل، الذي هو موضع النقد؛ ولا ينبغي أن يتوقف النقد أو الإشارة إلى موضع الخطأ أو الفساد، طالما كان ذلك الفساد قائماً بلا تغيير، ولا ينبغي لأية جهة التأفف، أو إبداء التبرم والاستياء، من استمرار النقد في مثل هذه الأحوال، وإلاّ كان النقد مجرد هرطقة و ثرثرة في الهواء، بلا غاية أو معنى؛ إذ أن هدف النقد، في الأساس، هو التغيير لمنكر حادث، أو علاج فساد واقع، أو الإصلاح لخطأ قائم، فما لم يتم فعلياً ذلك التغيير والإصلاح, لتلك الأخطاء أو المثالب ومعالجة الفساد المشار إليه معالجة حقيقية فعلية، بقيت مشروعية النقد قائمة إلى أن تتحقق أهدافه وتزول دواعيه ومسبباته.

وأما كيف يكون النقد وما هو أسلوبه الأمثل؛ فإن القاعدة التي يجب أن يبنى عليها أي حوار هادف بناء، هي روح وجوهر الآيتين القرآنيتين الكريمتين “(ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ ) " [ سورة النحل : 125 ] {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}. (سورة فصلت الآيتان (34 - 35).. تلك هي أصول ومنهجية النقد والحوار الرصين، الذي علمنا إياه ديننا الحنيف، دين الإسلام العظيم. فلا قدح، ولا مهاترات أو ذم وقذف، ولا تجريح أو تشويه للشخوص المرتكِبة للأخطاء أو حتى المفاسد؛ النقد للأفعال والأعمال، أو الأقوال المشينة؛ لا لشخص الفاعل، مهما كان جاهلاً أو فاضلاً. ومتى ما دخل النقد في الشخصنة، وانصرف إلى التوافه والمماحكة، فقد رسالته النبيلة، وانحرف عن جادة الصواب، وتحول إلى معول هدم، لا أداة إصلاح وبناء وتصحيح.

وفي الجانب الآخر؛ كل من يوجَّه إليه نقداً أو ملاحظة أو توجيهاً، عليه تقبل ذلك بصدر رحب، وبلا تجبر أو تكبر ومكابرة، وأن يكون له في سيرة السلف الصالح، قدوة حسنة؛ فهذا هو الخليفة الأول أبو بكر الصديق، يقول عند مبايعة الصحابة له بالخلافة: "إني وليت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني"، وذهب الفاروق إلى أبعد من ذلك، حين خطب قائلاً :"أيها الناس؛ إني وليت عليكم، ولست بأفضل منكم، فان رأيتم فيَّ اعوجاجاً، فقوموني بسيوفكم"؛ بل وشجع الناس والرعية على نقده و قول الحق، حين خاطبه واحد من رعيته بقول خشن، استفز بعض من حوله من الصحابة، فلما هموا بردع ذلك الرجل المتذمر؛ قال لهم عمر رضي الله عنه، مقولته الشهيرة :"دعوه! لا خير فيكم، إن لم تقولوها، ولا خير فينا، إن لم نسمعها"؛ بل وعليه الاقتداء أيضاً، بروح الشعور بالمسؤولية التي يتحلى بها رجال الغرب، الذين لا يأنف الوزير منهم، تقديم استقالته الطوعية من منصبه، بمجرد وقوع الخطأ منه، أو من عناصر في وزارته أو إدارته. لا أن يستميت في تشبثه بالكرسي، حتى يحمل على الأربع، مهما كانت أخطاؤه أو فشله.

أما ما الذي ينبغي أن يؤل إليه النقد، أو ما الذي يجب أن يُفعل إزاءه من قبل صناع القرار، وأهل الحل والعقد؛ فهو أن يعرضوا كل نقد أو ملاحظة أو رأي، على غربال الضمير والعقل والمنطق المحايد، فما وجدوه فارغاً، لا محتوى فيه ولا دسم، طرحوه جانباً، وغضوا الطرف عنه؛ فهو مجتهد، ولكن، ما كل مجتهد مصيب، فتحسب له حسنة اجتهاده؛ وأما ما وجدوا فيه الصلاح والصدق والمنطق، وخالص النية، والمنفعة الوطنية، وجب عليهم التصرف نحوه، وفق المنهج القويم القائل " شكراً لمن أهداني عيوبي"، فيعمدوا إلى تبنيه، والأخذ به، تطبيقاً وتنفيذاً عملياً، دون أية مماطلة، أو تلكؤ أو تسويف؛ لأن المماطلة في فعل الخير، والتأخر في علاج الفساد، هو الفساد عينه؛ وطول الوقت يُنسي، ويؤدي إلى الإهمال، وبقاء الأحوال كما هي عليه، دون تغيير أو تحسين، فيذهب كل جهد نقدي، أو رأي بناء أدراج

الرياح، ويخسر الوطن أروع ما أنتجته عقول أبنائه، من الأفكار المبدعة الخلاقة، التي كان بالإمكان _ لو أُخِذ بها_ أن ترتقي به إلى مصاف الدول الطليعية، في تقدمها والازدهار. وهذا يأتي في مقدمة ما يعرف بهدر الطاقات البشرية للشعوب؛ فكم من رأي أو فكرة، صدرت من إنسان بسيط، حلت مشكلة، استعصت على الأفذاذ، أو رسمت درباً، لانطلاق الأجيال وبناء الأوطان؛ والأمثلة في ذلك كثيرة، لا تُعَد ولا تحصى، غني بها التاريخ البشري؛ (كذلك العامل البسيط في وكالة ناسا الأمريكية الذي حل معضلة علماء الفضاء في إيجاد قلم بوسع رواد المركبات الفضائية الكتابة به عكس الجاذبية باقتراحه لهم قلم الرصاص.) وغبية هي تلك الحكومات أو الأنظمة التي لا ترصد نبض شارعها، ولا تستمع لما يدور من همس في أذهان وعقول أبنائها المخلصين، من الآراء والأماني الوطنية، وتعمل على تحقيقها، قبل أن تتحول نتيجة الرفض والإحباط، إلى صوت هادر موحد يقول: "الشعب يريد تغيير أو إسقاط النظام". ففي تبنيها للأفكار النقدية أو الإصلاحية، صمام أمانها، وضمان استمراريتها في الحكم، إلى أطول أمد ممكن؛ والعكس بالعكس صحيح تماماً؛ عملها بنظرية " أنا ومن بعدي الطوفان" المتمثل في تغييب كل عقل، وإهمال كل رأي وفكر، يزيد من عوامل الاحتقان لدى المجتمع، ويعجل من نهاية الحكومات، بتجاهلها لعوامل الضغط والانفجار، عندما تنقطع الشعرة التي تربطها بشعبها، الذي سيغدو بعد حين، حقاً كالطوفان، الذي لا تقوى سفينتها على الوقوف أمامه. فالشعوب دائما، تصبر وتمهل ظالميها، ومغتصبي حقوقها، ولكنها، في نهاية المطاف، لحظة إحساسها الغامر بالانسحاق والاختناق، تنفجر كالبركان، ولا تهمل الرد على طغاتها المتجبرين، مهما عظمت التضحيات؛ لأنه، لحظتها، لا يكون لديها شيء أعظم وأهم من التخلص من ظَلَمَتِها، والخلاص من هوانها واسترداد حريتها والكرامة، دون أن تحسب، حتى لمن، أو لما، تأول عليه الأوضاع، من بعد ثورتها، وإطاحتها بالكابوس الجاثم على صدرها؛ كما حدث ذلك عند شعوب بلدان الربيع العربي! على أنه في المقابل، رب قائل يقول: هذه يوتوبيا أو مثاليات وفنتازيا، إذ لا يمكن الأخذ بكل الأفكار والآراء، حتى لو كانت سليمة، صالحة ونافعة؛ لأن التنفيذ والتطبيق يحتاج إلى وقت ليس بالقصير، وإلى موازنات مالية غير متوافرة في غالب الأحيان؛ وهنا تبرز أهمية الشفافية السياسية والاقتصادية الحكومية، في تبرير المعوقات التي تعترض تبني المطالب الشعبية المنطقية، أو تنفيذ الآراء القيمة والمقترحات الشبابية النيرة، ويصبح عندها، ليس من حق النخب المثقفة فحسب، بل ومن حق كل أفراد الشعب، أن يعرفوا أين، وكيف يصرف الدخل الوطني للبلاد، وكيف تدار الموارد العامة للدولة. والحق أنه مهما حاجج أو ناكف أصحاب ذلك الرأي المحاذر المثبِط، فإنهم لن يستطيعوا نكران الشواهد العديدة في بلدان كاليابان وتايوان وسنغافورة، التي نهضت وازدهرت في شتى مجالات الحياة، وصارت، في فترات قياسية قصيرة، يشار إليها بالبنان، رغم فقرها المدقع من الموارد الأولية والثروات المعدنية، عدا ثروة الإنسان، وعقله الثري الفذ، الذي آثرت تلك الدول الحفر والتنقيب في كنوزه، أكثر من حفرها وتنقيبها في كنوز باطن الأرض أو جبالها والوديان؛ فاستثمار العقل، وأفكاره الخلاقة العظيمة، هو الذي يأتي بالأموال والموارد الأولية، ويخلق التطور والحضارة؛ وليست الموارد المادية، هي ما يصنع التقدم والرقي والازدهار؛ وإلاّ كانت أمة العرب اليوم، من أعظم الأمم رقياً و تقدماً وحضارة، لأنها أغنى أمم الأرض في مواردها و ثرواتها الطبيعية.



#زهران_زاهر_الصارمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القول الفصل في عواهن القول


المزيد.....




- أين يمكنك تناول -أفضل نقانق- في العالم؟
- ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع ...
- بلينكن: إدارة بايدن رصدت أدلة على محاولة الصين -التأثير والت ...
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث -عدوان الإمارات ...
- أطفال غزة.. محاولة للهروب من بؤس الخيام
- الكرملين يكشف عن السبب الحقيقي وراء انسحاب كييف من مفاوضات إ ...
- مشاهد مرعبة من الولايات المتحدة.. أكثر من 70 عاصفة تضرب عدة ...
- روسيا والإمارات.. البحث عن علاج للتوحد
- -نيويورك تايمز-: واشنطن ضغطت على كييف لزيادة التجنيد والتعبئ ...
- الألعاب الأولمبية باريس 2024: الشعلة تبحر نحو فرنسا على متن ...


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - زهران زاهر الصارمي - الدعامات التي تبنى عليها جسور الثقة بين الشعب والحكومة