أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبد الرحمن منيف - الخاتون















المزيد.....

الخاتون


عبد الرحمن منيف

الحوار المتمدن-العدد: 486 - 2003 / 5 / 13 - 05:18
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

الشخصيات التي لعبت دوراً مهماً في تكوين العراق الحديث، بداية القرن العشرين، الآنسة جير تروود بيل، أو كما يطلق عليها اختصارا المس بيل، وهي من رهط الجواسيس الانكليز الكبار الذين أموا المنطقة بتكليف من حكومتهم عندما شعرت بتداعي الامبراطورية العثمانية وقرب سقوطها. جاء هؤلاء بحجة البحث عن الآثار، وبعد ان أتقنوا العربية توزعوا في أنحاء المنطقة ليكونوا بالقرب من مراكز القوى، وليؤثروا في القرارات المصيرية التي يفترض اتخاذها.
تم اختيار العراق ليكون مقرا للمس بيل، أولا في البصرة أثناء الحرب العالمية الاولى، ثم في بغداد، بعد ان تم الاستيلاء على العراق كله. أما بعد ان تفجرت ثورة العشرين، ونتيجة الخسائر الفادحة التي لحقت ببريطانيا، فقد اضطرت بريطانيا الى زيادة قواتها لغرض الامن في المستعمرات، فرفعت عدد هذه القوات من 30 ألفا الى 70 ألفا، كما بدأت التفكير بإجراءات جوهرية لتعديل صيغة الحكم، بحيث لا يبقى حكما استعماريا مباشرا، وكلفت السكرتيرة الشرقية، المس بيل، القيام بهذه المهمة، من أجل الوصول الى حلول أفضل.
والمس بيل التي وصلت الى المنطقة في وقت مبكر، وزاملت لورنس في نفس المكان ونفس المهمة، ما لبثت ان افترقت عنه حين كلف أن يوثق صلته بالهاشميين وكسب ودهم وثقتهم كي يقفوا الى جانب الحلفاء في الحرب، في الوقت الذي كلفت المس بيل، ومعها فيلبي ولجمان بالعراق. وبجهد ودأب أصبحت هذه المرأة اختصاصية في شؤون العراق وملمة بتفاصيل تكوينه، وقد زاد معرفتها ثم علاقتها إتقانها اللهجة المحلية وقيامها بدراسات حول أنساب القبائل والروابط التي تجمع بينها، وما هي الاحلاف التي كانت قائمة، أو تلك المرغوب ان تقوم، خاصة ان عناصر القبائل ووقودها كانت تشكل قوى الثورة، وبالتالي فإن إقامة علاقات إيجابية مع الزعماء وتلبية بعض مطالبهم، يمكن ان تساعد في عدم تكرار التمردات، والتقليل من حالات العنف في العراق كله، بعد ان انتهت الثورة، وما كبدته لبريطانيا من خسار مادية وبشرية، مما حمل على نفي عدد من الزعماء الى المستعمرات البريطانية النائية في آسيا وأفريقيا.
شاركت المس بيل في مؤتمر القاهرة الذي عقد في أعقاب الحرب العالمية الاولى لتحديد مستقبل العراق، وشاركت في مؤتمر لندن لتحديد صيغة العلاقة بين بريطانيا وعدد من مستعمراتها، وكانت هذه المشاركة هامة نتيجة المعرفة المباشرة والعلاقات التي لها مع الزعماء والمعرفة بالمكان، مما أكسبها المزيد من ثقة رؤسائها بشخصها وكفاءتها.
لذلك، وبعد انكفاء بريطانيا نتيجة ثورة العشرين، كلفت المس بيل بإعادة النظر، فنهضت لهذه المهمة الكبيرة والخطيرة، وكان من أبرز الاقتراحات التي خطرت ببالها ان يتحول العراق من الحكم البريطاني المباشر الى صيغة خفية ومموهة: ان تضع في الواجهة عددا من العراقيين وان يكون خلفهم او الى جانبهم مستشارون بريطانيون بيدهم الحل والربط، كما يقال. ويكون المندوب السامي فوق الجميع وبيده مقاليد السلطة الفعلية.
أكثر من ذلك: خطر بفكر المس ان يتحول العراق من صيغته المائعة الرخوة الى صيغة ملكية، فخمة مليئة بالضجة والمظاهر. وهنا برز عدد من المرشحين لتولي هذا المنصب، وكان عدد هؤلاء يزداد فترة بعد أخرى.
كان أقوى المرشحين هو عبد الرحمن النقيب، رئيس الوزراء. وكان هذا المرشح مستعدا لخدمة الانكليز الى أقصى حد وبما يتناسب وقدراته الجسدية، لكن تقدمه في السن ومرضه وبطء حركته، ثم عزوفه عن هذا المنصب، حالت دون استمراره كمرشح جدي لعرش العراق، مما دفع بمرشح آخر من آل النقيب، لكن من البصرة هذه المرة وهو طالب النقيب، لان يطرح نفسه لهذا المنصب، ومن أجل ذلك قام بزيارات لأصدقاء بريطانيا في الخليج لكي يقوموا بتزكيته، غير ان طبيعة الرجل، وما اتسم به من قسوة وسمعة سيئة، إضافة الى طموحه الكبير وتذبذب موقفه تجاه بريطانيا، باعدت، تدريجيا، بينه وبين العرش. وحين أبدى تذمره من المندوب السامي ومن السكرتيرة الشرقية، فقد دبرت له المس بيل مكيدة، إذ دعته، باسم زوجة المندوب السامي، الى حفلة شاي، وما كادت الحفلة تلتئم حتى دخل الجند وألقوا القبض عليه، ومن هناك رحل الى المنفى في الهند، ليبقى بضع سنين ثم أعيد الى القاهرة فبغداد، لكن الناس خلال هذه الفترة كانوا قد نسوه، ولأنه تم اختيار ملك غيره للعراق، كما ان عزوته ومؤيديه كانوا قد انفضوا عنه.
الى جانب هذين المرشحين من آل النقيب، كان هناك رهط من المرشحين الآخرين، وقد تفاوت عددهم واحتمالاتهم فترة بعد اخرى، وكانت بريطانيا، من خلال طرح بعض الأسماء، تراقب وتختبر مدى القدرة على السيطرة على مثل هؤلاء، وأيضا مدى طاعتهم وكفاءتهم ومدى رضى الناس، خاصة القوى الاساسية، من زعماء العشائر ورجال الدين ومخاتير المدن والبلدات، تمهيدا للمفاصلة بينهم، واختيار واحد يكون أكثر ملاءمة لمصالحها.
كان ضمن المرشحين ايضا الشيخ خزعل، حاكم المحمرة، لكن هذا المرشح لم يصمد طويلا. وكان هناك الآغا خان وحفيد آخر سلاطين بني عثمان، ورشح لعرش العراق ايضا ابن سعود او أحد أنجاله، لكن هذا الاقتراح لم يلاق هوى في العراق، نتيجة المعارك التي بين البلدين والعداوات المستحكمة بينهما منذ فترة طويلة، فسقط هذا الاقتراح، وغض النظر عنه. وبرز خلال هذه الفترة مرشحان آخران: والى بشت كويه والعمري، والمرشح الأخير من شخصيات الموصل البارزة، لكن هذين المرشحين لم يصمدا طويلا في الساحة، وهكذا تم سحبهما من التداول!
ورغم ان عبد الله ابن شريف مكة، الحسين، قد رشح في وقت مبكر لعرش العراق، الا ان عزل فيصل عن عرش سورية، خلط الأوراق من جديد، ودعا الى ترشيح فيصل مجددا لعرش العراق، وهكذا وبين عشية وضحاها، كما يقال، أصبح فيصل بن الحسين المرشح الوحيد لهذا العرش. وللمس بيل الفضل الاول والاكبر في تبني هذا المرشح ثم إيصاله الى العرش.
لقد جرى هذا بمباركة المندوب السامي وموافقة الحكومة البريطانية. وكل ما حصل بعد ذلك من إجراءات تعتبر تحصيل حاصل، إذ غاب المرشحون الآخرون، أو غيبوا، عن المشاركة في الاستفتاء، والعرائض والتواقيع التي تم انتزاعها من الزعماء والقادة كانت مجرد استكمال للشكليات.
أما الأمور الهامة التي زكت فيصل ليكون ملكا: الموافقات المبكرة على طاعة بريطانيا والامتثال لأوامرها، خاصة من حيث الارتباط بمعاهدة تحدد التزامات الطرفين، ثم الموافقة على اتفاقية النفط المقترحة. ومما قوى هذه التزكية وعززها الود الذي كان قائما بين فيصل الاول وزعماء الحركة الصهيونية، وأحد أبرز مظاهر هذا الود اللقاءات والمراسلات التي كانت تتم بين الطرفين، وأخيرا فإن أركان النظام الجديد يتشكلون من الحرس البريطاني المجرب والمعتمد، سواء الذين كانوا مع فيصل في دمشق أو أولئك الذين كانوا موجودين في العراق، بمن فيهم عبد الرحمن النقيب وحسقيل ساسون والذي ظل يشغل وزارة المالية طوال فترة تولي فيصل الأول العرش.
أما كيف استقبل فيصل حين استدعي لتولي العرش فقد تفاوتت التقديرات، إذ في الوقت الذي تؤكد دائرة المندوب السامي ان الاستقبال كان حافلا وبما يليق بملك هاشمي عتيد، فإن تقديرات اخرى تؤكد ان الملك لم يستقبل الا من قبل اليهود والاقليات الاخرى!
بعد ان اعتلى فيصل العرش انصرفت المس بيل الى ترتيب شؤون البلاط، ومحاولة خلق هالة حوله من حيث المراسيم والطقوس، واعتماد بروتوكول صارم، وقد قامت بكل ذلك بنفسها أو بإشرافها المباشر، ولان فيصل، رغم تسنمه العرش، كان خلال فترة طويلة معتكر المزاج مريضا، فقد واجهته مشاكل متزايدة، ولعل أبرز هذه المشاكل وأكثرها تعقيدا مشكلتان: مشكلة الموصل واتفاقية النفط، إضافة الى المعاهدة التي تربط العراق ببريطانيا.
طوال إقامة المس بيل بالعراق، تعودت ان تكتب يومياتها أو تسطر رسائل لأبيها أو لبعض أفراد أسرتها. وحين أصبحت مثقلة بالزيارات التي تنظم في بيتها للمسؤولين السياسيين والعسكريين، لم تتوقف عن التدوين. كانت تكتب ما يمر بها من أحداث وأفكار ومشاعر، وتكتب عن أحوال العراق، ورأيها بمن تلتقيهم من الناس، خاصة من أصحاب القرار. وتعتبر الأوراق التي كتبتها كنزا هاما وثمينا، إذ تبرز فيه ومنه وقائع يصعب ان توجد في مكان آخر.
نشأت بين فيصل والمس بيل علاقات تلفت النظر وتثير التساؤل، خاصة أثناء زياراتها له في مزرعته في بعقوبة، إذ كانت تقوم على خدمته مباشرة وتداعبه، ولا تتردد في التعبير، وعن إظهار مدى تعلقها به، ومدى الشغف بالبقاء، وحيدة، الى جانبه.
لقد تعلقت المس بيل بالعراق، وفي الوصية التي تركتها أشارت الى رغبتها ان تدفن فيه، وتحققت لها هذه الرغبة، إذ توفيت عام 1926 ودفنت هناك. ولأنها تعتبر العراق جزءا من ملكيتها، وهي التي قامت بتنصيب فيصل ملكا، فقد تابعت الرحلة الى نهايتها، إذ اعتبرت نفسها ملكة وتقمصت هذا الدور، ربما لتعلقها بفيصل، فهي تقول في رسالة لأبيها <<انها لن تشترك مرة اخرى في تنصيب ملك>> تقول ذلك ليس فقط نتيجة الجهد والارهاق، وانما لأنها لا تتصور ان يأتي رجل آخر ويعتلي العرش الذي صنعته!
تبرز صورة المس بيل هذه الأيام أكثر من أية فترة سابقة، ونحن نرى كيف تتصرف أميركا وهي تحاول صيغة للحكم <<الديمقراطي الجديد>> الذي تريد إقامته في العراق، والمتمثل في التميمي في البصرة والزبيدي في بغداد والملك غير المتوج أحمد الجلبي، ولعل الكلمة الوحيدة التي تنطبق على هؤلاء وسادتهم هي كلمة سعيد عقل: شو هالبضاعة... والى متى؟
(╫) الخاتون: اللقب الذي أطلقه عامة الناس على المس بيل.
 

  
جريدة السفير
 



#عبد_الرحمن_منيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الأردن يحذر من -مجزرة- في رفح وسط ترقب لهجوم إسرائيلي محتمل ...
- روسيا.. النيران تلتهم عشرات المنازل في ضواحي إيركوتسك (فيديو ...
- الرئيس الصيني في باريس لمناقشة -التجارة والأزمات في الشرق ال ...
- بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية رداً على تصريحات غربية وصفته ...
- المكسيك تحتفل بذكرى انتصارها على فرنسا عام 1862
- ماكرون يؤكد لشي أهمية وجود -قواعد عادلة للجميع- في التجارة
- المفوضية الأوروبية تسلم مشروع الحزمة الـ 14 من العقوبات ضد ر ...
- الإعلام العبري يتحدث عن -خطة مصرية- بشأن أراض فلسطينية وموقف ...
- المتحدث باسم القبائل العربية: مصر لن تتورط في -مهمة قذرة-
- أوكرانيا.. مهد النازية الجديدة


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبد الرحمن منيف - الخاتون