أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين الحلي - خرجوا ولم يعودوا















المزيد.....

خرجوا ولم يعودوا


حسين الحلي

الحوار المتمدن-العدد: 6750 - 2020 / 12 / 2 - 10:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عند موت إنسان عزيز يصيبنا بلوعة وألم لكنه أقل فضاعة من فقدان ذلك الانسان العزيز بأن يختفي هكذا بوجودنا دون ترك أي أثر وهذا أصعب إذ كان القبر ما يربطنا بالعزيز من خلال زيارته ومعرفة مكانه فأن الفقدان لوعته أشد فلا قبر ولا مكان ويبقى فقدان العزيز وعدم القدرة على تخيل الدقائق الاخيرة من حياتة والانفعال الذي كان على وجهه هاجسا لنا طول العمر..يبقىالاختفاء القسري حالة تبقينا في حالة الانتظار الدائم مهما مرت السنين آملا بعودته او معرفة مصيره.. وإذا مر زمان أطول يكون الامل يايجادما كان يرتدية او يقتنيه أو اي من ممتلكاته الشخصصية آو مكان دفنه !!
إبراهيم الحكاك ويعقوب عبد العزيز ودارا توفيق .ثلاثة عراقيون: مسلم ويهودي وكوردي..تربوي ومحامي وصحفي إشترك الثلاثة رغم إن لا علاقة بينهم زمانية ولا مكانية ولا معرفة..إشتركوا بنفس المصير ..أنهم خرجوا من ديارهم ولم يعودوا اليها أبدا.! ولحين كتابة هذه الكلمات لا يعرف لهم مصير ولا أثر ! لا يعرف كيف قتلوا ..وأين دفنوا.. والاكثر لماذا قتلوا ؟

الثلاثة إختفوا وتركوا ورائهم عوائل.. زوجات يعتصر قلوبهن الحزن والفراق واولاد وبنات تربوا وكبروا بعيدا عن حنان وعاطفة الاب..عوائل بقيت تحفظ ذكراهم في لوعه الفراق الذي لا أمل لعودة صاحبة منه..
تربطني بالثلاثة معرفة..تتراوح بين الصلة العائلية والمعرفة الشخصية والمواكبة الزمنيه لهم
إبراهيم الحكاك زوج خالتي السيدة زهرة باقر ويعقوب عبد العزيز هو والد الصديقة ليندا عبد العزير مينوحين..ودار توفيق هو والد الصديقين دلير وسوزان دارا توفيق دارا توفيق الذي كان والدي على معرفة شخصية به ذلك الصحفي اللامع صاحب القلم الحر الذي كنت أنا معجبا به وبكتاباته في فترة المراهقة…
3رجال عراقيون أبرياء اختطفتهم الايادي السوداء وزوار الفجر وغيبتهم الوحوش السادية في دهاليز الامن وأقبية المخابرات لسبب لم يرتكبوه ولم يحملوا سلاحا في وجه الدولة فالثلاثة أصحاب فكر.. لاسبب يلوح لخطفهم وقتلهم سوى أن من كان منهم يحمل الافكار الشيوعية( ابراهيم) ومن كان ينتمي للديانه اليهودية( يعقوب ) ومن كان صحفيا مخلصا لقوميته الكوردية مدافعا عنها من خلال قلمة الحرالجرئ ( دارا)..

وهذه حكاياتهم

التربوي إبراهيم الحكاك
يوم الاختفاء القسري: بغداد 20- 2- 1963
ابراهيم الحكاك هو زوج خالتي السيدة زهره باقر ووالد إبن خالتي المهندس وميض الحكاك

حسب ما أتذكر- إذ لم تخني الذاكرة- أخر مره شاهدته فيها كان صباح يوم 8 شباط حيث كنا في الكاظمية في بيت خالتي الثانية أم زيد وكانت جميع العوائل والاقارب مجتمعين هناك وكنا نشاهد التلفزيون وأتذكر كان المطرب الريفي داخل حسن يغني من على شاشة التلفزيون عندما تشوش البث فجأة وإنقطع وسمعنا هدير الطائرات التي كانت تقصف الاذاعة ووزاره الدفاع وعرفت لاحقا أن الطيار منذر الونداوي وأخرين يقومون بالهجوم على وزارة الدفاع.
وقتها سارع الجميع بترك المكان الى منازلهم ومنهم إبراهيم وخالتي و سارع والدي باخذنا أنا ووالدتي وشقيقاتي حيث أوقفنا سيارة إجرة ( تكسي) وتوجهنا الى منزلنا في الاعظمية وشاهدت في الطريق سيارات بيك أب فيها إناس يهتفون بحياة الزعيم وكثير من الاشخاص المدنيين إنتشروا في شوارع الكاظمية يحملون أسلحة الية.
لم أكن اتذكر كثيرا ابراهيم الحكاك لصغر سني وقتها إلا في مناسبات جمعت عائلتي مع أقارب والدتي كان يبدو لي عندما أراه شخصا هادئا مسالما لدية إبتساة هادئة يمتلك طيبة في وجههوكا ابراهيم قد تخرج من كلية التربية قسم الكيمياء.
بعد نجاح 8 شباط قام الحرس القومي بحملة كبيرة لاعتقال الكثير من الشيوعيين ومؤيديهم والمتعاطفين معهم وشمل هذا عددا كبير من أقارب والدتي وأقارب والدي الذي وجد نفسه لاول مره في مواجهه حزب إنتمى اليه بكل اخلاص لفكره في أوائل الخمسينات خلال الموجة واليسارية والقومية التي أستقطبت كثيرا عشرات الاف من شباب وشابات العراق..وجد والدي نفسة مواجهة وجها لوجه امام حزب يمارس البطش والقتل والتعذيب والاعتقالات التعسفية في اقاربه واصدقاءه والابرياء من الناس واقرب الناس اليه حتى من الشيوعييون أنفسهم الذي إرتبط بهم بعلاقة سياسية ونضالية وإحترام وصداقة قديمة رغم اختلاف الافكار.. ومن يومها حدث الفراق الفكري والعاطفي بينه وبين الحزب ( حسب ماذكر لي والدي في جلسات حوار معه قبل وفاته وكيف حصل صدام وجدال عاصف بينه وبين حازم جواد وزير الداخلية وسكرتير حزب البعث وقتها بسبب تلك الممارسات الوحشية).
في يوم 20 شباط مساء توقفت سياره أمام منزل إبراهيم الحكاك في الكاظمية وترجل منها بضعة رجال مسلحين طرقوا الباب وخرج لهم إبراهيم مرتديا الروب وملابس البيت حاملا ابنه وميض ووحياهم باتسامته اللطيفة فطلبوا منهم مرافقته فاعاد وميض للبيت وخرج معهم ولم يعد من وقتها لمنزلة..!!
أخذ الرجال ابراهيم الحكاك وتم إيداعه قصر النهاية سيء الصيت مع الكثير من الشيوعيين حيث كانت تمارس وحوش الحرس القومي شتى أصناف التعذيب بحق الاف من النساء والرجال على حد سواء. بقيت والدته المرحومة السيدة أم ابراهيم تراجع بحثا عن مصير ولدها دون جدوى وعند انقلاب الجيش وعبد السلام على البعثيين جناح علي صالح السعدي في 18 تشرين حاول الكثير من العراقيين معرفة مصير ابنائهم وبناتهم ..
وبقي مصير ابراهيم الحكاك غامضا غير معروف ..
وإستمرت والدته تراجع كل الانظمة العراقية المتعاقبة بعد 8 شباط 1963 بحثا حتى عن البجاما التي كان يرتديها إبنها في التوقيف لكي تدفنها كشيء عزيز منه لكنها لم تجد شيئا !
مرت سنوات وسنين وفي الغربة في كندا التقيت باثنين من أعز أصدقاء ومعارف الشهيد إبراهيم الحكاك وهو الصديق إبراهيم الحريري الذي كان صديقة ورفيقه في الحزب في الكاظمية و الصديق العزيز السيد ابو صلاح ( مهدي الرضي) شقيق الشهيد سلام عادل والذي كان أكثر من ذكر لي تفاصيل عن الشهيد إبراهيم الحكاك حيث كان معه معتقلا وقتها في قصر النهاية (الرحاب) ويقول أبو صلاح: ( كنا جالسين على الارض في غرفه مكتضه بالمعتقلين وفجأة نادوا على إبرهيم الحكاك فقام وسار أمامنا مرتديا بيجاما ثم أخذه الحارس وبعدها لم يعد ولم نعرف عنه شيئا وكانت هذه أخر مره رأيته فيها ) ويستطرد العزيز أبو صلاح :( ابراهيم كان ضمن 45 شيوعيا تم قتلهم أثناء التعذيب أو أعدموا وقسم منهم دفنوا أحياء في مكان مجهول ولم يعثر على أي أثر لرفاتهم أو مكان دفنهم.. كان الحرس القومي يتفنن بعمليات القتل والتصفية بحق المعتقلين ).
عندما اعتقل واستشهد ابراهيم الحكاك كانت زوجته خالتي مع إبنه وميض الذي كان يبلغ 4 اشهر من العمر ولم يعرف جيدا أو يتذكر والده ونشأ وكبر بدونه!
..لا يوجد أي قبر له ولا أثر ولا وثيقة رسمية بوفاته ولا عظام ولا أي شيء أو متعلقات شخصية ! مجرد ذكرى من عائلتة ومن محبيه



المحامي يعقوب عبد العزيز
يوم الاختفاء القسري: بغداد17-9- 1972
يعقوب عبد العزيز هو والد الصديقة ليندا منوحين عبد العزيز

ارتبط المكون اليهودي العراقي بتربة وادي الرافدين منذ أكثر من 3 الاف عام حيث تشير الوثائق الى انهم من سكان العراق الاصليون و الى الدور الكبير الذي لعبوه عبر تأريخ العراق حتى يوم تأسيسة عام 1920 عندما شغل أول وزير للماليه في العراق هو المرحوم ساسون حسقيل والذي سبق أن شارك في مؤتمر القاهرة لبحث مستقبل العراق والموافقة على الاختيارالانكليزي بشخص الملك فيصل الاول ليكون أول ملك هاشمي على العراق.
لعب يهود العراق أدوارا مهمة في مسيرة العراق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفنية فبرزوا في مجال الاقتصاد والتجارة كما برزوا في مجال الفن والغناء والموسيقى وبرزوا في الحياة السياسية والنيابية للعراق وإنتمى كثير من يهود العراق الى الحركة الوطنية العراقية كالحزب الشيوعي العراقي ووصل منهم شباب الى قادة وزعماد كالشهيد ساسون دلال الذي شغل منصب سكرتير الحزب الشيوعي العراقي ( للفترة من تشرين اول 1948 الى 27 نيسان 1949) وإنتمى أخرون منهم الى الحزب الوطني الديمقراطي وبرز منهم اطباء مشهورون ورجال اعمال كبار ومحامون وصحفيون وكتاب وكاتبات ورجال مجتمع .
من هؤلاء الرجال برز المحامي يعقوب عبد العزيز الذي كان من الشخصيات المعروفة في المكون اليهودي والذي عرف بطيبته ونزاهته وإحترام الجميع له يهودا وغير يهود والاكثر تعلقة وحبه بالعراق فبرغم كل المأسي التي تعرض لها المكون العراقي اليهودي من معاملة مجحفة وإقصاء وتميز وتنكيل وإعتقلات وإعدامات دفعت الكثير منهم الى الهرب وترك العراق ، أثر يعقوب عبد العزيز هو وزوجته وأبناءه الاربعة( ولدان وبنتان) البقاء في العراق وكان يعلق على ما يمر به يهود العراق بكل تفاؤل بأن (هذه شدة وتزول كما زالت غيرها)!!
تقول إبنته الصديقة ليندا منوحين عبد العزيز ( سكنا مع والدي في بيت جدي وكان منزلا واسعا رحبا في البتاويين قريب من نهر دجلة لكنه في عام 1967 وبعد حرب الايام السته تم إخراجنا من المنزل والاستيلاء عليه من قبل الدولة تحت بند الاموال المجمدة إضطر والدي بعدها الى تأجير منزل في منطقة المسبح).
بعد إستيلاء الجيش وحزب البعث على السلطة في انقلاب 17 تموز عام 1968 عادت مشاكل المكون العراقي اليهودي من جديد حيث يقول الاكاديمي الصديق خضر البصون نجل الصحفي اليساري اللامع سليم البصون (بدأت في خريف 1968 حملة مسعورة ضد يهود العراق على أثرها أعتقل من جديد العشرات من كافة الطبقات الاجتماعية والأعمار وأتهموا بالتجسس لصالح إسرائيل وبعمليات التخريب ثم قامت حملات من الإعدامات والتصفية الجسدية في السجون. في البداية كان اليهود لعبة لترهيب الشعب العراقي وخصوم البعث ).
كان على السلطة أن تستعرض قوتها وتبين قدرتها على البطش باعدائها لاخافة الجميع فكانت مسرحية الجواسيس عام 1969 حيث تمت محاكمة عدد من العراقيين وأعدم 14 يهوديا تم تعليق جثثم في ساحة التحرير مع عدد أخر من المسلمين بتهمه التجسس لاسرائيل! كانت تلك الاعدامات وتعليق الجثث علانية في شارع التحرير وإحتفال جموع الناس من الرعاع بها ، مدعاة رعب وخوف لدى يهود العراق إذ بدأ الكثير منهم يفكر بالهرب خارج العراق.
ويشاء الحظ العاثر أن تلقي سلطات الامن على 93 شخصا يهوديا في شمال العراق وهم يحاولون الهرب وكانوا رجلا ونساء من عمر 95 عاما الى عمر شهر لطفل رضيع..!! وتم نقلهم الى قصر النهاية سيئ الصيت الذي شهد عام 1963 العديد من عمليات التعذيب والقتل..تواردت لاسماع المحامي يعقوب عبد العزيز خبر القاء القبض على تلك المجموعة من العوائل والاشخاص من يهود العراق ..فتحرك مسرعا من خلال علاقاته الكثيرة مع محامين مسلمين وشخصيات عراقية حيث كان رجلا محط الاحترام الكبير بينهم..أحضر بعقوب مجموعة من المحامين المسلمين الى قصر النهاية وتم دفع كفالة كبيرة ( حسب طلب السطات) للافراج عنهم وتم ذلك.
بعد أيام وبينما كانت الطائفة تستعد لعيد الغفران( يوم كيبور) خرج يعقوب عبد العزيز من منزله في المسبح متوجها الى منطقة البتاويين لحضور الصلاة في الكنيس هناك وكان الجميع ينتظرونه لكنه تأخر… وتآخر كثيرا ولم يأتي !!
تشير أكثر الدلائل أن المحامي يعقوب عبد العزيز قد إختفى مباشرة وراء حادثة توسطه للافراج عن المجموعة التي حاولت الفرار حيث إنتشر كلام بين الطائفة يقول أنه قد أعتقل من قبل الامن العامة.
يوضح ذلك “يعقوب كركوكلي “والذي كان ضمن مجموعة الذين حاولوا الفرار والقي القبض عليهم والذي غادر العراق عام 1973 بتفاصيل أكثر:
( كانت المجموعة مؤلفة من93 شخصا حاولت الفرار من شمال العراق وأنني كنت ضمن هذه المجموعة ..القي القبض علينا وأخذونا الي قصر النهاية وتوسط يعقوب عبد العزيز لنا لاجل الافراج عنا بكفالة باحضارة أشخاص ومحامين مسلمين مؤثرين وخرجنا ..لكنهم في اليوم التالي إعتقلوا عبد العزيز وقد شاهدة البعض في قصر النهاية الذي من يدخلة لا يخرج !.هذا القصر الذي تحيط به 2760 جثة مدفونه من حوله بالتأكيد يعقوب عبد العزيز وغيرة مدفونين هناك) !

بقيت الاسرة بعد خروجها من العراق في محاولة الحصول على أية معلومه عن مصيره وبعد إنهيار النظام عام 2003 وسقوط حاجز الخوف والرعب حاولت إبنته السيدة ليندا الحصول على أية معلومات عن مصيره أو حتى قبرة دون جدوى..هكذا ذهبت أثار رجل عراقي نبيل مخلص للعراق لم يؤذي العراق باى شيء وبقي مصرا على عدم ترك البلد متصورا أن ما يحدث ليهود العراق هو مجرد نكسه عابره
..لا يوجد أي قبر له ولا أثر ولا وثيقة رسمية بوفاته ولا عظام ولا أي شيء أو متعلقات شخصية ! مجرد ذكرى من عائلتة ومن محبيه



الصحفي دارا توفيق
يوم الاختفاء القسري: بغداد 5-11-1980
دارا توفيق هو والد الصديقين دلير وسوزان دارا توفيق

في عام 1971 في بغداد كانت هناك عده صحف صادرة معظمها تمثل الدولة وهي الثورة ( جريدة حزب البعث الحاكم) الجمهورية وهي الناطقة باسم الحكومة وطريق الشعب ( جريدة الحزب الشيوعي العراقي) وجريده التأخي الناطقة بلسان الحزب الديمقراطي الكوردستاني اضافة لجريدة تصدر عن القطاع الخاص اسبوعية اسمها الراصد.
كانت “التأخي” اكثر جريدة تنشر بجرأة ملفتة للنظر في تعليقاتها التي تنتقدا غالبا أوضاعا حكومية والتي كان يقتنيها دائما صديقي وجاري الحبيب ابو جوان اكرام حمدي وحريصا على شرائها وقرائتها وإخباري بما كتبته ومن يومها تعودت على المواضبة أنا شخصيا على قراءة التأخي والاهتمام بما يكتبه صحفي وكاتب فيها وصاحب قلم بديع وجرىء إسمه “دارا توفيق “ وخاصة إفتتاحيتها في الصفحة الاولى !
في أحد الايام وفي عام 1972 سألت والدي الذي كان يشغل منصب مدير الاعلام العام وقتها بعد أن أبعد من وزارة الخارجية أثر خلافه مع عزت مصطفى وزير الصحة وقتها وعندما كان والدي سفيرا في لبنان.. سألت والدي أن كاتبا إسمه دارا توفيق يكتب بشكل جرىء منتقدا أوضاعا معينه في العراق في جريدة التأخي…فضحك والدي والذي كان على علاقات عديدة بأدباء وسياسيين ومثقفين كورد منذ الخمسينيات قال لي ( انه صديقي وهو ولد ورده وصاحب قلم وصحفي متميز ) أي شاب رائع ..كان والدي يستخدم كلمه (ورده) مع كل صديق له وأنسان عزيز عليه كثيرا.. لكنني قلت لوالدي ( أنه دائما يحجي على الحكومة كلش زين ما يخاف)!! ضحك والدي مره اخرى وقال ( بابا..ليردوا عليه بنفس الطريقة هذا هو التحضر )!
في أحد الايام كتب دارا توفيق في عمود التاخي في صفحتها الاولى كلاما أثار ضجه وإهتمام كبيرين في الشارع العراقي على ما أتذكر منتقدا الحكومة وممارساتها..(أتصور محاولة إغتيال الملا مصطفى البرزاني) عندما عاد والدي من العمل قلت له (هل قرأت ما كتبه صديقك الكوردي دارا توفيق في التاخي ؟) فاجابني ( نعم ...وخوفي الان أكثر عليه )..مرت سنوات وسنوات أنهيت الثانوية ودخلت الجامعة وغرقت في الحب والزواج من بعدها هموم الحياة وحروب صدام العبثية حتى إنتهيت بمشاكل دفعتني للهروب من العراق اواخر عام 1991 خوفا على حياتي…حيث تركت العراق الى كندا .
عندما عدت بعد التغير الذي حصل في العراق عام 2003 وكانت نهاية عام 2003 قضيت جلسات كثيرة مع والدي أحاول إستعادة ذاكره وطن غبت عنه لسنوات طويلة وأحداثا مرت علينا خلال حكم الرئيس صدام حسين للعراق وقد سألته عن الكثير من أصدقاءة ومعارفه وصحفين وسياسيين بعثيين وشيوعيين عرب وكورد وتذكت واحدا كنت من أشد المعجبين بقلمه وشخصيته فقلت : ( بابا.. هل تتذكر الصحفي صديقك في التأخي دار توفيق..أبو الاعمدة الجريئة؟ أين هو الان لم أعد أسمع عنه ؟ حتى أنني لم أجده مع المعارضة في الخارج؟ ) فتجهم وجه والدي وقال :( ولدي ..لقد إختطفه النظام وقتله كما إختطف وقتل الكثيرين من أبناء شعبنا وخاصة من السياسيين والمثقفين الذين كانوا يختلفون معه… خساره كان صحفيا لامعا وكنت أعرفة شخصيا عندما كان يزورني في وزاره الاعلام أساعدة في حل إشكالات يخلقونها لصحيفته التأخي).!
حزنت وصدمت للخبر لشخص وصحفي كنت معجبا به وأتابعه منذ عام 1971.
كان دارا توفيق صحفيا لامعا وإنسانا نبيلا ومن إسره ميسورة الحال وسيما لطيفا مؤدبا عندما تراه تتصوره انه ممثل سينمائي.. تخرج دارا من كلية الهندسة لكنه عشق الصحافة والكتابة كان في منتهى الثقافة والاطلاع عاش حياتة في أوربا فاكتسب خبره عن العالم والتحضر..كان وطنيا مخلصا لقضية شعبة…بدأت السلطة في مضايقته منذ منتصف السبعينيات حيث كان يشعر بالاحباط من محاولات السلطه تغير موقعة وإسناد مناصب جديدة له مختلفة في وزارات اخري .
يقول الصديق عبد الوهاب الطلباني في هذا(  ..وقال لي دارا بلهجته المحببة : قبل عامين صدر أمر تعييني بمنصب مدير عام الشؤون الكوردية في مكتب المنظمات الشعبية، فلم أتجاوب مع ذلك التعيين وقد قلت للوسطاء الخيريين بانني لا أصلح لذلك المنصب في الوقت الحاضر وصرف النظر عن الموضوع ، وقبل عام أيضا أخبرت بواسطة أحدهم بأن القيادة العراقية ترغب بتسنمي مسؤولية رئاسة مجلس أدارة جريدة العراق فضلا عن رئاسة التحرير ورفضت ذلك في حينه وتكرر ذات الطلب قبل فترة قريبة عن طريق احدهم ايضا فاعتذرت ثانية عن القبول. )

إنضم باختطافه وقتله الى قافله من الصحفيين والمثقفين والسياسيين الذي إختلفوا مع النظام ومع صدام شخصيا فتخلص منهم وبالتخلص منهم أفرغ العراق من كثير من الكوادر والمثقفين على إختلاف انتمائاتهم الاجتماعية والقومية والفكرية حتى وصل العراق الى زمن حكم احزاب الفساد والتبعية والطائفية والتخلف..!
..لا يوجد أي قبر له ولا أثر ولا وثيقة رسمية بوفاته ولا عظام ولا أي شيء أو متعلقات شخصية ! مجرد ذكرى من عائلتة ومن محبيه
———————————————————————————————————————————————————-
المصادر
- علي الحلي ( حوارات ما بعد السقوط 2003 - 2011-2013-2014)
- ليندا منوحين عبد العزيز فلم ( ظل في بغداد) اخراج دوكي درور2018.
- د.خضر سليم البصون: (ذكرى إعدامات يهود عراقيين في بغداد والبصرة) موقع إيلاف 27-12-2017.
- عبد الوهاب الطلباني: (من تراث الثورة الكوردية الشهيد الاستاذ دارا توفيق) صفحة دارا توفيق الفيسبوك17-7-2020.



#حسين_الحلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواقف صحفية محرجة في زمن الحروب على العراق
- صدام حسين والعلاقات مع اسرائيل- شهادة شخصية
- عن زمن الرئيس العراقي احمد حسن البكر


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين الحلي - خرجوا ولم يعودوا