أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سؤال سورية الصعب















المزيد.....

سؤال سورية الصعب


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 6626 - 2020 / 7 / 23 - 20:16
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ليست القضية السورية قضية تحرر وطني رغم قوة حضور بعد استعماري من نوع ما فيها، يتمثل في احتلالات خمسة، إسرائيلية وإيرانية وأميركية وروسية وتركية على التتابع الزمني، يتطلع ثلاثة منها على الأقل، وربما خمستها، إلى الدوام. ولا تبدو قضية ثورة اجتماعية رغم قوة البعد المتصل بالفقر وضرورة تأميم مصادر الثورة الوطنية ونزع ملكية نازعي الملكية الأسديين ومن والاهم. ولم تعد ثورة ديمقراطية رغم قوة البعد المتصل بالطغيان وعموم الحرمان من الحقوق والحريات السياسية، ورغم أن هذا هو الخطاب الذي لا تزال تسوغ به نفسها معارضة رسمية ضيعت استقلالها مثل فعل النظام. تبدو قضية سورية موضع إرباك عام لأنها لا تستجيب لخطابات رئيسية انتظم التفكير السياسي حولها في القرن العشرين، الوطني والاشتراكي والديمقراطي. وهو ما يجعل البلد مغموراً تحليلياً، على نحو ما كان سكانه مغمورين سياسياً طوال نحو نصف قرن قبل الثورة في ربيع 2011. لكن عند التفكير في الأمر يبدو هذا حال بلدان أخرى، أو جميع البلدان في واقع الأمر. تبدو قضايا التحرر الوطني والثورة الاجتماعية أو الديمقراطية دوال لغوية عائمة دون دلالات اجتماعية وسياسية محددة ترسو عليها وتستقر. سورية تبدو بلداً قادماً من المستقبل يعرض لمختلف المتحدات السياسية صور الامتناع في حاضرها. وما تظهر في سورية كمقاربات تفسيرية وعملية جزئية ومتقادمة هي واقع يترسخ عالمياً في كل مكان. لا يجد الناس لغة للكلام على شؤونهم الحاضرة، وتبدو صراعات عالم اليوم مستعصية على التأويل وفق لغات الأمس وخطاباته. ويبدو فوق ذلك أن هذا واقع قديم نسبياً لم يُفكّر فيه، وليس ناشئاً لتوه بحال.
لكن ماذ جرى؟ كيف حصل أن استهلكت خطابات كانت تساعد في إدراك الواقع وتوجيه العمل فيه؟ ومن قوض في صلاحية الخطاب المناهض للاستعمار والامبريالية، أو للبرجوازيات التابعة المستولية على الموارد العامة والتي تتصرف كأرستقراطيات مالكة للبلدان التي تحكمها، أو للدكتاتوريات والطغيان الدولتي؟
لا ريب في أن المراكز الاستعمارية السابقة، وهي نفسها قوة السيطرة الدولية النافذة اليوم وإن بتراجع، خلقت بيئة دولية أقل ملاءمة لتحرر وطني معافى في بلدان كانت مستعمرة، لكن في واقع الأمر تدهورت قضية التحرر الوطني أساساً على يد نخب وطنية وقومية جعلت من الصراع ضد الاستعمار إيديولوجية مشرعة لسلطتها المطلقة ولاستئثارها بأنماط ملكية وحياة لا تحظى بمثلها حتى برجوازيات الدول الاستعمارية. يمكن أن يتساؤل المرء بخصوص سورية مثلاً: ترى لو استطاع إيلي كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الذي كان نافذاً في أوساط النخبة البعثية السورية بعد الانقلاب البعثي الأول عام 1963، والذي اكتشف وأعدم عام 1966، لو لم ينكشف أمره واستطاع حكم سورية بدل حافظ الأسد، ترى هل كان يمكن أن يخرب البلد أكثر مما استطاع "عظيم هذه الأمة" وسلالته أن يفعلا؟ ثم إن كان صحيحاً أن الرأسمالية الغربية صعّبت منافسة أي تجارب اشتراكية لها لسبقها التكنولوجي والعلمي ولاستيلائها الواسع على موارد البلدان المستعمرة سابقاً، إن بصورة مباشرة أو عبر عمليات التبادل اللامتكافئ، فإن فشل الاشتراكية يعود أساساً إلى الأحزاب الشيوعية والاشتراكية التي دخلت في سباق قوة لا يتناسب مع الفكرة الاشتراكية قبل عدم تناسبه مع إمكاناتها، وهذا فضلاً عن فسادها وميلها إلى أشكال وحشية من الطغيان. ما كان لأحد أن يدمر الشيوعية أكثر مما فعل الرفيق ستالين، أبو الشعوب، المسؤول عن قتل ملايين البشر، بمن فيهم معظم الرعيل البلشفي الأول. كما لم تنهزم الفكرة الديمقراطية عالمياً بفضل صمود دكتاتوريات في بلدان كثيرة، بل أساساً على يد الديمقراطيات الغربية، سواء عبر أشكال من التمييز والمحاباة الفاضحة للنظم التابعة لها أو المحبوبة منها، أو منذ ثلاثين عاماً عبر أمننة متصاعدة للسياسة، تضعف الديمقراطية في كل مكان. من يقوض الديمقراطية في أميركا اليوم هو إدارة أميركية، عنصرية وفاشية، وهذا بعد استخدام تصدير الديمقراطية إيديولوجية مشرعة لاحتلال بلدين، ما تسبب بدمار واسع فيهما وفي الفكرة الديمقراطية.
يتعلق الأمر في جميع الحالات بتحطيم ذاتي أكثر مما بهزيمة أمام عدو خارجي. النموذج يفسد من رأسه مثل السمك. وهو ما يبقى صحيحاً لو أضفنا عقيدتين مؤثرتين في تفكير قطاعات من الناشطين والمثقفين في مجتمعاتنا، أعني الإسلامية والعلمانية. ما كان لأحد أن يؤذي الإسلامية أكثر مما استطاعت أن تفعل بنفسها، إلى درجة أن يتسائل المرء: ترى لو كان هناك من يريد الكيد للإسلام وإهانة المسلمين إلى أقصى حد، هل كان يمكن أن يخرج بشيء أسوأ من داعش؟ وهذا دون أن يكون الآخرون "أنظم" كثيراً. ولم تفشل الدعوة العلمانية في تقديم نماذج تحتذى في التفكير وفي العمل، لا كأفراد ولا كتيارات، دون أن يكون هذا ذنب أحد من خارجها. بشار الأسد بالذات استطاع أن يتكلم على العلمانية في السنوات الأخيرة، دون أن يشعر أحد من دعاة العلمانية بالإهانة ويرد عليه.
في المحصلة، نجد أنفسنا في أوضاع لا نعرف كيف نسميها، ولا نتعزى كثيراً مما يبدو أن الحال من بعضه أو مقبل على أن يكون من بعضه في كل مكان من العالم، وإن بنسبة كل مكان ومقداره، إن حاكينا صيغة لابن خلدون.
وبينما يعود وضع الأزمة العالمية بقدر من تطبيع أزمة الوطنية والمواطنة السورية، فإنه في الوقت نفسه فرصة لتفكير متناوب، ينطلق من سورية التي هي عالم مصغر بدلالة المحتلين الخمسة، وغير قليل من منظمات ما دون الدولة التي تولدت في غمار حروب أهلية في البلدان المجاورة: لبنان، تركية، العراق، فضلاً عن القاعدة التي هي توأم العولمة،، أقول تفكير متناوب ينطلق من سورية نحو العالم، أو ينطلق من عالم يزداد سورية نحو... سورية.
تبدو سورية سؤالاً صعباً بالفعل. وما يظهر في أي نقاش مع ناشطين حسني النية في الغرب، وكذلك مع متعاطفين من العالم العربي، ليس فقر التفكير في شأن سورية، بل في الواقع فقر التفكير فحسب. فقره في شأن العالم، وليس سورية وحدها. وعلى صلة بذلك أنه ليس هناك كائنات سياسية جديدة تكبر وتنضج وتعد. ليس هناك وعود.
ويبدو أن ما يقوله كوكب سورية القادم من المستقبل هو أن المستقبل لم يعد موجوداً. ليس هناك دروب تؤدي إليه، وهو في الأصل لا شيء غير الدروب. التقدم لا يعمل، والثورة تأكل نفسها أو يأكلها أبناؤها مثلما حصل في بلدنا نفسه، فتستغني بذلك عن أكل أبناءها مثل الثورة الفرنسية والروسية، أو أكل غيرها مثل الثورة الأميركية؛ التحرر الوطني لا يؤطر ما يحدث لأنه لم يعد هناك وطن، ولأن كل محتل أجنبي من محتلينا الأربعة الجدد يجد "وطنيين" مدافعين عنه، منددين بمحتل أو محتلين أو ثلاثة آخرين، بحسب سعة ذمة المنددين، فضلاً عن وصفائهم من المحتلين المساعدين؛ والثورة الاجتماعية ليست في الوارد لأنه لم يعد هناك مجتمع (فقر 90% من "المواطنين" لم يعد فقراً لهم، صار مجاعة وموتاً وطنياً)، وتصور التغيير الديمقراطي لا يطابق ما يحدث لأن أرضية تشكل أكثرية ديمقراطية أو كتلة تجد في الديمقراطية العامة مصلحة خاصة تحطمت مع تمام نزع وطنية الدولة وتقدم نزع وطنية المجتمع في سورية.
يمكن أن نستنتج من ذلك ما يناسب مزاجنا: القنوط والسينكية، أو الشعور بالتحدي ومحاولة الاستجابة الفاعلة له. يشجع على الخيار الثاني أنه أكثر من أي وقت مضى، هناك اليوم شعور يحتد بالمأزق في العالم كله. هذا جديد. هناك سعي وراء وعود جديدة، حتى أن هناك سعياً وراء وعود قديمة أيضاً. ونحن من بين الساعين. لسنا مؤهلين أفضل من غيرنا، لكننا نشغل موقعاً أميز من غيرنا: موقع البلد- العالم. نحن السوريون...



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أناس وأفكار وأزمنة
- الحتمية الطائفية و«تدمير وطن» السوريين: ملاحظات على كتاب نيق ...
- الخلاص العسير: مقدمة الترجمة اليبانية لكتاب بالخلاص يا شباب
- علاقات التعذيب السياسية: التعذيب ونمط إنتاج السلطة في «سورية ...
- أزمة كورونا والعالم اليوم
- مرثية لأمي ووداع متأخر
- أصوات الغائبين: أفكار لإصلاح التفكير
- كورورنا في عالم سوري
- تعبير: الكلمات والعنف والدموع
- دعوة إلى والتر بنيامين
- -ما منحبك-: عن السياسة والحب والثورة
- اعتقال مجدي نعمة وسؤال العدالة
- -منحبك-: عن السياسة والحب
- أرض المَباد: حيث لا صفح ولا وعد
- مقدمة الترجمة الإيطالية لكتاب سميرة: يوميات الحصار في دوما 2 ...
- في المنفى، وفي الوطن والعالم، والكتابة
- رسائل إلى سميرة (15)
- التغيبب كتجربة دينية سياسية
- ما هي الثورة السورية؟
- داعش وغيرها: السلطة الساقطة أو الطريدة


المزيد.....




- الحرس الثوري الإيراني: ردنا سيكون أوسع نطاقا في حال كررت إسر ...
- زاخاروفا تشبه نظام كييف بتنظيم -القاعدة- بعد تصريحات وزير خا ...
- إعلامية مصرية شهيرة تعلن حصولها على حكم قضائي ضد الإعلامي ني ...
- السفير الروسي في سيئول: روسيا وكوريا الجنوبية يمكنهما تحسين ...
- بلينكن يحذر نتنياهو من خسارة فرصة التطبيع مع السعودية
- مصر.. الهيئة الوطنية للإعلام تكشف تفاصيل سقوط أحد موظفيها من ...
- حرب غزة تنسف شعارات الغرب
- زاخاروفا: استنتاجات خبراء العقوبات ضد بيونغ يانغ مبنية على م ...
- صدى احتجاجات الطلاب يتردد في فلسطين
- القوات الإسرائيلية تفجر مباني جامعة الأزهر في منطقة المغراقة ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سؤال سورية الصعب