أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد فوزى السيد - اعترافات جنود اسرائيل.. التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية















المزيد.....



اعترافات جنود اسرائيل.. التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


محمد فوزى السيد

الحوار المتمدن-العدد: 1626 - 2006 / 7 / 29 - 02:24
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


المقدمة :

: علي مدي أكثر من نصف قرن ردد الإسرائيليون أساطيرهم التاريخية التي أقاموا عليها دولتهم وحرصوا علي إرضاعها قطرة قطرة لأبنائهم جيلا وراء جيل , هذه الأساطير سواء كانت دينية أو سياسية .. قديمة أو حديثة تكاثرت وتوالدت وتحولت مع الوقت إلي شيء أشبه بالحقائق الثابتة التي لا تقبل الجدل , ويأتي " جيش الدفاع " علي راس أساطير هذه الدولة التي جعلت منه قدس أقداسها وسر بقائها منذ أقامتها وحتى اليوم وغدا , ولكن رغم كل هذه الهالة من التقديس التي يحيط بها الإسرائيليون جيشهم خرجت مجموعة من الضباط عن الصف وأعلنوا التمرد وحطموا الأسطورة وفي لحظة صدق مع النفس .

والضمير كشف هؤلاء الضباط عن سلسة من أبشع الجرائم التي يرتكبها جيش الدفاع والتي تفوق ما فعلته جيوش أعتي النظم الدكتاتورية في التاريخ , لقد وقف هؤلاء الضباط في وجه الجميع من جنرالات وحاخامات وســياسـيين ومخضرمين وشكوا جبهة الضباط الرافضين للخدمة في الأراضي الفلسطينية ووقعوا وثيقة أحدثت زلزالا في إسرائيل ما زالت توابعه مستمرة حتى اليوم , وما كادت توابع الزلزال تهدا مع مرور الأيام حتى صدر كتاب بعنوان
( الـــتــمـرد ) لينفجر بركان مدمر اكتسحت حممه ما تبقي من أساطير جيش الدفاع بل والمجتمع الإسرائيلي ذاته .

هذا الكتاب وهو أحدث واخطر كتاب يصدر في إسرائيل يضم شهادات حية لثمانية من ضباط جيش الدفاع أعلنوا العصيان ورفضوا الخدمة في جيش الاحتلال في الأراضي الفلسطينية وهو تجسيد حي لأبشع أنواع العنصرية والإرهاب وجرائم الحرب بالتواطؤ مع النظام السياسي والهيئة الدينية والنظام التعليمي وجميع أجهزة الدولة .

وإذا كانت إسرائيل تضع سيف معاداة السامية علي رقاب الجميع في أي مكان في العالم فأن هؤلاء الضباط هم ساميين حتى النخاع , ويهود أبناء يهود من دماء يهودية خالصة , وجميعهم ينتمون إلي الطبقة الراقية في المجتمع الإسرائيلي مما يجعل شهاداتهم وثيقة دامغة ودليل إدانة إلي كل من يهمه الأمر في جميع المنظمات المدنية والهيئات الدولية في العالم .
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية

الفصل الأول .

الضابط احتياط " شاماي ليبوفيتز " يؤكد .
إسرائيل ... تنهار والديمقراطية أكذوبة كبري
أطالب بمحاكمة القضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية
الحاخامات يشوهون الكتاب المقدس ويدنسون اليهودية

: شاماي ليبوفيتز 32 عام ضابط احتياط يعيش ببلدة جيفات شمويل قرب تل أبيب , يعمل محاميا وخدم في وحدات المدرعات ... يدعو شاماي إلي الكفاح من اجل المساواة التي تقوم حسب راية علي اليهودية الحقيقية , شارك شاماي في دعوى قضائية ضد جيش الدفاع أمام المحكمة العليا الإسرائيلية والتي تطالب بوقف سياسية الاغتيالات أو التصفية الجسدية التي يعتمدها الجيش ضد رموز المقاومة الفلسطينية , وقد تأجلت الدعوى عدة مرات لان المحكمة كما يقول " شاماي " أرادت أن تشتري الوقت وتتجنب إصدار قرار يغضب الجميع , فهي لا تستطيع تأييد عمليات التصفية ولا تستطيع تقويض أنشطة الحكومة وجنرالات الجيش , ويبدو أن فكر " شاماي " لم يأت من فراغ فهو حفيد البروفسور الراحل يبشع ياهو ليبوفيتز المفكر اليهودي الذي دعا إسرائيل للتخلي عن سيطرتها علي الأراضي الفلسطينية وإنهاء احتلال أراضي شعب أخر فور انتهاء حرب 1967 .

كما دعا يبشع جنود الجيش الإسرائيلي إلي عصيان الأوامر ورفض الخدمة في الأراضي المحتلة , وكان والد شاماي أستاذا للرياضيات بجامعة بن جوريون في بير سبع بينما عملت والدته أستاذة للغة الإنجليزية ومترجمه وكاتبة فماذا يقول شاماي ليبوفيتز .

القتل بدون أوامر
________________________________

في يوم الالتحاق بالجيش عندما تدخل القاعدة لا تتلقي الأوامر بقتل الأطفال الصغار , ولكن أثناء الخدمة تجد نفسك تقوم بمثل هذه الأعمال عادة ودون أوامر , فعلي سبيل المثال عندما تكلف بمهمة تفتيش منزل أو ملاحقة مطلوبين يجري أمامك شخص فتطلق علية النار وتقتله , وقد تتوقف لحظات وتسال نفسك هل كنت تريد قتل هذا الشخص ؟؟ , لم أكن أريد ذلك ... لقد حدث دون إرادتي !! .

غالبية الجنود لا يفهمون انك لا تستطيع الالتزام بالأخلاق وأنت تخدم في الأراضي المحتلة , ليس هناك شيء اسمه " احتلال تنويري " , انه قمة التناقض اللفظي , لا يمكنك السيطرة علي شعب وتنكر عليهم حقوقهم بشكل تنويري , هل يمكنك أن تقصف قراهم ومدنهم بالطائرات والصواريخ ثم توزع عليهم الحلوى ؟؟ .
هل يمكن أن تقول لهم " نحن آسفون لقد قصفنا قريتكم وقتلنا خمسة أشخاص ... وكنا نحاول قتل محمود عباس ولكننا قتلنا أما مع أطفالها الأربعة وهم نيام بدلا منه , وناسف علي هذا الخطأ الغير مقصود , ثم ينتهي كل شيء ؟؟ , أن مثل هذه الأمور تجري يوميا .

اليهودية والأخلاق
_____________________________


: وقد يسألني البعض عن مدى تأثير جدي المفكر الديني الراحل علي تفكيري وقراري بالرفض , وأقول ليس صحيحا القول بان مجرد نشأتي في كنف جدي كان السبب في تبني أفكاره وقناعته , فأنا اختلف معه في أشياء كثيرة فهو يقول " انه لا علاقة بين اليهودية والأخلاق " بمعني أن الشخص قد يكون متدينا ويمارس الطقوس الدينية من صلاة وطعام حلال ويظل يؤيد الاحتلال , ولكني أري خلافا لذلك , أن هناك علاقة بين الاثنين بمعني أن اليهودي المتدين حقا لا يقمع غير اليهودي ولا يمتهن كرامتهم ولا يحتجز أناسا بغير محاكمة , ومن ثم فأن المعادلة الصحيحة هي " إذا كنت متدينا حقا يجب أن تعارض الاحتلال " , وهكذا فان مقاومة الاحتلال تبدأ من الأيمان باليهودية الحقيقية وليست اليهودية المزيفة التي يروج لها مستوطنو "
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


جوش ايمونهم " فهؤلاء اليهود الذين يعتبرون أنفسهم في قمة التدين " حريديم " يسفكون الدماء ويقتلون بدم بارد ويمتهنون كرامة البشر ويعاملونهم بابشع صور الإذلال ويمنعونهم من استخدام الطرق ويجبرونهم علي السير عدة كيلومترات سيرا علي الإقدام ثم يذهبون للصلاة !! .

فبعد كل ما يفعلونه ماذا تساوي صلاتهم ؟؟ , الشخص الذي يصوم ويكفر عن سيئاته في يوم كيبور " أقدس الأعياد اليهودية " , ثم يتسبب في أبشع صور المعاناة لملايين البشر يرتكب خطا قاتلا , الأنبياء يقولون أن هؤلاء الذين يتسببون في معاناة الضعفاء يهزاون باسم الرب وليس هناك خطيئة اشد من إهانة اسم الرب .

هناك نص في التلمود يقول " في حالة حدوث تجديف واجتراء علي المقدسات يجوز مخالفة مواعظ الحاخامات" , بمعني آخر أن الإنسان بوسعه أن ينتقدهم ومع كل الاحترام الواجب للحاخامات ألا أنهم يشجعون علي تدنيس المقدسات وانتهاك المحرمات , أنني أقول ذلك علي المعتدلين منهم أيضا لأنهم ببساطة لا يدينون الاحتلال , أن غاية ما يقولونه أنهم راغبون في التوصل إلي حل وسط بشان الأراضي عندما يأتي العرب طائعين صاغرين إليهم .

سلام المغتصب والضحية
_________________________________

: أن الوصايا التي وضعها أنبياء بني إسرائيل تقول " يجب ألا تنتظر حتى تحارب عدوك لتهزمه إلي درجة الازعان , فقبل كل شيء يجب أن تمنع عنه الظلم , يجب أن تخلق السلام من خلال معاملة كل إنسان وكل امة باعلي قدر من المساواة والاحترام , انه التزام أساسي , بالطبع أنا أريد تسوية سلمية , ولكن لا يمكن أبدا أن يكون هناك سلام بين المحتل والخاضع للاحتلال , فهذا الأمر يشبه من يطلب اتفاق سلام بين المغتصب والضحية أثناء عملية الاغتصاب , لابد أن ينتهي الاحتلال أولا لأنه جريمة أخلاقية ثم يكون بإمكاننا بعد ذلك الحديث عن ترتيبات علي المدى البعيد .

ولكن متي قررت رفض الخدمة ؟؟ .

أقول قبل عدة أيام عثرت علي خطاب كتبته لقائد كتيبتي عام 1993 ... أبلغته فيه أنني لا أستطيع تنفيذ المهمة التي كلفت بها في غزة وقلت أني ارفض الاحتلال وما يستتبعه من قمع , كان رفضي الخدمة في غزة لا يعني رفضي الخدمة في الجيش نهائيا , لقد طلبت منه نقلي من الكتيبة كي اخدم في أي مكان أخر بعيدا عن الأراضي المحتلة , وافق قائد الكتيبة ونقلت إلي الحدود المصرية , ومنذ ذلك الحين لم يطلب مني الخدمة في الأراضي المحتلة , وما كتبته عام 1993 يمكن كتابته اليوم , عندما تقمع ثلاثة ملايين إنسان وتنكر عليهم حقوقهم الأساسية لابد أن ينفجر العنف ولا شك أن العنف يولد مزيدا من الإرهاب , والإرهاب يقود إلي مزيد من العنف وهكذا .

عنصرية فاضحة
_________________________

: لقد أدركت منذ سنوات عمري الأولي إلي أي مدي يجري التمييز ضد غير اليهود في إسرائيل , فعندما كنت ادرس في مدرسة بيشيفا في جوش اتزيون , كان لدينا حمامات سباحة في الوقت الذي كان فبه جيراننا الفلسطينيون محرومين ليس فقط من حمامات السباحة بل من مياه الشرب النقية والطرق , بل ومحرومين من كل شيء , لا يبدو أن المستوطنين في فيلاتهم الأنيقة يهتمون بهذا الأمر أبدا , عندما تعيش هكذا وتتجاهل تماما أحوال كل من حولك فلا يمكن أن تكون يهوديا حقا .

علي مدي خمس سنوات كنت اسبح في حمامات سباحة وأقود سيارتي علي الطريق السريعة التي حرم الفلسطينيون من السير عليها حتى بالأقدام , كنت أمارس حقي في الانتخاب والإدلاء بصوتي في حين يعيش كل من حولي محرومين من سيادتهم وحقوقهم , وقد يقول احد كيف لنا أن نكسر نسق التفكير والأنماط السلوكية الراسخة في المجتمع اليهودي , وأقوال أن التعليم هو الأساس لابد أن يكون هناك تعليم حقيقي
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية

يعلي من قيم الحرية والاحترام والمساواة وحقوق الإنسان ومساعدة الفقراء والأيتام والأرامل سواء كانوا يهود أو غير يهود , نعم حتى غير اليهود وكما ورد في التلمود " عندما يكون غريب معك في أرضك يجب ألا تخطيء في حقه , يجب أن يكون هذا الغريب بالنسبة لك وكأنه صاحب الأرض معك وعليك أن تحبه كنفسك لأنكم كنتم غرباء في ارض مصر ".

تعليم متطرف
______________________

: ربما يقول البعض أني استخدم تعبير " غرباء " للإشارة إلي الفلسطينيين رغم أنهم أصحاب هذه الأرض , وأقول أن هذا يعود إلي نمط التعليم الذي تربينا علية , لو كان الكتاب المدرسي عندنا علمنا أن الفلسطينيين ليسوا غرباء ولكنهم مواطنون فان وقعنا كله كان قد تغير إلي حد كبير لقد أصبح تعليمنا ذا نزعة قومية متطرفة خلال العشرين أو الثلاثين عاما الماضية , انه يعزز مشاعر الخوف من الإبادة ويركز علي ضرورة أن بدافع عن أنفسنا بدولة قوية وجيش قوي النظام التعليمي في إسرائيل يغذي مشاعر الخوف المرضي من الجميع ويردد دائما أن العالم كله يقف ضدنا , هذا النوع من التعليم يؤكد علي نمط العيش بالسيف علي حساب قيمنا , وعندما كنا في الشتات كان اليهود يشغلون أنفسهم بقضايا اجتماعية وأخلاقية وروحية مثل الأعمال الخيرية والاهتمام بالمرضي والمحتجين والمسنين ودراسة التوراة , وما أن حصلنا علي استقلالنا وأصبحنا لنا دولة تجاهل تعليمنا هذه القضايا لصالح مشاعر القومية المتطرفة وربما أقول لصالح تقديس السلاح .

تشويه الكتاب المقدس
_____________________

: وهناك عدة أمثلة علي استغلال التوراة في تعزيز المشاعر القومية , من ذلك مثلا أن المستوطنين باسم الحق الإلهي في الأرض يمارسون أبشع أنواع العنصرية والتطرف الفكري من خلال تشويه النصوص الدينية , كما أن احدي قصص التوراة تقول أن أول مدينة عبرية في العالم أقيمت كعهد سلام بين إبراهيم وابيمالك بعد أن فضل إبراهيم التوصل لاتفاق بدلا من أن ينكر علي ابسما لك حقوقه , ولكن علي مدي سنوات قام النظام التعليمي بمحو هذه الفكرة تماما وبشكل متعمد من الكتب المدرسية , كما أن الحاخامات يبذلون كل ما بوسعهم حتى لا يطلع الدارسون علي هذا النص , أن مدرسينا يمجدون المشاعر القومية فيما يعمل حاخاماتنا علي تشوي الكتاب المقدس ويعزلون بعض العبارات عن الشجاعة والحرب والاحتلال عن سياقها لتكرارها في نسق مختلف , لقد سمعت كثيرين يقولون لي لماذا تريد أن تقيم سلام مع هؤلاء العرب ؟؟ , أنهم قوم لا يمكن الوثوق بهم , أنهم لا يريدون سوي قتلنا .. لا يمكننا أن نتخلى لهم عن سيناء ..

أو لا يمكننا أن نترك لهم من مخيم بلاطة ورفح .. انه نفس الدافع في جميع الأحوال " لأنهم يريدون قتلنا " , وهكذا تري أن رجال الدين عندنا ليسوا فقط دعاة حرب بل مجهدون لا يترددون عن تشويه الكتاب المقدس لتبرير تعاليمهم القومية المتطرفة .

قضاة أسوا من الحاخامات
____________________________

: أن الأمر لا يقتصر علي نظامنا التعليمي فقط فهناك أيضا النظام القضائي , فقضاتنا مذنبون لأنهم يؤيدون الاحتلال , قضاة المحكمة العليا أسوء من الحاخامات علي مدي 35 عاما , أضفت المحكمة الشرعية علي عمليات الاغتيال الاعتقال الإداري والطرد وهدم المنازل وغير ذلك من السياسات التي لا يمكن أن تسمع بها في دولة ديمقراطية , وكل ذلك باسم الأمن أي امن هذا ؟! .

لقد قال " بنيامين فرانكلين " أن من يتخلون عن الحرية من اجل أن ينعموا بقليل من الأمن لا يستحقون الحرية ولا الأمن , لقد جرد القضاة دولتنا من الحرية ووضعوا مكانها ورقة التوت التي تمثل امن الدولة وكما قال " بنيامين فرانكلين " فإنهم ساهموا في أحساس الشعب اليهودي بالخوف وانعدام الأمن ومن اجل رغبتهم في تبرير ما تقوم به الدولة من فظائع فان أمننا وصل إلي ادني مستوي له منذ إعلان قيام الدولة .
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية



والسؤال .. كيف يساهم هؤلاء القضاة في تعميق الأيديولوجيات القومية المتطرفة ؟؟ .

والجواب لأنهم لم يتلقوا أبدا تعليما قانونيا سليما , إذا كانوا قد تعلموا فأنهم سيصلون إلي نتيجة مؤداها " عندما تأمر السلطات بهدم منازل واعتقال أناس دون محاكمة فأنها ليست وظيفة القضاة التصديق علي ذلك "
في النظم الديمقراطية القضاة لا يمثلون السلطات , كل شخص له كامل الحقوق القانونية حتى لو كان من اعتي المجرمين والقتلة أو المتآمرين وإذا لم يكن قضاتنا يفهمون ذلك فأنهم لا يستحقون أن يجلسوا علي مقعد القضاة .

مملكة الشر
______________________________

: أنني أقارن بين قضاتنا وبين قضاة مملكة أخاب " ملك الشر " , والذين كان حكمهم دائما انه عندما يتعلق الأمر بأمن الدولة فلا يكون هناك خيار أخر سوي انتهاك الحقوق , ويحضرني هنا قصة المواطن " نابوث " الذي رفض إطاعة أوامر الملك أخاب فرأي القضاة ضرورة انتهاك حقوقة واتهامه بتكدير الأمن العام , وقد كان واعدم " نابوث " رجما بالحجارة وبعد كل شيء فقد كان هناك شهود وممثل ادعاء ودفاع ولكن الحكم معروف , انه خطر علي الأمن , ولذلك كان من السهل إقناع الرأي العام بشرعية قتل " نابوث " .

أن قصة نابوث تمثل صورة طبق الأصل لفساد نظامنا القضائي فنحن لدينا أيضا شهود وممثل ادعاء ومؤسسة لحقوق الإنسان تسمي " بيت سليم " وممثلو دفاع يمثلون الفلسطينيين , ولكن كل هذا خداع لان القضاة جزء من النظام يتعاونون مع المدعين لممارسة أبشع أنواع الظلم , هذا التأييد الاعمي للنظام خطا وخطير أيضا , لم تجد قاضيا واحدا وقف وقال لن افعل هذا , أنهم مثل ماكينات المياه الغازية الميكانيكية تضع فيها العملة وتخرج لك ما تريد , أنني أريد من النائب العام وكل عناصر الجهاز القضائي عندنا أن يقروا جيدا حكاية محاكمة " نابوث ".

عليهم أن يخجلوا من أنفسهم اشد الخجل , أنني أتوقع منهم كيهود الكثير , وبدلا من الدفاع عن نظام احتلال فاسد يتعين عليهم أن يصرخوا قائلين " لنتوقف عن أفعال الشر " , ولكن دعني أقول أن هناك عددا قليلا جدا من القضاة كان لديهم الشجاعة لاتخاذ هذا الموقف واذكر منهم علي سبيل المثال " شاييم كوهين " .

اغتصاب النظام
_______________________________

: ومع ذلك فان النظام له مصلحة في الاحتلال وقضاتنا يرغبون في أفساد النظام القضائي لحساب النظام الحاكم وغدا سيكون للنظام مصلحة في التخلص من جميع اليساريين وسيجد القضاة السبل الكفيلة بإفساد العملية القضائية من اجل أن يفعل ذلك اليوم النظام , يغتال الفلسطينيين بدم بارد , وبعد كل عملية تصفية يصدر بيان صحفيا يقول أن الرجل المستهدف كان " خطرا علي الأمن " لا يسال احد أي سؤال عما يحدث , والقضاة صامتون , غدا سيبدلون في القيام بنفس الشيء ضد اليهود وسيقولون ساعتها أن يوري افنيري تعاون مع عرفات , ولذلك قمنا بتصفيته وفي نهاية المطاف سيصلون إلي أنا قد يبدو ذلك محض خيال .

ولكن الحقيقة اقرب مما يعتقد الكثيرون أن القضاة يغتصبون النظام القضائي لإسعاد النظام , الحاكم في إسرائيل والمبررات دائما جاهزة , لقد فعلنا ذلك حفاظا علي الأمن العام والمصلحة العامة وامن الدولة الخ .

جرائم حرب
___________________________

: كانت هناك شهادات ذات مصداقية عن جرائم حرب ارتكبت ولكن لم يستمع إليها احد من قضاتنا , كيف تفسر رفض جميع الدعاوى التي رفعت أمام المحكمة العليا من مدعين يعارضون الاحتلال ؟؟ .

التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


علي جميع الضباط أن يدركوا أن عمليات التصفية هي قتل خارج نطاق القضاء , وكل جندي يخدم في الأراضي المحتلة مشارك في هذه الجرائم , وكل جندي يساعد الجيش هو شريك أيضا لأنه يعرف أن الجيش ينفذ هذه الاغتيالات خارج نطاق القضاء , وهي جرائم حرب بكل المقاييس ومن ثم فان كل جندي يخدم في الأراضي المحتلة مشارك في جرائم حرب وله الحق علي الدولة في أن يرفض التورط فيها وهناك قضية أخري خطيرة .
جيش الدفاع يستخدم الفلسطينيين دروعا بشرية وهؤلاء الذين يرفضون يقتلون في الحال وبدم بارد , والأمر الاسوء من ذلك أن المحكمة العليا تتساهل مع كل هذه الجرائم , وهذا يفسر لماذا أدعو إلي تقديم القضاة الإسرائيليين للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية , لقد منع جيش الدفاع سيارات الإسعاف من إخلاء الجرحى وترك مئات الفلسطينيين ينزفون حتى الموت وتتحلل جثثهم في المخيمات والمدن , لقد أطلق جيش الدفاع النار علي شخص انتهك حظر التجول وخرج لشراء رغيف خبز بعد أن ظل محبوس لأربعة أيام مع 50 شخصا آخرين في غرفة واحدة , هذه الجرائم موثقة وعليها شهود وهذا يفسر لماذا يمنع الجيش الصحفيين من الدخول لرؤية ما يحدث في المخيمات والقرى والمدن الفلسطينية , لقد دفنوا المئات في مقابر جماعية بهذه المدن والمخيمات ... انه أمر مروع .

دعوة للعصيان
_______________________________

: أنني أدعو طياري الاباتشي ألاف /16 أن يرفضوا تنفيذ الأوامر بقصف المدنيين في الأراضي الفلسطينية , وان يطلبوا المثول أمام محكمة عسكرية , عندئذ سنطالب بتطبيق اتفاق جنيف الرابع الخاص بحماية المدنيين أثناء الحرب , أنني أدعو جميع الجنود إلي التوقف عن ارتكاب جرائم حرب والمطالبة بمحاكمة عسكرية عادلة أدعو جميع الجنود إلي التوقف عن ارتكاب جرائم حرب والمطالبة بمحاكمة عسكرية عادلة , ادعوهم إلي ترك قواعدهم العسكرية والامتناع عن صيانة دباباتهم وطائراتهم ومدفعيتهم وكل أنواع الإلة الحربية التي تستخدم ضد المدنيين , أدعو جميع الجنود لفتح أبواب معسكرات الاعتقال التي يحتجز فيها ألاف الفلسطينيين عدة اشهر دون محاكمة , وفي الوقت نفسه ادعوهم إلي الدفاع عن دولة إسرائيل داخل حدودها التي حددها المجتمع الدولي بقرار التقسيم بعد حرب عام 1948 ولا شك أن القول بان مثل هذه الأعمال تعني القضاء علي الجيش والدولة اليهودية قول سخيف تماما , إذ لم يذكر التاريخ حالة واحدة انهار فيها مجتمع بسبب خروج فئة منه عن النص وإعلان رفضهم ارتكاب أفعال الشر .

إذا انهار مجتمع فان ذلك يعود في الأساس إلي أن هناك من يتستر علي ما يجري من شرور فيما يواصل آخرون ارتكاب أفعال مدمرة , أنني أدرك خطورة ما أقول فقد استيقظ غدا فأجد أمرا باعتقال كل زبائني كمحام لأني أدعو للمقاومة والرفض , ولكن احدي الوصايا الرئيسية في الكتاب المقدس تقول " يتعين عليك إلا تخشي وجه إنسان إذا كان ذلك الأمر يتعلق بأمر الرب " , أن إسرائيل كمجتمع ديمقراطي تنهار أمام أعيننا في وضح النهار , نظامنا الدكتاتوري الحاكم القي بإسرائيل في خضم حمام دم لابد أن يتوقف أنني اخشي كثيرا علي مصير إسرائيل وهذا يفسر لماذا أضع هذا الأمر فوق أهدافي الخاصة , ذات مرة ذهبت إلي المعبد وبعد الصلاة تحدثت مع احد الحاخامات عما يجري من مطاردات للأطفال الفلسطينيين علي مدي 35 عام واقتحام المنازل فجرا وترويع النائمين من المدنيين في الأراضي فوقف احدهم وقال لي " اغرب عنا ولا نريد أن نري وجهك هنا مرة أخري " , . مثل هؤلاء اليهود لا يكرهون فقط الفلسطينيين لأنهم يريدون دولتهم بل يكرهون اليهود اليساريين أيضا لأنهم لا يشاطرونهم معتقداتهم في إسرائيل الكبرى .

هؤلاء المتدينون هم السبب في حمام الدم الذي تعيشه إسرائيل , لابد من ترسم حدود إسرائيل علي حدود 67 وإخلاء المستوطنات وتعويض المستوطنين , وفور ترسيم حدود الدولة إذا أراد مستوطن الهجرة من إسرائيل كي يعيش في الدولة الفلسطينية يجب أن نسمح له بذلك انه حقه مثلما هو حقه الهجرة إلي الولايات المتحدة أو أي مكان أخر في العالم ولابد من الاعتراف بحق العودة للفلسطينيين , بل لابد أن نطلب منهم الصفح عما أوقعناه ضدهم من ظلم في عام 1948 " النكبة " , لقد تعودنا علي الاضطهاد لدرجة أنستنا قوة الصفح .
الاعتذار مبدأ أساسي في اليهودية , ومن يصلي ليل نهار ولا يفهم ما فعلنا ضد مئات الآلاف من اللاجئين أمنا يصلي مثل الروبوت وصلاته لا معني لها وعليه أن يمارس اليوجا أفضل .
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


المشكلة الأساسية هو أن كثير جدا من اليهود فقدوا روح اليهودية ولا يستطيعون أن يقولوا " أسف " علينا أن ندرك أن الاعتذار هو الخطوة الأولي نحو المصالحة , وقبل أن نتحدث عن النهوض بأي شيء في بلادنا علينا أن نقاوم الاحتلال ... الاحتلال هو الذي دمر نظامنا القضائي ونظامنا التعليمي والاسوا من هذا كله دمر عقيدتنا اليهودية , ولكن متي ينهار نظام الاحتلال ... لن يحدث هذا إلا عندما تقف الأغلبية الصامتة لتطالب الجيش برفض الخدمة في الأراضي المحتلة والتوقف عن قمع وازلل الشعب الفلسطيني ... ساعتها يمكن إقامة مجتمع يهودي حقيقي قائم علي العدل والحرية والتعاطف .


















الفصل الثاني

التمرد
جرائم كتائب الإعدام

هدم المنازل .. أحد أشكال العقاب
الجماعي ضد الفلسطينيين


وسط الضباب الكثيف الذي تطلقه آلة الدعاية الإسرائيلية لحجب حقيقة الجرائم المروعة التي يرتكبها جيش الاحتلال ليل نهار ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.. خرج نفر من رجاله علي الصف وأعلنوا التمرد ورفضوا المشاركة في هذه الجرائم. هؤلاء الضباط والجنود اختاروا هدم معبد الفساد وتحطيم أسطورة جيش الدفاع ونزع كل ما يحيط به من هالات التقديس والتمجيد. لقد كشف هؤلاء الضباط والجنود في لحظة صدق مع النفس صحت فيها ضمائرهم بعضا مما رأوه بأم أعينهم وما شاركوا فيه بأيديهم علي مدي سنوات.. أنها شهادة دامغة علي جريمة حرب مكتملة الأركان يقدمها هؤلاء الجنود موثقة بكل الأدلة ونقدمها نحن إلي ضمير العالم وإلي كل الجهات الدولية المعنية.. فربما تكون هذه الشهادات الحية دليل إدانة أمام المحكمة الجنائية الدولية في يوم ما ليس ببعيد.

ومن بين هؤلاء الضباط عساف أورون الذي قدم شهادته مشفوعة برسالة إلي كل يهود العالم لعلها توقظ ضمائرهم وتدفعهم لاتخاذ جانب الحق ولو مرة واحدة في تاريخهم!

عساف أورون.. رجل نحيل يبلغ من العمر 36 عاما وهو أب لطفلين يعيش في ضاحية موشاف نيهورا بجنوب إسرائيل. نشأ عساف في ضاحية بيت هاكيريم بالقدس ويعمل حاليا في حملات المساعدات الإنسانية للفلسطينيين التي تعني بأحوال المشردين والجوعي ومن هم في حاجة ماسة للرعاية الطبية بعد العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي. وكعضو نشط في حركة الرافضين أعلن عساف رفضه للاحتلال وتضامنه مع ضحايا عمليات البطش التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي رغم انه احد رجاله.

هذا التناقض الظاهري تعود جذوره إلي نشأة عساف الذي نشأ لأبوين مختلفين أيديولوجيا في نظرتهما لإسرائيل، فالأم ترفض السياسة الإسرائيلية بل أنها شاركت في المظاهرات المناهضة لغزو لبنان وما أعقبه من مذابح مخيمي صبرا وشاتيلا عام 1982 بينما يعتبر الأب أن العالم كله ضد إسرائيل وان القوة المسلحة هي السبيل الوحيد لمواجهة ذلك. ويعكس سلوك عساف أورون هذا التناقض داخل الشخصية الإسرائيلية فهو ضابط بجيش الدفاع يخدم في وحدة يشعر أنها تنتهك كل وأبسط حقوق الإنسان التي يؤمن بها.

عقلية الجيتو

ويقول عساف: نشأت علي درب والدي معارضا لليسار. وعندما كان عقيدا في جيش الدفاع كان يعتقد أن قوة إسرائيل تكمن فقط في قوتها المسلحة. لقد عاش والدي وهو طفل حياة اللاجئين في معزل لليهود في شتيتل في بولندا وهناك اخبرهم الروس بضرورة الرحيل وألا فإن الألمان سيقتلونهم وبالفعل هاجرا شرقا وبعد انتهاء الحرب هاجر مع والديه إلي إسرائيل.

ورغم انتماء والدي للمجتمع الإسرائيلي إلا أن هوية اللاجيء هي التي ظلت غالبة عليه لتشكل نظرته للعالم كله. أما والدتي فقد كانت ظروفها مختلفة فقد نشأت في منطقة ما بوسط أوروبا لأسرة ليبرالية. وقبل الحرب انتقلت مع والدتها من المنطقة التي صارت تعرف بعد ذلك باسم اوشفيتز وهاجرت إلي فلسطين من بين المهاجرين اليهود الأوائل. لقد كانت من أسرة ذات نفوذ تملك سبل الحصول علي التصاريح اللازمة للهجرة
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


إلي فلسطين. وهكذا نشأت بين أفكار والدي المتشددة من ناحية التي تري أن إسرائيل هي الرد الطبيعي علي ما لاقاه اليهود في معازلهم في وارسو واوشفيتز وغيرها، وعلي دعاوى السلام والعدل والحرية والمساواة للجميع التي كنا نسمعها في أغاني جون لينون وديلون وبوب مارلي وغيرهم.
وفي سن الثامنة عشرة التحقت بالجيش. لم التحق به من دافع الحماس أو الوطنية بل فعلت ما يفعله كل إسرائيلي. وحاولت ألا أكون وحيدا مقابل آخرين يستعرضون عليك بطولتهم في الدفاع عن أرض الوطن.

لم يطلبوا منا تعذيب الناس ولكن طلبوا منا أن نكون صارمين في التعامل معهم. كانت وظيفتنا أن نجعل الفلسطينيين يعيشون وقتا عصيبا وخاصة الشباب منهم.

فهم دائما في دائرة الاشتباه. ودون تفكير أو شعور أصبحت مولعا بالقتال وفور أن نعتقل شابا ويحاول الهرب نطارده ثم نمسك به ونوسعه ضربا. نعم لقد شاركت في الكثير من هذه الأفعال التي لا يمكن أن تمحي من ذاكرتي أبدا من ضرب وإهانة أشخاص بعضهم في سن والدي.

وفي عام 1990 أخذني صديق للتطوع معه في منظمة تعني بمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة. كنت شغوفا لأري ماذا يجري علي الجانب الفلسطيني. ومع رؤيتي لانتهاكات حقوق الإنسان في القدس الشرقية والأراضي بدأت أري الجيش من زاوية أخري. بدأت أدرك إلي أي مدي ينتهج جيشنا سلوكا عسكريا غير مقبول. وفي غرفة ضيقة بالقدس الشرقية بدأت أنقب بين كم هائل من الملفات عن أعمال القتل والتعذيب وحتى الإهانات العادية في الحياة اليومية التي يواجهها الفلسطينيون. ولكني شعرت أني كمن يحاول أفراغ البحر بملعقة شاي!.

عرفت إلي أي مدي كانت انتهاكات حقوق الإنسان ترتكب بشكل منهجي منظم في الأراضي الفلسطينية.

والي أي مدي يساهم نظامنا القضائي في السماح بهذه الانتهاكات دون عقاب واضح. لقد أصبحت رؤيتنا للفلسطينيين تقوم علي اعتبار أننا وهم في مباراة من شوط واحد وان فوزهم يعني خسارتنا نحن. والعكس صحيح.

سياسة صنع العملاء

باختصار هدفنا هو تنغيص حياة الفلسطينيين لحرمانهم من أن يحيوا حياة طبيعية وتذكيرهم دائما بمن يمسك في بدية كل شيء.

وعلي سبيل المثال الناس الذين يريدون تصريحا للسفر للخارج يطلب منهم أما التعاون مع الجيش أو توقيع أقرار بأنهم لن يعودوا قبل عدة سنوات!.

لقد اعددنا تقريرا علي افتراض أن الناس سيطلعون عليه ويدركون الهدف من تلك السياسة وهو تقليص عدد الشباب في الأراضي الفلسطينية إلي أقل يحد ممكن.

ومع ذلك لم يهتم بهذا التقرير احد، بل أن الناس كانوا يسألونني سؤالا سخيفا: لماذا تساعد العرب؟ أليس لدينا ما يكفينا من المشكلات؟!.

لقد تحولت الفترات الثلاث التي قضيتها كضابط احتياط إلي مزيج من الخزي والشعور بالغثيان.

ورأيت كيف سعي الجيش إلي تخريب اتفاقات اوسلو عمدا. وسأضرب لكم مثلا.. قبل أيام من الانسحاب من بيت لحم كنت في فترة الاحتياط بهذه المنطقة وكان الجميع في حالة من الفرح والابتهاج في أعقاب الأجواء الاحتفالية التي سادت بعد اتفاقات اوسلو.


التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية



ولكن كانت الأوامر الصادرة ألينا من قادتنا تقول فتشوا المساجد حيث يوجد المتشددون وسجلوا أسماءهم .. وهو ما يعني ضمنا السعي لافتعال أي اشتباك لإيجاد ذريعة لتأخير الانسحاب.

كتائب الإعدام

وفي 1997 كنت في فترة الاحتياط في غزة لم أكن أتصور ما يحدث، فقد سلمت غزة نظريا للفلسطينيين ولكن الاحتلال ظل كما هو بكامل صوره. فقد ظل الناس اسري داخل القطاع لا يسمح لهم بالدخول أو الخروج. أدركت أن هؤلاء المحاصرين سيكونون قنابل موقوتة ضدنا ولم يخيب أيهود باراك ومن بعده أريل شارون ظني بعد أن وفروا لي هذه القنابل الموقوتة المفجرات اللازمة .

صحيح أن زيارة شارون لساحة المسجد الاقصي المشئومة تسببت في اندلاع احتجاجات فلسطينية قام خلالها المتظاهرون بإلقاء الحجارة وإحراق الإطارات ولكن الجيش رد بالذخيرة الحية ونشر القناصة علي أسطح المباني لقتل المحتجين.

فضلا عن ذلك فإن كتائب الإعدام المعروفة باسم دوفديفان كانت تجوب شوارع المدن الفلسطينية بالملابس المدنية وترتكب مالا يمكن لأحد الحديث عنه.

وعند هذه النقطة قررت ألا استمر في خوض تلك الحرب.

وفي يناير 2002 عندما حضرت أول اجتماع لحركة الرافضين بدا الأمر وكأني انظر في مرآة أري فيها 20 صورة لي. وللحق أقول أننا كنا جميعا من نفس الطبقة الاجتماعية فقد كنا من الطبقة الوسطي.

ودعنا نقول أن الناس الذين يستطيعون اتخاذ خطوة شجاعة في اللحظة المناسبة هم أولئك الذين لا يعانون من أي مشكلات اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية. هذا يفسر لماذا تقع علي أولئك الذين ينشأون في مجتمعات النخبة مسئولية المبادرة لتغيير وجه المجتمع. علينا التزام بأن نفعل شيئا تجاه ذلك.

علينا مسئولية أن نكون العصا التي تكسر ظهر الاحتلال. وبهذه الطريقة فقط يمكننا إنقاذ سكان هذه الأرض.

الخروج عن الصف

نعم.. أدرك أن أصعب عمل يمكن أن يقدم عليه إنسان هو التمرد والخروج عن الصف، ولكن عندما تصل إلي قناعة تامة بأن ما تقوم به هو جريمة بكل المقاييس فإن هذا الحاجز النفسي يزول ولسوء الخط فإن الفكر الذي يحكم جيش الدفاع يقوم علي قاعدة تقول لآتكن منزعجا تجاه ضميرك.. اهتم فقط بمستقبلك !! وكذلك فإن اختيار الأمور المريحة حل سهل فمثلا يمكنك التظاهر في ميدان عام ولكن أن تنقل الطعام إلي ألجوعي الفلسطينيين أو تعلن التضامن مع العرب وتنشق عن الصف فإن هذا أمر لا يحتمل.

والغريب أن البعض يري أن جنود جيش الدفاع يتصرفون في اغلب الأحيان بإنسانية وللرد علي ذلك دعوني أسألكم كيف يمكن أن تفرض حظر التجول علي مدينة بشكل أنساني؟! ولأضرب لكم مثلا.. في قرية قرب نابلس كانت هناك طفلة تسمي تبارك عودة عمرها عامان.

كانت تبارك مريضة تتعاطى دواء ولكن مع فرض حظر التجول نفد الدواء من منزل الأسرة ومنع جيش الدفاع أي احد من تقديم الدواء لهذه الأسرة.

كنت شاهدا علي هذا الأمر ولكن عندما حاولت منظمتنا التحرك لإنقاذ الطفلة كان كل شيء انتهي.. ماتت تبارك. لم تكن تبارك سوي طفلة من بين عشرات وربما مئات آخرين يعيشون ظروفها ولا يستطيع احد

التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


الوصول أليهم. ولاشك أن الجنود الذين يقفون عند حواجز التفتيش ويمنعون عربات الإسعاف من المرور هم ينفذون الأوامر ويؤدون عملهم لا أكثر.

ربما لا يفكر أي من هؤلاء الجنود أن له يدا في موت تبارك ولكن ألم يسأل احدهم نفسه عمن يمنع سيارة الإسعاف من المرور.. ألا يعتبر هذا قاتلا للأطفال.

أكاذيب يهودية

هناك كثير من الأكاذيب التي تروج لها إسرائيل .. ومن ذلك مثلا أنهم يتحدثون علي مدي سنوات عن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ويقولون لماذا لا يحل العرب مشكلة اللاجئين ويقدمون العون لظروفهم البائسة ؟ واستكمالا للأكذوبة يأتي الجواب أنهم يريدون أن يستخدموا هؤلاء اللاجئين في دعاياتهم بشأن معاناة الشعب الفلسطيني !! أن إسرائيل تردد دائما هذا الزعم ضد الدول العربية وتحاول أن تنسي أن جهة الاحتلال طبقا لاتفاقيات جنيف هي المسئولة عن توفير كل ظروف الحياة الإنسانية للمواطنين تحت الاحتلال. أن إسرائيل لم تبادر يوما لتحسين ظروف هؤلاء اللاجئين ولم تقدم لهم أي مساعدة، إذ يحصل اللاجئون علي المساعدة من المنظمات الدولية. والأمر ليس مقصورا علي مخيمات اللاجئين بل أن القرى العربية داخل الخط الأخضر لا تتلقي شيئا من إسرائيل فضلا عن ممارسة كل أشكال التمييز ضد من يسمون عرب إسرائيل.

أنها مسألة حياة أو موت ضد الفساد لابد أن نعري كل أشكال الوحشية التي تكمن وراء كل ذلك.

ومن اجل تحقيق ذلك يتعين علينا أن نخترق جميع الحواجز الذهنية والعاطفية.

رسالة مفتوحة إلي يهود العالم

بعد موجة من الاحتجاجات العارمة من الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة في أعقاب نشر منظمة تنيخون الإسرائيلية إعلانا علي صفحة كاملة بصحيفة نيويورك تيمز يؤيد حركة الرافضين للخدمة من جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.. كتب الضابط عساف أورون هذا الخطاب:

أعزائي يهود أمريكا ويهود العالم..

عرفت بالأمس بأن منظمة يهودية داعمة للسلام تسمي تنيخون نشرت أعلانا يؤيدنا تعبر من خلاله عن دعمها لضباط الاحتياط الإسرائيليين الرافضين للخدمة في الأراضي المحتلة.

وفور النشر أمطرها يهود العالم وخاصة يهود أمريكا بوابل من رسائل الاحتجاج التي تنضح بالكراهية سواء عبر البريد الالكتروني أو الاتصالات الهاتفية.

وما يثير الاهتمام أكثر انه حتى اليهود الذين يعتبرون أنفسهم مؤيدين للسلام أدانوا إعلان تنيخون. لقد استقال بعض أعضاء مجلس إدارة تنيخون لتقليص أي أضرار شخصية قد تلحق بهم بسبب هذه الخطوة.

هذا الأمر أثار لدي الآسي والحزن والغضب إلي حد أنني وجدت نفسي اجلس وحيدا نصف يوم عشية عيد الفصح كي اكتب هذا الخطاب المفتوح.

معظم هذه الهجمات المتحضرة كما فهمت كانت موجهة إلي تفاصيل الإعلان الذي نشرته منظمة تنيخون.

هنا في إسرائيل وخلال الشهرين الماضيين ومنذ أن نشرنا خطابنا المفتوح للشعب الإسرائيلي نعلن فيه رفضنا الخدمة سمعت أيضا كثيرا من الجدل حول أهداف وجوانب حركتنا.


التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


أن المشكلة الرئيسية تكمن في عقلية القبيلة كما أن المشكلة الأكبر في إسرائيل أن الصوت العالي فقط هو الصوت الذي يسمح له أن يكون مسموعا دون الآخرين.. هذا الصوت العالي كان يقول أننا نعيش وسط قبيلتين، الأولي هي قبيلة من البشر الأخيار والأطهار الخالصين وهم بالطبع الإسرائيليون والاخري هي قبيلة ما دون البشر وهم من الأشرار الملاعين الخالصين والمقصود بهم الفلسطينيون.

ولابد لقبيلة واحدة فقط أن تبقي علي قيد الحياة .. وحتى لو لم نكن أخيارا خالصين لابد أن ندع أخلاقنا وضميرنا يغط في نوم عميق.

لابد أن نصمت ونحارب كي نقتل وألا فإن الفلسطينيين سيلقون بنا في البحر.

هل هذا يعني أي صيحة تحذير بالنسبة لكم؟ لقد كان كذلك بالنسبة لي !!!!!! .

حرب إرهاب

في نفس الوقت .. لا أريد أن أكون إرهابيا باسم قبيلتي وهو ما تحاول أن تروجه إلتنا الدعائية باسم الحرب علي الإرهاب أنها حرب إرهاب وليست حربا علي الإرهاب.
ومن أجل الانتقام من أعمال المسلحين الفلسطينيين وظفنا جيش الدفاع للقيام بنوعين من الإرهاب.. النوع الأول وهو الإرهاب الظاهر ويتمثل في أعمال القتل والتدمير والتي يحلو للبعض أن يسميها عمليات جراحية للدفاع عن النفس رغم أنها لا تؤدي إلا إلي مزيد من العنف وإراقة الدماء.

أما الإرهاب الأسوأ وهو غير المرئي فهو المستمر منذ عام 1967 وطوال سنوات عملية اوسلو وحتى اليوم انه إرهاب الاحتلال والإهانة اليومية لشعب محتل وممارسة كل أشكال الحرمان والتجويع والتهميش والاستغلال بل وتشريع أعمال النهب ضده.

هذه هي قاعدة جبل الجليد.

أفكار نازية

وأود أن أشير إلي نقطة بالغة الحساسية في هذه القضية.. وهي مسألة النازية.. هناك قدر كبير جدا من النفاق لدي أولئك الإسرائيليين الذين يغضبون من المقارنة بين سلوك الإسرائيليين وممارسات النازي.

ولا عجب في ذلك فالأحزاب اليمينية التي تؤيد طرد كل الفلسطينيين من البلاد وهي فكرة نازية في جوهرها تمثلنا في الكنيست وتعد جزءا من الخريطة السياسية الشرعية منذ عام 1948 وتظهر أحدث استطلاعات الرأي أن ما بين 35 و45 % من اليهود يؤيدون هذا الحل كما يطلق عليه أحيانا. وعندما خرج جنرال الاحتياط أيفي أيتام من الجيش وشرع في تكوين حركة دينية قومية جديدة نشر ملحقا في صحيفة هاآرتس، كشف فيه عن فكره الذي يتلخص في طرد فلسطينيي الضفة إلي الأردن وطرد أولئك الموجودين في غزة إلي سيناء وقال لماذا يتعين علينا ونحن دولة فقيرة في الموارد حل مشكلة الفلسطينيين.

مثل هذا الفكر يعيد للأذهان ما فعله النازي في الفترة المظلمة من عام 1938 وحتى قيام الحرب العالمية الثانية عندما طرد اليهود من ألمانيا ولكنهم لم يجدوا ملاذا أخر يؤويهم.

وعندما أري جنرال احتياط ونجما سياسيا صاعدا يردد أفكار النازي وينشرها في صحيفة تعتبر من أكثر الصحف الإسرائيلية ليبرالية ولا يجد أي تحفظ أو نقد ممن قابلوه أو من مسئولي الصحيفة يقشعر بدني رعبا.

دعوة للاستيقاظ

يحدوني أمل ضئيل في أن يستيقظ الشعب الإسرائيلي ويوقف هذا التصعيد المجنون في العنف.
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية



ولكن في الحقيقة قرر الإسرائيليون في غمرة خوفهم وارتباكهم الذي يغذيه السياسيون ووسائل الأعلام أن يعودوا للنوم كي يستيقظوا بعد أن ينتهي الأمر.

ولكن في الحقيقة الأمر لم ولن ينتهي علي هذا النحو. وبينما تنام عقولنا نشد بقبضتنا المميتة علي كابوس مزعج. الأمر الوحيد العقلاني هو أن نبدأ في المسير وهذا يتطلب عقولا منفتحة.. فهل تنضمون إلي حشود الغوغاء المزيفة التي تغني لإسرائيل وتهدهدها كي تنام وتقمعون كل من يتجرأ علي إيقاظها.

أم ستتحملون المسئولية وتكونون الأصدقاء الحقيقيين الذين تحتاجهم إسرائيل الآن حتى لو كان ذلك غير مرغوب من جانب بعض الإسرائيليين في الوقت الحالي.

الليلة.. تذكروا أن أكثر من ألف شخص ثلاثة أرباعهم من الفلسطينيين وربعهم من الإسرائيليين الذين كانوا هنا قبل عام وقتلوا الخطاب كتب قبل أكثر من عامين .

كان من الممكن أن يكون غالبيتهم معنا اليوم إذا تحركنا بشكل أسرع. أننا نفعل الآن القليل مما نستطيع القيام به أرجوكم أن تفكروا في عدة آلاف قد يقتلون إذا واصلتم الوقوف مكانكم موقف المتفرج، أرجوكم ساعدونا في النضال من اجل أن نتحرر من الخوف والعنصرية والكراهية وما ينجم عنها من موت وخراب.


تابع في الفصل الثالثة هذه الأحداث

الليفتنانت احتياط جاى جروسمان:
نمارس أبشع أنواع العنصرية في الخليل بسبب مستوطنة واحدة
هدمنا 60 منزلا في رفح وشردنا 112 أسرة ثم كذبنا علي الشعب
جيش الدفاع يطارد الأطفال بالدبابات في الشوارع.. انه عار!
___________________________
• أكاذيب يومية
• وخز الضمير
• ممارسات عنصرية
• زوار الفجر
• نقطة التحول
• تشريع القتل
• هولوكوست أخري
• عصيان مدني













التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


نشأ جروسمان 29 عاما ببلدة رعنانا وهي مدينة راقية بقلب إسرائيل تميزها الفيلات الصغيرة المحاطة بالأشجار وتخرج من جامعة تل أبيب بعد أن حصل علي درجة جامعية في الفلسفة.. ثم خدم كضابط احتياط في سلاح المدفعية. جاءت أمه من استراليا بينما جاء والده من بريطانيا.. لم تكن والدة جروسمان راضية عن قرار ابنها بعصيان الأوامر وتوقيع وثيقة الضباط الرافضين ومع ذلك كانت فخورة بمدي استماتة جروسمان في الدفاع عن موقفه وخاصة إذا كان ذلك يؤدي إلي ضمان حياة أفضل لإسرائيل. وكان شقيقه الأصغر يخدم في سلاح المظلات ويدرك أن الاحتلال شيء كريه ولكنه لا يقبل توقيع وثيقة الرافضين للخدمة في الأراضي الفلسطينية. كان باقي أصدقاء جروسمان ينتمون إلي معسكر اليسار وان كانوا لا يشاطرونه موقفه. كان جروسمان يشارك في مظاهرات حركة السلام الآن منذ الخامسة عشرة من عمره وعندما بلغ السادسة عشرة أمسك بعلبة طلاء وراح يكتب علي جدران مساكن بلدته الاحتلال يعني الفساد .

الفصل الثالث :

الليفتنانت احتياط جاى جروسمان:
نمارس أبشع أنواع العنصرية في الخليل بسبب مستوطنة واحدة
هدمنا 60 منزلا في رفح وشردنا 112 أسرة ثم كذبنا علي الشعب
جيش الدفاع يطارد الأطفال بالدبابات في الشوارع.. انه عار!.

في الثامنة عشرة من عمره انضم جروسمان إلي وحدة قتالية ولم ير أي تناقض بين الموقفين.. وحتى وهو ضابط كان يعطي صوته لحركة ميريتس الداعية للانسحاب من الأراضي المحتلة.. وهو ما يعني انه كان يصوت للانسحاب من الأراضي.

ولكن في التسعينات انضمت حركة ميريتس إلي حزب العمل وقبلت بتوسيع المستوطنات بعد توقيع اتفاقيات اوسلو. وكانت مبررات قادة الحركة أن العمل علي انتهاء الاحتلال يبرر القيام بمثل هذه الممارسات علي المدى القصير.. وهنا أدرك جروسمان انه كان يعطي صوته لاستمرار الاحتلال وليس العكس.


أكاذيب يومية


أما النقطة الفاصلة في حياة جروسمان فقد كانت اكتشافه تكرار الكذب من جانب المتحدث باسم الجيش في البيانات الرسمية كي يبدو الجيش في صورة إنسانية أكثر.

وفي هذه المساحة يكشف جروسمان ممارسات الاحتلال وكيف كانت ممارسته اليومية الروتينية تعذيب السكان المدنيين في الأراضي المحتلة.

يقول جروسمان.. خدمت في وحدة أساسية لمدة أربع سنوات .. وعندما يناديني أحد بلقب ليفتنانت جروسمان أشعر بذاتي وكنت لا أشعر بفرق بين كوني جنديا يخدم في وحدة من وحدات النخبة تحمي الوطن وبين بناء هويتي الشخصية.. ورغم أنني انتقد اليوم وجودنا في الأراضي إلا أنني لم يخالجني شعور بالذنب لكوني جنديا آنذاك.

أعطيت الدولة ثقة كبيرة .. ولكن عندما خرجت من الجيش وأصبحت مدنيا من جديد بدأت انظر من زوايا مختلفة وبدأ التحول بداخلي عندما ذهبت للخارج .. لقد خرجت من الخدمة عام 1994 وذهبت فورا في جولة تشمل دول أمريكا الوسطي والجنوبية وهنا بدأت أري الأمور من الخارج.


وخز الضمير
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


عندما كنت في الجيش كنت أشعر بشيء من وخز الضمير ولكني كنت أواصل الخدمة في الجيش .. أري أن الضمير مسألة نسبية وحالة مرنة أي أن رد الفعل يكون مؤقتا ووقفا علي الظروف المحيطة.

وعندما بدأت عملية السلام قررت انه من الضروري أن أكون هناك كي ادفع هذه العملية قدما.. في عام 1995 لم أكن اعرف أشياء عرفتها اليوم.. اعتقدت بسذاجة أن اسحق رابيين وياسر عرفات درسا الموقف بكاملة وقررا اتخاذ قرارات صعبة ولكنهما غير قادرين علي إبلاغنا بكل التفاصيل بعد، وإنهم يعملان علي تهيئة العقول والمشاعر لدي الشعبين أولا.. وعندما قالوا غزة أريحا أولا قلت أنها بداية سيليها خطوات.. فالجميع كانوا مقتنعين باوسلو.. أليس كذلك؟!


ممارسات عنصرية


وطوال خدمتي العسكرية لم يكن الرفض وعصيان الأوامر خيارا مطروحا أمامي .. ولم يكن جزءا من المناقشات الحامية التي أجريها مع أصدقائي .. كنت مسئولا عن قطاع في مدينة الخليل بعد مذبحة باروخ جولدشتاين ضد المصلين المسلمين بقليل .. كان الأمر هناك مثل سأدوم وعامورا ولكني لم أفكر في أن أقول يكفي هذا .. وأنا وجنودي نرفض أن نذهب إلي هناك لابد أن تدرك أن العنصرية في الخليل أسوأ من أي مكان أخر في المدن الفلسطينية لوجود مستوطنة يهودية في قلبها .. هل تصدق أن العرب محظور عليهم السير في شوارع معينة بالمدينة؟! وان هناك ساعات معينة ترفع فيها القيود كي يسمح للعرب بالمرور في شوارع أخري؟! أن التفرقة العنصرية في هذه المدينة ظاهرة بشكل فاضح.

وبعد المذبحة كانت المدينة تلعق جراحها وكان العرب يتحينون الفرصة للانتقام لقتلاهم .. كان هذا قبل أقامة السلطة الفلسطينية وقبل أن يكون هناك سلاح في الأراضي. لقد جاءوا ألينا بكل ما وصلت إليه أيديهم من سكاكين ومناجل وغيرها.. وذات مرة كنت أقف مع جندي وجري نحونا رجل والقي علي الجندي زجاجة بها مادة حارقة وبدأ في طعنه.. لذا أطلقنا عليه النار وقتلناه.. مثل هذه الحالات تحدث طوال الوقت..

كان الغضب عارما وكانت المظاهرات عنيفة. كان لابد أن نطلق عليهم النار وقد أصبنا منهم الكثير.. وقد تسألني كيف لهؤلاء الفلسطينيين أن يعيشوا وسط كل هذه الأهوال.. وأنا حقيقة لا اعرف.. أنت تقف هناك في الشارع ولا تعرف ماذا يحدث في الجانب الآخر منه أو كيف يعيش الفلسطينيون حياتهم اليومية. الناس لا يعرفون حقيقة ما يحدث هناك.

كان أطلاق النار روتينا يوميا حتى أننا كنا نطلق النار علي منشآت الفلسطينيين ولا نفكر مرتين في الأموال التي اقتطعها هذا الفلسطيني من راتبه كي يقيم هذه المنشأة أو تلك.

كان الجنود لا يعرفون أن ما يحدث في هذه المدينة الخليل هو أسوأ أنواع العنصرية.

فالمستوطنين تخصص لهم طرق واسعة للمرور في حين يتم حشر الفلسطينيون في حارات ضيقة للمرور خمس ساعات فقط يوميا.

وهناك سبب آخر يجعل الناس لا يفكرون فيما يحدث وهو تلك الآلة الدعائية الإسرائيلية التي تعمل علي مدار الساعة.


زوار الفجر



التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


وعندما تسمع بعض الأخبار عن عملية تفتيش لمنازل الفلسطينيين فأنت لا تعرف ماذا يحدث في هذه العمليات. أن تفتيش منزل يعني اقتحامه فجرا وسحب الأطفال نائمين من علي أسرتهم وحشر أفراد الأسرة في ركن ضيق من المنزل ووضع فوهة البندقية علي رأس رب الأسرة.

ذات مرة كنت أشارك في عملية تفتيش وطبقنا نفس الطريقة التقليدية وعندما صرخت طفلة وتبولت علي نفسها بكت الأم أيضا ولكن أحد الجنود هددها ببندقيته طالبا منها إسكات ابنتها حتى لا توقظ الجيران قبل أن يأتي دورهم في حملة التفتيش. خدمت ست سنوات في الاحتياط وكنت ابرر استمراري بأنني إذا لم أقم أنا بذلك فإن جنديا آخر أقل حساسية ورأفة بالأطفال سيقوم بها .. بمعني إذا كنت خارجا مع الجنود لهدم منزل فإنني سأنتظر حتى تأخذ الطفلة دميتها قبل أن نهدمه وهو ما قد لا يفعله جندي آخر.. كنت أبالغ في مدي قدرتي علي التأثير في ممارسات جيش الاحتلال وبعدها أدركت أن ما أفعله ليس له أي معني .. انه يشبه مبدأ إذا لم أسرق أنا فسيأتي صديقي ويسرق هذا الشيء لي انه تشويه للواقع.. أننا لا نعمل في مصنع.. أننا نتحدث عن جرائم ترتكب.

قبل عامين ونصف العام دار نقاش مع قائد الكتيبة التي اخدم بها أبلغته بأني أريد أن أظل اخدم في الكتيبة ولكن ليس في الأراضي الفلسطينية.. وبعد شهر استدعاني القائد وابلغني بنقلي من الكتيبة نهائيا أدركت أن الأمور ليست بالبساطة التي كنت اظنها.. لقد فضل القائد أبعادي عن أن ارفض أمرا أمام جنودي.. وبعد شهر التحقت للعمل بالجبهة الداخلية وشعرت آنذاك بالأسى إذ انتقلت من وحدات النخبة إلي الصفوف الخلفية. وفي عملي الجديد كانت فرص إعلاني الرفض التام للخدمة معدومة.


نقطة التحول


وقد تسألني عند أي نقطة أصبح قراري برفض الخدمة واضحا إمامي. وأقول.. دعنا نفرق بين الرفض بناء علي تجربة شخصية لعدة سنوات وتوقيع خطاب حركة الرافضين في الجيش وتحويل الرفض إلي موقف سياسي.. ولكن كان اليوم الفارق في حياتي هو يوم العاشر من يناير ..2002 في هذا اليوم هدد جيش الاحتلال 60 منزلا في رفح بجنوب قطاع غزة.. ثم خرج المتحدث باسم جيش الدفاع ليعلن بكل براءة أن هذه المنازل كانت خالية أصلا من السكان.. وهذا كذب خالص.. فقد أعلنت منظمات إسرائيلية وفلسطينية معنية بحقوق الإنسان أن عملية الهدم شردت 112 أسرة في لحظات وألقت بهم في جو جليدي وشتاء قارص البرودة. في هذا اليوم اتصلت بصديقي الضابط يانيف ايزكوفيتز كي اسأله عما يجب علينا أن نفعل.. في هذه المرحلة لم أكن أفكر في أن يكون خطاب الرفض دعوة مفتوحة للانسحاب من الأراضي.. كان خطابا يوضح أسباب رفضنا العمل في الأراضي.

أن الدولة ليست كيانا نخدمه بكل السبل سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة.. الدولة آلية يفترض أنها هي التي تخدمنا.. لا يمكن لأحد أن ينكر علي الفلسطينيين آمالهم المشروعة. أنا شخصيا أفضل أقامة دولة تضم كل المواطنين المقيمين علي ترابها في المستقبل. ومادام الاحتلال باقيا فلا يمكننا الحديث كلمة واحدة عن المساواة. هل تحدث احد من حكومتنا عن المساواة أو عن انهيار النظام التعليمي؟ أن الجزء الأساسي والأكبر من ميزانية الدولة يذهب للأمن والمستوطنات. عندما سمعت وزير المالية يستحدث عن تخصيص مزيد من الأموال للأراضي قلت ليساعدنا الرب .

فالاقتصاد في أزمة ونسبة البطالة 11 في المائة في الوقت الذي يتحدث فيه السيد الوزير عن تخصيص أموال جديدة للطرق الالتفافية والمجتمعات التي تحرسها المدرعات. أن دعوتنا للتوقف عن قمع شعب آخر هي معركة من أجل هوية الدولة.

أن دولة تهتم بالأسس الأخلاقية في تعاملاتها هي اقوي بكثير من دولة تنشر دباباتها لمطاردة أطفال الحجارة.

التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


تشريع القتل


وقد يقول أحد أنني اخترت طريقا يراه البعض مخزيا وهو رفض الخدمة في جيش الدفاع ولكني أقول أن ما كنت أقوم به في المخيمات الفلسطينية في السابق هو الذي يثير الإحساس بالخجل.

ذات مرة كنا نقوم بحملة في مخيم واندفع تجاهنا رجل ممسكا بحجر فقتلناه .. نعم.. كان أمر دخول المخيم مشروعا و كان أطلاق النار عليه حسب قوانين الجيش أيضا مشروعا.. فقد كان يقف علي بعد عشرة أمتار عن اقرب جندي من قوتنا ويمسك حجرا في يده.

عندما يقتل شخص في الأراضي الفلسطينية يجري تحقيق قد يستمر عشر دقائق من الاستجواب ثم ينتهي بالتأكيد علي أن الجندي كان في حالة دفاع عن النفس.. وهكذا فان كل شيء كان مشروعا ولكن في النهاية قتل شخص.. وكنت اسأل نفسي كيف حدث ذلك ولماذا قتلته؟ بل لماذا أنا اخدم هناك أصلا؟ أنني هناك حسب قوانين الجيش بشكل مشروع وهكذا فإن قتلي لهذا الرجل أيضا تم بشكل مشروع!! ولكن حقيقة أن الرجل مات تضغط علي ضميري.. اليوم أدرك أنني ما كان يجب أن أكون هناك من البداية.. أي شخص يري أحدا يتقدم لهدم بيته سيمسك بحجر ليدافع به عن نفسه وعن بيته.. ومع بالغ أسفي تجاه الرجل الذي قتلته فاني قررت إلا افعل ذلك مرة أخري.

ورغم ما يقوله لنا السياسيون والجنرالات فان هذه الحرب ليست خيارا محتوما وانه يجب إلا نكون هناك.. اليوم إنا انظر إلي نفسي في المرآة وأقول من أنا.. وكيف كنت أفعل ذلك؟ ولماذا كنت هناك ولماذا لم أفكر.. لم أكن حديث السن فقد كنت أدلي بصوتي في الانتخابات..


هولوكوست أخري


أن القسوة التي يعامل بها جنود الجيش الفلسطينيين جعلتني أفهم ما حدث في محرقة النازي الهولوكوست وبالطبع أنا لا أقارن بين حملات الإبادة الجماعية التي كان ينفذها النازي ضد اليهود وبين ممارسات جيش الاحتلال.. ولكن أساس هذا السلوك واحد.. وأريد من الناس أن تجري دائما هذه المقارنة.. لأني أدرك إلي أي مدي يقوم البعض بنوع من المواءمة النفسية حتى يستمر في الخدمة بجيش الدفاع.

كما أن الشعب الإسرائيلي نفسه يقوم بهذه المواءمة حتى يتجنب رؤية ما يحدث هناك علي الجانب الآخر.. هذا ما كان يحدث بالضبط في ألمانيا.. كان الألمان يريدون تجنب روية ما يحدث في معسكرات الاعتقال النازية في بولندا.. وكانوا يذهبون إلي العمل كل صباح ويعودون إلي منازلهم ليلا دون أن يلتفتوا وراءهم.

وفي ضوء ما يحدث في إسرائيل حاليا أستطيع أن افهم اليوم مشاعر الألمان آنذاك وحتى مشاعر جنود الجيش النازي الفيرماخت ومن اجل وقف هذه الموائم لمات النفسية لتبرير ممارسات الاحتلال فان الأمر يتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة والنضج والإدراك.

أكذب عليك أن قلت لك أني كنت اشعر بالخجل وأنا جندي ولكن عندما يستيقظ الضمير تكون في حاجة إلي قدر من الشجاعة للتخلص من الأساطير التي تربيت عليها. بالطبع لا يمكنك التخلص منها نهائيا مرة واحدة. الأمر يستغرق سنوات.


عصيان مدني


التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


أصعب شيء بالنسبة لي هو أصدقائي رفاق السلاح.. إذا كنت تخدم في وحدة مقاتلة فأنت تعرف مدي قوة الصداقة بين أفرادها. والجيش يعتمد علي هذا الشعور ويدعمه.. لدي كثير من الأصدقاء الذين لم يعودوا يكلموني.. وبالنسبة لمن يكلمونني فالعلاقة معهم متوترة.

أنهم يعلمون أنني لن اكسب شيئا من رفضي الخدمة بل علي العكس هم يعرفون أن ذلك مدمر لأسرتي ومستقبلي. أنهم يعرفون أني أحب الدولة ولكن البعض يعتبرني سرطانا في جسد السياسة.. لست سعيدا بالاضطراب لرفض الخدمة في الجيش ولكن البديل أسوأ بكثير.. أدركت مع مرور الأيام إلي أي مدي كانت صعوبة تلك الخطوة التي اتخذناها بالرفض في دولة عسكرية الطابع تخوض حروبا لا تبدو لها نهاية.

في البداية كنا نعتقد أن لدنيا شعورا جماعيا بأننا إذا تحركنا جيدا فإننا قد نغري الرأي العام بالوقوف في صفنا. كان لدي حماس المناضل تشي جيفارا. اعتقدت أن بامكاني تحريك الجبال من مكانها.. ولكني أدركت أن التغيير يحتاج مزيدا من الوقت. أنني أري الآن أن رفضنا لا قيمة له ما لم يؤد إلي إنهاء الاحتلال.. ومن اجل الوصول إلي هذا الهدف فإننا في حاجة إلي نوع من العصيان المدني علي طريقة مارين لوثر كنج ومالكو لم اكس وغاندي.. لقد عاني هؤلاء كثيرا في البداية وتعثروا بل أن بعضهم قتل رميا بالرصاص.

وبكل تواضع أننا نقدم للشعب الإسرائيلي تجارب هؤلاء.. لندرك إلي أي مدي سيفلح تحركنا ولكن علينا إلا نتوقف عن العمل. فإذا توقفنا عن العمل فإننا نخلي الساحة للفريق الآخر.. سنظل نعمل علي هذا الطريق ماحيينا سنظل نقاوم حتى تنسحب أخر دبابة من جيش الدفاع من الأراضي الفلسطينية.


أقرء معنا في الفصل الرابعة اعترافات
الليفتنانت احتياط يانيف ايزكوفيتز:

جيش الدفاع يرتكب أبشع الجرائم باسم الأمن
أطالب بمعاقبة كل المتورطين في مغامرة غزو لبنان

• نكتة سخيفة
• مشاهد مروعة
• كيف تقتل طفلا
• جريمة بدون عقاب
• سياسة طحن العظام
• جريمة باراك
• جرائم جيش الدفاع














التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


الفصل الرابع :
الليفتنانت احتياط يانيف ايزكوفيتز:
جيش الدفاع يرتكب أبشع الجرائم باسم الأمن
أطالب بمعاقبة كل المتورطين في مغامرة غزو لبنان


ولد يانيف لأبوين من رومانيا هاجر إلي إسرائيل في الستينات ونشأ في حي راق بضاحية ريشون ليتسيون التجارية بتل أبيب.. وكان يانيف أحد من صاغوا وثيقة الرفض التي هزت المجتمع الإسرائيلي.

وبعد تسعة أعوام في الجيش اختار يانيف عصيان الأوامر بالخدمة في الأراضي المحتلة.
وعندما بدأ يانيف في رواية فظائع جيش الاحتلال كان كثيرا ما يسند رأسه بيديه ويتحدث ببطء شديد وكأنه يتحدث لنفسه أولا قبل أن ينقل تفاصيل تلك الفظائع للعالم.

ويقول يانيف أن كثيرا من الجنود في الجيش الإسرائيلي يشاركون في أعمال القمع وترويع الفلسطينيين ويشعرون في قرار أنفسهم بالألم لما يرتكبونه من جرائم ضد بشر كل ذنبهم أنهم يرزحون تحت وبقة الاحتلال ولكنهم لا يستطيعون التردد لحظة واحدة في تنفيذ الأوامر علي اعتبار أن تلك الأوامر غير قابلة للجدل أو النقاش.. ومما يزيد من إحساسهم بالمسئولية أنهم يتعلمون منذ اليوم الأول في الخدمة العسكرية أنهم يؤدون مهمة مقدسة من اجل مجتمعهم وأسرتهم وأولادهم.. وفي ظل هذا الالتزام يشعرون بأن ما يقومون به هو قدرهم وأوامر السلطة العليا.. أنهم مدفوعون بإحساس الأخوة الذي يربطهم بأصدقائهم وأقرانهم الذي يعتقدون أنهم يشاركونهم أخوة الدم..ووسط كل هذه الاعتبارات يبدو الحديث عن حقوق الفلسطينيين أمرا نظريا وبعيدا عن دائرة الاهتمام.. ولكن هناك من تغلب عليه مشاعر الإنسان ليقف رافضا السير علي طريق الأجرام حتى النهاية.. ومن بين هؤلاء يانيف ايزكوفيتز فماذا يقول؟


نكتة سخيفة


يقول يانيف: لا يمكن أن تكون أخلاقيا في غزة. انه أمر لا يتفق مع العقل والمنطق السليم.. فهل تستطيع أن تقوم بمهمة كيسوفيم ويقصد بها تدمير البنية الأساسية في منطقة محاصرة علي أنغام الموسيقي وأنت تبتسم؟! هل تستطيع أن تمنح الفلسطيني الحلوى وتتمني له صباحا سعيدا بعد أن ينتظر لساعات عند نقطة تفتيش كي تسمح له بالعبور إلي عمله؟! وقد يقول البعض أننا يمكن أن نحسن المعاملة عند حواجز الطرق ونقدم لهم القهوة والفطائر بدلا من أن نرفض تنفيذ الأوامر بالكامل.. أية نكتة سخيفة هذه؟.

ولكن ما يقلقني أكثر هو أولئك الناس الذين يرون أن ما يحدث عند حواجز الطرق من إذلال للفلسطينيين أنما هو أمر شائن ثم يقولون أن كل ذلك من اجل الأمن.. وهكذا يصبح كل شيء مباحا باسم الأمن.

وقد يقول البعض انه ليس هناك ادني شك في أن الفلسطينيين يعانون كثيرا ولكن ماذا يمكن أن نفعل تجاههم مع الأخذ في الاعتبار التفجيرات الانتحارية؟ أن من يردد مثل هذا القول أنما يتجاهل أثار 35 عاما من الاحتلال الذي دفع الفلسطينيين إلي مستنقع اليأس والإحباط.

لم انشأ في بيت يساري فوالدي واحد من صقور إسرائيل.. لقد خدم ضابطا في الجيش عدة سنوات، وان كانت والدتي تميل قليلا لمعسكر اليسار.. وقد شجعاني علي الانضمام للجيش.. كما أن أختي الكبرى خدمت في واحدة من أبرز الوحدات المقاتلة في الجيش.. وهكذا قررت الانضمام إلي أكثر وحدات الجيش تميزا ولو علي سبيل البرستيج .

وبدا الأمر بالنسبة لي وكأني اختار أفضل سيارة من معرض للسيارات الفاخرة.

التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


منذ سنوات الصبا كانت ميولي عسكرية تماما وكنت اقرأ مجلة القوات الجوية ومجلة في المعسكر التي يصدرها جيش الدفاع.. حتى لعب الأطفال التي كنت اشتريها كانت عبارة عن جنود من البلاستيك وغير ذلك من المعدات العسكرية.. ومع ذلك فإنني كنت هاويا للموسيقي وأجيد العزف علي الجيتار.. وعندما حان وقت الانضمام للجيش فكرت في الانضمام إلي فرقة للموسيقات العسكرية ولكن في النهاية قررت الانضمام إلي وحدة مقاتلة وقلت لنفسي أنها فرصتي الوحيدة لخدمة الوطن.

كان طموحي الوحيد هوان أكون ضابطا وكانت فترة التدريب العسكري الأولي بالنسبة لي حياة جديدة حتى أنني عندما كنت أعود إلي بيت الأسرة في فترة الأجازات وأري المدنيين كنت اعتقد أنهم لا يفهمون أي شيء! وبدأت أشعر بالتفوق والتميز علي هؤلاء البعيدين عن الجيش وهو أحساس يشعر به تقريبا غالبية العسكريين في جيش الدفاع.. وأنا آسف أن أقول ذلك.


مشاهد مروعة


وبعد ثمانية اشهر كلفت وحدتنا بمهمة في قلقيلية وجنين بالضفة الغربية.

أتذكر ذات مرة كنت في دورية في عربة جيب عسكرية ببلدة قبطيا في ذروة عملية السلام وكانت هذه أول مرة أواجه فيها السكان الفلسطينيين. شاهدت أطفالا فلسطينيين يسبحون في بحر من النفايات بحثا عن طعام.

كان قائدي يمنعنا من أن نلقي لهم بقايا طعامنا. عصيت هذا الأمر. وألقيت كل ما معنا من وجبات زائدة إلي هؤلاء الأطفال. كانت هذه أول مرة اعصي فيها الأوامر العسكرية.

كنت مصدوما لتلك المشاهد المروعة.. أطفال فلسطينيون يتضورون جوعا يفتشون أكوامي النفايات بحثا عن طعام!! إذا شاهد شخص ما طفلا يهوديا يفعل ذلك في تل أبيب فإن الدولة كلها ستقف علي أطراف أصابعها.

الشيء الثاني الذي أتذكره عندما كنا نقوم بحملات مداهمة وتفتيش لحساب الأمن العام المعروف باسم الشباك .. لم يكن لدينا فكرة عما نفعله وما المغزى منه.

كانوا يقولون لنا خذ هذه الخريطة.. هذا هو المنزل.. اذهب هناك مهمتك أن تدخل المنزل مع قائدك وتفتشه .. في هذا الوقت كنت قد أمضيت فقط ثمانية اشهر في الجيش ولم أكن أعرف ما نفتش عنه.. قالوا لنا أنها أسلحة .. ولكن كانت مهامنا تتم في مناخ مغلف بالضباب لا تعرف فيه ماذا تفعل.. ذات مرة دخلنا بيتا فلسطينيا. كان أفراد الأسرة كلهم نياما في غرفة النوم.. فتحت الأم الباب.. لم نقتحم المنزل بعنف.. فتشت المنزل وفتحت خزائن الملابس.. جال بخاطري كل أفلام الأكشن الهوليودية التي شاهدتها.. خيل إلي أن واحدا سوف يقفز في وجهي من أحد هذه الخزائن.. وفجأة انطفأ نور الكشاف الذي استخدمه في التفتيش.

أعطتني المرآة لمبة صغيرة لأكمل مهمتي.. تذكرت أن ذلك لا يتفق مع أحداث السيناريو في أفلام هوليوود.. ولكن لم أدرك بعد أن أقوم به لا يتفق أبدا مع ابسط حقوق الإنسان أن تدخل غرفة نوم أطفال لتفتيشها في منتصف الليل!


كيف تقتل طفلا


الحادث الثالث هو الأسوأ. سقط حجر علي عربة جيب وأصيب جندي كان بداخلها.. دربوني علي كيفية ضرب الأطفال والصبية من رماة الحجارة دون شعور بالذنب وكان شعارهم أي شخص يتقدم نحونا يريد قتلنا ولابد

التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


أن نبادر بقتله .. اعتقلنا الطفل الذي القي الحجر واستمر الجنود في ضربه بكعوب البنادق في وحشية لم أر لها مثيلا ونقل الطفل إلي المستشفي في حالة حرجة مصابا بكسور في جميع أنحاء جسمه.

لقد أصبح الجيش هو الجهاز التنفيذي والتشريعي والقضائي في الدولة.

لم يعتقل الجنود الطفل فقط بل قرروا نوع العقوبة التي يجب أن توقع عليه ونفذوها في الحال! ولكن ما أثار ضيقي الشديد تلك التحقيقات الصورية التي جرت بعد الحادث والتي أثبتت أن الجنود استخدموا قوة معقولة ومناسبة للتعامل مع الطفل.

لقد عرفت فيما بعد أن هناك عملية تستر مروعة علي تفاصيل ما حدث.. ليس هناك فهم لقواعد استخدام القوة في الجيش أو القانون أو حقوق الإنسان.. أنني افهم أن تعتقل طفلا كان يحاول أن يهاجمك كما أفهم أن تكبل يديه ولكن إلي هنا تنتهي مهمة الجندي.. وتبدأ مهمة الحكمة أو القضاء ليوقع عليه الجزاء المناسب لجريمته.

وقد يسألني احد: كيف واصلت العمل مع الجيش في ظل هذه الظروف؟ وأقول.. أنني سأحكي الحقيقة كاملة.. لم أفكر أبدا فيما افعله أو لماذا أو في أي سياق يتم هذا.

عندما كنت اشعر بالضيق مما أراه كنت افرغ مشاعري في قصيدة شعرية أو في مشادة مع خطيبتي .. كنت أتمزق داخليا ولكن بدوافع إنسانية .. إذ لم يكن هناك أي تساؤل بشأن أخلاقيات احتلالنا للضفة الغربية .. لقد تعلمنا أن حرب 1967 بدأت بعدوان ضدنا.. فماذا نفعل إذا بدأ أحد علينا الحرب وحاول قتلنا؟ لم أشعر أبدا أن الفلسطينيين شعب له هوية تستحق أدني اعتبار.

العنصر الآخر الذي عزز الدوافع العسكرية داخلي كان رحلة مدرسية إلي بولندا.

في بولندا شعرت بالإهانة التي يلقاها اليهود وقلت لن يحدث ذلك مرة أخري . نحتاج إلي جيش قوي.

وان كنت أدركت بعد ذلك أن ما شعرت به كان مقصودا لذات وهو السبب الذي من اجله ينظمون مثل هذه الزيارات. كان لدي شعور دائم بأنه إذا لم تكن هناك دولة يهودية فإنني ما كنت موجودا علي قيد الحياة.

فضلا عن ذلك فإن الحفاظ علي بقاء الشعب اليهودي ليس مسألة قابلة للنقاش ولا تخضع لاعتبارات أخلاقية أيا كانت.. لم نقرر أن نكون محتلين ولكن فعلنا ذلك دفاعا عن النفس.. وشعرت أن استيطاننا لهذه الأرض أمر مشروع.. باختصار كل ما تفعله الدولة هو تصرف أخلاقي ومبرر وضروري علي ضوء ما حدث لليهود في محارق النازي.

كانت هذه هي الأفكار التي تشربنها منذ نعومة أظافري ليس فقط في البيت ولكن في المدرسة ودروس التاريخ ووسائل الأعلام وكل ما كان يحيط بي وكل من كان حولي .


جريمة بدون عقاب


ولكن اعتقادي في كل هذه الأشياء بدأ يتآكل قبل قليل من الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان.. فعلي مدي ثلاث سنوات كانت مهمتي مع الوحدة التي أخدم بها حماية القرى والبلدات الإسرائيلية عند الحدود الشمالية.. كل ما كنت أعرفه هو أن حزب الله جماعة من الإرهابيين وان علينا قتل الإرهابيين.. ولكني لم اسأل نفسي أبدا لماذا نحن موجودون هنا في الشريط المحتل بجنوب لبنان.. في البداية كنت غاضبا جدا من حركة .


التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


الأمهات الأربع التي تدعو لانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان.. لأني كضابط خسر عددا من جنوده لم أكن علي استعداد للتسليم بأننا هناك دون سبب.

وكل ما تعلمته منذ اليوم الأول للانضمام للجيش هو أن هدفي الأساسي قتل الإرهابيين.. في لبنان. اكبر عمل بطولي يحظى بالتمجيد في جيش الدفاع هو أن تقدم جثة شخص علي انه إرهابي.. فهذا هو السبب الذي من اجله نشأت وهو السبب الذي من أجله وضعت علي رأسي هذا البرية!.

كانوا يخيفوننا دائما من حزب الله.. كانوا دائما يقولون لنا ذا إذا انسحبنا من لبنان فإن حزب الله سيدخل القدس.. وهو نفس الكلام الذي يرددونه علي أسماعنا اليوم قائلين إذا تركنا الأراضي الفلسطينية فإن الفلسطينيين سيحتلون تل أبيب!! كل هذه المزاعم كانت تعتمد علي إثارة نوازع الخوف بين الجنود وكانوا دائما يقدمون حزب الله لنا علي أنهم مسلمون متطرفون همهم الأول والأخير هو إبادة الشعب اليهودي.

وعندما كنت في أجازة بدأت أقرأ عن تاريخ حزب الله فلم أجد ما يؤكد أنهم يريدون احتلال القدس أو حتى كريات شمونة الملاصقة للحدود مع لبنان والتي عانت كثيرا من صواريخ الكاتيوشا التي يطلقها مقاتلو الحزب انتقاما من الغارات الإسرائيلية علي القرى اللبنانية. وعندما بدأ الجنود يتساقطون في جنوب لبنان ولم أجد هدفا للبقاء هناك تحول كل شيء في رأسي وتطوعت في حركة الأمهات الأربع وبدأت ألقي المحاضرات عن ضرورة الانسحاب من لبنان.. وبعد الانسحاب أدركت أن كل الدماء التي سالت في لبنان بسبب مغامرة الغزو ضاعت هباء دون أي هدف.. أنني أؤكد اليوم أن ما حدث في لبنان جريمة لم يعاقب عليها احد.. ومن بين أهدافنا في حركة الضباط الرافضين ضرورة تقديم كل من ساهموا فيها للمحاكمة.


سياسة طحن العظام


ومع ذلك واصلت الخدمة في الجيش.. وعندما بدأت سياسة طحن عظام الفلسطينيين في الانتفاضة الأولي بدا الأمر بالنسبة لي مشروعا تماما.. ولكن مع توقيع اتفاقيات اوسلو أدركت أن العرب لديهم قضية يحاربون من اجلها وعندما بدأت عملية اوسلو قلت أن هذا شيء ممتاز سيكون لهم دولة ونعيش نحن في سلام وأمن.

بالنسبة لي يعتبر رابيين إسرائيليا حقيقيا ليس لأنه انحاز إلي معسكر السلام بل لأنه أدرك انك لا تستطيع هزيمة شعب يريد الحرية وانه يتعين علينا الوصول إلي حل وسط.

لقد أدركت مؤخرا انه إذا سارت الأمور بشكل جيد بالنسبة لهم فإنها ستكون كذلك بالنسبة لنا أيضا.

دعني أقول لك أن التحول الحقيقي في فكري بدأ عندما بدأت اقرأ تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ومعظم هذه الدراسات كانت في جامعة اوكسفورد.

درست هذه لمدة عامين وكانت المرة الأولي التي التقي فيها مع فلسطينيين وعرب.

لم أقم معهم أي صداقات بل علي العكس كانت بيننا مجادلات عنيفة ولكني سمعتهم.

عندما تستمع إلي رواية مختلفة تماما للقصة تدرك أن لديك منظورا خاصا كيهودي مثلما لديه منظوره الخاص كفلسطيني. ومع ذلك كان لهذه المجادلات اثر عميق في نفسي وأدركت أن الصورة التي نتعلمها منذ الصغر عن العرب هي صورة مصنوعة لا علاقة لها بالواقع.

تربينا ونحن أطفال علي انه عندما تقابل عربيا فلابد أن تتجنبه بأي ثمن. كان هناك عرب يقومون ببعض الخدمات في منزلنا وكانت والدتي تخشي علينا من مقابلتهم أينما كانوا.
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية



باختصار تعلمنا في التاريخ أن تعريف العربي هو من يريد قتلك .

استغرق الأمر بعض الوقت لاكتشف أن العرب أناس لهم تاريخ. لقد لمست ذلك في اوكسفورد ليس فقط بشكل أكاديمي ولكن علي مستوي أنساني أيضا.. عندما تقرأ كتابا لادوارد سعيد علي سبيل المثال وهو فلسطيني تكتشف أن العرب ليسوا فقط آدميين بل وبمكانهم أن يكونوا مفكرين ومبدعين أيضا.

كان هذا تحولا كاملا في ضميري وفي عقدتي.

ليس هناك شيء أصعب ولا أقسي من أن تخرج عن الصف أو أن ترتد علي ما زرعوه بداخلك من أفكار منذ يوم ميلادك.. أن الأمر يتطلب جهدا نفسيا وذهنيا خارقا كي تستطيع الخروج من هذه الدوائر المظلمة.. انظر إلي الأمريكيين أنهم لا يختلفون عنا في النظر إلي العرب بدءا من أفلام هوليوود وانتهاء بما تفعله القوات الأمريكية حاليا في أفغانستان والعراق.

وحتى اليهود الشرقيين السفر ديم يشعرون بأنهم يهود من الدرجة الثانية في إسرائيل وفي المقابل فإن اليهود الغربيين الاشكيناز يخدمون في وحدات النخبة بجيش الدفاع.

إذا لم تكن ابيض البشرة وإذا كنت تستمع لأغاني أم كلثوم فإنك تشبه العرب أكثر من أن تكون إسرائيليا.


جريمة باراك


لقد ارتكب باراك جريمة تاريخية عندما صور عرفات علي انه شيطان بعد فشل كامب ديفيد.. انه خطأ باراك أكثر مما هو خطأ عرفات. واخطر ما فعله باراك انه خلق شعورا عاما لدي الإسرائيليين بأن حل المشكلة الفلسطينية مستحيل وأن عرفات يكذب وهو ما ساعد اليمين علي ترويج مزاعمه بضرورة عدم التسامح تجاه الأراضي.


جرائم جيش الدفاع


وكثير من الناس يسألوننا لماذا هذه الحركة الآن.. أن ذلك يضر بأمن الدولة .. وأقول لهم بعد أن ينتهي كل شيء سوف يسأل الكثيرون لماذا فعلنا ما فعلناه في الأراضي الفلسطينية.. فما يحدث أولا وأخيرا هو عدوان سيظل أثره علي مدي أجيال قادمة.. وحتى الآن لا يمكننا أن نقدر مدي بشاعة ما يحدث.. عندما يكتب الفلسطينيون تاريخ الانتفاضة الأولي والثانية فإن ما فعله جيش الدفاع سينكشف وسيكون أمرا مروعا.

وفي النهاية أقول: نحن من جيش الدفاع ولكننا قررنا الخروج علي الاجتماع ليس بدافع الخوف أو لأننا تعرضنا لغسيل مخ.. ولكن لأننا تسببنا في ظلم مروع لشعب كامل.

خرجنا علي الصف لأننا لا نملك أي خيار أخر.

علينا التزام أخلاقي كي نرفض. انه دور تاريخي علينا أن نقوم به.

انه البديل الوحيد لما يحدث هناك من فظائع. هل يمكن أن تتصوران كل ما تقوم به عندما تخدم في الأراضي الفلسطينية هو مراقبة الفلسطينيين لمنعهم من عبور الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش مقابل ضمان حرية التنقل لليهود!!
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


انك بهذه الطريقة تطبق سياسات عنصرية محضة وبشكل فاضح.. فإلي متي؟!

تابعو في الفصل الخامسة هذه الأحداث .

الميجور احتياط رامي قبلان .
____________________________
دولتنا تقوم علي الظلم ومصيرها إلي الخراب
الأوامر : اقتلوهم عند الجدار بعيدا عن الكاميرا
تربينا علي أن العرب أعداء لنا ونظامنا يمجد مصاصي الدماء
حزب العمل هو من احتل الأراضي الفلسطينية وزرعها بالمستوطنات
_________________________________________________________
• عصيان الأوامر .
• كلمة السر " كيسوفيم " .
• اقتلوهم عند الجدار .
• حكاية نتساريم .
• صحوة ضمير .
• حكاية عرض باراك .
• لعبة الاستيطان .
• كلام الله .




























التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


الحلقة الخامسة

الميجور احتياط رامي قبلان .
____________________________
دولتنا تقوم علي الظلم ومصيرها إلي الخراب
الأوامر : اقتلوهم عند الجدار بعيدا عن الكاميرا
تربينا علي أن العرب أعداء لنا ونظامنا يمجد مصاصي الدماء
حزب العمل هو من احتل الأراضي الفلسطينية وزرعها بالمستوطنات
___________________________________________________

: ظل قطاع غزة مغلقا منذ توقيع اتفاقات اوسلو عام 1993 هذا القطاع يقطنه نحو 102 مليون فلسطيني مزدحمين كلهم في بلدات وقري ومخيمات تمتد علي نحو 360 كيلومترا مربعا , والقطاع الذي لا تزيد مساحته عن مساحة مدينة أمريكا محصور في رقعة من الأرض بعمق ثمانية كيلومترات يحدها البحر , ولا يسمح سوي للمستوطنين بحرية التنقل داخل هذه الأرض حتى يتمكن الجيش الإسرائيلي من السيطرة علي المنطقة بكاملها بشكل جيد ويخضع الفلسطينيون لقيود مشددة في التنقل من مكان مغلق إلي أخر مما يعني أنهم يعيشون في مجتمعات صغيرة منفصلة تمثل اقل من 80 في % من إجمالي القطاع , وفي الواقع يسيطر 6900 مستوطن يهودي علي 22في % من الأرض , و25 في % من المياه , وتمزق 18 مستوطنة والطرق الواصلة أليها أراضي القطاع حتى أن الفلسطينيين لا يتبقى لهم أي قطعة متصلة من الأراضي , علاوة علي ذلك فأن المستوطنين عندما يستخدمون طريقا فانه يغلق في وجه الفلسطينيين .

هذه العناصر تفسر لماذا يعيش أكثر من 82 ف % من الفلسطينيين في قطاع غزة تحت خط الفقر بأقل من دولارين يوميا , ومع حرمانهم من حرية التنقل والعمل وتلقي الرعاية الطبية أو الذهاب إلي المدارس وزيارة أقاربهم , يعيش الفلسطينيون في فقر مدقع تحيط بهم الأسوار المكهربة , باختصار هذه التجمعات المزدحمة التي تحيط بها الأسوار تعني أنهم تعيشون في سجن كبير .

عصيان الأوامر

: ويتمثل الهدف الأساسي للجيش الإسرائيلي المتمركز في غزة في حماية المستوطنين والقيام بدوريات علي الحدود مع مصر وفرض الإغلاق والحصار علي الفلسطينيين , هذه الظروف غير الإنسانية دفعت بعض العسكريين في " جيش الدفاع " إلي التمرد وعصيان الأوامر , ومن بين هؤلاء الميجور رامي كبلا ن .

نشأ رامي في تل أبيب حيث مجتمع الصفوة والنخبة الحاكمة وكبار موظفي الحكومة , ماتت امة التي كانت تنتمي لليسار وهو في الثالثة عشرة أما ولده فكان رجل أعمال لا يشغل نفسه أبدا بالجيش أو شئون السياسة , وبحكم رتبته كان كبلا ن أعلي ضابط يوقع وثيقة رفض الخدمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة .. فماذا يقول هو عن نفسه .

في الثامنة عشرة وجدت نفسي في الجيش بشكل ألي , وطول السنوات الست التالية كان الجيش يتفق مع تكويني وتطور أفكاري , اعترف أن الجيش غيرني من إنسان أناني إلي إنسان جاد , اعتبرت الخدمة العسكرية هدفا نبيلا وكان ذلك أمر غير مطروح للنقاش , ولكني كرهت الخدمة في الأراضي المحتلة وأصبحت علي اتصال بالسكان المدنين .

شعرت أن الجيش الدفاع يخدم أغرضا سياسية هناك , لم استطع أن أظل كما أنا أمام معاناة الفلسطينيين وظروفهم المعيشية التي تحط من قدر الإنسان , لم أكن اشعر بالاريتاح وأنا أقف علي حواجز التفتيش لاستجواب فلسطينيين فقراء ذاهبين إلي عملهم في الرابعة فجرا .

كلمة السر " كيسوفيم " .

التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية



: لحسن الحظ كان تدريبي علي الدبابات والآليات المخصصة للحرب الشاملة , وكانت الفترة التي خدمت فيها في الأراضي محدودة بشكل لم يتح لي أن اطلع علي كثير مما سمعته من آخرين , كانت فترة الاحتياط الأخيرة لي في قطاع غزة وكان العمل الروتيني اليومي لنا يتصل بتدمير الأراضي مثل تقطيع أشجار البساتين وتجريف أراضي الحقول , في البداية رفضت ولكني رضخت لان قائدي الذي كان أيضا صديقي طلب مني أن أساعده , كانت كلمة السر في عملنا دائما هي " كيسوفيم " وهي كلمة معناها بالعبرية التدمير الوحشي للبنية الأساسية للمجتمعات وسبل معيشة الناس , وكانت عمليات التدمير تتم علي هذا النحو , تدخل دبابة وجرافتان أو ثلاث جرا فات منطقة محاطة بسياج تدعمها دبابة أخري هذه الحملة يأتي دون سابق إنذار إلي قطعة من الأرض تخص أناسا فقراء يعيشون في منازل مبنية من قطع الأحجار ثم تبدأ الجرافات في تقاليع الزرع وتقطيع الأشجار وتجريف الأرض تحت سمع وبصر هؤلاء الناس الذين لا يملكون سوي متابعة ما يحدث في يأس وعجز لم يكن يجرؤا احد من هؤلاء علي الاحتجاج أو حتى الثلوج بقبضته غاضبا في وجه الدبابات , كان الخوف يجبر هؤلاء الناس علي الوقوف في صمت وذهول وهم يرون تدمير مصدر رزقهم الوحيد من أشجار فاكهة أو زيتون بعضها يصل عمره إلي 200 سنة , لم يكن احد يأخذ معاناتهم في الحسبان وكل ما في الأمر بالنسبة للجيش أن تلك الأشجار تعرض حياة الجنود للخطر .

اقتلوهم عند الجدار .

: وذات مرة كانت مهمة وحدتنا تتمثل في إغلاق القطاع ومنع العمال الفلسطينيين من الانتقال للعمل في إسرائيل , وعند احدي نقاط التفتيش كان عملنا اليومي ينحصر في مطاردة العمال الفلسطينيين الذين يحاولون التسلل إلي أرباب العمل الذين ينتظرونهم علي الناحية الآخري من الجدار , وفي كل مرة نطارد فلسطينيا ثم نمسك به نعيدة إلي غزة بعد استجواب سريع وتهديده وتحذيره من تكرار ذلك ولكن صدرت أوامر جديدة من قادتنا تقول أن السماح لمثل هؤلاء بتكرار محاولات التسلل قد يغري إرهابيين بالقيام بنفس العمل ولذلك تغيرت قواعد إطلاق النار لتسمح بإطلاق النار علي من يحاولون التسلل , وكان نتيجة السياسة الجديدة مقتل كثرين من بينهم طفل عمره سبع سنوات دون ادني سبب , فقد كانوا كلهم عمال ولم يكونوا إرهابيين , وبعد مقتل الطفل ادخل القادة تعديلا علي قواعد أطلاق النار حتى لا يكون ذلك أمام الكاميرا فأصبحت " اقتلوهم عند الجدار " لان قواعد إطلاق النار عند الجدار تتم دون قيود !! .

حاولت الوقوف والاحتجاج ولكني لم استطع خشية أن أوصف باني شخص انهزامي أو يساري متطرف أو محب للعرب , دربنا قائد الوحدة كيف نطلق النار علي امرأة وأطفالها الخمسة إذا ساروا بجوار الجدار ليلا , كانت القواعد تقتضي بان نقتلهم ثم نعلن أننا اكتشفنا ستة أشياء تتحرك تتقدم نحونا بشكل مريب , بمعني أخر وطبقا لقواعد أطلاق النار فانك ما أن تشعر بالارتياب تجاه شخص فيمكنك أن تطلق علية النار دون تردد , ومع ازدياد أعمال القتل صدرت أوامر أكثر تقييدا لإطلاق النار ولكن قادة الوحدات تذرعوا بأنها تحد من قدرتهم علي حماية جنودهم , ليستمر الوضع علي ما كان علية , كان معنا قادة يساريون ولم يجرؤ احد منهم علي القول أن هذه الأوامر غير مشروعة ولكني قلت في نفسي أن تلك الأوامر غير أخلاقية وأمرت الجنود بان يطلوا النار في الهواء لتخويف المتسللين وإجبارهم علي العودة إلي غزة .

حكاية نتساريم .

: نتساريم مستوطنة ذات طبيعة خاصة يقطنها نحو خمسين أسرة يهودية وتقع وسط قطاع غزة ولا يحيط بها أي مستوطنات أخري , كانت كتيبة كاملة تعززها الدبابات والعربات المدرعة تقف دائما علي أهبة الاستعداد لحمايتها , أي أن عدد الجنود كان اكبر من عدد السكان المكلفين بحمايتهم , لا احد من سكان نتساريم يدخلها بسيارة عادية , وسيلة النقل الوحيدة هي الأتوبيسات المصفحة ومن المناظر المضحكة انه في بعض الحالات نضطر لنقل طفل واحد في حافلة مصفحة تحيط بها ثلاث عربات جيب مدرعة ودبابة !! .


التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


والمستوطنة لا يمكن الوصول إليها إلا بطريق يشطر قطاع غزة نصفين شمالا وجنوبا , ثم تسوية كل شيء علي جانبي هذا الطريق بالأرض , واقتلاع الأشجار وهدم المنازل والمصانع التي تبعد مئات الأمتار عن الطريق في الاتجاهين , هذه المستوطنة أشبة ما تكون بعظمة محشورة في حلق قطاع غزة .

وعل مدى أكثر من 20 عام كتب الكثير عن عمليات مصادرة الأراضي الفلسطينية وسرقة المياة وتدمير المحاصيل ولذلك ليس غريبا أن تكون نتساريم هدفا للهجمات الفلسطينية بكل ما يتاح لهم من وسائل وسبل .

كان الشباب الفلسطينيون بعد كل صلاة جمعة يأتون إلي الجدار ويوجهون الشتائم للجنود ثم يبدون في رشقهم بالحجارة ويقتربون أكثر فيطلق الجنود النار في الهواء وعندما يلوذ الصبية بالفرار يطلق القناصة النار عليهم فالاعتقاد الراسخ في راس كل هؤلاء القناصة أن الفلسطينيين هم الذين يدفعون أولادهم للموت برصاص الاسرائليين لتصوير جثثهم واستخدامهم نقطة لحسابهم في حملتهم الدعائية .

صحوة ضمير .

: وبعد كل مل شهدته في غزة لم أكن قد وصلت بعد إلي نقطة رفض الخدمة هناك لأني شعرت أساسا أني مسئول تجاه جنودي , وإذا لم أكن معهم فقد يتعرضون للخطر أو يقومون هم بأشياء ضارة وخطيرة .

وبعد أخر جولة ميدانية قمت بها في غزة استغرق الأمر مني عدة اشهر كي اتخذ قرار بعدم العودة إلي هناك مرة أخري أبلغت قائدي بالقرار وكنا علي وشك تسوية الأمر بهدوء بحيث يتولى قائد أخر تغطية موقعي وان أتولي أنا أي مهمة أخرى , ولكن سمعت بعد ذلك بالخطاب الذي اصدرتة حركة الرافضين , وجدت أن.

الاعتبارات الأخلاقية من اجل مصلحة بلدي ومجتمعي أن أوقع علي هذا الخطاب , ولكني بقيت في حالة جدل مع ذاتي , كنت عازما علي أخفاء الأمر برمته حتى أتجنب دفع ثمن " الخروج علي وحدة الصف " , لم أكن راغبا في الدخول في مواجهة مع الجيش , ولكن بعد عشرة أيام قصفت قوات جيش الدفاع محطة الإذاعة الفلسطينية في رام الله , فوقعت الخطاب وبعد أيام كنت منخرط تماما في حركة الرافضين .

ربما استغرق مني هذا القرار وقتا أطول من اللازم ولكن لابد من القول أن صوت الضمير عندي كان خافتا طوال خدمتي الأساسية بالجيش ومعظم خدمتي الاحتياطية وعندما التحقت بالجامعة قرأت كثيرا عن العلوم السياسية وإدارة الأعمال وبدأت أفكر في معني الاحتلال لتحديد مواقفي السياسية , لاحظت أن الإسرائيليين لا يشعرون بأي غضاضة تجاة احتلال الأراضي الفلسطينية ولكن عندما تتحدث معهم عن احتلال أي دولة لأراضي دولة أخري يتبارون في وصف مدى بشاعة الاحتلال .

وبالنسبة للجنود فان الجيش يقوم باستمرار بعملية تفتيت لمعتقدات وأفكار هؤلاء الجنود , فأحكامنا الأخلاقية تصاب بالشلل لعدة عوامل أهمها أننا نتبنى فكرا يقوم علي اعتبار العرب أعداء منحطون متآمرون غير آدميين كما أن مؤسستنا العسكرية تمجد هؤلاء الذين يقتلون ويشبعون تعطشهم للدماء , ونحن نتلقى التشجيع علي أن نكون جزاء من هذه العصابة .

وعندما تتجمع كل هذه العناصر في وضع احتلال تكون الكارثة قد حلت ولكي تقف وترفض هذه المأساة تكون في حاجة لتجاوز ضمير جماعي غرس داخلك علي مدى سنوات من التعليم والتنشئة , ولكن مثل هذه الأشياء تحتاج وقتا لتنمو وتتطور إلي أن تصل إلي الضفة الآخري من النهر التي يستيقظ عندها الضمير .

وربما يسألني احد عما إذا كان لدي أي رؤية سياسية .. أقول أننا في حاجة لاستعادة نمط القيم والأخلاق اللازم لبقاء دولة إسرائيل ... لابد أن تترك إسرائيل الفلسطينيون يعيشون وان يقيموا دولتهم المستقلة علي الأراضي المحتلة عام 1967 , علي إسرائيل أن تعترف بدورها في المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني علي مدى الخمسين عاما الماضية وان تكون علي استعداد لعلاج وتصحيح هذه التجاوزات .


التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


والأخطاء لابد أن نجد أيضا حلا لمشكلة اللاجئين دون أن يؤثر علي الأغلبية اليهودية , وبعد زوال الاحتلال يتعين علي إسرائيل أن تعيد تأهيل علاقاتها مع جميع الأقليات والجماعات المهمشة وخاصة مواطنينا من عرب إسرائيل لكن ما دامت إسرائيل تعطي اليهود مزايا تميزهم عن غيرهم فأنها لا تستطيع معاملة الجميع علي قدم المساواة بغض النظر عن الجنس واللون والدين والعرق , وأنا شخصيا أفضل وجود دولة لكل المقيمين علي ترابها ... دولة لا يميزها عرق أو دين ولكن القيمة الأكثر إلحاحا ألان هي إنهاء الاحتلال بأسرع ما يمكن .

حكاية عرض باراك .

: ربما يتحدث البعض عن " العرض السخي " الذي قدمه أيهود باراك في كامب ديفيد ورفضه الفلسطينيون ... وربما يسارع البعض إلي إلقاء اللوم عليهم , ولكن النظر بدقة إلي الظروف المحيطة بها حدث يؤكد أن القضية لم تكن كذلك أبدا , ومن الضروري أن نوضح ما حدث في كامب ديفيد .

لقد وصل باراك إلي كامب ديفيد بعد أن فقد غالبية أعضاء الكنيست الثقة في نهجه السياسي , لقد وصل إلي هناك مثل مقامر مستعد للمراهنة بكل رصيده في البنك ... فإذا ربح حصل علي السلام وإذا خسر ضاع كل شيء لم يكن عرض باراك مغريا للفلسطينيين بما يكفي إذا لم يقدم لهم ما يحتاجونه من انسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 أو حل مشكلة اللاجئين ... وكل ما قاله باراك للفلسطينيين " لن تحصلوا علي أكثر من ذلك أما أن تقبلوه أو ترفضوه " , كان باراك يعلم أن رفض الفلسطينيين لهذه الصفقة يعني القضاء علي مستقبلة السياسي ولذلك بادر بتحميلهم المسئولية متهما إياهم بأنهم غير مستعدون للسلام الحقيقي .

وهكذا فشل باراك وفشل معه معسكر اليسار ولكن لابد من الإشارة إلي أن فشل اليسار لم يبدأ بعهد باراك بل يعود إلي فترة ابعد من ذلك بكثير فقد بني اليسار شرعته علي مجتمع النخبة وهي الفئة التي حظيت باهتمامه ثم حاول استخدام عملية السلام علي حساب رفاهية الدولة ولم يقدم شياء للفقراء وبيمنا ازداد الأغنياء غني ظل الفقراء مكانهم حيث هم , كان 20ف% من السكان لا يحصلون علي أي دخل ويعيشون علي المعونات الاجتماعية , كان الجميع يعلمون أن الفقر هو التربة الخصبة لنمو التطرف والعنصرية لم ترفع أي حركة يسارية في إسرائيل من حرب العمل إلي ما يرسي إلي جماعة السلام ألان , راية الضمير أكثر مما رفعت راية المنفعة والمصالح , وكلما كانت الفوائد الناتجة عن الاحتلال أكثر كلما خفتت الأصوات المعارضة له .

وعلينا إلا ننسي أن العمل هو الذي احتل الأراضي الفلسطينية في البداية وهو الحزب الذي ابقي هذه الموارد من قوة عمل رخيصة وأراض ومياه مجانية في أيدي إسرائيل كانت هناك فرص لا تعد ولا تحصي لإعادة هذه الأرض إلي العرب مقابل السلام , والعمل هو أيضا الذي زرع أول مستوطنة علي الخريطة بما في ذلك ما يسمي بالمستوطنات الأيديولوجية مثل مستوطنة جوش ايمونيم .

وعندما بدأت الانتفاضة الأولي أدراك هؤلاء أن الاحتلال أصبح عملا غير مريح للدولة وخاصة للذين لديهم شيء يخسرونه وهم الفئة التي شكلت ما يسمي بمعسكر السلام الإقليمي أي أن المسالة كلها مصالح ولا وجود فيها للضمير نهائي .

لعبة الاستيطان .

: وعن الالعيب المستوطنين حدث ولا حرج , وسأضرب لكم مثلا , في احدي المهمات تلقيت مع الوحدة التي أقودها أوامر بإخلاء مستوطنة عشوائية أقامها عدد من الشبان المتطرفين قرب " كارني شمرون " وعندما حان وقت إجلائهم استعان هؤلاء الشباب بمئات آخرين من المستوطنين الذين سدوا أمامنا الطرق بالعربات ومنعوا قوات الجيش من الوصول إلي مستوطنتهم ولكننا وجهنا إليهم عدة إنذارات بإخلاء المستوطنة وألا فأننا سنلجأ للقوة لإخراجهم منها وبعد ليلة طويلة اضطرنا للنوم فيها أمام عرباتنا وافق وفد منهم علي الذهاب إلي حاخاماتهم بالقدس لاستشارتهم والعودة في اليوم التالي وبعد عودتهم ابلغونا بالموافقة علي الجلاء علي أن يعودوا مرة أخري بعد شهر .. نعم نفذنا الإخلاء ولكن ماذا كان فحوي قرار الحاخامات بالإجلاء المؤقت أدركت بعد ذلك مغزى قرارهم وهو السماح بتصوير عمليات الأجلاء كي يظهر الجيش في
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


صورة أخلاقية وهو يزيل مستوطنة عشوائية ثم تكون عودة المستوطنين بعد شهر إلي نفس المكان مشرعة علي أساس أنها تمت باتفاق مع الجيش !! , وعلي هذا المنوال تسير لعبة شد الحبل بين الجيش والمستوطنين بناء علي قاعدة تقول دع الجيش يكسب ثم عد بعد قليل .

وللأسف فان هؤلاء المستوطنين الذين يعتنقون اشد الأفكار أظلاما يقودونا إلي حرب بلا هدف تدمر المشروع الصهيوني من الأساس .. أنهم أصبحوا من القوة بحيث بات بامكانهم جر الدولة كلها وراءهم .. لابد أن نعيد صياغة هذا المعادلة لان الدولة ليست ملكهم وحدهم بل ملكنا نحن أيضا .

كلام الله .

: هناك سطر في الإصحاح " احد أسفار التوراة يوضح أين نقف نحن ألان " .

يقول الإصحاح أن شعب إسرائيل يحيا في يهودا حياة أخلاقية ثم يحذر إذا كنتم طائعون وراضون فستأكلون خيرات هذه الأرض ولكن إذا تمردتم ورفضتم فإنكم ستهلكون بالسيف بأمر الله , هذه القاعدة التي وردت في الإصحاح تعكس قانونا إليها مفاده أن الدولة التي تقام علي الظلم مالها إلي دمار وخراب في حين أن أي وجود يقام علي بنيان من العدل فانه ينعم بالرخاء والرفاهية هذا القانون الإلهي يكرر نفسه في كل مراحل التاريخ الإنساني والبوم في إسرائيل انظر أننا نبدأ بالسيف ... أننا نهلك ونقترب من الفناء مثل شعب يهودا لان وجودنا أقيم علي أساس من الظلم بسبب الاحتلال لولا وأخيرا , ولن ينقذنا من الإبادة بالسيف إلا العودة إلي أقامة بنياننا علي أساس من العدل ... فهل فات وقت التغير ؟؟ .

أقرا معنا في الحلقة السادسة الأحداث التالية .
______________________________

فضلت دخول السجن عن الخدمة في معتقل ميجدو
كيف يسجن أبرياء لسنوات دون محاكمة في دولة ديمقراطية
_____________________________________________________

الحلم الصهيوني
كلنا نازيون
قطار الدم
سجن سيء السمعة
رسالة من سجين
حكاية عماد سابا
كائنات غريبة













التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية

يوفال لوتيم 45 عاما مخرج سينمائي وأب لطفلة يعيش في بلدة كفار شمارياهو وهي بلدة راقية شمال تل أبيب.

ولد يوفال في حيفا لأسرة من اليهود الغربيين الاشكيناز ذوي ميول اشتراكية ومن مؤيدي حزب العمل ومع ذلك فإنه لم ير نفسه مميزا بأي مميزات خاصة عن غيره. رفض يوفال الخدمة في الأراضي الفلسطينية أكثر من مرة. وسجن مرتين بسبب هذا الرفض.

المرة الأولي في حرب لبنان.. كان يومها ليفتنانت في الجيش يبلغ من العمر 25 عاما ولم يشارك في هذه الحرب. ولم يسجن ولكنه نقل إلي وحدة أخري.

وبعد ذلك رفض الخدمة في الأراضي الفلسطينية وفي كل مرة كان قادته يهددونه بالسجن ولكن في نهاية الأمر ينقلونه إلي وحدة أخري.

وخلال الانتفاضة الأولي رفض يوفال الخدمة في غزة، فسجن 28 يوما في سجن عسكري. وبعد عدة سنوات رفض أن يخدم في سجن ميجدو.. ورغم أن ميجدو يقع داخل الخط الأخضر إلا انه رفض لوجود معتقلين فلسطينيين رهن الاعتقال دون محاكمة في هذا السجن سيء السمعة.. ومرة أخري وجد نفسه يقضي 28 يوما في السجن. فماذا يقول هو عن نفسه..

الفصل السادس :
قوات الاحتلال تمارس القمع ضد الفلسطينيين بصورة يومية
_____________________________________________________

الحلم الصهيوني

يقول يوفال.. لقد نشأ والداه هنا وكنا من اليهود الأوائل الذين جاؤوا إلي هذه الأرض لتحقيق الحلم الصهيوني. قتل عمي في أحد الحروب لذا فقد أصيبت أسرتي بإحباط شديد عندما رفضت الخدمة في جيش الدفاع. حاولت إقناعهم بان رفضي سيحول دون موت آخرين إلا أن ذلك لم يقنعهم.

وفي الجلسات العائلية دائما ما أفضل أن أجلس صامتا علي أن ادخل في جدل مع الآخرين.. وكان والدي مثالا للإنسانية.. كان منفتح العقل.. كان بحارا ويحب الشعر.. علمني أن انظر إلي كل شيء بعيون ناقدة .. نشأت وأنا اشعر بثقة في نفسي واشعر بالأمن والأمان.. هذه النشأة تفسر سبب تفاؤلي بأن كل شيء سيكون في النهاية علي ما يرام .

في الثامنة عشرة التحقت بالجيش علي اعتقاد أنني ذاهب لأحارب معركة البقاء .. بقائي أنا وأسرتي وبقاء الوطن. رغبت في الالتحاق بوحدة مقاتلة فوجدت صعوبة في ذلك ولكني سلكت كل السبل كي التحق بها وبالفعل نجحت في النهاية .. وكنت أؤدي الخدمة بكل حماس. وحتى اليوم فإني أري أن الدولة يجب إلا تتخلي عن قدرتها علي الردع.. ولكني اعتقد انه يجب القيام بكل ما يمكن لتجنب استخدام هذه القوة.

لا أزعم أني شخص مسالم.. أني مستعد للقتال من اجل وطني. فكل شخص له حق الدفاع عن النفس. ولكني لن أشارك في اقتحام بيت أحد .


كلنا نازيون

وبعد اشهر من انتهاء مدة خدمتي الإلزامية بالجيش ذهبت في رحلة إلي جنوب أفريقيا وهناك بدأت انظر إلي الأمور من زاوية مختلفة وقابلت أناسا آخرين.. قابلت أناسا من ألمانيا وتحدثنا عن الحرب العالمية الثانية

التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


والمحرقة الهولوكوست .. أتذكر أن احدهم تحدث عن النازيين قائلا الجميع مثلهم.. نازيون بعد ذلك أدركت أن كلمة الجميع تشملنا نحن أيضا!

وبعد عودتي من جنوب أفريقيا استدعوني مباشرة للخدمة في الاحتياط في حرب لبنان ولكني رفضت ولم يدخلوني السجن. وبعد عشرة أعوام في عام 1993 رفضت مرة أخري.. وفي هذه المرة أودعوني السجن.. كنت ادرس يومها السينما في جامعة تل أبيب واعمل سائق تاكسي.. كان من المفترض أن اخدم في غزة.. حدث ذلك عندما كان حزب العمل في السلطة وكان اسحق رابيين رئيسا للوزراء.

وكان البعض يقول لي كيف ترفض الخدمة في الوقت الذي يتحدثون فيه عن السلام ؟ ولكني أدركت أن هذا القول رغم ما به من منطق إلا انه لا يبرر الخدمة في الأراضي.. نعم.. لقد سلمت إسرائيل غزة للفلسطينيين ولكن الاحتلال ظل قائما بكل صوره من إغلاق وقتل وتشريد وقمع للسكان المدنيين.

لم أكن ارغب في أن أكون في وضع يسمح لي بإطلاق النار علي صبي يلقي علينا حجرا.

لم أكن أتصور نفسي وأنا في كامل عدتي وعتادي اشهر سلاحي في وجه أناس لا رغامهم علي الصمت لأن ذلك يعني ببساطة أنني أسيطر عليهم بالقوة. كنت متفائلا بشدة تجاه عملية السلام.


قطار الدم

وقد يسألني احد.. كيف كنت تشعر بالتفاؤل مع استمرار الاحتلال وحصار مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة وحرمانهم من العمل في إسرائيل بما يعني حرمانهم من مصدر رزقهم الوحيد.

وأقول.. كنت متفائلا بناء علي معطيات عدة فها هو قطار القضية الفلسطينية يتحرك أخيرا نحو السلام بعد سنوات طويلة من الجدل العقيم. كنت اعتقد انه سيواصل المسير ولكن للأسف كان لا يتحرك إلا بعد إراقة مزيد من الدماء والقتل والدمار.. وفي عام 1997 رفضت الخدمة في الضفة الغربية وقال قائد الوحدة سوف نسجنك بسبب رفضك.. ولكن ضابطا آخر اقترح إرسالي إلي مكان آخر وسألت ماهو؟ فقال.. داخل الخط الأخضر.. انه سجن ميجدو..


سجن سيء السمعة

كنت اعرف أن هذا السجن هو الذي يضم الفلسطينيين المعتقلين إداريا دون محاكمة ولا يسمح لهم باستقبال أي زيارات أو تلقي أي رسائل مكتوبة أو لاسلكية.. قلت لن اذهب إلي هذا السجن اللعين.. نظرت لي ضابطة الارتباط 19 عاما وقالت في دهشة وذهول ماذا بك.. نحن دولة ديمقراطية.. وكل ما يجري في هذا السجن يتم بالقانون !! ولم أجد أي جدوى من النقاش مع هذه الفتاة الغبية.. وذهبت إلي سجن ميجدو لأني لم أكن أريد أن تتيح للجيش فرصة اعتباري متغيبا دون أذن.. اعتقدت أن قائد الكتيبة في ميجدو سوف يعرف عن تاريخي في الرفض ويقوم هو بفصلي من الخدمة.

ولكن القائد قال لي أن جميع المسجونين هنا إرهابيون أو مفجرون انتحاريين مفترضون، وقال انه سيساعدني في أن تكون خدمتي القيام بأعمال الدورية خارج السجن بحيث لأتكون لي أي علاقة بالسجناء.

أبلغت بأن سجن ميجدو هو جزء مكمل للاحتلال ولا يختلف أبدا كونه داخل الخط الأخضر أو خارجه. قلت له انه ربما يكون هناك رماة حجارة مسجونون في هذا السجن ولا داعي لاحتجازهم بدون محاكمة.. وقلت أيضا أن الأمر البشع هو ان هناك مسجونين كثيرين داخل هذا السجن محتجزين دون توجيه أي تهمة لهم أو تقديمهم لمحاكمة عادلة. وقلت أيضا أن السجانين مجرمون ولكن ليسوا هم فقط بل النظام كله نظام مجرم وغير مقبول وأنا لن أشارك بأي حال في هذه الجريمة. وسجنت 28 يوما أخري.
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية




رسالة من سجين

وبعد أن خرج من الخدمة العسكرية في يوليو عام 1997 تلقي يوفال لوتيم خطابا من احد سجناء سجن ميجدو بعنوان خطاب للجندي المجهول يقول قرأت خبرا قصيرا في صحيفة القدس نشر يوم 8 يوليو 1997 يقول.. قضت محكمة عسكرية بسجن جندي إسرائيلي رفض تنفيذ أوامر الجيش وقال الخبر المكون من ثمانية اسطر أن العسكري برتبة ليفتنانت وقد رفض قائلا أنني أفضل أن اسجن عن أكون سجان السجين سياسي محتجز دون محكمة . فمن أنت أيها الضابط؟! ما اسمك وأين تعيش وما عمرك.. هل لديك أطفال..

وما الكتب التي قرأتها.. ماذا قالوا لك في المحكمة العسكرية وبماذا أجبت.. وكيف تقضي الآن أيامك في السجن مثلنا وراء القضبان؟! وغير ذلك الكثير من الأسئلة التي تطرأ علي ذهن أي سجين.
التوقيع عماد سابا .


حكاية عماد سابا

وكان عماد سابا محتجزا منذ 12 ديسمبر عام 1995 دون محاكمة ودون تحديد لفترة الاحتجاز التحفظي. لقد زعمت السلطات انه عضو نشط في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.. ومن ثم فهو يشكل خطرا علي الأمن الإقليمي. وفي مايو 1997 وبينما كان عماد سابا مسجونا دون محاكمة أصدرت منظمة بتسليم الإسرائيلية لحقوق الإنسان تقريرا قالت فيه أن هناك 249 فلسطينيا محتجزين إداريا دون محاكمة في ظروف تشبه معسكرات الاعتقال. كان عماد سابا حتى اعتقاله مفكرا فلسطينيا ويعمل مديرا عاما لمعهد بيسان للبحوث والتنمية في رام الله ومحاضرا في جامعة بير زيت.

وحصل عماد وهو في السجن علي منحة دراسية بأحد المعاهد البحثية في لاهاي. فطلب من الجيش السماح له باستكمال دراسته فقوبل طلبه بالرفض.

ولكن في النهاية تم الإفراج عن عماد بموجب اتفاق مع محاميه يقضي بإبعاده إلي هولندا وهكذا خرج عماد سابا من السجن بعد كل هذه الأيام والشهور دون أن توجه له أي تهمة بارتكاب أي جريمة!!

ويقول يوفال.. بعد أن قرأت رسالة عماد ومقالا نشر عنه بالصحيفة قررت أن أقابله كانت الصحيفة قد نشرت له صورة وهو يحمل طفلته الصغيرة دينا.

كان لدي أيضا طفلة في نفس السن ولكنه حرم من رعاية ابنته طوال العامين اللذين قضاهما في السجن. كنت أود أن يعرف عماد أن هناك إسرائيليين ليسوا مثل الجنود الذين سجنوه وأن هناك من يريد للشعبين أن يعيشا حياة كريمة. وبعد أن خرجت من السجن التقيت بعماد وكونا صداقة مازالت قائمة حتى اليوم و انضم إليها فلسطينيون آخرون من ضحايا السجن دون محاكمة.

وعندما عاد عماد إلي غزة لم يعتقد فلسطينيون هناك أن إسرائيليا يمكن أن يفعل مثل هذا الشيء. ولكني لم أر في ذلك أي عمل بطولي. ولم أسأل عماد عن نشاطه في الجبهة الشعبية لإيماني العميق بأن من حقه القتال من اجل وطنه مثلما هو الحال بالنسبة لي .. عندما تلقيت خطاب عماد كان الشيء الذي فاجأني هو كيف لشخص تتهمه السلطات بأنه قاتل وإرهابي أن يكتب خطابا بهذا الشكل الإنساني الرائع؟ وعلي أي حال لم يقدم جيش الدفاع ضد عماد أي دليل علي أي جريمة سواء ارتكبها أو حتى حاول ارتكابها .

كان عماد معارضا لاتفاقات اوسلو وكتب مقالات بهذا الشأن.. وبعد يوم أو يومين من تسليم رام الله للسلطة الفلسطينية اعتقلت إسرائيل كل المعارضين لهذه الاتفاقات وأودعتهم رهن الحجز الإداري دون محاكمة!
الحل في ثلاث دول!
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


أنني لا أعرف الكثير عن فكر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ولكني سمعت أنها تؤيد دولة لكل مواطنيها بغض النظر عن العرق أو الدين وان كنت اعتقد أن الوقت لم يحن لمثل هذه الأفكار التقدمية.. وبالنسبة لي أنا شخصيا فاني أفضل قيام دولتين لشعبين متساويين في كل الحقوق.. وغالبا ما كنت امزح مع عماد وأقول أن الحل يكمن في أقامة ثلاثة دول، واحدة للمسلمين وثانية لليهود أما الثالثة فتكون دولة طبيعية.

أنني اعلم أن رفضي لن يغير الكون ولكني رفضت الخدمة في الأراضي المحتلة حتى أستطيع أن أنام بالليل مرتاح الضمير، وحتى أستطيع أن أنظر بارتياح وباحترام إلي نفسي في المرآة.

ولكن بالنسبة لحركة الضباط الرافضين فإني ارغب في أن تكون أكثر نشاطا وان ترسل رسالة واضحة تدعو الناس إلي الرفض ولا تطلب فقط مجرد الدعم.

أني أدرك أن مثل هذا التصرف قد يدفع النظام لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدنا.. المشكلة أن حركة الرافضين تخشي من التقدم إلي الصفوف الأمامية ولكنها ستظل حركة مهمشة ما لم تسمع صوتها للجميع وتدفعهم للمقاومة.


كائنات غريبة

ولكن دعني أقول لك بعض المواقف التي دفعتني دفعا للرفض.. ذات يوم كنت في غزة ورأيت مجموعة من الأطفال..كانوا خائفين مني.. اخذوا جانبا والتصقوا بالجدار وأنا أمر أمامهم.. ابتسمت لواحد منهم.. وفوجئت بأنه لم يرد الابتسامة.. استغرق مني الأمر بعض الوقت كي أري نفسي في عينيه.. وعندما زرت جنوب أفريقيا رأيت نفس النظرات في عيون الأطفال هناك.

وهنا بدأت أدرك سبب امتناع هذا الطفل عن الابتسامة.. ولهذا فإني أحاول تنشئة ابنتي علي القيم الديمقراطية والنظرة الانتقادية أريد أن تدرك أنها تنتمي إلي أسرة اكبر.. من مجرد اعتناقها مفاهيم عنصرية.

المنهج الإنساني في التعامل لا يمكن أن ينتقل إلي الأبناء بالكلمات.

إذا كنت ذا ميول إنسانية فإن طفلك سيتشرب منك ذلك أيضا.

وإذا لم تكن كذلك فإن كل الكلمات في العالم لن تكفي لأن يكون طفلك أنسانا.. أنا طفلتي تصادق أطفال أصدقائي الفلسطينيين ولكني أريدها إلا تكره المستوطنين أيضا. أدرك أنهم في النهاية سيتم إجلاؤهم عن الأراضي المحتلة واشعر بالأسى تجاههم.. آلامهم حقيقية.. يجب إلا ننسي ذلك.

علينا أن نتمسك بتفاؤلنا.. صحيح من الصعب أن يشعر الفلسطينيون في قلقيلية مثلا بأي تقدم لأن الإسرائيليين يحكمونهم ولكن لنتذكر.. قبل عشر سنوات كان الحديث عن الدولة الفلسطينية خيانة عظمي واليوم الجميع يتحدثون عنها.. أنني أتحدث عن الدولة الفلسطينية مع الجميع من كل فئات المجتمع.. حتى مع مؤيدي الليكود.. وندرك جميعا أن الصراع ليس مباراة كرة قدم يتحتم أن يكون فيها فائز أو خاسر.. القضية أننا أما أن نكسب معا وأما أن نخسر معا.

في الطبيعة البقاء دائما للأقوى، ولكن الثقافة تضع المساواة كقيمة لها الألوية.. يمكن للناس أن يقتنعوا بان الأمر يستحق أن يعترف كل منا بالآخر كشعبين متساويين.

ومع ذلك فإن الطريق صعب وطويل فمنذ الصغر يتشرب الجميع فكرة الخوف من العرب والنظر إليهم بوصفهم كائنات غريبة لايمكن الوثوق بهم. ولكن مع التجربة أدركت أني قريب من أصدقاء فلسطينيين لي في رام الله أكثر من قربي من أبناء بلدي من المستوطنين في كريات أربع.. أدرك أن موضوع الهولوكوست

التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


يغزى لدي اليهود مشاعر الخوف دائما. والسؤال كيف يمكن أن تدفع الناس إلي التوقف عن التفكير بهذه الطريقة؟.. هذه قصة أخري طويلة جدا!! .

تابع معنا في الفصل السابعة هذه الأحداث
__________________________
ضابط الاحتياط تال بيلو يقول
جيش الدفاع يرتكب جرائم حرب يومية ضد الفلسطينيين
وزير الدفاع يقول: سنقتلهم واحد واحد بطائرات أف/ 16
الاحتلال يسمح لك بكل شيء من القتل حتى سرقة الأحذية






































التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


الفصل السابع :

ضابط الاحتياط تال بيلو
جيش الدفاع يرتكب جرائم حرب يومية ضد الفلسطينيين
وزير الدفاع يقول: سنقتلهم واحدا واحدا بطائرات أف/16
__________________________________________________

دعوني أبد تجربتي مع جيش الدفاع بقصة قصيرة.. في تلك الليلة شربت قليلا.

كنا نجلس في حفل شراب علي شرف دانييل.

لقد هاجر من فرنسا حتى يستطيع خدمة الوطن انطلاقا من عقيدته القوية بأرض الميعاد وأداء الخدمة العسكرية بالجيش ولكي يكون مع صديقته تالي التي تعمل في الشئون الاجتماعية بجيش الدفاع.

فتحنا زجاجة جوني والكر أعطاها شقيق تالي لها وكنا ندخن بعض الحشيش وإذ أننا مثبتة علي الباب.

لا يمكن أن تكون جنديا حقيقيا في جيش الدفاع دون أن تشرب جوني والكر.

كنا عائدين من رحلة إلي لندن وفور عودتنا أرسلونا للخدمة في الأراضي.. وتحديدا في غزة.. هل تعلم ماذا حدث لدانييل بعد سنوات.. انتحر! ليس هناك مكان آخر مثل غزة في جمالها ببحرها شديد الزرقة وشاطئها الرائع إضافة إلي زيتونها الشهي.

ودعني أقول لك أن زيتون غزة هو الأفضل من نوعه في العالم.

هذا الزيتون لم ينج من أعمال التجريف والتخريب التي ينفذها جيش الدفاع باستمرار في أنحاء الأراضي الفلسطينية. أما بالنسبة عن شعوري وأنا اخدم في غزة فأقول أنني لم أكن قويا لأني لم أشعر أنني أقاتل من أجل بيتي وأولادي.. وألا ما كان دانييل انتحر.

عندما يقتنع جندي بما يفعله يستطيع القيام بأي شيء. وسيقول أما هو أو أنا .

ولكن الوضع لم يكن كذلك في الأراضي. لم يكن لدينا الحماس الذي كان لدي والدي علي سبيل المثال وهو يحارب معركة الأيام الستة وحرب يوم كيبور. عرفت ذلك من خطاباته ولكني لا أستطيع أن أكتب مثلها.


السير مع التيار


بالنسبة لوالدي ووالدتي فقد كانا يحبان إطاعة الأوامر وكانا دائما يقولان فكر فيما تريد ولكن اذهب مع التيار . هكذا نشأت لم انشأ بإحساس أني يهودي شرقي بل كانت هويتي أني إسرائيلي.

ورغم تاريخ والدي فأنهما ربياني علي أن أكون إسرائيليا أولا وأخيرا.

وعندما أقول أني لم اشعر باني من السفر ديم أقصد أنني كنت أتصرف مثل اليهود الغربيين الاشكيناز فعلي سبيل المثال كنت اعزف علي البيانو وليس العود التي تعتبر آلة موسيقية شرقية صميم.

لقد ندمت علي ذلك لأني كنت عازما علي تعليم أولادي التحدث بالعربية والعزف علي العود.

التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


فهذا مهم لي في حياتي السياسية. ومنذ طفولتي كانت لي ميول تجاه اليسار فقد التحقت بمنظمة شبابية صهيونية يسارية.

ثم التحقت بالجيش وأثناء خدمتي الإلزامية كونت صداقات مع فلسطينيين من قلقيلية ورام الله وبيت جالا. ومازالت صداقاتي مستمرة معهم حتى اليوم.

واليوم وفي ظل الأوضاع بالغة السوء في الأراضي نتحدث عبر الهاتف طوال الوقت.

وعندما قررت رفض الخدمة في الأراضي لم يكن والداى راضيين عن قراري.

ولكن الجو العام في منزلنا كان منفتحا.. نحن أربعة أخوة وأخوات كل واحد منا له الحرية التامة في أن يفعل ما يشاء دون لوم أو توبيخ من الباقين. والدتي لا تكره العرب.

أنها تريد السلام ولا تري أن العرب شياطين يتحينون الفرصة لتدميرنا.

كان موقفها مشابها لموقف اليهود الألمان الذين يرون أن الألمان ليسوا كلهم نازيين ويجب حظر اللغة الألمانية في البيت.

لم تكن تهتم بتحقيق العدل بقدر اهتمامها بتحقيق السلام. وكان كل أفراد أسرتي يهودا متدينين.
وفي الحقيقة لم اشعر أني مرتاح تماما تجاه قراري برفض الخدمة.. فكرت في والدي الذي لم يرفض الخدمة من قبلي.. لم أكن ارغب في أن أتصرف بما يناقض رغباته لأنه رجل حساس لم يؤذ أحدا عمدا أبدا.

وفي المقابل لم أكن اشعر بالارتياح تجاه ما تعانيه اسر أصدقائي الذين يقتلون أثناء خدمتهم في الأراضي وكنت خائفا من مواجهتهم.

كما أنني لا أفضل اللهجة الحادة التي وردت في خطاب حركة الضباط الرافضين، رغم أنني أدرك أن أسماع صوت هؤلاء الضباط يحتاج إلي نوع من التحرك السريع والصوت العالي. ولكني أود أن تحل هذه الحركة نفسها بهدوء فور التوصل إلي تسوية دائمة للنزاع.


الأرض المقدسة


وهناك قضية المستوطنات وهي في غاية التعقيد.. وأنا لا اتفق مع القائلين أننا نخوض حربا من أجل السلام في المستوطنات.. فالمستوطنات لابد أن يتم إخلاؤها ولكن علينا أن نتذكر أننا لسنا هناك فقط من اجل المستوطنات.

لقد قال رئيس الأركان أننا هناك لأسباب أمنية.

أما اليهود المتشددون فإنهم يقولون أننا هناك لأنها أرض اليهود المقدسة. وكلا الزعمين دفعاني إلي رفض الخدمة لحراسة هذه المستوطنات.

ولا شك أن أخلاء المستوطنات أمر مؤلم ولابد أن يكون لدينا خطة مسبقة لاستيعاب سكان المستوطنات ولكن علي المدى الطويل سيعيش هؤلاء المستوطنون حياة أفضل.


جرائم حرب
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية




أنني اشعر بغضاضة أيضا تجاه كثير من الجنود الذين يقولون أنهم من الرافضين ولكنهم يواصلون الخدمة في الجيش. أنهم يقولون أننا نؤدي واجبنا ولا نرتكب جرائم حرب.

ولكنك إذا كنت هناك فانك سترتكب جرائم حرب.. سواء رضيت أم لم ترض.

لا أستطيع أن ازعم أني من دعاة السلام وفي الحقيقة أنا أريد مواصلة الخدمة في جيش الدفاع إذا تجنب ارتكاب جرائم الحرب ولكن ذلك مستحيل. والحقيقة أن الضباط والجنود لا يريدون إلحاق الأذى بالمدنيين عمدا. ولكن عندما تكون هناك سيارة إسعاف فأنت لا تعلم أن كان بداخلها إرهابي أو امرأة حامل علي وشك الوضع.

لقد أمضيت فترة الاحتياط طوال السنوات الثماني الماضية.

وفي آخر فترتين نجحت في تجنب الخدمة في الأراضي بالقيام بمهام أخري.

كما أنني بذلت كل ما أستطيع من جهد حتى لا ادخل السجن.

وكان بامكاني أن استمر في تجنب الخدمة بالأراضي بتقديم إعفاءات طبية مزورة مثلا.. ولكني قررت أن ارفض مرة واحدة ونهائيا.

وإذا كان الأمر يتعلق فقط بمدي الضرر الذي يلحق بالعرب فربما لم أقرر الرفض ولكن الدافع الأساسي لقراري هو أن هذا الواقع الحالي يلحق الضرر بي أنا أيضا.

أنا لست سياسيا.. وعندما أقول أني ارفض أطاعة الأوامر فأنني انطلق من تجربة شخصية بحتة. خلال السنوات القليلة الماضية شعرت بالخزي والعار تجاه ما يحدث. ولا يمكن إلا لمن يكون هناك أن يدرك ما أقصده.

فكيف لك أن تشرح لنفسك كيف يعيش أناس علي بعد مائة متر من هنا في قاع الجحيم.

لقد سمعت أناسا يقولون وماذا يمكن أن نفعل نحن.. لقد ألقي بهم قادتهم في هذا الوضع.. أنها ليست مسئوليتنا.. نحن شعب محب للسلام.. أعطيناهم كل شيء.. لم يقبلوه.. قادتهم لا يريدون السلام.. لذا أدعهم يذهبون إلي الجحيم ! ولك أن تتصور أن هذه الأقوال علي سخفها يرددها أكثر اليساريين ليبرالية.. وهو المناخ السائد هذه الأيام.


سنقتلهم واحدا واحدا


سمعت وزير الدفاع يقول سنقتلهم واحدا واحدا بطائرات أف/..16 وإذا أحدثت الطائرة دمارا شاملا فانه سيكون أمرا سيئا ولكن ماذا يمكن أن نفعل تجاه ذلك ؟.

وعندما سمعت ذلك اقشعر بدني من الخوف.

لقد أصبحنا أشرارا.


التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


إذا كان قادتنا قد فعلوا ما يجب من أجل حماية جنودنا من الموت ولم تقصف الطائرات المدن الفلسطينية ولم يبق للفلسطينيين أي عذر لتفجير أنفسهم في مدننا فأنني ما كنت رفضت الاستمرار في الخدمة.

وبالنسبة للموقف الذي دفعني إلي الرفض فاني أتذكر تجمعا ضخما أثناء الانتفاضة الأولي تجدر الإشارة إلي أن الانتفاضة الأولي لم تكن مسلحة وخاصة في مراحلها الأولي .

كان آلاف من أنصار حماس وفتح ينظمون مسيرة حاملين أغصان الزيتون ونحن ننظر إليهم من داخل عربة جيب.. بدا الأمر وكأنه فيلم سينمائي حتى مر آخر واحد من المتظاهرين وقال إذا لم تعطونا السلام فأننا سنعرف كيف نتعامل معكم .

كان الأمر يبدو وكأنه مباراة بين جانبين فريق الطيبين الأخيار وفريق الأشرار الذين يرشقوننا بالحجارة.. ولكني أتذكر كيف تصرفت مع رجل يبلغ من العمر 40 عاما عندما أمرته بان يتسلق عمود إنارة لإزالة علم لمنظمة التحرير الفلسطينية.

أتذكر كيف احتجزته ثم هددته بالبندقية أن يتسلق عمود الإنارة وفي المرة الثالثة نجح واسقط العلم الفلسطيني.. أني واثق أن هذا الرجل أن كان معه أولاد حاليا فلا شك أنهم انتحاريين.. أو علي الأقل هناك احتمال أن يكونوا كذلك. أننا لم نفعل ذلك مع هذا الرجل فقط بل هو روتين يومي للجنود في الانتفاضة الأولي. كانت منظمة التحرير عدوا ولم تكن شريكا في الحوار.


مهام تافهة جدا


انه ضرب من الجنون.. فكر في هذه المهام.. أنها مجرد أنزال علم وليس تطبيقا للقاعدة التي تقول الشخص الذي يتقدم نحوك ليقتلك بادر بقتله .. كان هذا هو العمل الروتيني لنا.. يرفع الفلسطينيون أعلامهم ثم نحتجزهم ونجبرهم علي إزالتها. يصعب علي الآن أن أتذكر إلي أي مدي كنت اعمي آنذاك.. سأشعر بالإحباط الشديد إذا فعل أطفالي اليوم ما كنت افعله في تلك الأيام. الناس هنا لا يفهمون ماذا يعني تجريف بستانك أمام عينيك.. أو احتجازك بدون محاكمة.. أو أن يقولون لك أننا سنقتلك لأننا قررنا انك خطر علي الأمن .. حتى إذا كنت الشخص غير المقصود وان ذلك مجرد تشابه أسماء!! ثم ماذا يقولون بعد أن يفعلوا كل ما يفعلونه.. كل ما يقولونه آسفون.. يحدث ذلك أحيانا !


مذبحة جولدشتاين


هناك مثل صيني يقول هؤلاء الذين يأكلون.. لا يفهمون مشاعر ألجوعي .. والإسرائيليون مقتنعون أن الفلسطينيين مبرمجون علي كراهيتهم.. ولكن الأمر ليس بهذه البساطة.. فهو أكثر تعقيدا وان كان السبب الرئيسي لما يفعله الفلسطينيون من تفجيرات انتحارية هو أننا دفعناهم إلي وضع مأساوي بائس شعروا فيه انه ليس لديهم ما يخسرونه.

ومع ذلك فان الإسرائيليين مقتنعون بان العرب يكرهونهم.. وان هذا التشويه المتعمد يخدم أهداف الجيش والسياسيين سواء كانوا من الليكود أو العمل.

وبعد المذبحة المروعة التي ارتكبها باروخ جولدشتاين ضد مصلين وقتل 29 منهم وهم سجود رأيت الدماء والجثث التي تناثرت في هذا المكان الرائع المقدس ومازال صوت أبواق سيارات الإسعاف يدوي في أذني حتى اليوم.. لا أستطيع أن اصف لك ما حدث.

التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية



كان ذلك عشية عيد بوريم احد الأعياد اليهودية .

في اليوم التالي وصلت إلي مقر الكتيبة وكان الجميع سواء من اليسار أو اليمين كانوا مصدومين. وقفنا أمام جهاز تليفزيون في الكتيبة نستمع إلي احد مقدمي البرامج وهو يقول أولا وقبل كل شيء نتمنى لشعب إسرائيل عيدا سعيدا ! لقد سمعته ثم فكرت وقلت لنفسي.. ألم يفهم انه ليس عيدا سعيدا لأن مأساة وقعت وهي ليست مأساة للعرب فقط.. بل لكل من شاهد هذه المأساة المروعة.

أنهم يسرقون الأحذية!؟.

سأحكي لكم موقفا مؤلما آخر.. كان لي صديق يخدم في وحدة دوفديفان كتائب الإعدام واتصل بي ليخبرني كيف قام مع رفاقه بتفتيش منزل فلسطيني. ووجد حذاء علي مقاس قدمه فأخذه.. وفي الواقع يحدث ذلك كثيرا في وحدته.. وعندما عاد إلي المنزل واخبر والدته قالت كيف تلبس حذاء عربيا علي أرض إسرائيل ؟!.. لقد انزعجت الأم لأن الحذاء يخص شخصا عربيا.. ولم تقل له لماذا سرقت الحذاء.. لابد أن تعيده لصاحبه !! أنني اعرف هذا الشاب جيدا فلم يسرق أبدا طوال حياته ولكن الاحتلال يعطيه رخصة لان يفعل أي شيء حتى سرقة الأحذية. فأنت تسمح لنفسك يضرب العرب.. وأنا فعلت ذلك أيضا.. لا تدرك انك تتحلل داخليا وأنت تقوم بمثل هذه الأعمال التي تصل إلي حد سرقة حذاء أو كاميرا لا تدري ماذا ستفعل بها.

وتبقي مشكلة رئيسية.. أنها تتعلق بالمفاهيم الدينية التي يعتنقها كثير من اليهود وخاصة المستوطنين.. فهم يؤمنون أن الرب منح هذه الأرض لهم فقط دون غيرهم.. وعلي الجانب الآخر فان المسلمين يعتقدون العكس تماما.. ولكن في الواقع، ليست هناك حقيقة مطلقة في هذا الأمر.. فمن يروي الحكاية هو الذي يحدد الحقيقة ولا شك انه يضعها في صفه.

ولكن بالنسبة لي فان غزة التي خدمت بها كثيرا أراها أجمل مكان في العالم.. أنها ساحرة.. فعندما تنظر إلي العالم من خلال أشجار الزيتون وزرقة مياه البحر فان كل ما تتمناه هو أن تعيش وتدع الآخرين يعيشون في سلام. أنني لا أريد أكثر من حقي في الحياة أن آكل وأشرف وارقص واقرأ.. اعتقد أننا في حاجة للتعايش مع العرب.. ولكن ليس علي طريقة اتفاقات اوسلو.. فهذه الاتفاقات كانت تفترض تقسيم الأرض وان نعيش بجوارهم ولكن لا يري احد منا الأخر.. هم هناك في دولتهم ونحن هنا في دولتنا.. وقد يري البعض أن ذلك حلا مثاليا ولكني أراه بلا معني.

حلمنا أن نعيش في هذه المنطقة وإذا لم نتعلم كيف نتعايش مع العرب فأننا لن نستطيع العيش هناك. سنظل نعيش في خوف دائم. نعيش وسط دول عربية لديها لغتها وثقافتها وموسيقاها وتقاليدها المميزة.. أننا لا نعيش في أروبا أو أمريكا.. خوفنا من العرب هو خوفنا من الآخر.. فكرة أنهم يريدون أن يدمرونا فكرة مضللة.. ليس هناك شر مطلق وحتى لو كان فان ذلك لا ينطبق علي العرب وحدهم.


كلهم ضحايا


ولكني بالطبع لن أهاجر من هنا، إذا ظلت الدولة الإسرائيلية تعرف نفسها علي أنها دولة يهودية وليست دولة لكل من يعيش علي أرضها، وان كان ذلك أمر غير واقعي في عالم اليوم.

أنني انظر إلي الناس كطبيب ليس فقط عندما يكونون مصابين.. أنها مهنتي، العناية بالناس وان افعل ذلك وأنا أتعاطف معهم.. القيام بمهمة الطبيب دون تعاطف مع المريض أمر خطير للغاية.. ليس من الصعب عليك أن تتعاطف مع مصاب سواء كان هذا المصاب جنديا زميلا لك أو فلسطينيا.. ولكن متي يكون ذلك أمرا صعبا؟.. عندما تقسم العالم إلي قسمين وتقول أنا أحب هذا واكره ذاك.. ولكن في الحقيقة كلا الجانبين ضحايا وأنا لا أريد أن أقول أيهما يعاني أكثر من الأخر.
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية



تابع معنا هذه الأحداث في الفصل الثامنة
___________________________
الجندي .. ديفيد شاشام هاريسون.. يقول
" إسرائيل الكبرى "
حلم سيء ليهود متعطشين لخوض حروب دائمة
القتل الجماعي للفلسطينيين
بدأ قبل التفجيرات الانتحارية بوقت طويل
نقيم مجتمعا عنصريا يغذيه الخوف وتحميه جدران الكراهية






































التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


الفصل الثامن :

: إذا كانت الشهادات التي قدمها عدد من ضباط الجيش الإسرائيلي عن أسباب رفضهم الخدمة في الأراضي المحتلة قد تميزت بالمواجهة بين صحفي وضابط سابق , فان هذه المواجهة تتميز بطابع فريد وهي أنها مواجهة بين الأب " مؤلف الكتاب " والابن وهو احد الرافضين الذين قرروا الاستماع لصوت الضمير وعدم المشاركة في هذه الجريمة التاريخية , تبدأ هذه المواجهة الأبوية الصادقة بخطاب كتبة الابن ديفيد وهو في السجن الذي أودع فيه بعد رفضه الخدمة في الأراضي الفلسطينية .. وهذا هو نص الخطاب .

عندما كنت اجلس في السجن العسكري رقم 4 كنت اقرأ تقارير مروعة تنشر يوميا في الصحف , لم أكن أري صورا أو اسمع اصواتا , كل ما كنت أراه أسلاكا شائكة أن العنف يولد العنف والقتل يؤدي إلي مزيد من القتل والانتقام يفجر جولات وجولات من الانتقام .

والسؤال لماذا نتسبب في كل هذه المعاناة لغيرنا ؟؟ , لماذا نتسبب في مزيد من الألم للآخرين ولا نفسنا ؟؟ , ماذا يكمن وراء إحساسنا بالفخر ؟؟ , ولماذا يعتبر القتل أمرا له مكانة عالية في أعيننا ؟؟ .

أنا جندي في الجيش الإسرائيلي سجنت لرفضي المشاركة في الأراضي المحتلة , نعم لقد سجنت ولكني اشعر بحرية اكبر بكثير من إسرائيليين اعرفهم جيدا , أنني اهتم بالإنسان كانسان .. اهتم بهؤلاء الذين يحرمون من كل ما أتمتع به مثل الحق في الحياة والطعام والملبس والصحة الجيدة والترفيه والحلم بالنجاح وركوب سيارة

اهتم بهؤلاء الناس الذين يهانون يوميا ويحرمون من حق العمل ويسجنون داخل مدنهم وقراهم واشعر بالقلق علي من تهدمت بيوتهم وخربت بساتينهم , اعرف أن مشاعر الكراهية المروعة تجاهي مبررة , وهذه الكراهية تقود إلي أفعال مروعة مثل هؤلاء الأشخاص الذين يفجرون أنفسهم ولكن نحن الذين نخلق تلك الظروف التي تصنع مثل هذه الوحوش الضارية , أن خوفي يختلف عن خوف كثير من الإسرائيليين .

أدعو إلي القيام بحركة تصحيح وليس إلي مزيد من الدمار , لقد سجنت وها أنا اليوم حر ولكن الألم يعتصرني يحدوني أمل أن يؤدي سجني أضافه إلي سجن آخرين مثلي إلي التفكير في مأساتنا نحن , لم يجعلني سجني أتحلل من مسئولياتي كان سجني هو الطريق الوحيد للمشاركة بشكل ايجابي في المجتمع الإسرائيلي اليوم .

وحتى إذا لم أكن اخدم في الجيش فأنني كنت سأضطلع بهذا المسئولية , أنني لست ضحية بل علي العكس أنها مسئولتي أن ارفض المشاركة في عمليات القمع .

أنا جندي وأريد خدمة بلادي وأود أن انظر في أعين هؤلاء الذين نقمعهم ونحاول فهمهم أن مخاوفنا ستتبخر إذا حققنا المساواة بين الشعوب والأفراد سوف نظل نعيش في خوف طالما بقينا ننكر علي الآخرين حقوقهم الأساسية , أن انتصار القوة ليس انتصار علي الإطلاق , كما انه لا يبرر معاناة الآخرين ولابد لن نصحح مسارنا بأنفسنا وساعتها سنكون بعقيدتنا اقوي من الدبابات ويحدوني أمل أن ينظر الآخرون إلي الواقع حولهم ويساهمون في التغيير .( ديفيد شاشام هاريسون ) يوليو 2001 .

كان هذا هو نص الرسالة التي كتبها الجندي " ديفيد " بعد سجنه بسبب رفضه الخدمة في الأراضي المحتلة , فماذا يقول والده " شاشام هارسون " مؤلف الكتاب " .

يقول شاشام : أن ديفيد 19 عام شاب يتمتع بحس مرهف فهو يعزف الموسيقي ويدرس الموسيقي في الأكاديمية الموسيقية بالقدس بل انه يؤلف الموسيقي ويلحن الكثير من الأغنيات بنفسه ومنذ يناير وحتى أغسطس عام 2001 خدم ديفيد في الجيش جنديا نظاميا وفي هذا الوقت أعلن لقادته انه سيخدم فقط داخل الخط الأخضر للدفاع عن إسرائيل داخل حدودها ولن يقاتل في الأراضي المحتلة , ولكن بعد أربعة اشهر من التدريبات أرسلوه إلي الأراضي المحتلة ضمن فريق فني لتقديم الخدمات لوحدة قتالية ولكنه رفض فسجن 28 يوما , وعندما دخل ابني ديفيد الجيش لم يكن لدي فكرة عن كيفية رد فعله بالنسبة لأوامر الخدمة في الأراضي المحتلة فقد اتخذ قراره بنفسه وبشكل مستقل وتحمل مسئولية ذلك ورغم أننا نعيش في بيت سياسي
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


الطابع وغالبا ما تدور بيننا مناقشات أيديولوجية إلا أنني لم أتوقع الإجابات التي رد بها علي تساؤلاتي في هذه المقابلة , وبعد سجنه 28 يوما لرفضه الخدمة تم تسريحه من الجيش بناء علي نصيحة من الضابط ثم تطوع للعمل في الخدمة العامة التي كانت حتى عهد قريب مقصورة علي الفتيات , وبالنسبة لديفيد وباقي زملائه من الرافضين فان الخدمة في الجيش شيء والخدمة في الأراضي المحتلة شيء أخر .

هؤلاء الرافضون يعتقدون أنهم يخدمون الوطن من خلال رفضهم الخدمة في الأراضي المحتلة , وفي محاولة لتفسير قراره كانت هذه المواجهة بين الابن ديفيد ووالده شاشام هارسون .

الابن ديفيد : لأنني من هذا المجتمع وبداخلي ضمير يقظ فاني اصرخ في كل من حولي في أسرتي وأصدقائي بان ينظروا إلي الواقع وان يلتفتوا بقليل من الانتباه , أن وضعنا الحالي يشبه التفرقة العنصرية التي كانت سائدة في جنوب أفريقيا قبل سنوات , أن دولة إسرائيل تجبر مجموعة ضخمة من ابشر علي العيش عيشة يرفضها أي يهودي في أي مكان في العالم , معظم أصدقائي يتحدثون عن الدفاع عن أنفسنا في مواجهة العرب حتى لا يلقونا في البحر وأنا انظر إلي هذا الأمر من زاوية أخري أنني أري أعمال الدفاع عن النفس تبدأ وتنتهي من خلال العدل والمساواة والأخلاق , أن اليهودي يرون أنفسهم دائما في صورة الضحايا أنهم يرون العرب كاذبين ومعتدين , انظر إلي الشعبين من وجهة نظر مختلفة أري العرب يعيشون في ظل احتلال قمعي وأنا افهم لماذا يري أصدقائي أنفسهم ضحايا بعد كل تفجير انتحاري لكن طبقا للفكرة السائدة المبنية علي أفكار مسبقة فان اليهود يعانون بشكل وكأنهم رمز المعاناة في التاريخ .

علي الأقل في تاريخ الحديث , ولكن احتكار المعاناة يعني أن الآخرين يعانون ويعني أيضا أن المقاومة الفلسطينية غير مشروعة , أنني لا أستطيع أن افهم أن معاناة اليهود علي مر العصور يمكن أن تبرر الاحتلال الذي ينكر علي الفلسطينيين جميعا حقوقهم إذا كان لدينا ذرة من إنسانية كنا سننظر إلي أنفسنا في المرآة مرة واحدة ونقول " إذا كان شعبنا كافح من اجل حريته وبكل ثمن للحفاظ علي هويته لماذا تواصل العدوان ألان علي شعب أخر " , أنني أري رفض الخدمة في الأراضي المحتلة بمثال مسئوليتي للدعوة للمساواة , أننا كإسرائيليين نردد دائما أن العرب هاجمونا في أعوام 1948 , 1956 , 1967 , 1973 , ومن ثم فلابد أن نتوقع منهم هجوما جديدا ولكن لم يتوقف احد ليسال أن كان العرب حقا هم الذين هاجمونا في كل هذه الحروب.

الأب .. : هل يعني كلامك انك تريد أن تتخلي إسرائيل عن تفوقها وقوتها لحساب العرب ؟؟ .

الابن .. : أن مسئولية القوي أن يهتم بالضعيف إنها مسئولية أخلاقية , بمعني أخر الاهتمام بالضعيف لا يعني التخلي عن القوة , مثل هذه المساواة والعدالة تمثل شروط مسبقة للأمن , أنني لا اعتقد في أي شيء لا يضمن المساواة , هناك من لا يشغلون بالهم كثيرا بمثل هذه الأمور ويقولون " لماذا نتعب أنفسنا بمسالة الفلسطينيين؟ لدينا كثير من الفقراء في وطننا هم إلي برعايتنا واهتمامنا " , وأنا أقول انك لا تستطيع أن تفرق بين الحالتين , فغزة مثلا يطحنها الفقر بسبب الاحتلال ولان هذا الاحتلال يعرقل سبل نمو القطاع وتطويره , والأموال المخصصة لتمويل احتلال غزة جاءت علي حساب مخصصات المدن والبلدات الإسرائيلية ولهذا فان فقر هذه المدن والبلدات الإسرائيلية له علاقة بما يعانيه قطاع غزة من فقر , أن معركتنا ليست من اجل الوجود كما يردد الجنرالات ورجال السياسة أن معركتنا هي معركة فكرية في الأساس أنها ليست مسالة وجود بل تتعلق بأسطورة حقنا المطلق في هذه الأرض .

الاحتلال ليس ضرورة انه تطبيق عملي لا اعتقاد زائف بملكيتنا لتلك الأرض الممتدة من نهر الأردن إلي البحر المتوسط , لقد وصف رجل الدين اليهودي البارز ييشع ياهو ليبوفيتز " إسرائيل الكبرى " أنها حلم سيء لأناس مهتمين بخوض حرب مع العرب من اجل الأرض : قال ليبوفيتز أن السيل الوحيد أمام بقاء إسرائيل هو أما أن تعود الي حدود 1967 أو استبعاد البقية الباقية من أصحاب هذه الأرض الأصليين وإذا لم تعد إسرائيل الي حدود 1967 فإننا سننحدر من مرتبه الإنسانية إلي البربرية .

الأب ... : أنت تعيش في مكان يطلب منك أن تعرف نفسك من خلال جنسيتك حتى لو كنت لا تريد ذلك , فهل تري جنسيتك عنصرا محوريا في هويتك .؟ .
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية



الابن ... : لا أنكر أهمية جنسيتي أنني أري نفسي يهوديا وأنا أتحمل أيضا المسئولية عن أفعالي أنني أستطيع أن أحارب الدعاوى الوطنية إذا كانت ستجلب الشرور وأستطيع في نفس الوقت أن أدافع عنها وأقول أنني أحافظ علي التقاليد أنني يهودي ولهذا يجب أن احترم أولئك الذين تختلف هويتهم عني إذا كان الشخص يشعر بالارتياح تجاه نفسه فانه لا يجد أي مشكلة في التعامل مع الآخرين أنني أريد أن اعرف كل الناس من جميع الجنسيات إذا كان علينا أن نتعلم من الآخرين , يمكننا أن نتعلم من العيش في الشرق الأوسط من المسلمين حولنا , ولكن عندما تكون دائما في حاجة للدفاع عن هويتك فان يكون مبررا للحرب الوطنية الإسرائيلية تعني في الواقع افتراض وجود عدو في المقابل , فالوطنية أو الهوية اليهودية تحول اليهودي الروسي واليهودي الإثيوبي والألماني اليهودي واليهودي الشرق أوسطي , إلي يهود يحملون هوية واحدة تقوم علي أساس أنهم غير عرب .. .

الأب ... : لنتحدث عن الخوف وهو جانب مهم من جوانب حياتنا ... فالخوف هو الذي يشكل إلي حد كبير وعينا سواء في الأوقات العصيبة مثل حدوث تفجيرات انتحارية أو في الأوقات الهادئة بمعني انه يوضح معني وجودنا ويجعلنا دائما نخشى أن يقوم العرب بمهاجمتنا وحتى إذا كان هذا الخوف مجرد تصور فان أثاره لا يمكن إنكارها .

الابن .. : الخوف هو واحد من اكبر العقبات أمامنا نحن فعلا خائفون وليس أمامنا الكثير الذي يمكن أن نفعله , لقد بنينا مجتمعنا علي أسس من الخوف وصنعنا حوله السياج والجدران العازلة ووضعنا الدبابات علي الحواجز للتفتيش , هذه الآليات شوهت صورتنا أننا منشغلون دائما بالدفاع عن أنفسنا ضد العدو الفلسطيني الذي أقمنا جدار وسجناه خلفه في الأساطير حكاية تقول عندما تبني جدارا بينك وبين عدوك فأنت تواصل تعلية الجدار حتى تحجبه عنك وهنا لا تري عدوك بل تري خوفك منه , هذا الخوف هو الذي اعمي بصائرنا وملانا بالكراهية لدرجة أننا ألان لا نستطيع حتى رؤية هذا الذي يواجهنا , لابد أن نبحث عن مصادر خوفنا ونعالجها بدلا من أن نتجاهلها , وربما أنا أيضا مصاب بالعمى ... بمعني لا أري أشياء معينة فكل إنسان له نقاط سوداء لا يراها والذي يري كل شيء هو الله وحدة , وأنا لا أري كل شيء .. أن أهم شيء عندي هو ما ورد في الكتاب المقدس " لابد أن تحب جارك كحبك لنفسك " , ولذلك فما أن تري الشخص كانسان فعلا مساوي لك في كل شيء فأنك تزيل ما علي عينيك من غشاوة .

الأب .. : السؤال هو .. ماذا تختار أن تراه وماذا تختار أن تغمض عنه عينيك ؟؟ .

الابن .. : الجندي الذي يطلق النار من دبابة علي طفل هو جندي اعمي ... الأمر هنا يشبه قيام فرقة إعدام بإطلاق الرصاص علي فرد واحد فكل جندي من هذه الفرقة لا يعلم أن في بندقيته الرصاصة القاتلة , الجيش يغذي هذا الإحساس بالعمى والمجتمع أيضا فالمجتمع يقول للجندي " لا تنظر وراءك عليك أن تفعلها وألان اذهب إلي الشاطئ وعش حياتك أنت بطل ؟!!! .

الأب .. : هل تقصد انك ضحية الظروف ؟؟ .

الابن .. : أنا لست ضحية .. أنا اتبع ضميري .. نعم لقد عوقبت علي ذلك .. ولكن هؤلاء الذين يقاتلون في هذه الحرب التي يفترض انه لا يمكن تجنبها هم ضحاياها , أنهم سيضطرون ذات يوم للوقوف أمام أطفالهم ليقولون لهم " ماذا يمكن أن أقول " , كنت اعتقد أنني لا املك خيارا أخر , سيكونون ضحايا شعورهم بالذنب ساعتها , ولكن الأمر الأكثر مأساوية هو أن الفلسطينيين يصبحون ضحايا مرتين , المرة الأولي من خلال الاحتلال والمرة الثانية بما تركه هذا الاحتلال من أحساس متزايد باليأس ومما قدموه من تضحيات أغلاها فلذات أكبادهم الذين ضحوا بأرواحهم في هذا الكفاح .

الأب .. : صحيح أن الفلسطينيين خسروا كثيرا وان مشاعر اليأس التي لديهم يصعب قياسها ولكن هذا يطغي علي أسئلة أخري أهمها كيف يمكن مداواة هذه الجراح وما نوع المجتمع الذي يمكن أن يبني علي ذلك ؟؟ .


التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية



الابن .. : ظاهرة الانتحاريين مأساة ولكن علينا أن نتذكر أن القتل الجماعي ضد الفلسطينيين بدا قبل التفجيرات الانتحارية بوقت طويل .

الأب .. : سياساتنا الفاسدة والعدائية تؤثر علي صحة مجتمعنا .. وبالمثل يمكن أن يقيم الفلسطينيون مجتمعا علي أسس الانتقام والشهادة فكيف يمكن الحكم علية ؟؟ .

الابن .. : ربما تخف الآلام مع مرور الأيام ولنترك ذلك للمستقبل .

الأب .. : دعنا نتحدث عن رفضك بصفة عامة هل يرجع إلي أسباب سياسية تمتد خلال السنوات الماضية فالرفض كان إلي حد ما تعريف لك وقادك إلي التفكير بصورة سياسية .

الابن .. : أنا مشغول بالحب وليس بالسياسة عندما واجهت الأوامر التي اعتبرتها غير أخلاقية فهمت انه لا توجد هنا ولا هناك مدن فاضلة , وعندما طلب مني أن اذهب إلي الأراضي المحتلة لأشهر سلاحي في وجه طفل فلسطيني تمزقت عقيدتي التي كانت تقول أن الإنسانية دائما تنتصر في وجه الضرر وتحتم علي أن أواجه الواقع , واضطررت إلي العمل بالتوافق مع مبادئي التي اقتنع بها , وأقول بلغة العمل " ابتعد عن الشيطان وافعل الأعمال الجيدة " .

الأب .. : الم يكن الانضمام إلي الجيش قرارك ؟ , أنا لم اطلب منك ذلك الأمر من قبل ولكن ماذا يعني الجيش بالنسبة لك ؟؟ .

الابن .. : الجيش يدافع عن الحدود , انه يشبه مملكة الحيوان يقسم الرجال أنفسهم إلي مجموعات تحدد كل مجموعة قطعة من الأرض وتتولي حراستها وهذا هو هدف الجيش كما أري ذلك جيدا وليس سيئا , ولكن عندما يصبح الجيش القوة المسيطرة علي حياتنا يتحول إلي خطر .

يدافع الجيش الإسرائيلي عن الهوية يخفي خلافاتنا ويوحدها , كما يمحو أعداد ضخمة من ذكرياتنا وبشكل مجموعة موحدة .. وتأتي بطاقة دخولك إلي المجتمع الإسرائيلي عبر الجيش ويتحول الروس والإثيوبيون إلي إسرائيليين عبر الانخراط في الجيش , كما أن الجيش يعكس هرم السلطة في المجتمع الإسرائيلي فمعظم الوحدات التي ليست من الصفوة تتكون من اليهود الشرقيين وهم أشخاص يضطرون إلي أعداد الساحة للضباط الأفضل والأكثر شجاعة وشهرة لدي إسرائيل , ومن الواضح أنهم اليساريون الاشكيناز الذين يحملون مشعل الأسطورة الصهيونية , انه الشخص الذي يعتقد أن المقاتل الشرقي همجي , وكأن الحقيقة أن اليهودي الشرق أوسطي يجب أن يظهر كرهه للعرب وإلا سيجد نفسه مرتكبا معهم فقط عندما يتخلص الشرقيين من عروبتهم يكافئهم المجتمع الإسرائيلي بمنزلة رفيعة , وفي نفس الوقت يحصد يهود الاشكيناز فوائد بقاء منزلتهم الرفيعة

فهم يبنون صورة مضيئة لأنفسهم ولكن موقفهم تجاه العرب ليس مختلفا عن موقف رفاقهم في الجيش , حتى لو أن اليهود العرب مسموح لهم باعتناق هويته بصفة كلية فإننا سنبقي مجتمعنا عنصريا , لقد خدمت في احد ادني الوحدات في الجيش وأخبرت قائد اللواء الذي كان يضمني أنني لن أكون جنديا محاربا في الأراضي المحتلة لان الفلسطينيين لهم الحق وعليهم المسئولية في الدفاع عن أنفسهم طبقا لمعاهدة جنيف .. وقلت أن المستوطنات غير شرعية وإنني لن اخدم في الأراضي المحتلة لأنه من المحرم احتلال مناطق سكنية , فقال القائد لي " حسنا لن نرسلك إلي الأراضي ولن تصبح مقاتلا " , وأرسلني إلي وحدة تتولي تقديم خدمات للمقاتلين في الأراضي المحتلة .

الأب .. : دعنا نعود إلي رفضك أنا أتذكر اللحظة التي أدت بك إلي الرفض .

الابن .. : كنا نشاهد عبر التليفزيون قوات الجو الإسرائيلية تقصف غزة باستخدام طائرات أف 16 فور بدء انتفاضة الاقصي ورأيت الفلسطينيين يتظاهرون في الشوارع مطالبين بحقوقهم الأساسية , عندما رأيت
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


استخدام القوة بشكل غير مبرر ضدهم وكان اختياري قد تبلور , أصبت بالمرض بعد مشاهدة عمليات تفجير المنازل لإظهار قواتنا , لقد عاقبوا الجميع علي أعمال ارتكبها أفراد .

الأب .. : هل تشعر بأنك كبرت خلال فترة السجن ؟؟ .

الابن .. : لقد كان موقع تحرر بالنسبة لي فالتحرك ضد الضمير هو السجن الفعلي ومنذ رفضت العمل ضد ضميري وأنا اشعر بأنني رجل حر حتى لو كنت في السجن , اشعر بعدم الراحة عندما لا أكون فعالا وعندما اشعر بأن الحياة تمر بجانبي , ولكن البقاء في السجن جعلني اشعر بأنني فعال .

تعلمت أن الحرية لا تعتمد علي المحيط بي مثل الأسرة والأصدقاء ولا حتى الموسيقي ولكن علي أنا , والسؤال الذي واجهته هو كيف أحرر روحي ؟؟ , في البداية وجدت ذلك صعبا فهم يصرخون لك وأنت تقف انتباه وتؤدي التدريبات , في البداية جعلني ذلك غاضبا من النظام كنت أنام بينما الآلام تعتصر ظهري من التدريبات اليومية في النهاية فهمت انه ليس مهما كم مرة يصرخون لي أصبحت قادرا علي أن ابقي حرا واقهر حالة الغضب التي كنت أعيشها وبعد فترة قصيرة فهمت انه لم يكن صعبا جدا أن أقف انتباه لساعات من اجل هدف إذا خضع الإنسان ستتألم الروح .

الأب .. : ذكرت أيضا شيئا عن السجن الذي عزز صوتك .

الابن .. : في السجن تمثل شيئا اكبر منك وحدك تمثل الكفاح بصفة عامة ضد نظام كامل تصبح رمزا للنضال أنها تجربة قوية أنا أيضا اكتشفت انه عندما تضع نفسك في خدمة هدف يصبح ألذات غير مهم وعندما لا تتبع كلماتك من رغباتك الخاصة يكون صوتك واضحا ويصل إلي المزيد من الناس .

الأب .. : عندئذ كتبت خطابك ؟؟ .

الابن .. : كتبت بشكل متواصل داخل السجن أردت أن اكتب شيئا صلبا ولكني لم استطع , احتفظت بالأوراق إلي كنت أمزقها , وفي يوم بعد أن عدت من عمل شاق أمسكت صحيفة خلال الغداء ورأيت عنوان ضخما بلون الدم كان ذلك بعد أيام من العناوين الكبرى الحمراء عن عمليات انتحارية واغتيالات , وكان ردنا عبر التفجيرات والاغتيالات , لم استطع أن انتظر المزيد وخرج الخطاب مني مثل الصرخة خلال خمس دقائق .

قرأت الخطاب بصوت عال وعلي الرجال الذين كانوا معي في السجن وقال بعضهم " أنت تستحق المزيد من الأعوام داخل السجن علي قولك ذلك " , ولكن معظمهم ابدوا احترامهم لي علي اتخاذ ذلك الموقف وقالوا هناك شخص اتبع ضمير وتصرف طبقا لقيمة !.

الأب .. : لدي سؤال يثير القلق : كيف يكون الرفض اكبر من تطهير الضمير .. عندما رفضت القتال ربما كنت تقول " لا أريد أن تتسخ يدأي " هل كنت تعتقد أن الرفض يذهب ابعد من استرضاء ضميرك ؟؟.

الابن .. : نعم عزلني قرار الرفض عن المجتمع اليوم يراني المجتمع خائنا , غدا قد يعتبر المقاتلين أشخاص لا يمكن الاقتراب منهم .

كتبت خطابي لأني أردت أن يكون لي تأثير علي الناس .. فكرت أيضا في اليوم الذي سأخبر فيه أبنائي بأنني لم أشارك في الظلم .

الأب .. : تقول أن القرار أجبرك علي رؤية أشياء من منظور سياسي .

الابن .. : قبل عام كنت شخصا مختلفا أما ألان فلست مبتهجا .. ربما اقل تفاؤلا , ينتابني القلق حول السنوات القليلة المقبلة متي سنؤكد صحة الاختيارات التي فضلها مجتمعنا ومتي سيعود من أصيبوا بجروح أو اقعدوا

التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


عن المشاركة في فعاليات المجتمع وما نسميه الدرع الدفاعي لن يصمد كثيرا أمام ألامهم هذا في الواقع ما روعني , ربما إذا ما انغمست في نفسي ميكانيكية الدفاع مع أصدقائي , لم أكن لأشعر بالعذاب .

الأب .. : في الوقت الذي نشاهد فيه العمليات الانتحارية وتدمير المدن الفلسطينية ومخيمات اللاجئين نشعر بأننا نعيش في دمار غير محدود لدرجة انه من الصعب أن تري المستقبل .

الابن .. : نعم ولكن المستقبل هناك .. الأفق لا يختفي بعض الناس يعتبرون الأفق كنهاية ما يرون , أنا أري تراجعا متواصلا فالمجهول دائما يرافقنا ولا يذهب بعيدا , ولذلك يجعلني متفائلا كل يوم تكون الشمس جميلة في شكل مختلف حتى رغم أنها توضح حالة الرعب التي نعاني منها وكأنها تقول " يذهب جيل ويأتي جيل لكن الأرض باقية إلي الأبد " , وعندما انظر في الأفق أري انه لا يمكن أن يصل إليه احد كما انه فصورة الكمال وذلك يملاني بالأمل.

أقرا معنا في الفصل التاسعة والأخير
_______________________________

السير جنت إيشاي روزن زيفي
المسيح لن يعود.. وحكاية شعب الله المختار عفي عليها الزمن!
الحق المطلق في هذه الأرض أسطورة.. والله خلقهم كما خلقنا





























التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


الفصل الأخير:

السير جنت إيشاي روزن زيفي
_________________________________

إيشاي روزن زيفي 30 عاما أب لثلاثة أبناء.. نشأ في تل أبيب والآن يعيش في جيفا شمويل القريبة من تل أبيب. يعد إيشاي حاليا لدرجة الدكتورة في التاريخ والدراسات الدينية في معهد كوهين للتاريخ والفلسفة والعلوم بجامعة تل أبيب. كما يعمل باحثا في معهد هارتمان بالقدس الذي أصبح مركزا فكريا لبحث الأفكار السياسية المثيرة للجدل في إسرائيل خلال العقد الماضي إلي جانب معهد فان لير.

وكان البروفيسور أريل روزن زيفي والد إيشاي أستاذا في مدرسة القانون بجامعة تل أبيب وممثلا بارزا للحركة الصهيونية ذات الميول اليسارية.

خدم إيشاي في وحدة لقوات المدرعات.

وعلي مدي عشر سنوات كاملة كان إيشاي يخدم في الأراضي المحتلة ويشهد بعينيه آثار الاحتلال.

وحتى رغم انه لم يكن غافلا عما يحدث أمامه إلا أن الأمر تطلب منه وقتا حتى يعلن رفضه أطاعة الأوامر.

ومنذ عام رفض إيشاي تنفيذ الأوامر عندما استدعي لقضاء فترة الاحتياط في الأراضي المحتلة، الأمر الذي كلفه قضاء أسبوعين في السجن العسكري. وعندما أعلنت حركة الضباط الرافضين للخدمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة انضم إليها إيشاي ووقع وثيقة الرفض وأصبح عضوا نشطا فيها منذ ذلك الحين وحتى اليوم.

وعلي عكس غالبية الرافضين ينتمي إيشاي إلي حركة صهيونية دينية يرتدي أتباعها غطاء الرأس اليهودي المعروف باليرمو لكه.

كما أن غالبية أتباع هذه الحركة من المستوطنين.. ولكن إيشاي ينتمي إلي معسكر صغير داخل هذا المعسكر الأكبر الذي يعرف بالمستوطنين المتدينين. ويعيش كثير من أقاربه في المستوطنات.. زوجته التي تدرس الدكتورة في الفيزياء ابنة أخ عضو في خلية يهودية إرهابية متطرفة فيما يسمي بالحركة السرية اليهودية.

وعمه شارك في مؤامرة لتفجير المسجد الأقصى والحرم القدسي بكل ما فيه من مقدسات وحرض علي قتل الطلاب في الكلية الإسلامية في الخليل.

كما عاش إيشاي نفسه في مستوطنة لفترة كطالب. وها هو يقدم شهادته بالكامل.. ويقول:


أيكات الإذلال

في غزة شاهدت أناسا يعيشون في فقر مخجل كنت لا أطيق متابعة أوضاعهم. عند نقاط التفتيش ينظرون إليك في خوف.

كانوا ينتظرون ساعات حتى نسمح لهم بالمرور للعمل في إسرائيل.

وكان مرورهم يتوقف علي مزاج الجندي الواقف عند الحاجز في هذا اليوم.


التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية



أنهم ينظرون إليك بعيون ملؤها الخوف المغموس في ماء الذل والهوان. بعضهم كان في سن أجدادي لا أدري ماذا كنت سأفعل إذا شهدت والدي في وضع كهذا.

ولن أنسي عيون الأطفال وهي تري الآباء والأمهات يتعرضون لشتي صنوف الإذلال والامتهان أمامهم عند نقاط التفتيش والحواجز الأمنية.

لقد أدركت تدريجيا أن مهمتي هي ضمان أن يبقي الفلسطينيون علي هذا النحو إلي الأبد. حاولت بقدر الامكان أن أكون أنسانا في تعاملي معهم ولكن المسألة لم تكن قضية اتيكيت.


قادة ساديون

لن أستطيع تقديم نماذج عما كان يحدث لأنهم كانوا يعمدون إلي طمس المعايير.. بمعني آخر إذا حاولت أن تكشف عن حادثة بعينها فإنها تقدم علي أنها استثناء للقاعدة. وهذا بالضبط ما لم أكن مستعدا للقيام به.

أريد أن أناقش المعيار أو السبب الذي يدفع الآخرين إلي حرمان شعب من حقوقه هناك في الجيش قادة كثيرون يمكن أن تطلق عليهم ساد يون أنهم يستعذبون صراخ الضحايا.. ويشعرون بنشوة غامرة وهم ينفذون أوامر اقتلاع أشجار الزيتون وتدمير بساتين الكروم أمام أعين أصحابها التي تحجرت بها دموع التوسل.

بل آن مثل هؤلاء القادة السياديين لا يكتفون بتدمير البستان المقصود ولكنهم يدمرون البستان المجاور خشية أن تصدر المحكمة العليا غدا أمرا بمنع تدمير بساتين الكروم!! ولكن القضية ليست في هؤلاء القادة السياديين بل في القادة اليساريين الذين ينفذون أوامر الهدم والتجريف والتدمير دون أحساس بالنشوة ولكن دون أسي أو ندم أيضا.

أنهم يفعلون ذلك لأنهم حسب ظنهم ينفذون الأوامر وهم بذلك مضطرون للقيام بذلك حتى لو لم يكونوا راغبين فيه.


حكاية الإرهاب

قد يقول البعض لا تخبرني عما يحدث هناك ولا تقل لي كم فلسطينيا يموت جوعا في الوقت الذي نعاني فيه من التفجيرات الانتحارية هنا ولكن هذا التفكير لا يتسم بالبراءة.

فالبعض يريد أن نعتقد أن تجويع الفلسطينيين لا علاقة له بما نحن فيه.

علي العكس أنا أري أن الوطنية الحقيقية تتجسد في رفض الاحتلال. ولابد أن يعرف الإسرائيليون كل شيء عما يجري في الأراضي المحتلة.. أن الظلم المروع الذي نلحقه بالفلسطينيين ليل نهار عنصر أساسي في فهم ما يحدث.. بل هو أمر ملح خاصة عندما يطغي ضجيج الحديث عن الأمن القومي ويخرس ألسنة كل المنتقدين وكل المناقشات النقدية لما يحدث.

هذا الحديث عن الأمن القومي يبرر كل الأفعال والجرائم التي ترتكب بكل بشاعتها التي تفوق التصور.

ومع هذه الجرائم اليومية أصبحت حياة الفلسطينيين لا تساوي شيئا.. وبعد انتهاء كل يوم يتم تبرير كل ما حدث باسم الأمن ويدرك كل جندي أن ما يجعل كل هذه الفظائع ممكنة هو أنهم مجرد عرب !

التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


لم يحدث أن أزيل منزل مستوطن واحد لأسباب أمنية ولم تقتلع شجرة واحدة لمستوطن باسم الأمن. ولكن عندما تهدم صفا وراء صف من منازل الفلسطينيين وتقتلع أشجار آلاف من أفدنة الزيتون وبساتين الكروم المملوكة للفلسطينيين لمجرد أنها تحجب الهواء النقي عن المستوطنين فهي ليست مشكلة.. فهل هذا عدل؟!
دعنا نناقش الأمر بهدوء.. بالنسبة للتفجيرات الانتحارية فإنها لم تأت من فراغ. أنهم يكرهوننا وأنا لا أري أي مفاجأة في ذلك. بل نحن نستحقه. حاليا زادت التفجيرات الانتحارية بشكل ملحوظ.

قبل سنوات قليلة كان أقل من 20 في المائة من الفلسطينيين يؤيدون التفجيرات الانتحارية. أما اليوم فمن الصعب أن تجد أي شخص يمكن أن ينتقدها.

والسؤال: ماذا حدث؟ هل تغيرت عقلية العرب ؟! وهل وقع الجميع فجأة في غرام التطرف الإسلامي؟ أن بنيامين نتنياهو ورفاقه يريدون منا أن نري الإرهاب وكأنه قدر نزل علينا من جانب الإسلام وكأنه شيء أطلقته علينا قوي دينية خفية. أنهم يبعدوننا عن فهم البعد الاجتماعي لهذه الظاهرة ودورنا نحن في تطورها.

ولكن لابد من التأكيد بوضوح علي أن سياسات الحكومة الإسرائيلية تمثل تربة خصبة لنمو المفجرين الانتحاريين. باختصار نحن ننتج الإرهاب.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من ذا الذي يمتلك عقلا سليما ويعتقد أن مزيدا من الدمار والقتل وامتهان كرامة البشر يمكن أن يساعد في كبح الإرهاب؟!

أن اليمين المتطرف يتحدث عن الحل العسكري الشامل.. وبمعني آخر أن الطريق الوحيد لهزيمة شعب محتل هو تدميره أو طرده. بالنسبة لهؤلاء المعادلة في غاية البساطة.. وهي ما دمنا هنا فإن ملايين الناس يتعين عليهم أن يعيشوا دون حقوق. ونحن الرافضين نحذر ونقول أن أي حل عنيف لن يكون حلا. فالقوة تولد العنف والعنف يقود إلي قوة والقوة تولد عنفا أشد.. وهكذا.

أنها ليست حربا من أجل وطننا. أنها حرب استعمارية للإبقاء علي الاحتلال. ولذلك فإن هذه الحرب محكوم عليها بالفشل.. لقد رأينا هذا السيناريو في أماكن أخري في الجزائر وجنوب أفريقيا مثلا وفي أماكن أخري.


تشابه صارخ

لقد قابلت احد البيض في جنوب أفريقيا الذي كان من أوائل من رفضوا الخدمة في الجيش أثناء نظام الفصل العنصري هناك. ولابد أن نذكر أن عقوبة الرفض هناك كانت السجن سبع سنوات وهي فترة طويلة نسبيا مقارنة بالعقوبة المطبقة عندنا وهي 28 يوما.. أما التحريض فكانت عقوبته الإعدام.

ولكن هذا الرجل الأبيض أمضي عامين في السجن في أوائل الثمانينات حتى حصل علي عفو وأفرج عنه.

لقد حكي لنا قصته مع نظام الفصل العنصري وكان التشابه بين ما حدث هناك وما يحدث عندنا في إسرائيل صارخا إلي حد الصدمة.

فقد كان الرفض هناك أيضا أمرا مرفوضا من جانب المجتمع علي نطاق واسع.. وكانت التعبيرات المستخدمة هناك أيضا تقول لابد من قمع الإرهاب .. إذا أعطيناهم دولة أي السود سوف يلقون بنا في البحر !!


عرفات هو السبب؟!

أن التركيز علي أن عرفات هو السبب في كل الكوارث التي حلت بالفلسطينيين يمثل خطيئة كبري لوسائل الإعلام.
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


فمثل هذا الأمر يلقي باللوم كله علي الرئيس وبريء المحتل.

ويظهر الحرب وكأنها صراع قوة بين إسرائيل وعرفات.

ولكن كيف يري طفل في قلقيلية تلك الحرب التي يشنها جيش الدفاع؟ فبعد اشهر من الحصار والتجويع يري الطفل أشقاءه من سن 14 عاما فأكثر يعتقلون في عمليات مداهمة يومية ويري أيضا بيته يقصف بالقنابل من أجل أن يتمكن جنود جيش الدفاع من تفتيش منزل مجاور.. وهنا تجد وسائل الإعلام ضالتها في تغطية أنباء العمليات العسكرية وتسهب في إذاعة البيانات التي يلقيها الانتحاريين قبل تنفيذ عملياتهم.. كل ذلك من أجل تصوير الأمر وكأنه حرب متكافئة بين جيشين!!

أن هناك عشرات الآلاف من البشر المحاصرين في القرى والعاجزين عن الحصول ليس علي الزبد بل علي الخبز ولا تتحدث عن مياه الشرب. هؤلاء المحاصرون ليسوا أعضاء لا في كتائب شهداء الأقصى ولا في كتائب عز الدين القسام.. أنهم شعب يتضور جوعا ليس لأسباب طبيعية بل بسببنا نحن.. وبأيدي جنودنا الشجعان.


لا تتخذ الجيش

وخلال السنوات التي أمضيتها في الأراضي لم يكن الرفض خيارا أفكر فيه. فقد كان مستحيلا في إطار التعليم الذي كنت أتلقاه في المستوطنة أو في المنزل.. كانت القواعد المرعية تقول أن بامكانك أن تشكو ولكن افعل ما تؤمر ولا تتخذ الجيش.

وفي جماعات أخري مثل نيتيفوت شالوم وهي حركة تدعو للصهيونية واليهودية والسلام كان من الممكن أن تتحدث عن الفظائع التي تحدث عند نقاط التفتيش ولكن رفض الخدمة لم يكن خيارا مطروحا.

أصبح الرفض أمرا راسخا لدي عندما بدأت الدراسات العليا في جامعة تل أبيب واتسع أفقي.. وبعد أن اطلعت علي كتابات أخري وقابلت أناسا آخرين وتعرفت علي مجتمعات أخري.

بعد أن تحررت من المفهوم الصهيوني الديني الشامل للمجتمع. وعلي عكس الرافضين الآخرين، تطلب التحول وقتا أطول بالنسبة لي بوصفي واحدا من أشد المؤمنين بالحركة الصهيونية الدينية.


أساطير يهودية

وبالنسبة لما يردده البعض عن حقنا المطلق في الأرض فانا لا أتحدث ولا أكفر بمنطق الحقوق المطلقة. هناك ذكريات وروايات تاريخية وأساطير.

أنا لا أقلل من قوة الأساطير اليهودية عن هذا البلد.

فقد نشأت عليها ولكن من يحترم أساطيره عليه إلا ينكر أساطير الآخرين.

وإذا كان اليمين المتطرف يطالب بكامل أرض فلسطين فإن اليسار المتطرف يتحدث عن مسئولية اليهود عن مأساة الفلسطينيين التي تعود إلي عام 1948 عندما طرد نحو 700 ألف فلسطيني من أرضهم وأصبحوا لاجئين.


سلام نتنياهو
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية



وقد يسألني البعض عما إذا كنت اعتقد في إمكانية تحقيق نوع من التعايش السلمي مع الفلسطينيين وأنا أجيب بالتأكيد نستطيع أن نفعل ذلك. ولم لا.. وقد ورد في التلمود أنا خلق الله وهو خلق الله .

ولكن مهمة التعايش السلمي يجب إلا تجرفنا بعيدا عن الهدف الأصلي وهو إنهاء الاحتلال.. أما الحديث عن المصالحة والسلام المثالي فلا يخدم إلا أهداف اليمين في محاولتهم الإبقاء علي الوضع الحالي وتجنب التوصل إلي حل وسط حقيقي وواقعي.

لابد أن نكون واقعيين وصادقين مع أنفسنا فقبل أيام كتبت ردا علي مثل هذه الدعاوى التي تتمسح بالسلام وقلت لا تتحدثوا عن السلام.. فحتى نتنياهو تحدث عن السلام.. تحدثوا عن إنهاء الاحتلال أولا .

أنني أؤمن بالفلسفة التي تقول انك لكي تحدد الشر وتحاربه يجب ألا ترسم صورة مثالية للعالم مثلما فعل أفلاطون ومن تبعه.

يمكن أن تشير بيدك وتقول هذا شر دون الاستناد إلي رؤية مثالية كنقطة مرجعية.

عالم المثل أمر مخيف ومكان خطر جدا.


انظر إلي جمهورية أفلاطون.. هؤلاء الذين لا يتسقون مع عالم المثل يطردون من الجمهورية.

انظر إلي الرايخ الثالث أي الدولة النازية فقد كانت تقوم أيضا علي نظام شبيه بعالم المثل.

أنا لا أعرف ما ستؤول إليه الأوضاع في النهاية في ظل هذا الوضع ولكن ما يهمني فعلا هو أن نحارب ضد ما يجري الآن وهذا يكفي بالنسبة لي.

الطريق إلي السلام لم يبدأ بعد.. والبناء في المستوطنات لم يتوقف.

بل علي العكس منذ توقيع اتفاق أوسلو البناء في المستوطنات تضاعف.. الفلسطينيون لم يجدوا أبدا شريكا في عملية السلام.

فالحكومة التي تتحدث عن السلام وتواصل في الوقت نفسه بناء المستوطنات هي إما تمارس نوعا من النصب والاحتيال أو أنها تتظاهر بالغباء.

عندما ينتهي الاحتلال ويتم أخلاء المستوطنات وتقام دولة فلسطينية سينتقل التركيز علي القضايا الداخلية الملحة.. وعلي سبيل المثال من السخف أن نتحدث عن المساواة في المجتمع الإسرائيلي.. فقط انظر إلي مخصصات الميزانية لتري مدي التمييز ضد المجتمعات العربية في التعليم والخدمات الصحية والبنية الأساسية.


ملامح العنصرية

نحن لم نخترع مشاعر القومية والوطنية وخاصة في أوقات الأزمات.. انظر إلي ما حدث في الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر .2001 انه أمر مرعب أن تري إلي أي مدي يكون سهلا إثارة مشاعر الخوف المرضي من الأجانب والكراهية العمياء للآخرين. وهناك، مثلما هو الأمر هنا، يمكن أن تلاحظ ملامح العنصرية. ولذلك فإن الخطر الحقيقي علي دولة إسرائيل هو الاحتلال وهذا يفسر لماذا يكون الرفض هو الموقف الصهيوني الصحيح الذي يجب أن اعتنقه الآن.
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


عندما يصبح الرفض عملا جماهيريا ولا يظل عملا فرديا فإنه سيصبح رأيا سياسيا واجتماعيا. وللمرة الأولي منذ 35 عاما يكون للجندي أو الضابط خياران أما أن يذهب للخدمة في الأراضي الفلسطينية أو يرفض. ومن يذهب لا يفعل ذلك بشكل آلي.. لقد اختار هذا الطريق. وهكذا يصبح الرفض طريقا ممهدا.


تدمير ذاتي

والرفض يشبه أيضا زرع فيروس في النظام.. أن لدينا آلة مبرمجة علي التدمير الذاتي ومهمتها كرافضين هي قطع الدائرة الكهربائية عنها.

وحكومتنا التي تغلب عليها المشاعر القومية لا تسمح بوجود برلمان يمكن أن يناقش هذه المسألة كما أن نظامنا القضائي لا يستطيع أن يوقف تيار الاحتلال.

ولا يوجد من يستطيع أن يوقف هذا التيار الآن.. لقد أفلتت الكابح الفرامل وانطلقت العربة المجنونة علي طريق الخطر ولا ندري أين يمكننا وقف هذا الجنون.. ولكننا سنحاول.

نعلم أن التاريخ حافل بإطلاق النار علي الرسل وقادة التنوير.. ولكن لسنا مسئولين عن أضعاف المجتمع.. أننا نبلغ رسالة فقط أننا لا نردد نفس الرسالة القديمة عن مدي صحة رسالتنا.. الرسل يأتون عادة من بين أفراد المجتمع ولكن ما أن يطلقون كلمة عما يحدث حتى يتم نبذهم وربما نفيهم دون محاكمة.

هذا ما حدث لنا. ولكن بمجرد أن تتخلص من الأحكام المطلقة والأفكار الميتافيزيقية والعالم الأسطوري الذي يقول أن هذه الأرض ملكنا نحن فقط لأن إبراهيم كان هنا يمكنك أن تحافظ علي مشاعر الوطنية دون أن تنكر علي الآخرين حقوقهم. أن اللغة النابعة من الأفكار الميتافيزيقية هي الأخطر علي الإطلاق.

والأمر الأكثر خطورة أن هذه اللغة يتحدث بها الجميع سواء من الأحزاب اليمينية أو حتى حزب العمال.


المسيح لن يعود

لقد قال البروفيسور ييشع ليبوفيتز أن احد المعتقدات الأساسية لليهودية هي أن المسيح لن يعود أبدا.

مادمت تنتظره يوميا فإنه لن يأتي.

وفي تفسيري فإن هذا يعني بالتالي أن الحاضر هو الحاضر والمستقبل سيظل هو المستقبل والأحكام المطلقة ستظل أمرا يخص المستقبل الذي لن يكون حاضرا أبدا.

الأحكام المطلقة هي اخطر شيء لأنها تحجب شعاع النور الذي يبدد الظلام. وهذا يفسر سبب إصراري علي عدم الخلط بين الدين والسياسة. عندما تفكر أن أعداءك هم أعداء الله فان مشاعرك الأخلاقية تختفي.

وعندما تتحدث بلغة الحق المطلق ستتوقف عن رؤية الناس أمامك باعتبارهم ينتمون إلي بني الإنسان.. وهذه هي جذور المأساة التي نعيشها. أن القول بأن الله اختارنا من بين كل أمم الأرض لخدمته قول خاطيء. لابد أن نعالج الإحساس بالتفوق العنصري الذي أصبح شعورا طاغيا بيننا.

لابد أن نعرف أن هذه العبارة وردت في سياق مختلف تماما عن مشاعر القومية الدينية التي نعيشها حاليا.

أن الشعور بأننا متفوقون بدأ في وقت كنا نعاني فيه من الضعف تحت الحكم الروماني ولهذا كان الهدف منه مواساة النفس والتعويض عما يلاقيه اليهود آنذاك من معاناة.
التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية


وفي هذه الحالة لم يكن الإحساس بالعظمة ينطوي علي خطر أما الآن فقد تغير الواقع وأصبح الضعيف قويا ولكنه ظل يردد نفس الكلمات ويعيش علي ذات الأساطير القديمة.. وهنا تكمن المأساة الحقيقية.
________________________

هذا هو الكتاب الذي هز إسرائيل من الداخل كتاب حركة الضباط الرافضين لجيش الدفاع والذي يفضح ممارسات الدولة اليهودية علي مدي أكثر من نصف قرن كانت تردد فيه إسرائيل والمجتمع اليهودي أساطيرهم التاريخية التي أقاموا عليها دولتهم وحرصوا علي إرضاعها قطرة قطرة لأبنائهم جيلا وراء جيل , هذه الأساطير سواء كانت دينية أو سياسية .. قديمة أو حديثة تكاثرت وتوالدت وتحولت مع الوقت إلي شيء أشبه بالحقائق الثابتة التي لا تقبل الجدل , ويأتي " جيش الدفاع " علي راس أساطير هذه الدولة التي جعلت منه قدس أقداسها وسر بقائها منذ أقامتها وحتى اليوم وغدا , ولكن رغم كل هذه الهالة من التقديس التي يحيط بها الإسرائيليون جيشهم خرجت مجموعة من الضباط عن الصف وأعلنوا التمرد وحطموا الأسطورة وفي لحظة صدق مع النفس .
___________________________

قام بالترجمة / مركز عباد الرحمن 46 شارع الروضة / القاهرة ... جمهورية مصر العربية



#محمد_فوزى_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد فوزى السيد - اعترافات جنود اسرائيل.. التمرد ... كتاب يهز إسرائيل ويحطم أساطير الدولة اليهودية