أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - المقامر السخي















المزيد.....

المقامر السخي


محمد الإحسايني

الحوار المتمدن-العدد: 1603 - 2006 / 7 / 6 - 04:18
المحور: الادب والفن
    


أحسستُ أمس بكائن خفي يحتكّ بي عبر حشود المارة بالشارع، كنتُ دائماً أتشوق إلى معرفته، وقد عرفتُه على التو؛ ولو أنني لم أره قبل ذلك.
أما هو؛ فمازال ينتابه تشوق مماثـل،فيما يتعلق بي . وفي الواقع ، رمش إليّ من طرف خفيّ؛ وهو يمر،رمشة ذات مغزىً سارعتُ إلى الإذعان إليها،تتبعتُه بانتباه،وسرعان ما انحدرتُ وراءه نحو بهو تحت الأرض،فاتن، يشع فيه ترفٌ ربما لا يستطيع أي بيت من البيوتات الراقيات في باريس أن يتجهز بمثال يقاربه .
بدا لي غريباً أنني قد مررتُ أحيانا كثيرة، بجانب هذا الوكر المدهش دون أن أهتديَ إلى مدخله.وما انفكّ يسود فيه جو ودّي، ومع أنه خلاب ؛ فهو يكاد ينسيك فورا، ًكل أهوال الحياة المُضْجِرة، ويظل المرء يتنسم فيه غبطة كئيبة شبيهة بالغبطة التي استمر يكابدها الآكلون من وردة النيل لمّا أحسوا؛وهم ينزلون في جزيرة مسحورة، مضاءة بشموس ِ هاجرة ٍ أبدية،لمّا أحسوا تتولد فيهم الرغبة،برقرقات شلاّلات رخيمة مهدهدة،في ألاّ يعودوا أبداً إلى آلهة مساكنهم وأولادهم، وألاّ يصعدوا مجدّداًفوق الأمواج
العالية للبحار.
كان في الوكر وجوه رجال ونساء غرباء، موسومون بجمال أخّا ذ ؛وإن كان يبدولي أنني قد رأيتُهم بعد،
في عهود وبلدان ما زال مستحيلاً عليّ أن أتذكرها تماماً، وبالأحرى، كانت تلك الوجوه تلهمني ودّاً أخوياً يولدُه هذا القلق عادة في صورة المجهول. فلو حاولت أن أحد د تعبير نظراتهم غير العاديّة، بأي وسيلة من الوسائل،لقلت إنني لم أر أبداًتلك العيون تتلألأ تلألؤاًثر نشاطاً من جراء هول الملل،والحرص
الدائم على الإحساس بالعيش.
أكلنا وشربنا بإفراط،، من جميع أنواع الأنبذةالممتازة.
وكان يبدو لي، بعد ساعات عديدة، أن الشَّمول مازالت تذهب به، أكثر ما ذهبت بي، الشيء الذي يكاد يكون غير عاديّ، والحال أن لعبة القمار،تلك اللعبة الفوق طاقة البشر، كانت تتخلل في مختلف فترات الاستراحة، إسرافنا المتكرر في اغتباق الراح، ولابد أن أقول إنني قامرتُ فضيعتُ روحي باتباع شروط وآداب الكسب من أجل الكسب وباستهتار وحماقة متهورين. فالروح شيئ غير ملموس،وفي الغالب، غير مفيدة، وأحياناً مزعجة ؛وإن لم أكابد بالنسبة لهذه الخسارة التي مُنيتُ بها سوى أقل تأثير من ذلك التأثير الذي أكابده لوضيعتُ في نزهة، بطاقة زيارتي.

دخنّا طويلاً بضعة سيجارات من نوع السيجار، نكهته وعطره، لا مثيل لهما كانا يبثان في النفس حنيناً وتوقاً إلى البلدان، وإلى فرص السعادة المجهولة. لقد تجرأتُ لما انتشيتُ بكل هذه المباهج،
على التمهيد للأ لفة بيننا؛ ولم يبد له ذلك التمهيد مزعجاً، فصرختُ مستولياً على كأس مليئة حتى الثمالة: " على نخبك الخالد، أيها الشيطان العجوز! "
تحدثنا كثيراً عن الكون ونشأته،وفنائه المقبل،والفلسفة الشاغلة للعصر،أعني فلسفة التقدم والاكتمالية، وعلى العموم، تحدثنا عن جميع أشكال التبجح البشري، وحول هذا الموضوع بالذات،لم ينضب معين الشيطان الرجيم من المفاكهات الخفيفة التي يتعذر بعضها،وكان يُبين عن أمهات أفكاره، بلطافة إلقاء، وبهدوء في طرافة ، لم أعهد هما في أي واحد من اشهر المحدثين في الإنسانية.فقد شرح لي لامعقولية مختلف الفلسفات التي كانت حتى الآن،تهيمن على العقل البشري؛ بل تفضل الرجيم ليُسرّ إليّ ببعض المبادئ الأساسية التي لايلائمني أن أقتسم فوائدها وملكيتها مع أي كان . ولم يشتك بأي حال من الأحوال،من سوء السمعة التي يتمتع بها في جميع أجزاء المعمور، بل أكد لي انه كان هو بالذات الشخص الأكثر اهتماماً بتخريب الخرافات ودحضها، فاعترف لي أنه لم يخش نسبياً على سلطانه، إلا مرة واحدة ، وكان ذلك يوم سمع فيه واعظا من أمهر الزملاء الوعاظ يصيح من أعلى المنبر:" إخواني الأعزاء، لاتنسوا أبداً عندما تسمعون تمجيد الناس لتفدّم المعارف، أن أبرع مكائد الشيطان،
هو أن يُقنعكم بأن ذلك التقدم لا يوجد " .
قادنا ذكر هذا الخطيب الشهير، بطبيعة الحال،إلى موضوع الأكاديميات، فأكد لي مضيفي الغريب أنه كان لا يأنف في كثير من الأحوال من أن يلهم قلم وكلام وضمير المربي تعاليمه، وأنه يكاد يحضر بنفسه ،في جميع المناقشات الأكاديمية؛وإن كان لا يدرى شخصه ورسمه .
ولما شجعتني طيبوبته المفرطة على الكلام، سألته عن أخبار الله، وهل رآ ه هذه الأيام الأخيرة ، فأجابني بعدم اكتراث مشوب ببعض الحزن:"إننا نتبادل التحية عندما نلتقي بيد أننا كـنبيلين راسخين في النبالة، قد لا تستطيع لباقة فطرية أن تخمد فينا كليا ذكرى أحقاد قديمة.
يصعب التصديق أبداً أن الشيطان الرجيم قد خص شخصاً عادياً بجلسة طويلة،وقد خشِيتُ أن أنخدع بتلك الطيبوبة المفرطة . وأخيراً ، شرع، كالفجر المرتعش، يخطط يباضاً على زجاجات النوافذ...قالت لي هذه الشخصية الشهيرة التي تغنى بها كثير من الشعراء، وخدمها كثير من الفلاسفة الذين يشتغلون على تمجيدها دون معرفتها:"أريد أن تحتفظ مني بذكرى طيبة، وأن تبرهن أن أنا توصف في أقوالكم بكثير من الشر ؛فأنا أحياناً لوام ناه،
لانتفاعي بإحدى عباراتكم البذيئة. وللتعويض عن الخسارة التي لاتقدربثمن، التي مُنيتَ بها في ضياع روحك في القمار،أهب الرهان لك أنك سوف تكسب،إذا كان حسن الطالع لصالحك
أعني إمكانية الخسارة والربح، خلال حياتك كلها، وان داء السوداوية العجيب هذا،لهو أصل جميع أمراضك، وأصل جميع انتكاساتك. ولن تخالجك أبداً رغبة إلا وساعدتك على تحقيقها،ولتسودنّ
على جميع أندادك من السوقة، وستزجى لك المدائحُ؛ بل أناشيدُ الهُيام بك،حتى العبادة، فسيسعـى
إليك المال، والذهب، والجواهر ،والقصور الفاتنة، منقادة إليك، وستترجّاك أن تتقبلها، دون أن تكون أنت قد قمت بمجهود لكسبها، وستنتقل إلى وطن آخر، إلى قطر آخر،كما سيأمرك به هواك
غالباً، وستسكر بالملاذ الشبقية دون ملل،في بلدان فاتنة حيث الجو حار دائماً، وحيث تتضوع
النساء أيضاً طيباً كالأزهار". وأضاف وهو ينهض مؤذناً بالانصراف، في بسمة ملائمة"الـــى
آخره،إلـى آخره..."
لولا مخافة الخزي أمام محفل مهيب، لوقعتُ طوعاً عن رضى ساجداً أمام هذا المقامر السخي لأشكره على سخائه الحاتمي، لكن بعد أن غادرته، خامرني الارتياب الشديد في أمره شيئاً فشيئاً؛
لم أتجر أعلى أن أصدق كلامه عن سعادة خارقة للعادة،وما فتئت أصلي من خلال ما تبقى لي من
عادة بلهاء، مرتعداً، فأخذتُ أردد؛وقد اخذتني غفوة من النعاس:"إلهي، رباه،يا إلهي! إجعل الشيطان يفي بوعده." .



#محمد_الإحسايني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - المقامر السخي