من هم أولاد الحلال ... وبنات الحلال ؟؟؟

ابراهيم علاء الدين

الحوار المتمدن-العدد: 1609 - 2006 / 7 / 12 - 07:42
المحور: كتابات ساخرة
    

منذ ان علمتني جدتي رحمها الله ان افضل دعاء ابدأ به يومي هو " اللهم ابعد عني اولاد الحرام وبنات الحرام ، ووقف لي اولاد الحلال وبنات الحلال" وانا ابدأ نهاري بهذا الدعاء، ولم يتبدل هذا الحال سواء في حياة الطفولة المبكرة ، او في مرحلة الشباب ، أو في مرحلة النضوج ، الى ان كسى الشيب شعري.
ولكن احيانا كنت ازيد عليه ادعية اخرى، حسب الاوضاع والاحوال، لكنه استمر ملازما لي سواء كنت في رام الله حيث ولدت ، او في عمان حيث عشت بعض سني الشباب المبكر، او في الكويت حيث نشأت وترعرعت ، او في نيويورك حيث كبرت ونضجت، او في افريقيا حيث مكثت عاما ، او في امريكا اللاتينية حيث زرت العديد من دولها ، وكذلك الامر في اوروبا حتى صبيحة ذاك اليوم وانا متوجه لزيارة سور الصين العظيم رددت هذا الدعاء عدة مرات ، وكذا الامر في كل مدينة او قرية بدأت فيها يومي في هذا العالم الذي زرت واقمت في معظم مدنه وعواصمه.

اللهم ابعد عني اولاد الحرام وبنات الحرام .. اللهم وقف لي اولاد الحلال وبنات الحلال.. وسوف اواصل ترداد هذا الدعاء حتى آخر يوم من العمر، حتى وان كانت "الدعوات لاتهز الكراسي" كما قالت الزميلة غاده الكاتب في عنوان لأحد مقالاتها.

ولكن وبسسب من خيبة الامل وجدت ان الضرورة تقتضي مني احيانا ان اردد دعاء آخر يسبق هذا الدعاء وهو " يارب .. باسمك العظيم وجلال قدرتك، وانت ارحم الراحمين والجبار العظيم والقادر والمقتدر والرؤوف السميع المجيب العليم ان تستجيب لدعائي وذلك لانه ورغم ملايين المرات التي قلت فيها ذاك الدعاء لم يستجب لي ربي ، وما زلت لم اجد اولاد الحلال وبنات الحلال ، وكلما ظننت انني وجدتهم .. ارجع مهزوما مكسورا .

واكاد اصل الى قناعة ان جدتي لربما طلبت مني ان اردد هذا الدعاء لان تحقيقه صعب المنال ، وبالفعل فان معظم الادعية تسعى لتحقيق امورا صعبة ليست بمتناول أيدي الناس . آ آه ه ... اذا .. هل كان قصد جدتي ان اعرف منذ الصغر ان الحصول على صداقات حقيقية ، وعلاقات انسانية خالصة صافية من اي شرور هو ضرب من الاوهام ، وان الانسان عليه ان يستعين بربه كل يوم لعل وعسى ان يحظى بأحدهم ، وهل كان قصد جدتي ان اولاد الحرام وبنات الحرام هم الاكثرية الساحقة في المجتمع وانهم وانهن سيلتقونك عند كل محطة او مفترق وسيحيطون بك عن يمينك وعن شمالك ، الامر الذي يستدعي ان تستعين بالله العظيم ليبعدهم عنك ..
من اين جاءت جدتي بهذه المعارف الفلسفية وبعلوم الاجتماع رغم انها أمية لا تتركني أنام الا اذا قرأت لها بعض سور القران الكريم.
يقال في الامثال "الرفيق قبل الطريق" ويقال " صديقك من صدقك لا من صدقك" ويقال في العلوم الاجتماعية "ان الانسان اجتماعي بطبعه" وكثيرة هي الاقوال التي تؤكد وتعظم مكانة الاصدقاء واهميتهم في حياة الانسان، لكن لا احدا علمني كيف اكتشف ان هذا صديق صدوق ، وان هذا رفيق صالح ليرافقني في طريقي، ولم يشرح لي احدا كيف يكون الانسان اجتماعيا بطبعه ومعظم الوقائع التي مررت بها بينت لي ان الانسان في معظم الاحيان " اناني، وصولي، انتهازي، كذاب، منافق" اليست هذه الصفات تتناقض مع كون الانسان اجتماعي بطيعه ؟؟ ام ان العلاقات الاجتماعية التي هي من طبيعة البشر يمكنها ان تتعايش مع هذه الصفات الدنيئة ؟؟ ام ان هذه الصفات هي شرط اساسي في الحياة الاجتماعية.

واذا كان الامر كذلك فلماذا كذبوا علينا ونحن صغارا وقالوا لنا ان هناك من هم لا يتسمون بهذه الصفات أو على الاقل لماذا لم يقولوا لنا ان التعرف على البشر من غير " الانانيين والكذابين والوصوليين والانتهازيين والمنافقين " مسألة دونها الكثير من المشقة والعنت.
لماذا السؤال وقد قالت جدتي ذلك بطريق غير مباشر عندما طلبت مني ان ادعو الله بذاك الدعاء ... لكن لماذا لم يستجب لي الله ؟؟ لماذا لم اوفق حتى الان باولئك الناس ؟؟؟

لكن السؤال الذي يرد الى الذهن هو هل انا الذي لم اجد الناس من ذوي الصفات الحميدة...؟؟ ام انني انا ايضا لا أمتلك الصفات الحميدة؟؟، لكن وحتى لو كنت لا امتلك صفات حميدة فلماذا لم التقي بمن يمتلكها ، استطيع ان افهم ان من يمتلكون صفات حميدة استجاب الله لدعائهم ولم يجعلني احد الذين تعرفوا عليهم في طريقهم، لكني كنت ادعوا وانا بكامل النية الحسنة وراغب حتى لو كنت من الناس من ذوي الصفات غير الحميدة ان التقي باناس ذات صفات حميدة لاتعلم واغير من صفاتي غير الحميدة،،
ثم من هم اولاد الحلال وبنات الحلال ؟؟ ما هي صفاتهم أو بمعنى اخر ما صفة الحلال ، باللغة العربية الحلال هو ما حلله الله اي سمح للانسان ان يتعامل معه بشكل او باخر وبهذا المعنى بالحلال هو اقرب الى الماديات والمعاملات منه الى انواع البشر ، فنسمع انه يمكنك اكل هذا الخروف لانه حلال "اي مذبوح على الطريقة الاسلامية" او ان هذه الاموا لحلال " اي انها جاءت عن طرق مشروعة وليست مسروقة او منهوبة او جاءت من خلال لعب القمار او الاتجار بمواد وسلع ممنوعة، فكيف ينطبق مصطلح الحلال على الاولاد أو البنات ؟؟ ولكن يقال فعلا ان هذا ابن حلال والمعني اللغوي الدقيق لهذا للفظ هو ان الولد هو ابن شرعي لابيه اي انه ليس ابن زنى ، اذا المقصود باولاد الحلال وبنات الحلال هم الابناء الشرعيين الذين انجبتهم امهاتهم عن طريق الزواج الشرعي وليس عن طريق الزنى ، وبهذا المعنى فانني اؤكد ان معظم من التقيتهم بحياتي كانوا اولاد حلال وبنات حلال ولا اذكر انني تعرفت او صادقت احدا على الاطلاق "بحدود علمي" من ابناء او بنات الزنى.
اذا فان دعوتي استجاب لها الله من وقت مبكر فاشكره جزيل الشكر على نعمته.
ولكني فهمت من جدتي ان ابن الحلال هو من لا يكذب ولا يسرق ولا ينافق ولا يتسم بالانتهازية والوصولية ، وليس النمام وناقل الكلام والفساد "اي الذي يفسد بين الناس" وليس الذي يستغيب الناس، وليس الذي يصيب اعراض الناس او يعتدي على اعراضهم او اموالهم ، واولا واخرا ابن الحلال هو الذي لا يوقع الضرر بغيره من الناس، اي باختصار فان ابن الحلال هو الانسان الصالح المستقيم المؤمن الامين الصادق والذي يتسم بكل الصفات الاخلاقية التي عظمتها البشرية وكتبها السماوية وتقاليد المجتمع واعرافه.
هؤلاء الذين قصدت ربي بدعائي ان يوقف لي اولاد الحلال وبنات الحلال . ويبدو ان الدعاء يجب ان يكون دقيقا ، وان الاستجابة له تكون على قدر معنى ومفهوم الدعاء ، ولا يقبل الدعاء العام والغامض وغير الواضح ، فما هي الكلمة الجامعة المحدة المعالم التي يمكن وصف الانسان بها وتكون شاملة لكل المعاني السامية ؟؟
يبدو انه وحتى اجد كلمة تجمع في طياتها كل تلك المعاني السامية ساظل اقابل الكذابين والنصابين والانتهازيين والمارقين والضالين والافاقين والمنافقين . فالان فهمت لماذا ذهبت كل دعواتي ادراج الرياح .. لكن هل يدعوني هذا الى التوقف عن الدعاء؟؟؟ لا ابدا ساظل ادعو ربي ان يبعد عني اولاد الحرام وبنات الحرام ، وان يوقف لي اولاد الحلال وبنات الحلال ،، وادعو لجدتي بالرحمة واطمئنها انني ما زلت انفذ تعاليمها ، وها أنا ادعوك اللهم ان تبعد عني اولاد الحرام وبنات الحرام ، وان توقف لي اولاد الحلال وبنات الحلال ،، وكلي امل ان تستجيب لي يا ربي يوما.

#ابراهيم_علاء_الدين (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات