أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أمين امفزع - -أستاذة تامسنا- بأي ذنب عُنِّفَتْ؟!















المزيد.....

-أستاذة تامسنا- بأي ذنب عُنِّفَتْ؟!


أمين امفزع

الحوار المتمدن-العدد: 6884 - 2021 / 4 / 30 - 08:11
المحور: حقوق الانسان
    


إثر اطلاعي على وقائع تعنيف الأستاذة (هـ . ج) بمدينة تامسنا، وجدتُني أمام قضية غير عادية تعرضت فيها أستاذة ــ بكل ما تحمله صفة أستاذة من معان ــ للتحرش والتنكيل والتعنيف الحاط من الكرامة الإنسانية، ناهيك عن التلفيق والإكراه والإهمال... حسب ما صرحت به المعنية بالأمر، واقعة كهذه قد تبدو مجرد خلاف أو سوء تفاهم بين شرطي ومواطنة، لكنها في حقيقة الأمر كالأكمة التي تخفي ما تخفيه وراءها، وقد وقعت في حقيقة الأمر في حيرة ودهشة أمام هذه القضية بصفتي جزءا من الجسد التعليمي. فكيف لنا أن نكتفي في مثل هذه القضايا بمجرد التضامن الفايسبوكي والتنديد والشجب؟ ألم يحن الوقت لمحاولة تشريح هذه الممارسات التي أضحت ظاهرة مشينة تخدش صورة الوطن قبل الأساتذة/ات؟ ثم لماذا كل هذا التحامل على نساء ورجال التعليم؟ هذا السؤال الأخير يقودني مباشرة إلى التساؤل حول قضية المرأة في البلاد العربية عامة وفي وطننا الجريح بصفة خاصة.

ولن يستقيم الحديث عن تلك الحيثيات والقضايا دون التأصيل لبعض الأحداث التاريخية التي طبعت علاقة الحكومات المتعاقبة بالأساتذة/ات، وما تخفيه محاولات التشويه المكشوفة من استهداف للمدرسة العمومية، دون أن نغفل ما وراء آكام سياسات الواجهة التي تنهجها الأحزاب السياسية وبعض التنظيمات النقابية البيروقراطية من مؤامرات تحاك في الخفاء لضرب مجانية التعليم أو ما تبقى منها.

إنه لا يخفى على كل ذي عقل راجح الهجوم العنيف والاستهداف المكشوف الذي يتعرض له في الآونة الأخيرة رجال ونساء التعليم بالمغرب والخسف الذي تسومهم إياه القوى القمعية، ولعل ما يتعرض له الأساتذة/ات الذين فرض عليهم التعاقد من سحل وتنكيل في الشارع العام، وعلى مرأى ومسمع من الرأي العام الوطني والدولي وأمام عدسات كاميرات الصحافة لخير دليل وبالأحرى شر دليل على ما ذكرت؛ ولن يكون آخر حلقة من حلقات القمع المسلط على الأطر التعليمية، فقبل ذلك مر الأساتذة المتدربون من تجربة عصيبة مع المرسومين المشؤومين القاضيين بفصل التكوين عن التوظيف وتقزيم المنحة (2015/2016)، وما تلى ذلك من تصريحات بنكيران المشينة، الذي كان وقتها رئيسا للحكومة الملتحية في نسختها الأولى، والذي أقسم تحت قبة البرلمان بأغلظ الأيمان أنه لا تراجع عن المرسومين ولو أدى الأمر إلى سقوط الحكومة في تحد صارخ للنقابات التعليمية والتنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين الذين جوبهت نضالاتهم البطولية بقمع وحشي ما نزال نتذكر وقائعه إلى حدود اليوم؛ وقبلهم المتصرفون وحاملوا الشهادات الجامعية وغيرهم، هذا فقط إن حاولنا قراءة الواقع النضالي التعليمي خلال العقد الأخير الذي سيرت فيه حكومة الذئاب الملتحية الشأن العام في وطننا الجريح.

وبالعودة إلى ستينيات القرن الماضي يمكننا استشفاف طبيعة الرؤية السياسية للدولة تجاه المناضلين والمثقفين، وبخاصة نساء ورجال التعليم، وقد اتضحت تلك الرؤية جلية في أحداث انتفاضة 23 مارس 1965 التي اغتيل فيها خيرة أبناء الوطن على يد الجنرال السفاح أوفقير، ثم خلال الإضراب العام ليوم 20 يونيو 1981 أو (((انتفاضة كوميرا))) حسب تعبير وزير الداخلية سيء الذكر إدريس البصري الذي رحل عن الدنيا غير مأسوف عليه؛ تلك الانتفاضة التي سالت فيها دماء مغربية كثيرة كان فيها نصيب الأسد للتلاميذ/ات والأساتذة/ات، إلى غير ذلك من التوترات التي طبعت سنوات السبعينيات والثمانينيات وما تبعها من تطورات خطيرة سيطلق عليها فيما بعد سنوات الجمر والرصاص، حيث عملت الدولة في فترة لاحقة على تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2004 والتي امتد عملها حتى سنة 2006 من أجل التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب خلال الفترة الممتدة من عام 1956 إلى حدود سنة 1999.

ولا عجب في ذلك، فأصحاب القرار قد حملوا غلا وحقدا على نساء ورجال التعليم والفئات المثقفة، لأن مصالحهم مرتبطة بالمؤسسات الدولية المانحة كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي... التي تسير بدورها لوبيات الاقتصاد الرأسمالية والتي عملت على نهب ثروات الشعب المغربي على مدى عشرات السنين منذ فجر الاستقلال، ومحاولاتها المستمرة خوصصة التعليم والصحة والقطاعات الحيوية في البلاد باعتبارها الدجاجة التي تبيض ذهبا. وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر بعض المخططات التي رُوِّجَ لها بمسمى الإصلاح، كالميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999)، وصيغته المشوهة المسماة المخطط الاستعجالي (2009/2012) الذي كان الهدف من ورائه تسريع تنزيل بنود الميثاق وبخاصة ما يتعلق بالخوصصة، ولا بأس في التذكير بفضيحة المسؤولين عن المخطط المذكور الذين تلاحقهم لحد الآن تهم تتعلق بتبديد أموال عمومية قدرت ب 4300 مليار سنتيم!!! وقد كان الفشل الذريع مآل كل تلك (الإصلاحات)؛ وآخر ما جادت به قريحة صناع قرارات قطاع التعليم هو الرؤية الاستراتيجية (2015/2030)، التي تم بناء على مضامينها إقرار القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي (2019) الذي أثار لغطا كثيرا ولقي معارضة كبيرة من النقابات التعليمية الديمقراطية التي عبرت عن رفض بنوده في بياناتها وكذا من خلال مخرجات هياكلها الداخية، إضافة إلى عدد من الهيئات والمنظمات ذات الاهتمام بقطاع التعليم.

وقد ظل هذا القطاع فريسة تترصدها وحوش الرأسمالية منتظرة أي فرصة للانقضاض عليها، بحيث باءت كل محاولاتهم بالفشل، لأنها اصطدمت بإصرار المناضلين على فضح السياسات الإمبريالية الهادفة إلى تسليع التعليم. وباعتبار القوى القمعية جزءا لا يتجزأ من هذه المعادلة فقد عملت على وأد كل المحاولات التوعوية في مهدها، سواء من داخل النقابات المناضلة، أو في الجامعة المغربية من خلال قمع نضالات الحركة الطلابية ــ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ــ والحركة التلاميذية وكل الحركات الاحتجاجية التي خرجت للشارع العام منددة بالسياسات الرأسمالية المتوحشة.

وبالعودة إلى وقائع التعنيف الوحشي الذي تعرضت له أستاذة تامسنا ومحاولة ربطها بما سبقت الإشارة إليه، يمكن اعتبار هذه الممارسة الحاطة من الكرامة الإنسانية شيئا عاديا يدخل في إطار علاقة النخبة المثقفة بالسلطة عموما، لكن وبقليل من التدقيق في مضامين التدوينة التي نشرتها الأستاذة مع صورها محاولة الكشف عما تعرضت له، وكذا تمحيص رد ولاية الأمن وتدوينة المعنية بالأمر ووضعهما تحت مجهر الملاحظة والتحليل، نتبين كثيرا من الحقائق التي تثبت بالملموس ما ذهبنا إليه.

فقد صرحت الأستاذة في تدوينتها أنها تعاني من مشاكل في التنفس، وبالتالي فوضع الكمامة سيسبب لها أضرارا صحية، وبناء عليه، وجب على السلطات المعنية أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار ليس فقط فيما يخص هذه القضية ولكن بالنسبة لكافة المواطنين/ات. وللأمانة، فمقطع الفيديو الذي تم تداوله على نطاق واسع يظهر المعنية في مكان عام دون كمامة، لكن يلاحظ أيضا في الفيديو أن عددا من المارة ومرتادي السوق الشعبي لا يرتدون بدورهم الكمامات أو يرتدونها بطريقة غير سليمة في خرق واضح لإجراءات الوقاية، وقد صرحت الولاية في بلاغها أنه "ضبطت دورية تابعة لدراجي الشرطة بمفوضية تامسنا سيدة وهي في حالة تلبس بخرق إجراءات حالة الطوارئ الصحية، بسبب عدم ارتداء كمامة واقية أثناء تبضعها بداخل أحد الأسواق الشعبية" إذن فقد وجب التساؤل حول ما إذا كانت دورية الشرطة لم تلاحظ عدم ارتداء الكمامة إلا على الأستاذة!؟ الأمر غريب حقا! وكأن باقي مرتادي السوق الشعبي يرتدون "طاقية الاخفا" أقصد قبعة الاختفاء التي اشتهرت في أحد أفلام الممثل المصري الكوميدي إسماعيل ياسين! ألا يعتبر تطبيق القانون في حقها دون غيرها ممن ظهروا في الفيديو انتقائية واضحة في تطبيق القانون؟ أليست هذه الملاحظة وحدها كافية لإدانة الدورية، أو على الأقل الشرطي المعني؟ ولا بأس كذلك في التذكير بأن المعنية بالأمر عبرت استعدادها ساعتها في دفع غرامة عدم ارتداء الكمامة كما ورد في تدوينتها.

ثم لن تفوتني الفرصة للتنبيه إلى احتمالية عدم نشر الفيديو كاملا، فقد يكون مقص الرقابة فعل فعله وتم نشر ما شاءت الرقابة وحجبُ ما شاءت، وليس هذا بغريب في دولة أصبح فيها الأساتذة/ات هم الخصوم وليس السياسيون الفاسدون، فعوض أن تكثف الجهات الأمنية جهودها في محاربة الجريمة "والتشرميل" أصبحت تتفنن في التنكيل بنساء ورجال التعليم في الشارع العام، بل أصبح لأعوان السلطة أيضا دور في ذلك، وما وقع مؤخرا في حق الأساتذة المفروض عليهم التعاقد بالرباط لحجة أخرى تبين حجم الهجوم، فقد شاهدنا جميعا على سبيل المثال لا الحصر ما اقترفه "المقدم المتدرب" في حق الأستاذ، ولعل هذه الواقعة التي أثارت لغطا كثيرا تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ما أشرنا إليه آنفا.

ثم إن اتهام الأستاذة للشرطي بالتحرش يجب أن يؤخذ على محمل الجد، ويفتح فيه تحقيق نزيه ومعمق لمجرد أنها صرحت بذلك. وبالعودة إلى أطوار النازلة، فقد قالت الضحية بأن واقعة التحرش تمت داخل سوق شعبي، أي على مرأى ومسمع من العامة؛ كما ورد في بلاغ ولاية الأمن أنه "علاوة على تحصيل شهادة البائع الذي كانت تقتني منه المعنية بالأمر ساعتها، وهي التصريحات التي لم يرد فيها نهائيا وبشكل قاطع ما يثبت مزاعم العنف أو التحرش في نهار شهر رمضان الفضيل وفي سوق شعبي، كما ورد في المحتويات المنشورة". وبناء عليه يتبين أن الولاية تؤكد أيضا حدوث كل الوقائع ــ سواء التي جاءت في بلاغها أو التي وردت في تدوينة الأستاذة ــ أمام الملأ؛ ويتضح فعلا من خلال الفيديو أن السوق الشعبي كان مكتظا بالمواطنين/ات، وبالتالي فواقعة التحرش لم تحدث فقط أمام أعين البائع الذي كانت تقتني منه المشتكية حاجياتها في تلك اللحظة، بل إن كثيرا من الناس قد يكونوا شهود عيان، لذلك فإن الاستماع للبائع كشاهد إثبات وحيد يثير كثيرا من التساؤلات، وإلا فلماذا لم يتم استدعاء أكثر من شاهد واحد ممن كانوا على مقربة من الأستاذة من أجل تحصيل شهاداتهم؟

كما لا يجب أن نغفل ما تعرضت له الأستاذة من عنف، وقد بدت آثار الكدمات واضحة على وجهها من خلال الصورة التي نشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ناهيك عن النزيف الداخلي الذي تسبب فيه الضرب المبرح الممارس عليها، وقد سلمت لها بناء عليه شهادة طبية قدرت مدة العجز في 30 يوما. وقبل الخوض أكثر في هذا الجزء من واقعة التعنيف، لا بأس أن نذكر بمضمون الفصل 22 من الباب الثاني الخاص بالحقوق والحريات في الدستور المغربي الذي جاء فيه ما يلي:
ــ لايجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة.
ــ لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية.
ــ ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون.
كما ورد في بعض فقرات الفصل 23 من الباب نفسه ما يلي:
ــ لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون. الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات.
ــ يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت. ويحق له الاستفادة، في أقرب وقت ممكن، من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه، طبقا للقانون.
ــ يتمتع كل شخص معتقل بحقوق أساسية، وبظروف اعتقال إنسانية.
لا شك في أن منطوق الفصلين واضح، يمنع منعا كليا ممارسة العنف والتعذيب والاعتقال التعسفي في حق أي شخص، وقد اشتكت الأستاذة من التعنيف والاعتقال التعسفي والإهمال في تدوينتها التي ورد في جزء منها ما يلي: "فتشبثتُ بضرورة التقدم بشكاية ضد المعني بالأمر. فرفض الكل وتماطلوا عن ذلك فبقيت لوحدي بالمقر وذهب الجميع للإفطار وبقيت وحيدة أتقيأ فلما حضروا رفضوا تحرير المحضر، ثم بعد إصرار طويل، قاموا تحت التهديد والترهيب بإجباري على التوقيع على محضر لا يتضمن الحقيقة إطلاقا". وبغض النظر عن أي تفاصيل أو حيثيات أخرى، فبمجرد أن أدلت المشتكية بتصريحاتها تلك، وجب على كل المتدخلين فتح تحقيق في النازلة بدل اللجوء إلى لغة الخشب؛ وبخاصة أن الضحية قد نشرت صورة تكشف عن كدمات في وجهها، كما نشرت صورة أصلية من شهادة طبية مسلمة لها من مستشفى إقليمي عمومي ــ المستشفى الإقليمي للصخيرات تمارة ــ وإثر ذلك تتالت بيانات هيئات نقابية وحقوقية منددة ومطالبة بفتح تحقيق نزيه ومعمق ومعاقبة المتورطين في القضية. ولا أعتقد أن كل تلك الهيئات المسؤولة وذات الصفة القانونية قصيرة النظر حتى تصدر بيانات استنكارية شديدة اللهجة حول أي نازلة دون تبين الحقيقة! الأمر الذي يجعل الجهات المعنية بمثل هذه القضايا ملزمة بالتحرك العاجل لإنصاف الأستاذة، وإلا فستضع الدولة سمعة مؤسساتها مرة أخرى على المحك.

أعتقد أن هذه النقطة بالذات قد تسيء للدولة المغربية وأجهزتها، وبخاصة مع تعالي أصوات تنادي ببناء الثقة بين السلطة والمواطن/ة المغربي/ة، بل قد تضر بصورة الوضعية الحقوقية للمغرب، في وقت تحاول الدولة تحسين ترتيبها في مؤشرات حقوق الإنسان العالمية في جميع المجالات.

إن ما يلفت الانتباه أيضا في هذه الواقعة هو ما جاء في بلاغ ولاية الأمن الذي ورد فيه ما يلي: "غير أن المعنية بالأمر لم تمتثل حسب ما هو مضمن في المحاضر القانونية المنجزة، وشرعت في إجراء مكالمات هاتفية بأحد أفراد عائلتها كشكل من أشكال عرقلة إجراءات الضبط وتطبيق القانون" فهل عدم الامتثال إن افترضنا جدلا بوقوعه مبرر لشرعنة التعنيف؟ وحتى إن حاولنا افتراض براءة الشرطي المعني من تهمة التعنيف عملا بمبدأ قرينة البراءة، فما محل الشهادة الطبية المسلمة للأستاذة من الإعراب؟ وماذا عن الكدمات البادية على وجهها؟ أم أنها مجرد ماكياج؟ ربما ستخرج كثير من الأبواق والأقلام المأجورة للقول ببطلان الشهادة الطبية، والطعن في حقيقة صورة الأستاذة المعنفة واتهامها بفبركتها. ثم لماذا لم يتطرق بلاغ الولاية لكل الحيثيات التي جاءت في تدوينة الضحية؟ ولنفترض أن الضحية خرقت الإجراءات الوقائية الصحية المعمول بها عمدا في ظل الظرفية الوبائية الراهنة، وأن ما صرحت به في قولها: "وكنت أرتدي الكمامة الطبية، فقط كنت قد أنزلتها لكي أتنفس بعض الهواء علما أنني أعاني مشاكل في التنفس" مجرد مناورة وهروب إلى الأمام، فلماذا تم تسريب مقطع بسيط من الفيديو تظهر فيه الأستاذة دون كمامة وتم الاحتفاظ ببقيته؟ لماذا لم يتم تمكين المواطنين/ات من مشاهدة الفيديو كاملا لمعرفة كافة أطوار الواقعة وتبين الحقيقة؟ أم أن بقية الفيديو تحتوي على مشاهد لا تناسب جمهور المواطنين الناشئ؟! وما وكيف ومتى... إلى غير ذلك من التساؤلات المشروعة التي نجدها تطرح نفسها دون عناء تفكير.

وتجدر الإشارة إلى أن الفترة الأخيرة التي طبقت فيها حالة الطوارئ الصحية قد شهدت ازديادا ملحوظا للتدخلات العنيفة في حق المواطنين/ات (الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، والباعة المتجولين، العمال/ات في بعض الوحدات الإنتاجية، وعموم المواطنين/ات في الشارع العام...) أمام عدسات كاميرات الصحافة، وقد لفتت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الانتباه إلى هذا الأمر غير المقبول في آخر بيان صادر عن لجنتها الإدارية بتاريخ 17 أبريل 2021 حيث عبرت بالحرف عن "استنكارها للتوظيف السياسي للإجراءات الإدارية الخاصة بالوقاية من الجائحة، واستغلالها في قمع الحريات وضرب المكتسبات الحقوقية والانتقام من النشطاء عبر المتابعات والمحاكمات الجائرة والاعتقالات التعسفية مطالبة برفع قوانين الطوارئ التي انفضح من خلال طريقة تطبيقها المتناقضة من مدينة لأخرى ومن مجال لآخر ومن وفترة لأخرى من اليوم، أنها قوانين شكلية، أضحت وسيلة قمع أكثر من وسيلة وقاية من العدوى" وقد ورد في البيان نفسه ما يلي: "في سياق يتميز بتدهور مريع لحقوق الأجراء بسبب استغلال السلطات والمشغلين لظروف الجائحة، وفي ظروف تتميز أيضا بتصاعد نضالات الأجراء".

لكن والمناسبة شرط، لا بأس من التذكير بأن شرفاء وشريفات الوطن من رجال ونساء التعليم الذين يسحلون اليوم على إسفلت الشوارع ويحملون من على الأرض كما تحمل الدواب لا لشيء إلا لأنهم مارسوا حقهم الدستوري في الاحتجاج للمطالبة بجزء من حقوقهم المشروعة، بل ويتهمون بمحاولة خلق البلبلة وإثارة الشغب والفتنة... هم أنفسهم الذين يعلمون النشء حب الوطن، ويحملون على عاتقهم مسؤولية تعليم الأجيال الصاعدة وتكوين نساء ورجال الغد وبناء المواطن الصالح؛ هؤلاء الذين يتهمون اليوم بأنهم دعاة الفتنة، هم السد المنيع الذي يصد أفكار التكفير والإرهاب، إنهم نخبة المجتمع ومصدر مناعته الفكرية، إنهم من قال فيهم أمير الشعراء أحمد شوقي في عجز بيته الشهير "كاد المعلم أن يكون رسولا".

ليست هذه فقط أبعاد قضية الأستاذة، لأن المعاملة المهينة التي تعرضت لها كائنا من كان مقترفها، لا تكشف فقط عن كم الحقد المحمول تجاه الأساتذة/ات، بل تبين مدى الخسف والتنكيل الذي تتعرض له المرأة في مجتمع ذكوري متعصب لأفكاره المتخلفة، وبجرعة مرضية زائدة، باعتبار المرأة الحلقة الأضعف في بنية اجتماعية مرتجة؛ كيف لا والضحية اشتكت أيضا من هضم حقها في تحرير محضر بالنازلة، بل كشفت عن إجبارها على التوقيع على محضر يتضمن أقوالا لا تعكس حقيقة ما حدث، كشكل من أشكال القمع والإكراه. ولن أجد خيرا من كتابات الشاعر نزار قباني الذي عبر في إحدى أقواله الخالدة عن الوضعية المؤسفة للمرأة في الوطن العربي بقوله: "كيف تريد أن تسمع صوت المرأة إذا كان الرجل العربي يفضلها خرساء، بلهاء وأمية".



#أمين_امفزع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نتنياهو يشعر بقلق بالغ من احتمال إصدر الجنائية الدولية مذكرة ...
- لازاريني: المساعي لحل -الأونروا- لها دوافع سياسية وهي تقوض ق ...
- تظاهرات حاشدة في تل أبيب تطالب نتنياهو بعقد صفقة لتبادل الأس ...
- سوناك: تدفق طالبي اللجوء إلى إيرلندا دليل على نجاعة خطة التر ...
- اعتقال 100 طالب خلال مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين بجامعة بوسطن
- خبراء: حماس لن تقايض عملية رفح بالأسرى وبايدن أضعف من أن يوق ...
- البرلمان العراقي يمرر قانونا يجرم -المثلية الجنسية-
- مئات الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بالإفراج عن الأسرى بغزة ...
- فلسطين المحتلة تنتفض ضد نتنياهو..لا تعد إلى المنزل قبل الأسر ...
- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب ويطالبون نتنياهو بإعاد ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أمين امفزع - -أستاذة تامسنا- بأي ذنب عُنِّفَتْ؟!