أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن كامل - حول منظمات المجتمع المدني والعقد الاجتماعي















المزيد.....


حول منظمات المجتمع المدني والعقد الاجتماعي


حسن كامل

الحوار المتمدن-العدد: 1586 - 2006 / 6 / 19 - 11:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد باتت مفاهيم، المجتمع المدني "كنظرية للعمل الميداني"، ملجأ لغالبية المثقفين والكتاب..الخ، وعلى مختلف تياراتهم ومشاربهم الفكرية،وتحولت مفاهيم ("المجتمع المدني"للمنظمات الفعلية) النقطة المركزية المتفق عليها عند كل مختلف مع فلسفة الدولة المركزية وسلطتها السياسيةـ.
هذه الظاهرة تستدعي منا التبصر قليلاً، حول الدلالات من انتشار منظمات المجتمع المدني، ودعاتها وتطرح أسئلة جوهرية لمعرفة الفحوى من هذا التوجه الذي غزى ساحة النضال بعدما كانت حصراً على الحركات السياسية، التي ما كانت تخفي النوايا اتجاه إزالة السلطة بكل مقوماتها. أي هناك نقلة نوعية في بنية الفكر الميداني للعمل السياسي. عند غالبية الشريحة المتحركة في ساحة النضال اليومي.
في حين إن السلطة مازالت في مواقعها..وتمارس سلطتها من دون تغيير يذكرعلى نهجها أو سلوكها وتفرض شروطها على المجتمع "حيث تشاء"..أي بمعنى، السلطة لم تتغير في بنيتها وتفكيرها، بل تتكيف مع متطلباتها اليومية بما يتناسب ومصلحتها النابعة أصلا من موقعها المهيمن في الدولة. إنما المتغير الذي يستدعي منا التساؤل"؟؟!!"، هو هذا التوجه لدى غالبية المتمردين والغاضبين من (المثقفين والسياسيين)، وهم على مختلف مشاربهم الفكرية والأيديولوجية،إنما ولوهلة متفقين على..أو قل ـ كانوا متفقين ـ على مرجعية فكرية واحدة تتمحور حول إزالة السلطة واستبدالها وقد دفعوا ثمناً باهظاً لذلك من ملاحقة واعتقال واغتيال و إقصاء..الخ وعلى مدار عقود من الزمن.
هذا الجديد من التوجه لدى (الساسة والمثقفين) من فكرة إزالة السلطة ودحرها إلى البحث عن آلية للتعايش مع الدولة ـ السلطة. "حيث جوهر مفهوم نظرية المجتمع المدني وأساس عملها الميداني". تفرض بالضرورة علينا قراءة نوعية لتبرر لنا صوابية هذا التوجه وأحقيته في هذه المرحلة.
بيد أن، وبغض النظر عن ما إذا كانت هذه "النقلة" تشمل نقداً للماضي وتبريراً للحاضر،
ـ وهذا ما هو مطلوب توضيحه ـ إنما بالتأكيد تتفق على إن التضاد مازال يتمحور في إشكالية قائمة ما بين المجتمع و"الدولة ـ السلطة". تتوضح الضدية في العلاقة مابين مفهوم الدولة ـالمتسلطةـ وفلسفة المجتمع المدني الذي ينطلق أساساً من مفهوم حرية العمل الميداني المجتمعي اتجاه المدنية، وبموازاة الدولة. هذه الضدية لا تصل في أي حال من الأحوال إلى الإلغاء ألقسري لمفهوم الدولة. بل بالعكس تتمم مهام الدولة وتكملها من خلال ملازمتها وعدم الانفكاك عنها.
إن سجالية العلاقة مابين مفاهيم المجتمع المدني من جهة، و مفاهيم، السيادةـ الدولةـ السلطة السياسيةـ من جهة أخرى، تطرح جملة من التساؤلات. أهمها تتركز على مقدرة الاستحضارات النظرية لمفاهيم المجتمع المدني كفكر قادر على التصويب وتصحيح مسارات الدولة لغاية تفعيل المجتمع باتجاه التحديث والتطوير دون المساس ببنية الدولة كمؤسسة مدنية. ومن هنا ينبع السؤال الإشكالي مابين علاقة الدولة ومن خلال "مؤسساتها" كونها الحاضنة للسيادة والسلطة السياسية، "مع" و المجتمع المدني كمنظمات مدنية؟.
قبل البحث بخصوصية هذا التساؤل، والخوض فيه، لابد أن نستوضح بعض المعايير المعرفية الذي اتكأ عليه السؤال أصلاً ولتكون نقطة انطلاقة لبحثنا عن المجتمع المدني ومنظماته الفاعلة؟!.
علينا الاعتراف على إن من إحدى السمات الأساسية لفلسفة المجتمع المدني، هو عدم اكتمالها "كنظرية" على يد فيلسوف واحد أو مفكر واحد وكما لم تكن متبناة كتجربة على مجتمع بعينه دون الآخر كما هو الحال للتجربة أو "ما كانت تسمى بالاشتراكية" (الاتحاد السوفيتي) أو الدينية (الدولة الإسلامية)، أو القومية، بل إن المفاهيم قد تبلورت خلال قرن من الزمن ق 17/18.ميلادي. بالتوافق مع ظهور الدولة البرجوازية على أنقاض المجتمع الإقطاعي البطرياركي في الغرب حيث ميلاد المفاهيم الأولية للمجتمع المدني بأخذ منحى الاستقلال الذاتي للفرد كفرد مستقل وحر.( نستوضح هذا رداً على الذين يتهمون كوادر المجتمع المدني بأنها بدعة إمبريالية وأداة بيد مخابراتها!!).
إلا أن هذه السمة لم تفقد "المفاهيم" خصوصية الالتقاء لدى غالبية المفكرين والفلاسفة الذين تناوبوا على الكتابة بهذا المضمار رغم خلافاتهم البينية في الرؤى والقراءة التاريخية المؤسسة معرفياً ببعده السياسي الأيديولوجي. على إن المجتمع المدني والدولة متلازمان بالتنامي ولا يمكن الفصل بينهما إلا لدى الماركسيين الذين لا يرون في الدولة إلا كمرحلة انتقالية باتجاه الاشتراكية ومنه إلى المجتمع الشيوعي، عملوا على فصل حركة المجتمع المدني عن ذاته وقسره في الدخول ضمن نمطية الدولة التي لا تعتقد بحرية الفرد واستقلاله إلا من خلال مؤسسة الدولة الآيلة إلى الانحلال الحتمي.
والحقيقة بأن هذه ـ الرؤيةـ لازمت تجربة الاشتراكية السوفيتية وحلفاؤها من دول أوروبة "الكتلة الشرقية" والدائرين في فلكها من الدول التي تبنت نظرية الدولة الواحدة القائمة على نظرية الفرد المنقذ والملهم والمبدع الشمولي، وقد ساهمت هذه التجربة وبشكل ملحوظ إلى إخماد جذوة المجتمع المدني ، لقرابة قرن من الزمن وتراجعت على أثرها حركة النشطاء من العالم، بحجة العمالة للإمبريالية والعداء للدولة الاشتراكية، وتم الحال هذا إلى أن انتكست التجربة السوفيتية والدائرين في فلكها واندثرت، فعادت الحياة ثانية لمفاهيم المجتمع المدني بالانتعاش والديمومة فارضة نفسها كضرورة مجتمعية ملازمة للدولة العصرية.
من جهة أخرى لقد أنتج الفلاسفة رغم اختلاف تلاوينهم الفكرية المكونات المعرفية الكبرى التي بنت المنظومة الأساسية لمفاهيم المجتمع المدني كمحددات سياسية مساعدة في فهم البنية النظرية لمفهوم المجتمع المدني وعلاقته بالمواطن ـ الملكية ـ الديمقراطية.
إلا إن هذا الارتباط الوثيق القائم بين العناصر الثلاث (الملكية، المواطن، الديمقراطية) وبين الدولة (ـ وقد فسحت له صفحات ومؤلفات عديدة طرحت للنقاش والحوار بين فلاسفة ـ قرن السابع عشر والثامن عشرـ)، بغية الوصول إلى صيغة التعاقد الاجتماعي،ـ صحيح من حيث صيغته وحقيقي من جهة محتواه ـ.
انطلاقاً من أن التعاقد الاجتماعي هو شكل اتفاقي تعاقدي بين أفراد المجتمع وشرائحه، مما تطلب ذلك أيضاً و موضوعياً البحث عن الدولة، لا لغاية السيادة المستبدة على المجتمع بل لغاية حفظ شروط الاتفاق والحفاظ على مضمونه المتفق عليه وحمايته من الانتكاسات.
وهنا تكمن قوة ودينامية منظمات المجتمع المدني التي تنبع من كونها إحدى الآليات الفاعلة للحفاظ على الصيغة المجتمعية المتفق عليه بعقد تشاركي من الانتكاس أو الإفراغ من مضمونها الفعلي.بمواجهة سيادة السلطة السياسية.
بيد إن هذا الشرط لا يمكن إنجازه و تحقيقه إذ لم يكن متفقاً عليه ومقبولاً من قبل القائمين على الدولة، ومحصن دستورياً بغية عدم انتكاسه أو تحجيمه..بمواجه السيادة حيث يخشى أن تفرض شروطها وتطرح مضامينها لتحدد ماهيتها وحدودها كأساس لمصادر السلطة، التي تأخذ في إحدى أبعادها وكأي سلطة سياسية الاطلاقية في بسط مفاهيمها النابعة من خلال مصالحها أو مصالح من تمثلهم في المجتمع.
حول السيادة
يذهب فقهاء الحق الطبيعي إلى القول بأن السيادة موجودة في الأصل داخل كل فرد من الأفراد في الحالة الطبيعية إلا أن انتقال المجتمع من مستوى الحالة الطبيعية " ـ حالة اللاقانون واللاضوابط، حالة اللا ملكية، حالة تشوبها التشتت البؤس والشقاء، و الحرب الدائمة، حالة لا تحكمه سوى قوة الحق الطبيعي". إلى مستوى الحالة المجتمعيةـ حالة التجمعات البشرية، حالة التكونات الملكية، حالة تعج بالقوانين والضوابط ..الخ ـ قد ولّدت خصائص وفرضت شروط للاتفاق والوئام داخل المجتمع لاستمرارية العيش المشترك، مما عكس ذلك ضرورة توكيل السيادة إلى الحاكم أو السلطان. وعليه تم التركيز على الوظيفة الضرورية والحتمية للسيادة من خلال مفهوم التعاقد الاجتماعي الذي فرض كشكل منسجم مع مطالب المرحلة الانتقالية.
يؤكد جون لووك "انه من المستحيل قيام مجتمع مدني أو استمراره ما لم يسند إليه وحدة السلطة المحافظة على الملكية ومعاقبة كل من يسطو عليها".
اذاً إن السيادة أخذت بعدها السلطوي بالمعنى الدقيق بالوظيفة وحددت مهامها بالحق في سن الشرائع والقوانين وتطبيق عقوبة الموت وما دونها للمحافظة على الملكية وتنظيمها وتحملت مسؤولية استخدام قوة الجماعة في تنفيذ الشرائع ودفع العدوان الخارجي عن البلاد.
كل هذا استدعى البحث عن المؤسسات كبنية تحتية أولية للدولة لتمرر عبر مكاتبها المخصصة، تشريعاتها، وقوانينها، ولتكون المرجع الثابت لأفراد المجتمع في تسيير أمورهم الحياتية اليومية ولتجعل من هذه المكاتب المكان الآمن والشاهد على جميع اتفاقات الدائرة بين أفراد المجتمع، ومنه تحميه من أخطار الداخل والخارج.
إذا لا نستطيع أن نتفهم الدولة بدون مؤسسات تأخذ من قوانينها الأساس الأولي لتحدد هوية الدولة، من خلال علاقتها مع أفراد المجتمع، وبعلاقة أفراد المجتمع فيما بينهم وعلاقة المجتمع بعمومه مع الخارج لدرء الأخطار عنهم. ومنه تولد التفارق ما بين السيادة ببعده المنفرد للسلطان أو الحاكم وبين الدولة التي تسير بقوانين وتشريعات محددة ومتفق عليها مسبقاً بين أفراد المجتمع حسب العقد المبرم والمتفق للعيش المشترك بعيداً عن السيادة لأفراد قابعين على سدة الحكم.
من الملاحظ بأن العلاقة ما بين السيادة، والدولة، يشوبها شيء من الخصوصية، حيث لا يتم الفصل بينهما لغاية الانفصال ومن جهة أخرى لا يمكن الركون على ادمجاهما كوحدة موحدة في شخصية السيد، أو الحاكم أو السلطان، ففي الحالتين سيكون لهما انعكاسات جمة على المجتمع بعمومه.
بحالة انبعاث السلطة السياسية، نستطيع الجزم كونها ملازمة مع "الدولة والسيادة" فهي المتكوّنة من العلاقة الاشتراطية فيما بينها، لتحدد للدولة شرط الاستمرار، وللسيادة حق البقاء في الدولة، من خلال الهيمنة على المجتمع، بغض النظر إن كانت هذه الهيمنة لطبقة، أو لشريحة، أو لفرد.
ألا أن التجربة البشرية استطاعت أن تلاقي الصيغة المناسبة للتعايش ما بين السلطة السياسية والسيادة من خلال علاقتها مع الدولة كمؤسسة دائمة الاستمرار والتطور بعيدة عن السيادة السلطوية للحاكم أو الفرد الذي قوض استمراره من خلال تداول السلطة عبر شرائع وقوانين تضبط حركة الحاكم مع مؤسسات الدولة. واعتمدت مفهومية اللبرلة السياسية للمجتمع. التي تنطلق من مفهوم الإنسان (الفرد) على إنه أساس المجتمع وجوهرة الطبيعة، ولا يمكن الحفاظ على الفرد إلا من خلال حفظ ملكيته وحريته وعدم الجواز بتفريطها، أو استباحتها كونها، تحمل معاني عظيمة، على حد تعبير بنيامين كونستاين " بواسطة الملكية حضّر الله العالم، ونقل الإنسان من الصحراء إلى المدينة، ومن القسوة إلى الرأفة، ومن الجهل إلى المعرفة، ومن الجهالة إلى الحضارة".
بهذا التعبير يكثف بنيامين رؤية الليبراليين إلى الفرد بعلاقته مع الملكية حيث باتت الملكية الفردية المغذاة الرئيسي للفهم الليبرالي باتجاه المجتمع وقواه الفعلية.
رغم إن هذا، دفع بعض منظري المجتمع المدني والمفكرين إلى التخوف أمثال "هيغل و ميل" وغيرهم، من استجابات هذه الرؤية مع تطلعات السوق، وما يفرزه حرية الفرد بأنانيته الملكية، بتعارضها، وعدم احترامها، مع متطلبات حقوق الآخرين لتعكس الانقسام داخل المجتمع.
إلا إن هذه الرؤية كانت ولحد ما قد توافقت مع التركيبة المجتمعية المغلفة بالمتعارضات المذهبية، والأخلاقية، والفلسفية، والدينية، المتعددة والمختلفة لحد التعارض في بعض الأحيان، مما استوجبت هذه المخاوف لحث منظري الليبرالية إلى اتباع مفهوميتهم الخاصة والفريدة عن الأشكال السابقة للدولة والتي تعتمد على مفاهيمها المستنبطة من قيم المجتمع بخصوصيته الكونية على اتباع منظومة لبرلة المجتمع من خلال اتباع مساراً جديداً لمفهوم التعايش المشترك لجميع الأفراد داخل المجتمع وفق استراتيجية العدالة الاجتماعية كأساس للجميع وتتحول هذه العدالة، ( "كقيمة"، القاعدة التي يتم على أساسها، توزيع المنافع، على المواطنين بما في ذلك، الحقوق والواجبات والفرص المتساوية، دون الالتفاف، إلى اللون أو المذهب أو العرق). والتي تشمل كل "الأطياف والمذهبيات وعلى مختلف مشاربهم" داخل المجتمع.
باتت هذه المفاهيم اللبنة الأساسية للديمقراطية الدستورية من خلال اقرارها قانونية ودستورياً ولتتمثل في النظم الهيكلية للمؤسسات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، كوحدة رئيسية لإلتقاءها مع منظومة الدولة الواحدة.
ومن خلال هذا التوافق استطاعت الليبرالية أن تمنح الاستقرار في المجتمع بنسج معادلة الفرص للجميع وتوحيد القانون الذي يشمل الجميع دون استثناء، أن ترتكز على خاصية التوازي ما بين منح الحريات وتساويها، وما بين الفروق الطبقية في الثروة والممتلكات كحق مقدس للجميع بإطلاق الحريات بقوانين وتشريعات تحدد مسارات المجتمع في:
ـ حرية التجارة والصناعة، وحرية التعبير والاعتراض، وحرية التمثيل ألمجالسي..الخ. على أساس حرية تداول السلطة كإحدى أهم الارتكازات الأساسية، لتجعل الدولة، خارج مضمار الفردية والاستبداد، إلى مضمار الوظيفي الحر.
ـ ومن جهة أخرى عملت الليبرالية "كدولة" على خلفية المجتمع وكأحد أنظمتها على فتح المعابر خلال المكونات التي انو جدت في صميم المجتمع "الكنائس، والجامعات، والفرق، والأخويات..الخ". على إنها وحدات أساسية، تدفع المواطن إلى إتمام قناعاته الخاصة والذاتية فيه ليأخذ الفرد دوره المتمم في الدولة كمعبر إلى المجتمع. أي أن الدولة الليبرالية رأت في كل هذه المكونات المجتمعية جزء من الدولة ومنه حملت لواء الحفاظ عليها وحمايتها مادياً وقانونياً، وأكثر من ذلك تكفلت الليبرالية بتقبل أي متكون جديد يدخل المجتمع على أساس احترام القانون والدستور الذي يقر للجميع بالعيش المشترك وفق محددات الدولة الحرة.
من خلال هذه العلاقة ما بين المجتمع، وحالة التعاقد الاجتماعي، بالتلازم مع السيادة. أوجبت صياغة قوانين متفق عليها بين شرائح المجتمع بكليانيته لتظهر الخصوصية في شكل التعايش ما بين المجتمع الواحد من خلال منظماته المدنية، وبالاتفاق مع الدولة التي ترتضي لنفسها أن تقوم بدور الراعي المجيب والأمين على هذا الاتفاق.
بعد هذه الكثافة من السرد كمدخل لا بد لنا من أن نلتفت إلى ما نحن بصدده متسائلين حول مدى فعالية العمل المدني في ظل غياب الدولة( كما هو الحال لدينا في مجتمعنا السوري). والبحث قدر الامكان "إن وجدت" عن آليات مرنة وقادرة على تفعيل المجتمع لأخذ نصيبه في الحراك للضغط على السلطة السياسية لغاية انعتا ق الدولة من هيمنة السلطة السياسية لتأخذ الدولة ومن خلال مؤسساتها الدستورية دورها الفاعل في المجتمع.
إذا المهمة الأساسية والمركزية باتت أمام منظمات المجتمع المدني هو تفعيل دور مؤسسة الدولة.. وهذا ما سيدفع بالضرورة المواجهة مع السلطة السياسية المهيمنة والتي تعارض هذا التوجه.
حيث تعتقد أي"ـ السلطة السياسية المتمثلة بالحاكم المطلق"،على إن ـ الدولةـ هي..هي..السلطة الحاكمة ومن الصعب أن يتم الفصل بينها كأطر دستورية أو مؤسساتية. "لا نستطيع الفصل بين مهام الدولة وواجبات السلطة المحكومة أصلاً من قبل "فرد" ومن عبره إلى أفراد سخرت كل مكونات الدولة ومؤسساتها الدستورية والتشريعية لغاية الحاكم.
والحاكم، كونه المطلق لا يرى في المجتمع إلا مخير من قبل رؤيته التي تنم عن خصوصيته الفردية الكليانية. مبرراً بأن المجتمع عاجزعن إدراك مصالحه الذاتية والوطنية لذا وبحكم موقعه "كحاكم" فهو المخول على السهر والحفاظ على مقدرات الأمة.
نستدرج إلى القول بان الصراع قد فرض على منظمات المجتمع المدني بالاصطدام مع مقدرات الحاكم أولاً. من خلال تقويض مهامه ومهام حاشيته المهيمنين على مقدرات مؤسسة "الدولة". وهذا يعني عملياً استدراج الصراع حول هرمية السلطة وتقويض فعاليتها في الدولة. إذاً الإشكال مازال قائماً هو..هو..ما بين السلطة كرؤيةـ والمجتمع المدني كفعالية ميدانية. حول فحوى فعالية مؤسسات الدولة حيث هي النقطة المركزية الذي يتمحور الخلاف حوله.
هذا يستدعي بالضرورة من منظمات المجتمع المدني البحث عن عناصر القوى المدنية في المجتمع والتماس مدى فعاليتها من خلال تقبلها في استنهاض مهامها، وبالمطالبة بدورها في المجتمع، والعمل على مواجهة السلطة السياسية لتقويض مهامها وإجبارها على التخلي عن مواقعها في مؤسسات الدولة لصالح القانون العام المتفق عليه مسبقاً كعقد اجتماعي جديد يحقق معادلة التعايش المشترك، على أساس العيش المشترك، دون إقصاء أو تمييز أو تفرقة أو مصادرة لأي فئة "مذهبية" أثنية أو دينية أو عرقية"قومية". بل العمل على صياغة جديدة للعقد الاجتماعي الجديد الذي يعتمد الإقرار العلني بحقيقة المجتمع السوري المتكون من الثقافات المتنوعة بتنوع "قومياته" و"مذاهبه" وقيمها الحضارية المتعددة، والغنية لكل الأعراق والأجناس المتعايشة في المجتمع. نسجت عبر قرون من الزمن لتمنحنا فسيفساء جميلاً وأصيلاً آن الأوان للكشف عن حقيقتها والتعبير عن مضامينها الحضارية.
هذه الخصوصية المجتمعية تعتمد كمعيار أساسي في تطلعات الأفراد والجماعات بالمساواة،لأي عقد اجتماعي حقيقي قادر على استنهاض قواه للمهمة القادمة والعمل على تحصينه بالقانون المشرع بالدستور الديمقراطي للبلاد، لنبني الدولة الحديثة، دولة المؤسسات الديمقراطية الفاعلة التي تعتمد على:
1ـ اعتماد المواطنة الحرة كـ معيار للانتماء الوطني وأساس النظام الديمقراطي الذي ينبني على نبذ جميع أشكال الإقصاء وحكم الوصاية ونبذ العنف تحت أي ذريعة كانت وفي أي زمان ومكان.
2ـ ضمان حق العمل السياسي لجميع مكونات الشعب السوري. واعتماد التعددية السياسية حق مشروع ومصان قانونياً. وهي الأساس الديمقراطي لصيانة حق الأفراد والجماعات والشرائح على اختلاف الانتماءات الدينية والقومية والاجتماعية، عبر حرية الترشيح للانتخابات الحرة والعلنية.
3ـ اعتماد الديمقراطية كقيمة والدفاع عنها واجب دستوري محصن كأساس تبنى عليها مبادئ الحرية والمساواة والسيادة الوطنية.
4ـ حماية الملكية الخاصة أساس مقدس معتمدة للأفراد ومحصنة بالقانون والدستور.
5ـ إطلاق الحريات العامة في التعبير والمحاسبة. والاعتماد على حرية الصحافة والإعلام كسلطة رابعة مصانة بالدستور.
6ـ الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية و شرعة حقوق الإنسان العالمية.
7ـ الاتفاق على قانون يحدد فترة الحكم وشكل تداولها وآلية ممارستها، ويثبت بالدستور.
8ـ إبعاد الجيش عن السياسة، وحصر مهمته بالدفاع عن الحدود الخارجية للبلاد وحماية نظامه الديمقراطي.
9ـ تنشيط منظمات المجتمع المدني وإطلاق العنان للمنظمات الشعبية والنقابية والاتحادات وإفساح المجال أمامها لتأخذ دورها الضروري في تفعيل المجتمع بالتلازم مع مؤسسات الدولة الديمقراطية وحماية وجودها شرط استمرار الدولة الديمقراطية.
10ـ تحرير النطق الاقتصادية، من وصاية الدولة وتوفير الشروط اللازمة لتنشيطها عبر حركة السوق الوطنية.
11ـ الاعتراف الكامل وغير المشروط لجميع مكونات المجتمع السوري، دون استثناء "القومية" و"المذهبية" ودعمها في التعبير عن ذاتها، للحفاظ على ثقافتها ولغتها لتأخذ دورها الوطني المهم في إظهار هوية الوطن الثقافية.
12ـ الإقرار بالغبن التاريخي الذي لحق بالكرد في سوريا كثاني أهم قومية متميزة بخصوصيتها في المجتمع وبكونهم جزء من أمة منقسمة، والعمل الجاد والفاعل لحل القضية الكردية في سوريا حلاً عادلاً وشاملاً بما فيها حق تقرير المصير إن رغبوا بذلك، وبضمانة القانون والدستور.
13ـ حل قضية المحرومين والمكتومين والمجردين من الجنسية السورية من الأكراد وغيرهم من الذين سقطوا في لوائح التعسف. وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم تعويضاً كاملاً.
14ـ حل مسألة المبعدين وعودة المنفيين عودة كريمة ولائقة بمكانتهم الوطنية وتعويضهم تعويضاً كاملاً.
15ـ فصل الدين عن الدولة. وإقرار حق العبادات كمدخل للحرية الفردية.
هذه المحاور وـ"قد اضطررنا إلى تفصيلها بعض الشيء لنستوضحها دون الادعاء بأنها مكتملة" ـ ترتكز أساساً لأي تطلع مدني لدستور الدولة القادمة، مما يستوجب البحث الجاد من قبل الفاعلين والقائمين على منظمات المجتمع المدني للخوض فيها واستبيانها من خلال النشاط الدائم والفاعل لإقرارها كثقافة مجتمعية أولاً، لتكون بديلة عن ثقافة الأوحد الضيق الذي ما حل إلا أن فتك بالمجتمع في مستنقع التهميش والضياع.
من خلال ما فردنا من تطلعات نلتمس حجم المهام الموكلة على القوى الفاعلة في حقل منظمات المجتمع المدني..الشعبية منها والمدنية والحقوقية ..الخ. دون استثناء بمواجهة السلطة التي لا ترى في إحقاق أي بند من تلك البنود إلا خسارة وتراجع لمواقعها. وهذا مفهوم لحد ما.
إنما التساؤل الأهم الذي يستوجب النظر فيه وطرحه:
هل القائمين أو الداعين من نشطاء المجتمع المدني في سوريا وهم على مختلف تياراتهم ومشاربهم الفكرية هل هم مهيئين و متفقين من حيث المبدأ على النظر إلى هذه البنود والخوض فيها؟!!.
هل هم حقاً يملكون مشروعاً مدنياً قادراً على ترسيخ ثقافة المجتمع المدني واستدراجها إلى المطالبة الجادة من السلطة؟!!.
وإن كانوا يملكون هكذا مشروع أما كان من الأجدى أن يطرح للعلن ليأخذ نصيبه من النقاش والحوار المعمقين داخل المجتمع.؟!.
وهل؟!!.وهل؟؟!. وهل؟؟!...تتراكم الأسئلة لتلتف حول المعضلة الأساسية التي كانت دائمة الحضور منذ أيام التكتلات السياسية والصراع الإيديولوجي الذي كان يخيم على ذهنية القائمين على العمل السياسي في المجتمع والتي ساهمت رغم كل الخسائر والتضحيات إلى ترسيخ السلطة في هيمنتها دون أن تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام لصالح المجتمع.
لكي لا يعيد التاريخ نفسه ولكي ننأى عن ما سنخسره في المستقبل من جهد وكفاح وطاقة، ولكي نبني وطناً مزدهراً ومواطناً حراً...
آن الأوان لكي تلتف كل القوى على طاولة بحث (تاركة وراءها كل مخلفات الماضي من آراء مسبقة وقناعات و..) للاتفاق حول مشروع وطني مدني حر لا لبس فيه ولا إقصاء لأحد تعتمد المواطنة الحرة معيار الانتماء الوطني وأساس النظام الديمقراطي.



#حسن_كامل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الحالة- الكردية والاستراتيجية الإسرائيلية


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن كامل - حول منظمات المجتمع المدني والعقد الاجتماعي