|
البابا شنودة ... كاريزما لن تتكرر.
مريم القمص
كاتبة وصحفية واخصائية اعلام تربوي
(Mariam Elkmoss)
الحوار المتمدن-العدد: 6684 - 2020 / 9 / 22 - 14:11
المحور:
سيرة ذاتية
ربما لم يجمع الناس على شئ مثلما أجمعوا على مكانة البابا شنودة كبطريرك للمهام الصعبة،ومليونية تأبينه أدق دليل.. هذا الرجل الذى كان يحمل صفات مدهشة يلتمسها كل من أقترب منه ومن كان يترقبه عن كثب، أو كان يراقبه عن بعد.. وأهم ما كان يميز خصاله ،، فى عصر تلونت فيه الشخصيات ،، أنها نادرة وشديدة التعقيد فهذا الرجل الروحانى من الطراز الأول كان يخطف الوجدان بكلامه العذب عن رحمة الله و يشعرك برهبة تسرى القشعريره إلى جسدك عند ذكره عدله وقصاصه.. ويعزف على مسامعك بكلمات شعره شديدة البساطة شديدة العمق، متمكناً بقلمه كعازف قيثارة ماهر داخل قاعة صامته.. كان لدى فارس الكنيسة القبطية ومصر والعالم العربي قدرة هائلة على إقناعك..، فقط إنصت له جيدا وأجعل فكرك يخلو من أى إنتمائات تحزبيه ، فكان لديه قناعات دوماً ماكانت مصاحبة بالبراهين، لذا كان حريصاً على الإلتقاء بالمثقفين وبقادة الرائ لتبادل الأراء حول شئون مصر كرجل وطني يعشق بلاده والتاريخ يشهد بهذا ..كانت له بصيرة نافذة نحو المستقبل فالمراقب لتصريحاتة يعلم ما أقصده ،فمثلاً قال قبل إندلاع ثورة يناير (إن الجوع يخلق الثورات). هذا الرجل الذى كان يسبق كلماته نظره تضرع للسماء كى ينعم الله عليه بكلمات حكيمة كانت تخرج منه بميزان ذهب ..،وكثيراً ما كان يجمع البابا شنودة سمتين مختلفين فى آن واحد ، يتجلى ذلك فى حرصه الدؤوب لإظهار التسامح والإيمان المطلق بعدالة الله بعد كل حادثة طائفية فى مصر ، وفى ذات الوقت كان كالأسد الزائر أمام القيادات خلف الكواليس، وقد دفع ثمن شجاعتة أثمان غالية يُقدرها محبيه، فهو ما تم سجنه فى دير الأنبا بيشوى بتحديد إقامتة لأنه رفض حينها التطبيع مع أسرائيل، ويذكر له التاريخ رفضة الواضح لمشاريع القوانين التى كانت تُنشر فى الصحف المصرية للتعامل مع الأزمة الطائفية بجهل شديد آنذاك وقال عنها : أن تلك القوانين تفوح رائحة الدم من بنودها ونصوصها ، مما أدت تصريحاتة تلك إلى الصدام الشائك مع السادات ..وحينما أتى مبارك لم يختلف دور البابا كثيراً فى إمتصاص غضب أبناء شعبه تجاه الحوادث المتكرره، والذى كان بطلها الجماعات المتطرفة المعروفة لدى القيادات ولكنه لم يتخلي يوما عن دوره الصادق للدفاع عن حقوق الأقباط فى مصر وكان كثيراً مايُحسد على قدرته لجمعه أشلاء الأمور المتأزمه فى جو من تخاذل بعض السلطات، ومواجهتة لمساعى العديد من الجهات الأجنبية للتدخل فى شئون المصريين فى ذلك الوقت ،متخذين من تلك القضايا زريعة، فهو القائل : إذا كانت حياة مصر تساوى دم الأقباط فليكن. وربما كان هذا أبرز مايميز كاريزمتة وهو عمله الدائم كصمام آمان للحلول دون إندالاع الفرقة بين أبناء الشعب المصرى.. كان رجلا ذو أفق واسع وفكر مستنير إنعكس هذا على التوسع الأفقي والرأسي للكنيسة المصرية فى دول العالم فصير الكنائس سفارات وطنية مصرية..، ويحسب له السبق كأول بطريرك يزور مقر الفاتيكان منذ القرن الخامس الميلادى. ومن الأمور الخفية عن الكثيرين أنه كان يختبئ خلف مظهره البراق المتوهج "والذى كان يفرضه منصبه كرئيس الكنيسة ،، رجلاً شديد التقشف وهو المنهج المتبع لدى رهبان البرارى حيث يجدون فى إخلاء الذات من الماديات علو وسمو فى تخاطبهم الروحانى مع الله ،،فالتجرد يسير طرديا مع تنقية الذات من المادة وتهيئتها للعلاقة مع الله. فكان البابا شنودة الثالث لا يطلب مالاً لشخصه ولم يكن يهتم لذاته فى شئ ،فكان يستبدل ملابس البطريرك المبهجه بأخرى رثة،يرتديها بعدما تنصرف الأضواء عنه ويعكس هذا كم كان رجلاً شديد التواضع ، لم تكن قوة شخصيتة ثؤثر كثيراً في رقته وخجله، فكان يتعامل مع المدح والذم كميت، لا يؤثر فيه شئ البتة ،لذا كان غير متحابي ومتسامح لأبعد الحدود.. وعندما تتحدث عن الحب فى شخصه الحانى فيكفى أن ترى ذلك فى عيونه التى تحتضنك، وفى نبرته عندما يبادلك الحديث وفى أفعاله التى تعكس دفء مشاعره الفياضة.. يوما قال:أطلب إليك يارب من أجل هذا الإنسان الذى حبك فى جوهرك فى معناك بعيداً عن أى خلاف لاهوتى ،قاصداً بكلماتة غاندى فكان هذا منهجه فى تعامله مع البشر وهو الحب المطلق لكل الناس دون إنتمائات، حتى فى المناوشات والتصادمات الفكرية مع بعض العقول التى تختلف معه داخل الكنيسة وخارجها، لم يكن يستخدم سلطتة البطريركية لمواجهتها، بل كان يحارب الفكر بالفكر .. فقد كان معلماً وشاعراً كان أباً ومسئولاً وكان قائد مغوار وفارساً للفكر ...كان كاريزما لن تتكرر .
#مريم_القمص (هاشتاغ)
Mariam_Elkmoss#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سطوة السوشيال ميديا وتجاعيد جدي
-
المرأة ومعضلة ظل الرجل
-
كورونافوبيا بين مطرقة الخوف وسندان الحب
-
وسادة عم سالم
المزيد.....
-
أول تعليق رسمي إيراني بعد سقوط الأسد: -لن ندخر جهدًا للمساعد
...
-
نتنياهو: أمرت الجيش بالسيطرة على -المنطقة العازلة- في سوريا.
...
-
كيف علقت الأردن ومصر وقطر على تطورات الوضع في سوريا مع سقوط
...
-
الجيش اللبناني يعلن نشر تعزيزات على طول الحدود مع سوريا
-
فيديو يظهر لحظة إسقاط تمثال حافظ الأسد في طرطوس
-
شاهد.. أبو محمد الجولاني يسجد عند دخوله دمشق
-
مشاهد من سوريا بعد سقوط حكم الأسد
-
سوريا على مفترق طرق.. أي مصير ينتظر البلاد ومن الرابح والخاس
...
-
-هستيريا- شوكولاتة دبي.. هل تستمر وتنصف صاحبة الفكرة؟
-
الجولاني يؤكد استمرار عمل المؤسسات العامة بإشراف رئيس الوزرا
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|