أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمد صالح مصطفى - القضية الكردية و التحولات الحاسمة















المزيد.....


القضية الكردية و التحولات الحاسمة


محمد صالح مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 1642 - 2006 / 8 / 14 - 10:25
المحور: القضية الكردية
    


دخلت القضية الكردية في جزء هام من أجزاء كردستان وهو كردستان العراق ، منعطفين هامين وحاسمين في أقل من عقدين من الزمن . و سيجعل مؤرخو المستقبل من هذين الحدثين نقطة تحول حاسمة في تاريخ الشعب الكردي و حركته المعاصرة في سبيل تقرير المصير. كان الأول قيام المنطقة الآمنة التي أنشأها الحلفاء في أعقاب حرب تحرير الكويت 1991 و قيام سلطة كردية مستقلة عن الحكومة المركزية في بغداد ، و الثانية هي الحرب التي أدت إلى سقوط النظام السابق و التي ترتب عليها الاشتراك الفعلي للقوى السياسية الكردستانية في عملية التغيير و تقرير و جهته و الاشتراك فيما بعد بشكل فعال في الحكومة المركزية في بغداد و تحقيق تطورات مهمة في طريق الفدرالية و نشوء و توطد تحالف متين ، تطور و تعزز بشكل خاص في السنتين الأخيرتين بين ممثلي الشعب الكردي و قوى التحالف الدولي و الولايات المتحدة على وجه التحديد ، انطوى على ضمانات عالية الأولوية من قبل هذه القوى لمصالح الشعب الكردي في العراق أولا ومن ثم ، بدون شك ، لمصالح الشعب الكردي عموما ، مقابل دور كردي نشيط في تعزيز الديمقراطية في عموم العراق و المنطقة . و أعطى الأكراد و قيادتهم السياسية بذلك مثالا مهما في المرونة و التفكير السياسي الصائب في الاستفادة من التطورات في الوضع العالمي الجديد بعيدا عن العقد و المواقف المسبقة التي تزخر بها المنطقة و القائمة على إسقاطات غير صائبة و خلط للمواقف من قضايا أخرى لها ظروفها و ملابساتها غير القابلة للتعميم أقصد : الموقف من القضية الفلسطينية و الموقف من إيران . ولقد شاهدنا في هذا المثال ، أي مثال القيادات السياسية الكردية ، قادة تنطبق عليهم تسمية " قادة " لأنهم يقودون الجماهير و لا ينقادون لها أو يجاملونها ويسيرون خلفها ، قادة ينطلقون من خصوصية الموقف وظروفه الملموسة و الفريدة بعيدا عن التعميم ، و أخيرا و ليس آخرا الاعتماد على تعريف سليم للسياسة لا يقوم على العواطف و الكراهية المزمنة إنما على المصالح المشتركة.
و قد كان الشرط المسبق لنشوء مثل هذا الوضع ، قبل كل شيء ، انتهاء الحرب الباردة ، و التشخيص المبكر و الصائب للقوى السياسية الكردية الفاعلة على الساحة الكردستانية في كردستان العراق لأهمية التحالف مع القوى الأكثر بروزا و فعالية في المجتمع الدولي عموما و التحالف الدولي الذي شن الحرب التي أسقطت النظام السابق على وجه الخصوص . لقد أثبتت السنوات الخمسة عشر الماضية ، رغم قصرها النسبي ، صواب هذه السياسة بخطها العام بالرغم من الكثير من العثرات و المطبات و المساعي الضيقة و بالرغم من أن ثمار هذه السياسة لم يتحقق حتى الآن إلا جزئيا لأسباب سنعرض لها في سياق هذا المقال .

حركة الشعب الكردي في سبيل تقرير المصير في طريق اللاعودة

و لأول مرة يشعر المحلل المتابع أن السياسة الكردية ممثلة أولا بالحزبين الرئيسيين و الأحزاب المساندة الأخرى قد وضعت القضية الكردية على المسار الصحيح أو ، من الأدق ، أنها تحقق الآن خطوات حاسمة لا تراجع فيها و إنها لن تعود هذه المرة ، كما في كل مرة تقريبا ، إلى نقطة الصفر ، رغم أن القضية الكردية هي قضية معقدة و شائكة جدا بسبب تشابكها الملتبس مع الوضع الإقليمي و المصالح الدولية المرتبطة لسنوات طويلة بمصالح لا يمكن تجاهلها للأنظمة الحاكمة في المنطقة التي تمتاز بالهشاشة من جهة ، و احتوائها على اكبر الاحتياطيات النفطية من جهة أخرى .
سيركز المقال على الوضع الحالي للقضية الكردية في كردستان العراق و الخطوط الستراتيجية العامة في تطورها بدون الدخول في تفاصيل صغيرة ، ويركز أيضا على التحالفات الدولية و المحلية ، ودور القوى السياسية و دور السلطة و الأحزاب الكردية في مشروع بناء الديمقراطية في العراق و المنطقة ، و في الحرب على الإرهاب و ردود الفعل الإقليمية على تطور الوضع في كردستان العراق . وسوف يضطر البحث الى العودة ، ربما ، الي الفترة السابقة لهذه الفترة الزمنية بأقل ما يمكن ، و التركيز بدلا من ذلك على المرحلة الحالية و مستلزمات إنجاحها و التحالفات و التكتيكات و المواقف التي تم إتباعها .

التحالفات الحالية ودور الأكراد في حكومة الوحدة الوطنية
كانت أكثر النقاط سخونة هو التحالف بين القائمة الكردستانية و الائتلاف الشيعي العراقي ، و هذا التحالف كان مثار جدل و انتقادات واسعة من قبل المثقف العراقي على اعتبار أن قوى الائتلاف لا يمكنها أن تكون ، بسبب طبيعة تكوينها الديني الرجعوي والطائفي ، مؤمنة حقا بالديمقراطية و تسعى حقا إلى إقامتها ، و كذلك موقفها المعادي و أحيانا الدموي من القوى الديمقراطية و العلمانية التي شكلت تهديدا و تحديا لها في الانتخابات الأخيرة ، ما أدى إلى كشف ما هو مموه و غير معلن في أن القوى الدينية عموما مستعدة للجوء إلى أقصى درجات العنف و التصفيات الجسدية في حالة وجود قوة قادرة على حلحلة و تهديد مفهومها في المحاصصة و قدرتها على اختراق معاقلها الطائفية الساعية إلى تكوين كانتونات مغلقة لكل طائفة على حدة و انفرادها تبعا لذلك بالجنوب العراقي و احتكار تمثيل الطائفة الشيعية . و لأول وهلة بدا هذا التحالف أي التحالف بين القائمة الكردستانية و قوى التحالف الشيعي بمثابة تبرير و دعم من قبل التحالف الكردستاني لمثل هذا التوجه و بدا معاديا في جوهرة للديمقراطية و الحياة المدنية ، مما سنعرض لمناقشته من عدة وجوه .

الديمقراطية و ولاية الفقيه لا يلتقيان

و كانت المحاذير الأخرى التي شكلت ما يشبه الألغام في عملية التحالف مع القائمة الشيعية هو إقتداء هذه القائمة المعلن أو غير المعلن بالنموذج الإيراني ، هذا النموذج الذي ينطوي على محاذير حاسمة بالنسبة لمصالح الشعب الكردي و العراقي عموما . و تتجلى عيوب النموذج الإيراني القاتلة في ثلاثة جوانب رئيسية على الأقل :
ـ الشكل الزائف والمخادع للديمقراطية الإيرانية الذي يعكس شكلا مموها للحكم الثيوقراطي و الذي يتم بموجبه حصر القرارات الحاسمة في نهاية المطاف بيد حفنة من رجال الدين و بيد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية مما يجعل الإعلان عن تبني الديمقراطية لدى أحزاب القائمة الشيعية ، كما هو الحال في إيران ، غطاءا مموها لولاية الفقيه . و هذا ما بدا جليا في المناقشات التي جرت لإقرار الدستور حيث سعى ممثلو الائتلاف إلى ترسيخ نفس النموذج من حيث الجوهر و قد نجحوا في ذلك نجاحا نسبيا ، و لا زالوا يدافعون عنه بدون مواربة .
ـ السجل غير المشرف للسلطات الإيرانية المتعاقبة من قضية الشعوب الإيرانية غير الفارسية بشكل عام و من القضية الكردية بشكل خاص .
ـ العلاقات الدولية لإيران بالمجتمع الدولي ، الحليف الأوثق للشعب الكردي ، و التي يمكن وصفها بأنها سيئة جدا بسبب مساندة إيران للإرهاب الدولي في دعمها المستمر لقوى إرهابية معروفة .
وجد التحالف الكردستاني نفسه أمام خـــيار صعب التبرير خصوصا و انه قد راهن بشكل صائب على إسناد المجتمع الدولي و قوى التحالف و الولايات المتحدة بشكل خاص كحلفاء أقوياء و موثوقين في طريق المسار الطويل و الشائك لتحقيق المصالح القومية للشعب الكردي و إسناد المشروع الأمريكي لإشاعة الديمقراطية في المنطقة التي لا يمكن ، في نهاية المطاف ، تحقيق المصالح القومية للشعب الكردي خارج إطارها .
و بالرغم من أن الائتلاف الشيعي يفترق في أكثر من نقطة ستراتيجية عن التحالف الكردستاني إلا أن كلا الطرفين يحتاجان بعضهما الآخر في الظرف الحالي من اجل نجاح العملية السياسية ، و كان التحالف بين القائمة الكردية و قائمة الائتلاف الشيعي قد لعب دورا مهما في جر الأخيرة إلى مواقع أفضل بدلا من انحدارها الى الولاء المطلق للنفوذ الإيراني الذي بلغ حدودا مقلقة و عمل على منعها من الشروع في عمليات مسلحة و إرهابية تقود العراق الى الكارثة . كان تبديد مخاوف القوى الدينية الشيعية و اقناعها بجدوى التحالف مع المجتمع الدولي ضد الإرهاب ضروريا ، خصوصا بسبب النظرة الدينية الضيقة التي تقسم العالم الى مسلم و كافر .
و يبدو من المنطقي ضمن هذا السياق أن تسعى الحركة الكردية إلى البحث عن التحالفات الصائبة داخليا و خارجيا ، أي التحالف مع القوى الحقيقية المؤمنة بالديمقراطية و كذلك الأنظمة التي بإمكانها أن تلعب دورا ايجابيا في دعم مسار العملية السياسية في العراق ، ولكن الإشكالية التي عكستها الانتخابات الأخيرة، و ما شابها من خروقات قد أوضحت أن الانقسامات الطائفية هي السائدة و أن القوى الديمقراطية في المجتمع العراقي لا تمتلك القوة الكافية من أجل تحالف كفؤ مع الأكراد يقود العملية السياسية .

و رغم أن هذه المآخذ تنطبق حيث الجوهر على القوى السياسية الدينية السنية التي تتحمل مسؤولية أكبر في الأعمال الإرهابية كما أن بعضا و ليس جميع هذه القوى السنية ترتبط بالإرهاب و تحن إلى إعادة الماضي ، إلا أن بعض قوى التحالف الشيعي ، هي الأخرى ، تتعرض لإغراءات و ضغوط و تمويل واسع من أجل تخريب العملية السياسية ، وهناك بعض من أطرافها منخرط فعليا بمعاداة العملية السياسية بنشاطه السياسي و التثقيفي و العمل المسلح بدرجة أقل. وسيبقى هذا الاحتمال قائما إذا ما حققت قوى أخرى غير القائمة الشيعية نجاحات انتخابية في المناطق التي تسيطر عليها .
وقد تقلصت أخيرا ، وبسبب إدراك ذلك ، الآراء الانعزالية الكردية التي تدعو إلى عدم الاكتراث لمصير العراق ككل و الاهتمام فقط بمنطقة الإقليم بسبب الإدراك المتزايد لاستحالة مثل هذا الحل و كيف أن توطيد الحقوق القومية الكردية لن يتم إلا بالعمل من أجل عراق ديمقراطي مستقر . وكان المثقف العراقي ، كرديا كان ، عربيا أو تركمانيا...الخ يرى أن التحالف الطبيعي أو المرتقب يجب أن يكون ، من باب أولى ، بين القوى السياسية الكردية من جهة وجبهة القوى الديمقراطية العلمانية ، التي تمثلت في القائمة العراقية من جهة أخرى .
و كان وجود القوى الكردية و دور السيد رئيس الجمهورية و رئيس إقليم كردستان و الدور الذي قاما به هو الأكثر تأثيرا في تشكيل حكومة و حدة وطنية واسعة ، على الرغم من محاولات الإقصاء التي تعرضت لها القائمة العراقية و القوى الديمقراطية و العلمانية و اليسارية من كلا الطرفين الديني الطائفي السني و الشيعي ، الذين اختلفوا على كل شيء و اتفقوا على هذا . و كانت الموازنة في المهمة الملقاة على عاتق القوى السياسية الكردية في منتهى الصعوبة : جر التحالف الشيعي الى مواقع القبول بتحالف واسع من جهة ، و عدم إثارة حفيظتها و مخاوفها التي ترسخت عبر قرون باعتبارها مهمشة و مقصية ، هذا الشعور الذي تستغله ايران للنفخ في ، و تعزيز الميل المتزايد للطائفة في عدم الاندماج في المجتمعات المتواجدة فيها و تهويل الشعور بالمظلمة و تحويل الطائفة الى هوية .
الأكراد و الطرف السني
تسعى القوى الإسلامية السنية إلى أن تلعب نفس الدور الذي تلعبه القوى الإسلامية الشيعية وهو احتكار تمثيل الطائفة . لكن موقفها يتأثر بعوامل أخرى خاصة ، و كما يتأثر بطبيعة المناطق التي تتواجد فيها والتي تمتاز بنفوذ ملحوظ لبقايا البعث و تنظيماته السرية ، ودور المنظمات الإرهابية و خصوصا القاعدة ، و قد حققت هاتان المنظمتان و خصوصا تنظيمات حزب البعث اختراقات مهمة في أوساط الأحزاب السنية الدينية تفوق الاختراقات التي حققتها في جيش المهدي ، كما إنها ، عدا ذلك ، كانت ذات تأثير على هذه الأحزاب من خلال الابتزاز و التهديد تحت طائلة التصفيات الجسدية ، وقد تعرض قادة و أعضاء في هذه الأحزاب أو أقرباء لهم لتصفيات دموية من قبل القاعدة و بقايا البعث .
و مما يقلل من فاعلية دور هذه القوى افتقارها إلى المرجعية الموحدة كما هي الحال لدى الشيعة و عدم القدرة على حساب المصالح الملموسة للطائفة و تحديد التحالفات الضرورية ، ولا تزال الأحزاب الدينية السنية تسقط في الشعور الذي نجد نقيضه لدى القوى الشيعية ، فالقوى السنية الدينية لا تدرك إنها فقدت السلطة ، و تتصرف أحيانا بغطرسة فارغة و بمنطق الإملاء ( بنفس القدر لا تدرك أوساط واسعة من الشيعة بأنها سلطة ، و تتصرف بدلا من ذلك أما كمعارضة أو مليشيا أو عصابات ) كما إنها ، أي الأحزاب الطائفية السنية ، لا تدرك أن القوة لم تعد بيدها ، وليس أمامها سوى إتباع سياسة تحالفات مدروسة من الضروري أن تكون القوى الكردية أحد أطرافها الرئيسة على اعتبار أن القوى الكردية عقبة في طريق طموحات القوى الطائفية الشيعية لإقامة دولة ولاية الفقيه ( ولا بد للقارئ المتابع أن يرى الحسرة التي أبداها " مثقفون " شيعة و الأماني التي عبروا عنها بعراق خال من الأكراد ). و لازالت بعض الأوساط السياسية من الأحزاب السنية تعتمد طريقة الابتزاز و التهديد ، أي نفس الوسائل التي قادت إلى الكارثة التي اعتمدها النظام السابق .
في الوضع الحالي و في التطورات اللاحقة ستكون الأحزاب السنية أقلية معزولة إذا لم تقم بإعادة الحسابات و اعتماد خطاب سياسي عقلاني يخاطب مصالح الشعب العراقي عموما و يهدف إلى إنقاذ الشيعي و السني على حد سواء من سطوة القوى الدينية المحدق ، كما يترتب على هذه القوى أن تستنكر بكل صراحة و تدين إدانة تامة كل أنواع العنف التي توجه ضد عراقيين بغض النظر عن الطائفة التي ينتمون إليها . هذا الخطاب كان من الضروري أن يقوم به الائتلاف الشيعي ، على إعتبار أنه يمتلك المبادرة و القوة ، و يسعى بموجبه إلى تمثيل الشعب العراقي و ليس الطائفة فقط و سوف تتحمل الجهتان المسؤولية عن هذا التردي المريع الذي شهده العراق بسبب الاحتقان الطائفي ، ففي الزيارة الأخيرة إلى مدينة البصرة أدان السيد الحكيم عملا إرهابيا استهدف الشيعة فيما سكت عن عملية اغتيال لمصلين سنة جرت في نفس اليوم . و لكن المصيبة التي يواجهها العراقيون المغلوبون على أمرهم أن القوى السنية و الشيعية على حد سواء و التي تسيطر على الأغلبية الساحقة من مقاعد البرلمان في تمثيل محافظات العراق عدا كردستان هي أحزاب دينية طائفية على وجه الحصر و ليس بمقدورها أن تخرج عن هذا الإطار .
اثبتت التجربة أن الأحزاب الطائفية لا يمكن أن تكون حقا ضد الإرهاب و إنها تعادي الإرهاب المسلط على أبناء الطائفة الذين تنظر إليهم بإعتبارهم أداة لإدامة النفوذ وليس الى القيمة الإنسانية . فالذي يؤمن بقيمة الانسان يترتب عليه أن يدافع عنه سواء كان من الطائفة او من غيرها ، من نفس الدين أو من دين آخر .
اعادة البناء و تقديم مثال واعد

و خلال الصعوبات التي واجهتها السياسة الأمريكية في العراق و تبدد الوهم حول سلاسة الانتقال إلى وضع طبيعي و تطبيق الديمقراطية بعد السقوط و الذي يعود في جزء منه إلى تخبط السياسة الأمريكية ، و الانسياق وراء نشوة النصر السريع و كذلك بسبب اشتداد المقاومة حتى من قبل أوساط شيعية أنقذتها الحرب من سطوة الدكتاتورية بدفع من التدخلات الإقليمية ، برزت إلى السطح و تعاظمت أكثر من أي وقت مضى أهمية دور الأكراد في مشروع بناء الديمقراطية في العراق و في الشرق الأوسط ، و تتضح الآن أكثر من أي وقت مضى حيوية تحقيق نظام ديمقراطي و لو نسبي و ترسيخ تقاليد المجتمع المدني في العراق و عموم المنطقة ليس بالنسبة للمصالح الحيوية للولايات المتحدة و المجتمع الدولي فحسب بل مصالح شعوب المنطقة و مصالح الشعب الكردي المحاصر من كل الجهات تقريبا بأنظمة معادية لا تكن الود للشعب الكردي . و قد نشأ تبعا لذلك تطابق في المصالح و من ثم تحالف بين قوى المجتمع الدولي و الولايات المتحدة الأمريكية من جهة و القوى السياسية الكردية الفاعلة .
و لقد بات التحالف مع الائتلاف الشيعي أمرا لا مفر منه ، و بات واضحا أن إقصاء الائتلاف الذي يشكل القوة الأقوى في البرلمان سوف يلحق الضرر بمسار العملية السياسية و بالتالي بالقضية الكردية نفسها . و أصبح من الضروري على القوى الكردية أن تلعب دورا لسحب الائتلاف الشيعي أو قوى واقعية فيه إلى مواقع أقرب من اجل عراق مدني ديمقراطي و عزل الاتجاهات الطفولية و المغامرة و الظلامية في الائتلاف الشيعي ، و هذه المهمة غاية في الصعوبة و لكن لا مفر منها .
و تبدو مهمة الإعمار و إعادة البناء في جنوب العراق قد أصيبت بإخفاق كبير بسبب التدخل الإيراني التخريبي و المقصود و بسبب السياسة الطائفية و سيطرة الميليشيات و انعدام القانون و شيوع الفساد و ضياع أموال كبيرة مما لا يشجع الدول المانحة على تقديم المزيد من الأموال بدون ضمانات سياسية و أمنية و اقتصادية لم يتحقق حتى الحد الأدنى منها . و كان من شأن المنطقة الجنوبية زائدا كردستان أن تحققا تقدما ملحوظا في إعادة البناء و تحقيق ازدهار اقتصادي نسبي يجعلهما مصدر قدوة لأوساط ضاغطة في محافظات الوسط من أجل الاستفادة من فرصة إعادة البناء و تحسين الخدمات و تخفيض البطالة و لكن الموقف اللامسؤول لأغلب قوى التحالف الشيعي المخرطة بالتعبئة الدينية التجهيلية بدلا من البناء و الانخراط في أوسع عمليات فساد شهدها العراق في تاريخه قد خلق قوى متعاظمة و ذات نفوذ ترفض تطبيع الأوضاع في الجنوب و تدشين بداية حقيقية لإعادة إعماره ، مدركة أن الإعمار و تحقيق مشاريع ضخمة و انخراط الناس في عملية الانتاج يسحب البساط من تحت أقدام القوى الدينية التي ترغب بإستمرار الولاء من خلال المزيد من تجنيد العاطلين عن العمل في المليشيات و ابقائهم بعيدين عن عملية التنمية التي تساعدهم على تطوير افكارهم من خلال الارتباط المتزايد بالمعلوماتية و الحداثة .
و عليه تكتسب مسألة تطوير منطقة كردستان العراق بتوفير دعم مالي و حشد الخبرات و أعطاء مثال ملموس على تطور حقيقي و تخفيض حاسم في نسبة البطالة و تحسين في الوضع الاقتصادي لسكان الاقليم ، يكتسب كل هذا أهمية قصوى لتبديد التضليل الذي تمارسه قوى النظام السابق و القوى الارهابية القاعدية و الظلامية و بعض القوى الموالية لإيران و ايضا ، و يا للمفارقة ، قوى يسارية ، و التي تشيع بين أوساط الناس أفكارا مضللة عن النوايا التي يضمرها الأمريكان و ما يقال عن النهب و السلب و الطمع في ثروات العراق وهذه القوى يهمها فشل التجربة العراقية الوليدة التي أصبح فشلها و نجاحها مسألة حياة أو موت .
و يسقط في فخ التضليل هذا أوساط من " المثقفين " من المصابين بحمى العداء للولايات المتحدة الأمريكية رغم الشواهد المستقاة من التاريخ و التي تشير الى أن الولايات المتحدة لم تنهب ثروات دول مثل اليابان و ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الأولى كما يشاع رغم ان كلتا الدولتين كانتا خاسرتين في الحرب ، بل على العكس فقد " نهبت " اليابان و ألمانيا " ثروات " الولايات المتحدة التي ساعدتها بمليارات الدولارات على إعادة الاعمار والسير في طريق التطور الاقتصادي و السياسي ، و تحتل هاتان الدولتان الآن الموقع الثاني و الثالث على التوالي في مستوى التطور الصناعي و أجمالي الدخل الوطني في العالم ، كما أن مقارنة بسيطة بين نظام كوريا الجنوبية المدعوم من قبل الأمريكان و نظام كوريا الشمالية يبين بوضوح الفارق الشاسع بين دولة منغلقة معزولة عن المجتمع الدولي يسودها نظام الحزب الواحد و الشمولية بأسطع صوره ، وبين نظام كوريا الجنوبية المنفتح و الريادي في المجالات الصناعية و الاقتصادية و النظام السياسي الديمقراطي البرلماني التداولي .
كان من الممكن قبل التطورات التي حدثت في السنة الأخيرة التي تولى فيها الجعفري الحكم و التي كانت كارثية بكل المقاييس ، أن يتم التركيز على عمليات إعادة البناء و الدعم الاقتصادي و المالي من قبل الدول المانحة لمنطقة كردستان و جنوب العراق في وقت واحد ، ولكن كل شيء ذهب ، للأسف ، أدراج الرياح . تتجدد اليوم الآمال بعد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة من أجل استئناف المسار . وسنجد من الملائم الحديث عن التزامات التحالف الدولي و الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية تجاه كردستان و جنوب العراق و تقديم مثال جدير بالإقتداء على إمكانيات التعاون المثمر وطرحه كمثال للمناطق غير المستقرة و المثيرة للمتاعب وكيف أن في وسع العراق أن يستفيد من هذه الفرصة في أعادة البناء و تخفيض نسبة البطالة مما يحشد قوى من أجل تطبيع الأوضاع حتى في المحافظات الساخنة . ويؤدي الى تقليص بؤر الارهاب .

التزامات المجتمع الدولي ، التزامات حكومة كردستان
إن عملية تنشيط إعادة البناء في كردستان أصبحت حجر الزاوية في عملية إعادة التطبيع ومكافحة الإرهاب في عموم العراق من أجل تقديم مثال ملهم لمثل هذه الإمكانية مما يتطلب الإسراع بالمباشرة به . وهذا يلقي على عاتق المجتمع الدولي مهمات تتطلب السرعة و الحسم و تجاوز البيروقراطية من قبل الدول المانحة ، ولكنه بالقدر نفسه يلقي على حكومة إقليم كردستان و على الأحزاب الكردية مهمات ليست يسيرة و لكنها ممكنة التحقيق و ضرورية و تحتاج الى أكبر قدر من الإرادة السياسية و هي :
1 ـ ترسيخ الديمقراطية و تعزيز المنافسة الشريفة و توسيع قاعدة المشاركة السياسية و تفعيل دور كل القوى الحية في المجتمع الكردي ، و تفعيل دور المرأة بشكل خاص باستبعاد الحزبية الضيقة و العشائرية و إعتماد مبدأ الكفاءة في شغل المراكز الإدارية و دعم دور المثقفين و الصحافة الحرة في فرض رقابة فعالة .
2 ـ توحيد الإدارات الكردية توحيدا حقيقيا باستبعاد تسييس المؤسسات الإدارية و الإنتاجية ، وفصل العمل السياسي الحزبي عن العمل الإداري و التخلص من الخطأ الموروث من النظام السابق و الأنظمة الشمولية الذي يكافئ الشخص الحزبي مكافئات إدارية و وظيفية على حساب إشغال الكفاءات للمراكز الإدارية ، و العثور على شكل من مكافأة المناضل الحزبي بطرق أخرى تعتمد على مصادر الحزب المالية و المراكز التشريفية .. الخ .
3 ـ محاربة و تقليص الفساد و الكسب غير المشروع و تفعيل آلية ذات كفاءة لكشف و محاسبة هذه الظواهر الخطيرة .
4 ـ إعادة توزيع القوى العاملة حسب الجدوى و الفاعلية و محاربة البطالة المقنعة و التسيب و إضاعة الوقت.
5 ـ خصخصة القطاعات ذات البنية التحتية المكلفة و التي تعاني من صعوبة في تمويل عملية أعادة التأهيل و تشخيص المشاريع التي تعاني من الفساد المزمن .على أن تكون عملية تخصيص بعض قطاعات الاقتصاد مبنية على دراسة جدوى التخصيص مع تشريع قوانين للحد الأدنى للأجر و مدفوعات البطالة و الرعاية الاجتماعية و الصحية وضمان اشكال من التوزيع العادل للثروة على غرار المتحقق في بعض البلدان الأوربية كألمانيا و الدول الإسكندنافية .
6 ـ الاستفادة من الفرص المتاحة حاليا و التي توفرها المؤسسات التعليمية و التأهيلية الأوربية لتدريب الكوادر في المؤسسات الإدارية و الإنتاجية لخلق طبقة من الإداريين و القياديين ذوي المؤهلات العالية ، و من المهم اعتماد مبدأ الكفاءة و التفوق في اختيار الإيفادات لغرض الدراسة و الإطلاع بدلا من الانتماء السياسي و استبعاد العلاقات الشخصية و القرابية .

محمد صالح مصطفى
17 ـ 6 ـ 2006



#محمد_صالح_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي أثناء اعتقال شاب في الضفة الغر ...
- فيتو أميركي يفشل مشروع قرار منح فلسطين العضوية في الأمم المت ...
- مساعد وزير الخارجية الأسبق: عرقلة منح فلسطين عضوية بالأمم ال ...
- اعتقال أكثر من 100 شخص خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين في جامعة كو ...
- السعودية تأسف لفشل مجلس الأمن في اعتماد مشروع عضوية فلسطين ا ...
- فيتو أمريكي يمنع عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وتنديد فلسطين ...
- الرياض -تأسف- لعدم قبول عضوية فلسطينية كاملة في الأمم المتحد ...
- السعودية تعلق على تداعيات الفيتو الأمريكي بشأن عضوية فلسطين ...
- فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي ...
- حماس تحذّر من مساع -خبيثة- لاستبدال الأونروا


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمد صالح مصطفى - القضية الكردية و التحولات الحاسمة