أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحمن حلاق - جمهورية الكلب.. تقنية التورية السردية















المزيد.....

جمهورية الكلب.. تقنية التورية السردية


عبدالرحمن حلاق

الحوار المتمدن-العدد: 7017 - 2021 / 9 / 12 - 12:24
المحور: الادب والفن
    


عبد الرحمن حلاق

على بساطتها اللغوية وبطء الحركة في خطها الدرامي تمسك رواية "جمهورية الكلب" للروائي السوري إبراهيم اليوسف (دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع، 2020) بتلابيب القارئ وتخلق في داخله شغفًا يتنامى رويدًا رويدًا إلى أن يبلغ ذروته في الربع الأخير من صفحات الرواية متكئة على مخططين سرديين يتوارى أحدهما خلف المعاني المباشرة التي تتبدى من خلال المعاينة الحسية التي تمنحنا بادئ ذي بدء تصورًا ذهنيًا يجعلنا نتمكن من القبض على المعنى الأعمق من خلال تأويل الاستعارات التي استعان بها الكاتب والمتعلقة بالكلب وطباعه، ومشاعره، وطرق تربيته، وإعداده.


وقد لعب فيض المعلومات حول عالم الكلاب، وكثرة القصص التي جادت بها ذاكرة البطل، دورًا بالغ الأهمية في التعويض عن بطء الحركة في الخط الدرامي. ومنح النص قدرته على إثارة فضول المتلقي.



في المبنى الروائي
(الأمر خرج من يدي، إذ لم يصدق أحدٌ في أسرتي أن تكون نهايتي على هذا الشكل. أن أقرر اقتناء كلب في المنزل أعنى به، وأتقدم بطلب إلى مديرية اللاجئين في المدينة:
أريد بيتًا أسكن فيه وحدي!
كثيرون شككوا في أمر).
بهذا القرار يخبرنا بطل الرواية في صفحتها الأولى عن تحول بنيوي مغاير في آليات تفكيره وفي قناعاته الخاصة، وهذا يعني أننا أمام حالة بناء مبكرة في استهلال العمل، وبالتالي سنتابع خلال مجريات الأحداث مجمل البِنيات التي سيعمل على هدمها ليقيم مكانها المآل الجديد الذي صار إليه. فكيف حدث ذلك؟
لو حاولنا تتبع المخطط الظاهري للرواية سنجد أنفسنا أمام قصة بسيطة للاجئ سوري كردي في ألمانيا متقدم قليلًا في العمر، يعاني من صعوبات الاندماج اجتماعيًا ولغويًا، يلتقي بامرأة ألمانية في إحدى الحدائق التي يمارسون فيها رياضة الصباح، امرأة قُتل زوجها في الموصل، فكرست بقية حياتها لمساعدة اللاجئين إلى وطنها مكتفية من العالم بكلابها التي تربيها، تتوطد علاقة صداقة بينهما، يلتقيان يوميًا لمرة واحدة ثم اثنتين وأحيانًا ثلاث مرات وينحصر الحديث فقط في عالم الكلاب، تتطور العلاقة أكثر فتدعوه إلى حفل خاص بمناسبة يوم الكلاب العالمي فيسهران صحبة أحد عشر كلبًا وخلال السهرة يتهجم عليه كلبان ثم تتعرض فيما بعد لحادث سير ويموت كلبها في بيت اللاجئ مما يتسبب في سلسلة تحقيقات أمنية لدى البوليس الألماني إلى أن تتوضح الأمور.
أما المخطط الآخر الذي يختبئ خلف هذا المخطط الظاهري فيما اصطلحت عليه في قراءات سابقة بتقنية التورية السردية، فيمكن استنتاجه من خلال تتبع الحوارات والقصص المروية عن الكلاب الألمانية وكذلك القصص المروية عن الكلاب السورية، ويمكن تعريف التورية السردية بأنها: أسلوب بلاغي بنائي يتحكم في مجمل التصميمات اللفظية المستندة أساسًا على الاستعارة والكناية والبناء الرمزي، يمنح النصّ شكله ومضمونه ويخلق مجمل التوتر البنّاء فيه.
ويمكن إيجاز المخطط الثاني بكون الرواية تحكي قصة كاتب روائي وباحث، اكتملت رؤيته الفكرية وتبلورت قناعاته وبات رقمًا معروفًا بين المثقفين النخبويين في وطنه، يتعرض ككل من ثار ضد الاستبداد إلى اللجوء فيختار ألمانيا وفيها تدور أحداث الرواية حيث تصطدم قناعاته الفكرية والاجتماعية بعادات وأعراف المجتمع الجديد، فيتناولها بطريقة موضوعية شأن أي باحث، ليصل في نهاية المطاف إلى كسر بعض القيود والبدهيات التي نشأ عليها. وضمن إطار هذا المخطط نجد أنفسنا أمام ثقافتين مختلفتين تمامًا، ثقافة تحتضن الكلاب وتضعها في ثالث أولوياتها بعد الطفل والمرأة ويأتي الرجل في المرتبة الرابعة، وثقافة تتعامل مع الكلب على أنه حيوان نجس يُستفاد منه بمقدار محدد ضمن ظروف محددة ثم يتم التخلص منه، وهذه البنية بالضبط هي المستهدفة بالهدم. ضمن هذا الإطار سنجد أن الكلب الألماني صاحب سلطة وله حقوق قانونية أهمّ من حقوق الرجل وبالتالي لا بد لللاجئ السوري من استيعاب هذا الوضع والتعامل معه ولأنه صاحب سلطة ولأن اللاجئ حالة قلقة وغير مستقرة إذن لا بد من ترويض النفس لتقبّل الأمر والبحث في ماضيه عن بعض الجوانب المشرقة في التعامل مع الكلاب في وطنه ولا بأس من إدانة الجوانب الأخرى كونها تعكس بعض التعاملات السيئة مع عالم الكلاب، هذا الموقف سيعزز من قبول الألماني لهذا اللاجئ. إذن لو حذفنا كلمة (كلب) من سياقها الروائي ووضعنا عوضًا عنها كلمة (الآخر) لتبدى لنا المخطط الباطني الكاشف للمعنى والمحدد للرؤية الفكرية الإنسانية في شخصية (آلان النقشبندي) ولتبدّت لنا رمزية الكلب كحالة استعارية لا تتناقض مع المخطط الظاهري للرواية.
وما يعزز هذه الحالة قدرة الرواية على تحميل الكلب بلاغيًا مجموعة من الدلالات تعكسها مجموعة القيم والمفاهيم التي نمارسها بشكل اعتيادي وتكاد تكون مجموعة بدهيات ومسلمات قد يتنصل منها الكثيرون ويرفضها أصحابها لحظة طرحها بشكل مباشر، إنه نوع من ممارسة التقية إن صح التعبير أو حالة من حالات الفصل بين الوعي والممارسة لكنها في نهاية المطاف هي مجموعة أفكار أنتجها المجتمع في فترات تاريخية متباينة وترسخت في لا شعوره واستعبدته شأنها شأن الكثير من المنتجات العقلية البشرية التي مارست الاستبداد لاحقًا على منتجيها. فالشخص الطائفي على سبيل المثال قد يرفض الطائفية في طروحاته النظرية لكن أفعاله بالمجمل تنبئ عن طائفيته، فإذا كان آلان النقشبندي قد استطاع بعد معاناة شديدة أن يتخلص من بدهياته حول الكلاب رغم أنه تعرض لهجوم جارح من كلبين نازيين، فإن أبناء الطوائف في وطنه قد يستطيعون التخلص من مسلماتهم وبدهياتهم التي تقصي الآخر أو تدعو إلى التخلص منه نهائيًا. استطاع بطل الرواية أن يكون موضوعيًا في علاقة أبناء وطنه من الكلاب وبالتالي استطاع التوصل لحالة صلح مع الكلاب الألمانية وقرر تربية كلب في منزله. وفي استعراضه لحالات القتل والأذى التي تلحق بالكلاب في وطنه إنما هو يهدم تلك المجموعة من المسلمات المعيقة لبناء وطن حاول أبناؤه العقلاء ذلك في ثورتهم لكنهم جوبهوا بمجموعة قوى محلية وإقليمية ودولية شتتت شملهم وقضت على أحلامهم، وغدا آلان النقشبندي واحدًا من الحالمين بالعودة إلى الوطن الحلم.



#عبدالرحمن_حلاق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعر أدونيس.. البنية والدلالة


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحمن حلاق - جمهورية الكلب.. تقنية التورية السردية