أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن نديم إسماعيل - السخرية والمفارقة: قراءة في نماذج قصصية قصيرة جداً ل ريوان ميراني















المزيد.....

السخرية والمفارقة: قراءة في نماذج قصصية قصيرة جداً ل ريوان ميراني


سوسن نديم إسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 6850 - 2021 / 3 / 26 - 10:41
المحور: الادب والفن
    


"السّخرية والمفارقة"
قراءة في نماذج قصصية قصيرة جداً
لـ ريوان ميراني
سوسن إسماعيل
بمثابة تمهيد:
للقصة القصيرة جداً، ماهيتها الخاصة كجنس كتابي، وذلك لقصرها كمادة قابلة للقراءة والتحليل في عناصرها، وبغياب للنقد، الذي لم يتناول ذلك بجديّة تامة، فمن النقاد من وجدَ فيها "الكتابة العليا إلى حدّ ما في المجال السّردي"، وذهبَ البعضُ إلى اختفائها فور ظهورها. القصة القصيرة جداً، تعتمد المفارقات والتجريب في فن السرد، حيثُ هو نصّ مبسط، حكائي، قائم على فكرة واحدة وعميقة، وبحدثٍ معين، تقوم الشخصية فيه بالدور الأكبر، فالقراءة تحتاج الشخصية لتحكي، والحدث القصصي لا يتطور إلا بحضور شخصية، أي الفاعل، الذي يخدمُ الحدث ويسيرُ به إلى النهاية، وتعدّ من العناصر المهمة في أركان القصة القصيرة جداً، فلا يوجد فن قصصي قصير جداً من دون شخصية أو بطل، اعتمدت القراءة تناول الشخصية في نماذج من قصص الكاتب ريوان ميراني .
لا أهمية لأي سرد أدبي دون الشخصية، التي على أساسها تتحركُ الأحداث وتدور الحبكة، فليس من المعقول أن تتمّ عملية الحكي دون معرفة القائمين على هذا الفعل. في القصة الأولى التي تتعرضُ لها القراءة والمعنونة بـ (القائد) نلاحظ أن القاص لم يذكر اسم الشخصية صراحة وعلانية إنما لقبه/ صفته، لولا العنوان لما تمكنَ القارئ من الاستدلال على معرفة مواصفات الشخصية أو خصوصيته، بأنّ الذي كان يخطب قبل لحظات كقائد، متحدثاً عن قيم الثورة، ها هو يتحول إلى رجل يركع أمام ساقي امرأة "الرجل الذي وقف قوياً أمام الجماهير وخطب فيهم عالياً خطاب الثورة والوفاء للوطن، ركع أمام ساقين عاريتين على كعب عالي خلف الكواليس"، فموضوعة القصص تتمحور حولَ الديكتاتوريات والتحولات الاجتماعية والنفسيّة التي تصيبُ الشخصيات من قصة لأخرى، فشخصياته لا تحمل هويات واضحة، ولا أسماء بعينها، بقدر ما هي كائنات بشرية لها دلالاتها ورمزيتها العميقة. من خلال هذه الشخصيات يحاول أن يُرسلَ للمتلقي تهكمه وغضبه من هذه الأنظمة التي تتحكم بشعوبها كقادة أقوياء تمسك بزمام الأمور بيد من حديد، فلا تترك وراءها غير الدم والموت، بعد أن قتلت ونهبت من جيوب البسطاء "تعب جداً في حياته، لم يصل إلى ما وصل إليه الا بشق الأنفس، حيثُ إنه قَتَل، سَرق، كذب، ارتشى، فعل كل الفواحش والموبقات، حتى استحق أخيراً بأن يسلّموه منصباً رفيعاً في الدولة"، يكشفُ القاص في القصة السابقة والمعنونة بـ (منصب) الحياة التي يعيشها الكثير من القادة والمسؤولين في الخفاء، فهم يعيشون بيننا ونراهم على الشاشات وفي الإعلام، نعايشهم وذقنا مرارة استبدادهم، ومع ذلك تبقى طباعهم خفيّة عن المجتمع، فهم صور وأفكار عن البعض من أفراد المجتمع، فالحدث هنا هو نتاج تلك البيئة الذي يألفه الكثير منا، تقول هالي بيرنت " الشخصيات التي يخترعها القاص ليست بتاتاً مخلوقة، حيثُ الخلق إيجاد شيء من لا شيء، فمخلوقاتنا المزعومة مكوّنة من عناصر مأخوذة من الواقع"، فالشخوص في أغلب قصصه، هي شخوص واقعية، نتصادم معها ونعايشها، كما في قصة ( وطن مباع) يقول "لبس طقم الاجتماعات، أحكم عُقدة ربطة العنق العريضة .. تعطر.. قَبَّل العاهرة النائمة في سريره، وخرج من الفندق ذي الخمس نجوم متجهاً نحو مقر الاجتماع الدولي، باع وطنهُ هناك ورجع للوطن يدعي الوطنية على رؤوس الأغبياء"، فالشخصية في القصة، مسؤول كبير، وهو الشخصية الرئيسية في القصّة، أما بقية الشخصيات فهي عاملة، وتواجدها في الحدث هو لدعم ومساندة الشخصية الرئيسية، وذلك لتكشف عوالمها الخفية والغامضة، وأبعادها السريّة والسّلبيّة، وتعرّي في عيوبها، فهي شخصيات لا تتحلى بالأخلاق والقيم الإنسانية، فهي تبيع أوطانها في سبيل مصالحها الخاصة، وثمّة شخصية متذبذبة ومنبوذة وذلك بسبب التحولات الطارئة لها، فهي شخصية ثورية وبأبعاد قيميّة، تتحول من شخص معارض للظلم والطغيان إلى حليف لهذا الأنظمة الشموليّة والاستبداديّة كما في القصتين المعنونتين بـ (معارض وثوري)، إذ جاء في القصة الموسومة بـ (معارض) "كان رجل المعارضة الأشرس، الصارخ ملأ شدقيه، باسم العدالة، وما أن عطفت عليه السلطة بمنصب وضيع وحفنة من المال حتى صاح: "تحيا الحكومة ويحيا الوطن"، فمفاصل الصراع الذي يدورُ في أعماق الشخصية/ المعارض، تجعله ينهار أمام المنصب، وكذلك في قصة (ثوري) التي إلى حدّ قريب تشبه قصة (معارض)، فهما من الشخصيات المتنامية، تتنامى مع تطور الأحداث، وتكشفُ عن وجهها الحقيقي بشكل غير مباشر، وذلك من خلال الخاتمة التي جاءت بشكل مغاير للعنوان. في الوقت الذي غابَت فيه أي دور للشخصيات الثانوية، فلا دور لها سوى الدفع بالشخصية الرئيسية إلى الأمام، فعلى ظهورهم تحقق مآربها وغاياتها، ليس لديها أيّ اعتراض ضد كلّ ما يحدث، فهي شخصيات صامتة وغير فعّالة، تخدم بنية الحدث القصصي وتعظّم من شأن البطل فقط. فالقارئ للعنوانين (معارض ـ ثوري) لن يتوقع أن تكون الخاتمة بتجاوز الشخصيتان قشورهم الخارجية، وإعلان عن موقف جديد، تختلف عن صورتها الأولى، من ثائر ومعارض لحليف للاستبداد، الشخصية تعاني من تأزّم عميق، تراها تنتقلُ من حال لأخر. والملاحظ أنَّ القاص لم يركز على الصفات الجسدية/ الخارجية للشخصية، بقدر ما سلط الضوء على الجوانب النفسية/ الداخلية لها، وتتبع تصرفاتها وطباعها وطريقة التفكير، وما تعانيه من سلوكيات مضطربة لا تلائم مكانة الشخصية. وفي قصة (الخوف والجوع) وكأن القاص يقف ضد شخصياته، يخلقها عكس ما يريدُ، يجردّها من الأخلاق، ويقدّمها بحالة من السخرية والمفارقات التي تؤديها، فهي شخصيات خائنة وتغدر بالمبادئ، هي شخصيات استبداديّة وكاذبة، نظرتهم للفقراء فيها انتقاص وتحقير لهم، والشعب/ الفقراء يظهرون في حالة من الضعف، خانعين، منكسرين، بينما الشخصية المستبدة لها كامل الحق في ممارسة الذّل على الفئة البسيطة واستغلال معاناتها في سبيل رغباتها، فلا ينتظر هؤلاء الفقراء إلا سياط القادة وأصحاب السلطة، يأخذ القاص شخوصه من مائدة الخير إلى الشرّ "قدم السياسي المتغطرس مائدةً من أجود أنواع المأكولات والمشروبات للشعب، ليقنعهم بأنه الأجدر بالقيادة، والرئاسة؛ كادوا أن يرفضوه لولا تدخل بطونهم الخاوية والكرباج المتعطش لجلودهم. فالجوع والخوف لا يرحمان"، فالقاص "لا ينسخُ نماذجه نسخاً من الحياة، ولكنه يقتبسُ منها ما هو بحاجة إليه".
وفي القصة الموسومة بـ (شقاء) كتبَ "في ليلةٍ ظلماء تبحث غجريةٌ في حاويات الزبالة عن فُتات الخبز لصغارها، ما أن شاهدت سيارة فارهة تقف بجانب حاويةٍ وترمي فيها كيساً ضخماً حتى ابتسمت، وذهبت لتفتحه بلهفة، فأشقتها السماء بطفلة أخرى"، فالشخصية هنا هي شخصية مسطحة، لم يتغير في حالها شيء، فهي الغجرية الفقيرة التي تبحث في الحاويات عن بقايا طعام الأغنياء، لتأخذه لصغارها، فهي شخصية بسيطة دون ملامح وبلا تغيرات، فوجودها قرب الحاويات، لا يحتاج إلى وصف واستطراد من القاص؛ ليعرف القارئ عن وضعها، دون أسئلة، فالشخصية حافظت على ثباتها، وإن زادَ من حملِ شقائها، فالسماء أرسلت لها طفلة جديدة، فالشخصية هنا من شريحة مجهولة الهوية والمستقبل.
بمثابة خاتمة:
إنَّ القراءة في أيّ نصّ أدبي؛ يستلزمُ البحث عن ماهية هذا النصّ، والسؤال الذي لا يجب أن يغيبَ عن القارئ؛ ما الذي أراده القاص من هذه القصص القصيرة جداً، أيّةُ رسائل وخطوط دلاليّة أرادها، لتصلَ للقارئ، حتى يتابع القراءة بشغف ويبحث عن أسرار الحكاية ومكمن دهشتها، وذلك بعناوين إيحائيّة ونهايات غرائبيّة وبلغة تعتمد التكثيف والرمزيّة والتأويل.



#سوسن_نديم_إسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن نديم إسماعيل - السخرية والمفارقة: قراءة في نماذج قصصية قصيرة جداً ل ريوان ميراني