|
فوارغ الرصاص
أفين اوسو
(Avin Oso)
الحوار المتمدن-العدد: 6776 - 2020 / 12 / 31 - 00:19
المحور:
الادب والفن
نهضت بتثاقل هذا الصباح أمعنت النظر في الرطوبة، التي تمتدّ فوف رأسي كغيمة من الأحجار مددت يدي أنبش عن نظارتي بين جثوة أعقاب السجائر، التي هي مضاد لخسائرنا تراجعت؛ فلا رغبة لأن أرى الأشياء بوضوح لا بأس بوجوه ضبابية، في حيّ لا يستحقّ الدقة والصفاء. في أيام البؤس لا فرق بين الشروق والمغيب سوى تمريرة حلم ربما تحمل ترسبات سلام لا داعي لدخول المطبخ، ولا الحمّام في بلد لا ماء به ولا كهرباء نزلت السلالم، وصخب الجارات يودّعنَ أطفالهُنّ للمدارس يصدح المكان لا عجب نحن أبناء المواعيد التي تغتالها الموت ولقاءاتنا كلُعبة مقامر في جولة حسم عند مدخل البناء صادفني طفل في الخامسة من وجعه في يده علبة أكلَتْ نصف جسده الصغير يمشّط الأرصفة، ينعتي طفولته كعجوز على كتف الانتظار وجهه الباسم وخز في ندبتي ألف سيف كدت أغفو بين راحتي النسيان، لكني صحوت على عويل ذاكرتي استحضرت شياطين الذاكرة وجهك الباسم قبيل الوداع الأخير ابتسامة تشوبه أشواك وغم وبركان تجاهلته، ومضيت وأنا أستعيذ من وجهك يستحوذني وددت لو أصفعه كإمام يكسر منبّهاً تسبّب في إيقاظه للصلاة حرّكتُ أصابعي داخل جيوبي الفارغة كغريق تمسّك بمجداف نجاة، تحسّست عملة ورقية مكوّرة ملتصقة، وكأنها استحمّت مراراً مع البنطال خمسمائة ليرة تكفي لكوب قهوة ترخي قبضة الحنين على عنقي استوقفني صوت متحرّج ينادي: «من مال الله يا محسنين» نياط صوتها الباكي استفزّ مكامن الوجع بي رمقتها، كانت كسيحة نحيلة، والفقر يمطّر من محيّاها وجنين مقمّط بين ذراعيها قالت: «حسنة لوجه الله»، وهل سباقنا للموت من الحسنات؟ اقتربت منها لتضح الرؤية أفجعني الحزن الجاسم في عينها، ونكئت بجراحي توسّلاتها كانت كوجه انكساراتك يوم الوداع كيف أمسكتِ بيدي تتقيئين الحلول، وتلدين ألف أمل هزيل من رحم المستحيل بمخاض مميت أدرت لها ظهري، كما فعلتُ بكِ وأمطرتني بوابل من الدعوات شعرت بكلماتها ككتيبة نمل تأكل رأسي أدلفت لداخل المقهى، وصوت فيروز ينادي دون تقاعس «وينون صار في وادي بيني وبينن» لم يجهض المسافات حبّنا لم يفرقنا، لا وديان، ولا جبال بيني وبينك تقاطع طريق، وفرسخ قدم لكن صوتها أخذني من يدي لمدينة ألعاب كبيرة، أيام الأعياد في عين طفل ممزّق الثوب وحافي القدمين، لا يملك للسعادة ثمن يسرق لاهثاً النظر في ضحكات الأطفال أمسكت برأسي وهباب محرقة تنثر المكان رحت كمصوّر حرب، أجمع صور أطفالي، وأنبش عن وثيقة تثبت إعلاناً للسلام كمَن أقلع عن التدخين، يرى كل الوجوه سجائر وتبغاً وأنا أرى في وجوه السحاب والمطر ملامحك المبعثرة في الواجهات يا سيدة فيروز، نحن نجيد ترويض الحبّ، ولكننا لا نملك ثمن إسطبل تأوي قلوبنا ماذا لو كان بيني وبينها في هذا الصباح أطفال ببطون خاوية، وأبدان تكسوها خرق من قماش سيدتي: الحبّ وحده لا يدفع بختامها يتزوج العشّاق بيني وبينها مهر وزفاف ومأكل وملذات حياة... في وطن نحن فيه حشوة بنادق وفوارغ رصاص...
#أفين_اوسو (هاشتاغ)
Avin_Oso#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
-
-الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع
...
-
الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
-
-موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟
-
-جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-
-
السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين
...
-
الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا
...
-
تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر
...
-
كيف تحمي أعمالك الفنية من الذكاء الاصطناعي
-
المخرج الأمريكي كوبولا يطمح إلى الظفر بسعفة ذهبية ثالثة عبر
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|