أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عزمي عاشور - سؤال النهضة الحائر بين ادعاءات الخارج وتغييب الداخل















المزيد.....

سؤال النهضة الحائر بين ادعاءات الخارج وتغييب الداخل


عزمي عاشور

الحوار المتمدن-العدد: 1638 - 2006 / 8 / 10 - 03:28
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


إن خبرة المنطقة العربية بالنهضة والتحديث علي مدار القرنين الماضيين تؤكد علي ثمة خطأ جوهري وقعت فيه شعوب ودول مع قيم الحضارة الحديثة , بافتقادها إلى المنهج الذي تستطيع عن طريقه أن تكون فاعلة في وسط بيئة تتسم بالمتغيرات والمستجدات . فعند مقارنة هذه المنطقة مع دول أخرى من العالم بدأت مع أو في أوقات متأخرة عنها عملية نهضتها (مثل كثير من الدول الآسيوية ) نجد أن مؤشرات التقدم والتنمية في هذه المجتمعات تسير بشكل متوازي مع التطورات وعملية التقدم التي تمر بها المجتمعات البشرية علي عكس ما حدث ويحدث تماما في البلاد العربية التي لم تستطع، علي ما يبدو، حتى الآن أن تجيد أبجدية التقدم مفضلة علي ذلك ما توارثته من قيم وثقافة تقليدية , مع تكريس عملية الزخرفة الشكلية التي تكتسي بها هذه المجتمعات بمظاهر هذه الحضارة والتي لا تعكس ديناميكية بقدر ما أنها تعكس حالة تسطيح لمفردات عملية النهضة . وقد تبدي هذا الخلل في كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية , ومن ثم لم يكن مستغربا أن تكون مثل هذه الظروف المتردية للحالة النهضوية للمجتمعات العربية مدخلا ومبررا للتدخل من قبل الولايات المتحدة في المنطقة, والذي يتم بأشكال مختلفة . حيث لم تعد أسلحة الدمار الشامل والإرهاب هي المبرر الأساسي بقدر ما أن التخلف الذي توجد عليه مجتمعاتنا العربية هي القضايا الأساسية التي تثار بشكل علني لتبرير التدخلات الخارجية في المنطقة والتي بدأت تأخذ شكلا يكاد يكون متطابقا مع أنماط الاستعمار السابقة إلا انه يختلف في كونه جاء حاملا توجهات نهضوية تتعلق بالتغيير الثقافي والسياسي في المنطقة علي حد ما هو معلن على اعتبار انها تحمل انتقادا لمجل عملية التنمية للإنسان العربي الذي علي ما يبدو عجزت حكوماته أن تكون علي قدر المسئولية التي لا تجعل من ظروفه الاجتماعية والاقتصادية المتردية مدخلا للتدخلات الخارجية .
وبالنظر إلى مجمل دعوات الإصلاح الخارجية نجدها تتبع نهجا يختلف عن الذي سلكه الاستعمار في السابق ,والذي كانت تنحصر توجهاته في الأهداف الاقتصادية وان كان هناك توجهات إصلاحية , أما في الوقت الحالي تتعدي هذا إلى أبعادا إصلاحية تعمل علي إحداث التغيير الثقافي ، وهو ما يستدعي التساؤل حول هل هذه الإصلاحات بالفعل سوف تتخذ منحنا إصلاحيا يدفع هذه المجتمعات إلى النهضة والتقدم أما أنها سوف تسير علي نفس النهج الذي سارت عليه محاولات الإصلاح السابقة خصوصا الوطنية منها ؟
في البداية يمكن القول أن هناك الكثير من عوامل الالتقاء بين حملة نابليون عندما جاء إلى مصر1798 وبين الذي توجد عليه المنطقة الآن ، وعلي وجه الخصوص من سطوة الثقافة التقليدية علي المجتمعات العربية والتي مازالت هي النمط المحرك للتفاعل علي الرغم من النقلة الحضارية التي مر بها المجتمع البشري علي مدار القرنين الماضيين في مقابل حالة التمييع الحضاري الذي تعيشه الأقطار العربية . فعلي الرغم من أن الاختلاف في طبيعة التطور الزمني يجعل المقارنة غير كاملة في الأسباب والنتائج , فالعصر الحالي يختلف عما كان عليه الحال منذ قرنين من الزمان في شكل التطورات الاجتماعية والاقتصادية وطبيعة وسرعة التقدم , إلا أننا نجد التشابه يظل قائما , لعدم حدوث نقلة تحديثية حقيقية في المجتمعات العربية تبرز التقدم بالمقارنة النسبية بالتطورات التي كانت تحدث في العالم في ذلك الوقت والتطور الذي يحدث الآن .فنجد أن الماضي كان احسن حالا من الوقت الحاضر لو وضعنا هذه التطورات النسبية في الحسبان . فحملة نابليون علي مصر عام 1798 لم تكن تختلف كثيرا عن حملة بوش 2003 ، ففي الأولى كانت هناك صدمة وفي الثانية كانت الصدمة مضاعفة . فإذا كانت الصدمة في الحالة الأولى لها مبرراتها , علي اعتباران التقدم الذي كانت عليه أوروبا كان من الصعب أن ينقل بسهولة إلى الشرق الغارق في التخلف لتواضع إمكانيات التواصل , إلا أنها في الحالة الثانية باتت مؤلمة لأنها تحمل نقد ذاتي يلقي بالمسؤولية علي شعوب ودول المنطقة التي فشلت في إحداث نهضة تحديثية لمجتمعاتها علي مدار القرنين الماضيين . وهو الأمر الذي جعل هذه المجتمعات تعيش حالة ازدواجية بين التقليدي والحديث وظلت أثيرة لهذا الأمر دون أن تتوحد مع المتغيرات والتطورات التي تحكم حركة الحياة الحديثة , والتي وظفت بطريق الخطأ لخدمة الثقافة والقيم التقليدية مؤدية في النهاية إلى تهميش المجتمع في مقابل تقوية الحاكم الفرد وهو ما كان يترك بتداعياته السلبية علي مستوي نهضة المجتمع وديناميكياته.
وقد مهدت عملية الاحتقان هذه من جراء الفراغ التنموي والسياسي إلى فتح ذريعة التدخل الخارجي تحت مسميات تعكس في تبريراتها الواقع السلبي لمجتمعاتنا العربية كعمليات التغير والإصلاح , وهو النهج الذي سلكته الولايات المتحدة الأمريكية بشكل عملي في توجهاتها السياسية تجاه المنطقة منذ أحداث سبتمبر والتي بدأت تأخذ شكلا جديدا في الوقت الحاضر يتعلق بالتدخل لإحداث التغيير في بنية وثقافة هذه المجتمعات المتهمة بأنها كانت وراء هذه الأحداث . وهو ما شكل صدمة لشعوب هذه المنطقة عندما أصبحت في مواجهة مع الآخر فيما يتعلق بخصوصية ثقافتها , وهي صدمة ليست من الفجوة من التقدم مثلما حدث للمصريين منذ قرنين من الزمان بقدر ماهي صدمة من جرأة هذه السياسة في الاقتراب من خصوصيتها الثقافية واتهامها بعدم الفاعلية .
ومن هنا كان من الطبيعي التساؤل حول مستقبل المنطقة والنتائج التي سوف تترتب علي التواجد الأمريكي فإذا كان هذا التواجد يحمل مشروعا نهضويا علي حد تعبير الأمريكان في تبرير سياستهم _ فان مثل هذا الادعاء قد حمله الفرنسيين والإنجليز من قبل ولم تنتقل هذه المجتمعات إلى مصاف الدول المتقدمة , بل العكس حدث بأن استمر تكريس الثقافة التقليدية التي كانت لها الغلبة والسيادة سواء علي مستوي السياسة أو التحولات الاجتماعية , حتى بدا عدم التناسق واضحا بين هذه المجتمعات والتطور والديناميكية التي تحرك التقدم والتطور .
فخبرة القرنين الماضيين , دللت علي أن مأساة المجتمعات العربية ، في ظل تخبطها في عملية التحديث ،كانت تكمن ومازال في الأساس في محورين أساسيين , محور متعلق بالحرية بشكل عام ( السياسية والعقلانية ) والمحور الثاني متعلق بعدم تجزر النهضة بشكل حقيقي في المجتمع ( اقتصاديا واجتماعيا )
وعلي ضوء ذلك يمكن القول أن الرهان علي إحداث التغيير وفقا للاجندة الأمريكية في المنطقة سوف يكون مرتبطا بالأساس بمدي القدرة علي تحقيق هذين البعدين , والصعوبة تكمن في ان يصعب تحقيق ذلك بشكل فوقي بقدر ما هو يتطلب تغييرا حقيقيا نابعا من داخل هذه المجتمعات ، فعملية تحرير العقل في ظل الثقافة التقليدية الموجودة يعتبر من المعضلات الأساسية في المنطقة العربية لسبب مرتبط بهذه الثقافة الممزوجة بالطابع الديني , وهذا البعد سوف يكون من الصعوبة التعامل معه حتى وان حدث تحرير سياسي حيث إن استمرار طغيان هذه الثقافة غير المتحررة سوف يغلفها بطابعها في النهاية مما يجعلها في النهاية سلطوية .
أما فيما يتعلق بالشق الثاني فان النهضةالحقيقية حتى هذه اللحظة لم تجد طريقها الحقيقي في المجتمعات العربية علي الرغم من المحاولات السابقة سواء الجاد منها أو غير الجاد , حيث أن الانتقاد لها كان يكمن في عدم الاستمرارية والشمولية , فضلا عن ذلك , إن النهضة العربية كانت في الأساس تعكس الجانب الشكلي من الحضارة الحديثة , ولم تكن تعبر عن الجوهر ومن ثم كان من الطبيعي أن تظل ديناميكيات الحياة الاقتصادية والاجتماعية مغيبة تماما حتى في وجود الثروة والبشر . ففي الحالة الأولى كان هناك إهدار للثروة وفي الحالة الثانية كان هناك عدم تأهيل , حيث الثروة في البلاد العربية لم تستخدم في تحقيق تنمية ذاتية تنعكس علي حركة النهضة في مجتمعاتها , إنما بات تأثيرها في هذا المجال سطحي لا يتعدي المظاهر الاستهلاكية , وهو ما وقع الاقتصاديات العربية في حالة تبعية سلبية بدلا من وضعها في وضع تفاعلي مع غيرها من الاقتصاديات الأخرى علي الرغم من امتلاكها المؤهلات التي يضعها في هذا المضمار .
ومن ثم لم يكن من الغريب ان تتواجد الكثير من علامات التشابه بين حال هذه المنطقة الآن وحالها منذ مائتين عام خصوصا فيما يتعلق بمضمون التحديث والنهضة , فإذا كانت هذه المجتمعات استطاعت أن تتوافق, من حيث الشكل , مع الحضارة الحديثة إلا أنها في نفس الوقت فشلت في أن تتكيف وتمتزج مع الحضارة الحديثة بقيمها وأفكارها المستجدة التي لا تتناقض مع ثقافتها التقليدية بقدر ما أنها هي امتداد لها بشكل يعكس قوة التراكم الذي أحدثته الحضارة البشرية , ومن هنا فإذا كانت الصدمة الأولى جاءت نتيجة الانبهار بمدي التقدم الذي كان عليه الفرنسيين مقارنة بما كانت عليه المجتمعات العربية , إلا أن الصدمة في الحالة الثانية كانت اشد نظرا لحالة العجز الشديدة وعملية التحنيط التي أصابت العقول في هذه المجتمعات التي باتت تتعايش مع قيم وأفكار الحضارة الحديثة بمنطق استهلاكي , أدي في النهاية إلى تحنيط العقول وتغييب المجتمع حتى وان بدى شكله حضاريا .



#عزمي_عاشور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلطوية‏ ‏والدين‏ ‏وبناء‏ ‏العراق
- السلطوية والدين وبناء العراق
- الانتقال ‏من‏ ‏مثقف‏ ‏القضية‏ ‏إلي‏ ‏مثقف‏ ‏السلطة‏‏


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عزمي عاشور - سؤال النهضة الحائر بين ادعاءات الخارج وتغييب الداخل