أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيفي الملا - قشرةٌ للعيش فقط














المزيد.....

قشرةٌ للعيش فقط


هيفي الملا

الحوار المتمدن-العدد: 7048 - 2021 / 10 / 15 - 11:56
المحور: الادب والفن
    


"قشرةٌ للعيش فقط"

وقف أمام مرآته كعادته كل صباح امتعض لبعض شعيرات بيضاء باتت تغزو رأسه ، سرح شعره تعطر تهندم حمل حقيبة أوراقه ومضى للعملِ بفعلٍ آليٍ يمارسه بشكل روتيني كل يوم، ابتسم لجاره الذي صادفه على الدرج مخاطباً إياه بفمٍ فاغر، اشتقنا إليك جار لنسهر معاً ذات أمسية، ومثل كل مرة يتملقُ فيها نكزه الجني الرابض تحت ثيابه، هامساً له : أنت لاتشتاق إلى أمك يارجل لِمَ الكذب؟
يصل لمكتبه، يبتسم لزميلته ويثني على أناقتها الخاصة، وتناسق ألوان ماتلبسه، يلكزه الجني مرة أخرى لاتكذب يارجل، فزميلتك هي نفسها بروتينها اليومي وجمالها الباهت وعيونها المنطفئة ٠
يُحادثُ زميله المجاور، أمضينا سهرتنا العائلية ليلة أمس، ونحن نقرأ معاً بكتابٍ رائع استفدنا منه جميعأ، بعد أن أنهى الصغار واجباتهم المدرسية، يلكزه الجني لاتكذب يارجل، فالأطفال دفنوا رؤوسهم في التابلت حتى ناموا، وتململتْ زوجتك من شخيرك والشمس لم تغبْ بعد ٠
يدخل وهو يحملُ ملفاً لمديره، أوه ما أشدَ أناقتك اليوم!! كم أقتدي بك شكلاً وحيويةً وسمو مكانة، يلكزه الجني مجدداً، كنتَ تغاتبه مع زميلك البارحة، بأنه جشعٌ ولايشبع من مص دماء الموظفين، كفاك تملقاً يارجل ٠
يرجعُ لمنزله ومسحة التعب والتردد تعلو سحنته، يخاطبُ زوجته ما أذكى نكهة طعامك! لا أحبذ الأكل إلّا من يديك، يلكزه الجني مجدداً، لاتكذب يارجل، ألم تخبر زميلتك البارحة أن طبخ زوجتك عديم النكهة كما هيئتها؟
يتابعُ برنامجاً في التلفاز ، تدمعُ عيناه لمنظرِ عائلة مرتحلةٍ موغلةٍ في الطين والذل والحزن، يلكزه الجني، منافقٌ وكاذبٌ أنت يارجل، ألمْ تكن تشرب قهوتك اليوم صباحاً على أخبار القتل والمجازر والزلازل، وكتفك تتراقص وكأنك تسمعُ أغنيةً هابطة ٠
يمضي النهار بطولهِ، يكذبُ صاحبنا بمعدلِ عشرين كذبة وخمسين مجاملة وثلاثين مقولة تملقٍ، ليكملَ يومه ككائنٍ لا أدري إن كان موجوداً أم لا، وبعد أن يؤدي كل واجباته البيولوجية والوظيفية، وإثرَ يومٍ طويلٍ جاهد فيه لينحتَ قواعد أخلاقية تتناغم وسلوكه الإنساني المقرر ، ليجدَ تبريرات يكمل بها دورة حياته اليومية٠
يتسللُ على رؤوسِ أصابعه إلى المطبخ يعدُ قهوته الخاصة، يجلسُ متكوراً على المقعدِ متأملاً ظلال الليل على نافذته، يفتحُ صدره ذات تصالح لأصواته الداخلية، لبنات أفكارهِ يتصارعن يتقاتلن، يفكهن حيناً ويتأملهن حيناً آخر، يتجولُ في سراديب فكره وأقبية خيالاته المنتحرة بين فلسفة كانط وتوصيفه للحالة الطبيعية للإنسان، بأنه مطبوعٌ على شر جذري، يسترسل عائداً إلى تاريخ أول الجرائم عندما قتل قابيل هابيل، وعندما رُمي يوسف في البئر من قِبَلِ إخوتهِ،
يراجعُ الكثيرَ من الحكم المندثرة والأناشيد المخنوقة والشعارات المغلفة بالزيف ومناهج مؤدلجة وابتسامات مترددة، و تناقضات كثيرة ترمم الجدار المتآكل مابين الحياة والموت مابين الانتماء واللاانتماء ٠
يشعرُ لوهلة بأنه يعيشُ على حواف الأشياء لا في روحها، يتأملُ صمت كل المنازل والقناديل المطفأة، وحكايات لفها الفراغ والصمت ٠
يمدُ يديهِ لبرودةٍ خارج النافذة، يتأكدُ من أن أحساسيسه مازالت متيقظة وحواسه عاملة، يرتشف قهوته بعمقٍ وأسى، يقلبُ فنجانه كما كل ليلة، لترتسمَ بقايا القهوةِ دوائرَ تمهدُ ليومهِ المقبل وخطوط متداخلة وفراغات متشعبة وأفكار كما المتاهة ٠
يمدُ أذرعه الخفية في لحظة صدق وحيدة، بعد انطفاء الحلم ونوم أناه الحقيقية، ليسكتَ صخب أجراسهِ و الذئاب التي تعوي بداخله ليسدُ فم الحقيقة والرغبات بالقطن والطين ٠
ينزعُ الموظفُ المطيعُ قشرته السمكية، يمددها جانبه على السرير، ويشخرُ باستهزاءٍ أو ربما بحقدٍ عميق، ليلبسها في الصباح مجدداً، ويمضي عابراً جحيم وجوده المتملق ليس مرة واحدة بل مراراً وتكراراً ٠



#هيفي_الملا (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حليب أسود-صراع الكتابة والأمومة
- ويحدثُ أن نصرخَ بصمتٍ
- رواية /لا ماء يرويها / للكاتبة/ نجاة عبد الصمد /الأنثى في ظل ...
- الرواية حكاية أم نسق فكري؟


المزيد.....




- هيلين كيلر.. الكفيفة الصماء التي استشارها رؤساء أميركا لعقود ...
- 40 عاما على إطلاقه.. ماذا تبقى من -نقد العقل العربي- للجابري ...
- فيلم -شرق 12-.. سردية رمزية لما بعد ثورات الربيع العربي
- يحقق نجاح كبير قبل عرضه في السينما المصرية .. أيرادات فيلم أ ...
- في جميع أدوار السينما المصرية .. فيلم الشاطر رسميًا يعرض في ...
- لمى الأمين.. المخرجة اللبنانية ترفع صوتها من في وجه العنصرية ...
- وصية المطرب أحمد عامر بحذف أغانيه تدفع فنانين لمحو أعمالهم ع ...
- قانون التوازن المفقود.. قراءة ثقافية في صعود وسقوط الحضارة ا ...
- وفاة الفنانة الإماراتية رزيقة طارش بعد مسيرة فنية حافلة
- ماذا بعد سماح بن غفير للمستوطنين بالغناء والرقص في الأقصى؟


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيفي الملا - قشرةٌ للعيش فقط